استكمل الأديب أمين صالح دائرة ممارساته واهتماماته السينمائية بكتاب صدر حديثاً يقرأ فيه بعض الأفلام التي حظيت باحتفاء وتقدير عالميين، ويعرج فيه على تناول بعض القضايا والاتجاهات السينمائية العالمية. فيكون بذلك قد أضاف إلى ممارساته السينمائية من خلال كتابة السيناريو، واهتمامه بتقديم بعض عيون السينما العالمية من خلال الترجمات، والعروج على بعض التفاصيل الفنية النابعة من ممارسة الفنانين أنفسهم للتمثيل، مع تقديم يوميات أحد أساطير السينما العالمية المخرج الروسي أندريه تاركوفكسي لقراء العربية، وإلقاء تجربة فنية وفكرية متكاملة مع أحد عمالقة السينما العالمية وهو المخرج الإيطالي فردريكو فللييني بين يدي المهتمين والمتتبعين للشأن السينمائي.
وأمين الذي أكمل الدائرة، يحضر حالياً لكتاب جديد في هذا الباب حول تجربة المخرج اليوناني الفذ ثيو أنجلوبوليس، يكون هذه المرة، وفي آخر كتبه المطبوعة «الكتابة بالضوء في السينما.. اتجاهات، قضايا وأفلام» يبدد تصريحاته السابقة في غير سياق بأنه ليس بناقد سينمائي، وهو القول الذي ما انفك يردده دائماً، مستبعداً أن كتابته تنحو هذا النحو، وإنما تأخذ سمة التعريف، وصفة التقديم.
وفي الكتاب الجديد شواهد شاخصة تنفي ذلك على الأقل من خلال قائمة الاختيارات للموضوعات والعناوين والأفلام التي اقترب منها ومن مخرجيها، بما يعكس ذائقة مشاهد حساس لا تفصله عن حساسية الناقد مسافات تذكر.
الكتابة بالضوء خرج إلى النور عبر بوابة نادي المنطقة الشرقية الأدبي بالسعودية، وذلك على هامش مسابقة الأفلام السعودية التي نظمها النادي في الفترة من 20 حتى 24 مايو/ أيار ,2008 وكان أمين قد ترأس لجنة التحكيم في مسابقة الأفلام القصيرة التي احتضنته الدمام. وهو مقسم إلى ثلاثة أقسام أو أبواب. الأول، وبه تقديم لبعض المخرجين السينمائيين، وتعريف بأعمالهم وإنجازاتهم. والثاني عن بعض القضايا السينمائية، فيما يحتل القسم الثالث من الكتاب نصف عدد الصفحات البالغ مجموعها ,352 وهي مخصصة للحديث حول بعض الأفلام التي شكلت أحداثاً لجهة المقاربة والمعالجة الفنية والتقدير الفني.
والكتاب الذي لا يبدو متماسكاً في محتواه قياساً بمؤلفاته السابقة لجهة تنوع موضوعاته، يعكس في الوقت نفسه موزاييك اهتمامات أمين صالح السينمائية، التي تأخذ منحى التعريف حيناً، والنقد حيناً، والترجمة حيناً آخر. والكتاب حاصل مجموع هذه الاهتمامات التي تتجول محتوياته في مشارق السينما ومغاربها. ففي القسم الأول يقدم أمين لبعض المخرجين العالميين، من خلال رسم بروفايل شخصي لكل واحد منهم على حدة. ويختلف التكنيك في ذلك، بين تجميع الشهادات وبين ترجمة بعض الحوارات المتميزة التي تحمل صبغة التعريف، وتقدم معرفة بالتفاصيل السيرية والفنية، ورؤية المخرج للحياة والفن. وفي هذا القسم يقدم أمين بالتعريف لسبعة مخرجين من روسيا، بولندا، إيران، أسبانيا، فرنسا، وأميركا. وهم: أندريه تاركوفسكي، كرييشتوف كيشلوفسكي، عباس كيرستامي، فيكتور إيرثيه، جورج فراجو، بستر كيتون، وشارلي شابلن. وإضافة إلى المخرجين جاء الكتاب على ذكر المصور السينمائي الإيطالي فيتور ستورار بوصفه أشهر المصورين في العالم، وهو الذي وصف عمله بـ «الكاتبة بالضوء». أما القسم الثاني من الكتاب، فيتطرق فيه أمين للتقاطعات بين السينما كفن وأجناس فنية وأدبية أخرى أثرت السينما وتركت بصمة فيها مثل الرواية والموسيقى والتشكيل، هذا فضلاً عن ذكر التمايزات. وهنا حاول أمين مستعيناً بتجارب فنية ضالعة ترسيم حدود الإفادة والإثراء، مع إشارات مقتضبة للاختلافات. ثم ألحق العلاقات الفنية هذه بمقالين بانوراميين عن السينما الهندية والمصرية، وبدت فيهما جرعة النقد شاخصة أكثر من أي شيء آخر. وكان الختام بمقاربة مقتضبة لعلاقة الجمهور بالفيلم من حيث التلقي.
والفصل الأخير الذي سطا على نصف محتويات الكتاب - تقريباً - هو عبارة عن قراءة أمين في نحو 20 فيلماً تم تحقيق السواد الأعظم منها في السنوات الأخيرة، مثل: دوغفيل للدنمركي لارس ترير، المبنى الروسي لسوكوروف، والأندرجراوند للبوسني أمير كوستوريكا، والريح سوف تحملنا لكيارستمي، وقندهار لمواطنه محسن مخبلباف، ويد إلهية للفلسطيني إيليا سليمان، وسواهم من مخرجين من آسيا وأميركا الجنوبية، ممن تناول أمين معالجة بعض أفلامهم والتعريف بهم، مع المراوحة مرات عدة إلى تقديم لمحات ونبذ عن المشهد السينمائي بكليته في هذا البلد وذاك.
يذكر أن لأمين في هذا الحقل ترجمة لكتاب السينما التدميرية لعاموس فوغل ,1995 والوجه والقناع في التمثيل السينمائي ,2002 والنحت في الزمن - أندريه تاركوفسكي (ترجمة) ,2006 وحوار مع فدريكو فلليني- جيوفاني جرازيني (ترجمة) .2007
الوقت
8/6/2008
العدد 839