***

إبراهيم حسو


صدر له : الهواء الذي أزرق 2003

الطيور تغرق في الشعر

إبراهيم حسوالتاسعة من عمر مضى
سقطت في صحراء.. وكنت قبل ذلك سقطت في أرض
مغناطيسية سريعة الذوبان..
الليل ونظيره النهار غير موجود أبدا على هذه الأرض
النجوم التي تلتصق بالسماء كانت بلا جدران أبدا.

خلق هائل يذوبون من الضحك
أفواه من الشمع
تتجمع وتنهار .
روح تطير وتعربد سكرانة في الغناء الموحد لأشخاص
لا ملمفهوم، .. الأرض وديعة وسعيدة العشب كأنها
تتألم ..
السماء _ آه من يراها وقد تقسمت إلى ينبوع
من كرز غير مفهوم، !

روح سكرانة

بقيت معه، ريف
عشت معه، نفضت يدي الكبيرة عن أوجاع الورق .
وهي تهدر هنا وهناك .

بقيت مع بازيار، وبقيت باآخر.مع أشجار وهمية
لا منافس لها .. سواء أكان طيرا أو حيوانا آخر .

بازيار ضربتني وخذالضياء.ف الأول والوحيد على شباكي
كان مجمدا منذ قرون ..
عنيفا ومذهولا من الضياء . !

السر أنه الخريف

لا مؤانسة تخفي ألاعيبي
لا الغيم.ي الشجر، أنها سعادة الورق،
عنفوانها الأزلي، طفولتها القديسة ..

إنه الخريف المؤانس الوحيد للورق المعافى من صدمة
الغيم .
لا كلام.عطائك للإرهاب إلا حرب من كفرك للجسد
لا زعل ..لا كلام .. لاحب .. لا استسلام، لاغيري.
لا شبح يفتح الأرض، فتخرجين إليّ نصف مشلولة
بعين واحدة، وبخفافيش ترعبني وقتما أشاء
أنت طفلة بعمر طائش
ولد دهسته أرملة من بلاد قريبة
شاعرة منذ ألف سنة ..
تكتبين عمري الذي يكمله غيري ..
أنت قصائد معدنية في زورق يمشي إلى بلاد الشيطان
فأغرق أنا هنا .. وأنت تنسين الحديث عني هنا
أنت من نحاس صلب . مدّمر بين القبلة واللمسة
السحرية على شجر شرقي بعيد . !

***

إبراهيم الجبين

صدر له " براري " 1994
" يعبر اليم " 2004

وصالْ
[ على ماءٍ...... تورقينْ]

كمان...
عازفٌ كضربةِ سكيّنٍ باللّون الأحمر على شاشةٍ سوداء...
نغمٌ أصفر...
استداراتٌ مفاجئة للعازف الذي بسرعةٍ... بسرعة..
يعزف "تفريد الكمان" من بحيرة البجع تشايكوفسكي.

طائرٌ فردوسيٌ
يتنفس بعمق...
بهدوء...
وحَدهُ

عينان لحظُهما حائرٌ
بين كونَين أحدهما يأتي الآن ولا نراه
والآخر نراه الآن ولا يأتي..

لا تقذفي الجمرةَ في اللَّيل
لا تقذفي الجمرة قربَ رأس الحصان الأسود
يفتح عينيه..
نيزكٌ يعبر قربَه.... ببطء.

على ماءٍ

تورقينْ...
نَفْسُكِ نفسُ ذئبٍ... ليلُك النبيذُ
والنجوم طيورٌ تخفقُ في البعيد
واللّيل طويلٌ بلا نبيذ... وبنبيذٍ أيضاً.

ترفع جفنيها إلى أعلى
كأنما يُضاء معبدٌ من حجر بإشراقِ روحٍ خارجةٍ
من صيام آلاف السنين
ترى الأرضَ جامدةً.. ولا أحد... فقط منازلُ القمْر
آثارُه.. رمالهم.الهادئ.... يعبرُ...
صوتُ نايٍ قريب...
تنهيدةُ من يعزف.

جانٌ تهربُ من آثار الخطى... مسُّ كلامٍ سريٍّ
في الحبّ... وسبعُ رياحٍ تحمل ما لا تحمله الريحُ
يدان تنفردان على القلقِ... بينهما غيومٌ من طيور...
نَفْسُ ذئبٍ... تركض في فجرها...
تخطو على ترابٍ من غيوم...

ضيوفْ

نزلوا في وادٍ قربَ دمشقَ...
يشبهون سّكان الكتب القديمة المخطوطة باليد..
معهم كلاٌب بيضاء وجمالٌ بيضاء.. صغارهم بيضٌ
وخيامهم بيضاء..
لم أكن هناك... ولكن تراءت لي وقائعهم..
ديكٌ أبيضُ ينادي... كشفوا عن رؤوسهم...
الشَّعر وإنسانُ العين... رمالهم ... اله:ء...
الشمس... عرف الديك... وتد الخيمة... الهواء..
النبات.. العالم.

***

أحمد ديبو

صدر له : الماء البارد 2000

بأرواحهم بللوا الشتاء أعواما،

ينفضون السراب عن ثيابهم ، أو يتبادلونه بلا وجهٍ كشهوة.
ما يحزنهم أنهم أحبوا أعواماً ، ولتوهم تذكروه البارحة .
ما يحزنهم أيضاً ، اختناق الملامذاكرتهم.ورهم ردوم الوقت.

لتوهم أزاحوا نبوغ الفتنة عن امرأة تهتدي تواً إلى ملامحهم .
حذفوا كثيراً من ندمهم ، زوروا ظلالهم ،
من أجل امرأةٍ تسلقت لتوها خسوف ذاكرتهم .

غباراً...
غباراً ... طحنوا ظلالهم ونثروها عالدروب.ب .الموت. شكلاً عادياً سيرافقهم حتى الموت .
ذهبوا وما تركوا أثراً واضحاً يدل عليهم، إلا حفنة - نوايا مقفرة-.

2

ولدوا خلسةً بين الأشياء ، حشوا الأطباق شرائح جوعهم .
النهار الذيالضوء،على الشرفات ينسدل عليهم وحبال الغسيل أيضاً .
تهزه الريح ..
لا تحجبه الحواس .
الحواس التي ترسب بصيصه المملوء بالوقت في مسامهم .

تعرفوا على الضوء ، عندما اصطدموا به ، يسيل على جلودهم ،
تنزلق نظراتالفضاء،.
خيالات الأمكنة ... تقودهم سهواً إلى قاماتهم السرية.
ما يغيب في الفضاء ، خيالاتهم المقبلة.
خيباتهم بعد فوات الأثلج.ن تسقط ..
بيضاء / كما لو أنها ثلج .

عند المساء ...
جلسوا ينخلون ظلالهم على العشب .
تذكروا،يروا السعال المعضوض بأسنانهم المهترئة ، أضاؤوا حواسهم بالمصابيح ليلاً.
من نعاسهم أو من كلامهم يخرج الغبار ..
الغبار الذي هو خراب النوايا / دمار الملل.
الحمقى.
عبثاً بللوا الشتاء بأرواحهم، عبثاً أغلقوا أحلامهم عليهم وارتحلوا
بعيداً جداً
عن أسمائهم .
وعبثاً... تذكروا ، ما انهار من أحلامهم / أحلامهم المقبلة .

***

أحمد محمد سليمان

أحمد محمد سليمانصدر له :
غنائية الموتى فوق هامش الممالك 1993
خدر السهو 1996
الحفيد السري "أورهان أوزباي" 1996
زهور النار/ من الألف الثاني في الكومنولث تحديداً 2001
أتشكل / آخر الحي الاثني أول النفق المزدحم 2002

بورتانيغرا - قرأت في رواية سأكتبها

لست أنشغل، مشغول فحسب، لم أفكر بك قط
.لم أفكر بنفسي حتى
أنشغل بالأبنية التي عادة تحويني
كذلك بالمارة فيما يجوبون أرصفة لاتليق بي
.أرصفة لن تفهمينها وان وطأتها

عودي إلى فوضاك
.لن أرجوك بالمطلق

...فوضاك
لن تشفى منها أعماقي
يافوضاك، وأنت
أهربا معا
كي لايجف بصري

ابتعدي وفوضاك عني
لأنني أنشغل بتفكيك منام عشته

لن أدخلك منامي
كما أنني لن أخاصمك
.لكنني مشغول يا امرأة
مشغول بالليل وبخلوتي
أنشغل عنك إلى أن يهبط النهار
مشغول بالنهار أيضا،،، ما رأيك ؟؟؟

سأبحث عن سواك ربما
بين المارة
أو في المترو المعطل

كل ذلك
كي
لا
أصل
.الجحيم الذي يرميني بك
،لن أقف هناك
عذرا
.من فوضاك
لن أقف بالقرب من المدخل الروماني
حيث جئتني بصديق أظنه يحبك

لذلك أجلس، مذ حينها أجلس ولن أبارح مطرحي

كي لا تلتقينه
بدلا منى

وأنت الليلة مشغولة، هكذا قرأت في روايتي

وتقولين: أن العالم دوخك،
وان الرجال كما لو أنهم قطعة ثياب رخيصة
- طبعا تشيرين إلى مجنونك الجالس في مرآتك -

حيثما جئتني بملاك دوخك
وأيضا أدخلني هلوسة لم أفهمها

ألم أقل لك أنني مشغول
بدورك مشغولة، هكذا تفيد ثيابك

كذلك زجاجة العطر النسوي
أذكر أنني جلبتها لك بثمن كتاب ندمت علي بيعه

وأنت مشغولة، تماما مثلي
وتقولين بأنك لن تفكرين بسواي

،لكنك ككل ليلة مشغولة بمرآتك
وقلت في الصفحة الثالثة من روايتي
، أنتم فلاسفة العدم قلت،
، أبناء زانية، قساة، أجبتك -

نصحتني حينها كي أذهب إلى أشعاري
،لم أفعل، سوى أنني، أخلد في واحدة منها
وعدك ألا أوبخك

ألا أكتب عنك، كما فعل مجنون الزا
- اشتعلت غيضا - قالوا لي
ثم رأتك مخيلتي تضعين الصندل
على كتفك
مذ حينها
أعتقد بأنني مشغول
يا امرأة
بفوضاك التي لاتعرف الطريق
إلى بوحي
بالأزقة الموحلة
والبلاد المحتلة بدماء الماضي

اهربي،،، لن أكون فريسة أبدية -
اذهبي، حيثما تهدأ ظنوني
-لن تكوني ملكة - تقول الرواية
، ولا جارية حتى

كما تعلمين أن عالمي تسكنه طيور بشرية

اهربي
يا كائن حر

لن أقرأ بعد اليوم رواية لم تكتب
كما انك لن تكونين
امرأة اعرفها
ولن تشبهين فوضاك
، اهربي
كي لا أطلق عليك طيورا تسكنني
انزعي صوتي
عن مسمعك
كذلك امسحي أثرك عني، فيما أجلس هنا
لأنه لدي دروس لن أتعلمها
لأنني قرأت أغلبها في ال بورتانيغرا
ثم أنني لن أكتب عنك
لأنك لست ملكة أوجارية، ثم أن فوضاك ملفقة

ولأنني مستعجل ، لدي الكثير من النوم

ابتعدي عني،،، سأغمض عيني كي تتواري
هيا اهربي
يتها العالية كسوري تهتف

كسوري، بلاغتها مميتة.... كسوري شوارع أهرع فيها
، كسوري نفق لن أشفى منه

، اهربي
لست طائر يحويني
.طائر وقليل من روحه تسكنني

***

أديب حسن محمد

صدر له
موتى من فرط الحياة/ 1999
إلى بعض شأني2000
ملك العراء/قصيدة2003
وثامنهم حزنهم2004

ملك العراء

لا شكَّ كُنتُ حديقةً…..
وإذاً
…فأين نسيتُ خضرتي الأصيلة..؟؟
أين حطَّ الفجر أرصدة الندى..؟؟
بلْ كيف صارتْ مقلتاي
محجّ قافلة الظلامِ..؟؟
وكيفَ راودني اليباس
وغُلّقتْ أبواب صوتي؟؟
كيفَ …
كيفَ تناهَبَتْني ميتتان ْ..؟؟
الطينُ
عادَ إلى الطفولة مثخناً
والروح
فوق بياض صمتي
شمعدانٌ من تعبْ
أضغاثُ أزهار
على جفن الحديقة
إذْ تشّهاها المنامُ…..
حديقةٌ من لازوردِ يفاعتي
أيام شرّدني الرصيفُ
ومَالَ نخلُ اللاذقيّةِ
فوقَ "جولييتَ "
التي فتحتْ
محارَ رجولتي
هل ترقصينَ..؟
سأَلتُ..
ردّدها الفراغُ
وراءَ قلبي سادراً

خُذْ خصْرَ أُمنيتي إذاً…!!
ورأيتُ
ما شلَّ الحروف على لساني…….
....
نجمةً
سَطَعَتْ على شطّ الجبينِ
وكوكبينِ
تقاسما فلك المُقلْ
فلاسْتَرِحْ……
ولتسْتَرِحْ يُمنى اليدينِ
من التعلّلِ بالكتابة
والجُمَلْ.
وليسترِحْ أيضاً خرابي
ذارِفاً دمعَ الحجارة
والطللْ.
فلربّما
إنْ نِمْتُ في ثوب الدريئةِ
غافَلَتْني مقلتاك النجمتان
وراشقتني بالقُبَلْ.
ما زلتُ أحْتَفِنُ الهواءَ
أقولُ
أنّي مالك الحزنِ الثمينِ
وصولجاني
من قَصَبْ.
لو ينزِفُ الأمَلُ الغبيّ من المسامِ
ولو مضى بالحلم راوية الظلامِ
ولو غَدَوتُ
سوى المصّفَدَ في زنازين الرزانةِ
أو خَلَعْتُ نعال أمنيتي هنا
ودَخَلتُ
صومعة اللهبْ.

**

يُروى بأنّي لمْ أكُنْ
وإذاً فكيف تقاسموني
حالِمينَ بقطْف قلبي..؟؟
كان موتي ساهراً
مثل الظلام
حول مهدي
كنتُ أجزله العطاء
بلا سبَبْ.
وسألتُ…
تسبقني حياتي..
كمْ تُرى
أُلْقِيتُ في جبّ الأخوّةِ..؟؟
كمْ لبثْتُ جُنيبَ كهفي
ناطِراً عودَ الرفاقِ الميّتينَ
ليخبروني
…أيّنا أزكى طعاماً لليبابْ..؟؟

لكأنّني:
ظلال بيتٍ
أخوةٌ
يتنازعون على الفراغِ
وجدّةٌ
وُلِدَتْ عجوزاً..!!
أصدقاءُ يغادرون إلى المنافي
لاهفين على الغيابْ.
أَوَلَمْ يكن للموت
قبضته المضيئة
في ظلام الشكّ
يرفعها مراراً
كي يجيب على سؤال العابرينَ..؟؟
ومن بقى في القلب
لمْ تحصدْ يداه
مناجل العُمرِ /الحطامْ ؟؟
وإذا ركَضْتُ أَمَامَ موتي
مَن تُرى يهدي الخرائط
للوصول إلى نهاية محنتي
لأفُكّ أحجية الظلامْ
وأريدني …
سهلاً
وصعباً
دون إسراف الطغاة
ودون طيبة من تهاووا
تحت أكياس الهمومْ
وأريدُني
قلباً بلا قلبٍ
لكيلا أُدمن التجوال
مثل قصيدةٍ
قُدَّتْ من الفقدان
لمّا غادرتْ
"جولييتُ " هودجها
فربّ قصيدةٍ
فتحتْ لحمص جراحها
ثمّ استكانتْ كالنيازك
في سرير الأرضِ
كوني يا سماء"المريمية"
وردة الحبّ الأخيرة
بعدما أفل السلامْ
مُتَشرّدٌ خلف العَدَمْ
وأجرُّ قُطعان النَدَمْ
وأجرُّ سهباً
من ظهيرته الأميرة
نحو مملكة الغمامْ
لي أن أعود إلى شِراكي
لي على تلك الجبال قنيصةٌ
والليلُ حارسها الهمامْ
لي أن أعود إلى فراغٍ راهبٍ
وإلى "التزنزن" في البدن ْ
وحدي على وشك الهبوب
من الجهات
المستريحة في يديْ
وحدي أُرافِق
من يُسمّى نادبي
"طوروس" يهجس:
"قدْ يكون بلا وطنْ..!!"
ويُعانقُ"الجوديُّ" طير تشرّدي
ويقوم"دجلةَ"
من شقائقه الخجولةِ
كي يعمّدهُ الشجنْ
وأعود
أمكثُ في شراكي
نادباً
عُمْراً يضيع بلا ثمنْ.

***

أسامة اسبر

أسامة اسبرصدر له : شاشات التاريخ 1994
ميثاق الموج 1995
تتكرر فوق المنفى 2004

الذين أنا بينهم

لست الغريب ولست الأليف
أظنني خميرة تهوى التشكل
على صورتها.
سميت نفسي بعد أن ولدت وسرعان ما محوت اسمي
لم أولد لأصبح بطلاً.
ساويت نفسي بكل عادي وأليف
وتخشبت ساقاي أمام كل مغامرة.
تدربت على التجنب
لكن بعد أن تذوقت نكهة العالم
وأقسمت ألا ألوذ بأبراج ذاتي.
لماذا ؟
لماذا ألوذ بغبار يجثم برهة ؟

تمر الفصول وأنا أمرح،
أتخيل طيوراً تحط على كتفي،
أتذكر
نساء عشت معهن في برية من الكحول
كان حضورهن المضاء بغربة الجسد
عطراً كونياً
ترنحت على شرفاته
وتآخيت مع عبوره.

لا، ليس جسدي مهماً إلى هذه الدرجة
يرتدي ثياباً،
يتدحرج كنرد
يذهب إلى موعد كأنه ذاهب إلى وظيفة
يتنشق كأن الهواء على وشك أن ينفذ
يتبدد في الثواني والدقائق والأيام
ويتنحى
الجسد الذي كغيره
المتكرر الشريد
يتكئ على فوضاه
ويظل غائباً.

لست الغريب ولست الأليف .
الذي لا يسافر، لا يبقى
المتكور على عبوره
يتجرجر في أحقاد الآخرين
يتجرع كأس غيرتهم
يمحي في شغاف مراياهم السوداء
وعلى عتبة قرن جديد
في الخطوة الأولى نحو هاوية أخرى
يفتح ذراعيه لعناق
جسده لروح جديدة.

***

إسماعيل كوسة

صدر له : حديقة واسعة للتعب 2002
أعمارُُ تتبعثرُ مع الريح

1

لاتخف
لاتنزعج
القصيدة التي قلتها ذات فرح
التي كتبتها
ذات حزن
هي... أجملُ منك

2

مري بشارعنا
افتحي الباب علي
هذه أصابعي
خذيها لنهديك
هذه وسادتي
تنتظرُ شعرك
المجعد القصير
هذه دموعي
تنهمرُ كالمطر
هذا قلبي
فلا تضعيه في جيبك
مري بشارعنا
افتحي الباب علي
في هذه الليلة الصاخبة
وخذي طعنة هادئة جدا
.......
لاتمري بشارعنا

3

سرُ المدينة ضوؤها
وسرُ العاشق ...
هذيانُه

4

أنا شاعرُُ ثملُُ
أرتكبُ الضوء
حتى آخر الظلام
لأقدم له ظله
على أرض الرسالة
ضيعتُ جبالا
وفي نفق الموت
غنيتُ للشهيد
الذي مر من هنا
خذلني
والذي مر هناك
لم ينتبه لحكايتي
أنا وجهُُ ثملُُ
أرتكبُ الظلام
ولا ظل لي
يا وجه الملائكة
في الجسد الذابل
على عتبات المدى
يا وجه الرب
في القلق الحزين
ماذا بعد الحنين
وبعد الشجر
ما عدتُ قادرا
على كسر الحدود
ورمي الحجر ؟؟!

***

إسماعيل الصمادي

صدر له :
- السمندل، 1999 0
أنا إسماعيل فانحرني على حجر القصيدة يا أبي 1999
- على هامش الريح 2004

قدود

على موجتي
أفاقَ نعاسُ الكلامِ
من الحلم فوق حريرِ الغرامِ
فصبَّح روحي، ورتّبَ لي مهجتي
ووسَّعَ لي فسحةً في الفضاءِ
فطيَّرتُ ريشَ الغناءِ
إلى زوجتي
حبيبي
يرمِّمُ جلدي
ويختمُ بالشهدِ خدي
ويبعثُ شمساً بُعيدَ غروبي
تعيدُ من العتمِ ظلي
لبعضك كلي
حبيبي
وكان حبيبي
يُعدُّ صباحَ الفطورِ
على طبقٍ من كلامِ العطورِ
عصيرَ السرابِ وبيضاً وريقِ الحليبِ
ويومئ : أن النهارَ قليلُ
وأنَّ الهواءَ عليلُ
بدارِ الذنوبِ
أنا من أنا
أجيبي لأمسِكَ موتي
إذا ما رآني أُزوِّجُ صوتي
على ساعديك بأنثى ذَوَتْ بيننا
كريحٍ على شجرِ الأمنياتِ
وراحت مع الأغنياتِ
لأبقى هنا
نهارٌ صريحُ
يطيِّرُ سربَ الكلامِ
إلى غيمِ صمتي، ويعلو منامي
رويداً .. رويداً ويرفعُ ظلّي المديحُ
إلى سدّة الريحِ يعلو .. ويعلو
يوشوشُ حيناً .. ويتلو
وحيناً يبوحُ
سيأتي ورائي
ويجلسُ فوق انتظاري
رجعتُ : يقولُ، فيتلو انتصاري
خطابَ الحضورِ، ويعلو .. فتدنو سمائي
ليعلنَ فيها .. ومنها قبولي
قبلتُ حوارَ الفصولِ
لأمدحَ مائي
يطيرُ البجعْ
يوشوشُ قلبَ سحابي:
حبيبُكَ جفَّ ، فيهوي ضبابي
وتبكي غيومي، فيرضعُ حتى الوجعْ
ضروعَ اشتياقي، ويضربُ صدري:
أطلتَ، وعُتِّقَ خمري
بماذا الطمعْ
رأيتُ اللقالقَ فوق الحزينةِ ترفو
بدمعِ الحريرِ عيونَ المساءِ
فيبصرُ كُنْهَ السماءِ
عميقاً .. ويغفو
رأيتُ الزمانَ يفكِّرُ قرب السرابِ
فأيقظتُ قلبي ليتبعَ روحي
وبحتُ فنامتْ جروحي
وهبَّ ضبابي
على هامشِ الريحِ كانت شكوكي تنامُ
وتحلمُ : كان السرابُ يغني
لموجِ حبيبي، ومني
يهجُّ الغمامُ
على شرشفِ الماءِ كانت زهوري تنوء
تقولُ : عطشتُ، فيبكي سرابي
لماذا أطلتُ غيابي
لماذا أجيءُ
رأيتُ حبيبي يرتِّبُ وجهي ، فَغِرْتُ
وسرّاً فقأتُ عيونَ المرايا
كَسَرْتُ إطارَ الهدايا
سئلتُ،وحِرْتُ
أكنتُ بوجهي سوايا
أكنتُ بظلي مثيلَ أنايا
مسختُ تفاصيلَ وجهي،ومني نَفَرْتُ
رأيتُ الخيولَ تعودُ إلى الريحِ ليلا
على هامشِ الوقتِ فوق الرصيفِ
وتذعنُ خلف السيوفِ
وتصطفُّ رتلا
وتبدأُ نحو النزيفِ
مسيراً، وتبلغُ جرفَ الخريفِ
وتسقطُ فوق الزمانِ، فتصعدُ أعلى
أناخوا السفنْ
وألقوا عتابَ المراسي
على ساحلِ الفجرِ فوق المآسي
وآخوا _ ولا يعرفونَ لماذا _ الزمنْ
تراهمْ إذنْ
أعادوا حنينَ النحاسِ
وقادوا قطيعَ سنيّ اليباسِ
إلى البَرِّ عادوا ونادوا صهيلَ المدنْ
كغيري تماما
ركضتُ لألحقَ نفسي
وراءَ حبيبي، وقاومتُ يأسي
تبعتُ أمامي، وكان سرابي غماما
كنفسي تماما
أردتُ اليقينَ لغيري
لحقتُ بظلي، ومازلتُ أجري
أمامَ ورائي فضعتُ، أضعتُ الإماما

***

أكرم قطريب

أكرم قطريبصدر له "آكان، أحرث صوتك بناي " 1995 ،
" أقليات الرغبة " 1998،
" مسمرا إلى النوم كابن وحيد " 2003

المسماة

المسماة حين ينهزم الجنود
ولا يبقى أحد في الأمل
لحظة يأتي من يحرق الموتى والعشب معا
ولا يظل أي شيء آخر سوى المرح الجماعي
لبشر ينامون على عجل مع طيورهم وأحصنتهم
وأسنانهم الذهب
المسماة
ربما تأتي من هذه الجهة
والتي لا تمنحنا ما ننجو به بأرواحنا
نقطع الأنهار والصحارى حفاة ومعنا
بعض خيام
وشراشف كي نكون قريبين من الحافة
التي يسكن عليها جسدها
ومن شدة النظر
سنقضي قبل أن يحل بنا التعب
حيث لا ماء ولا سلاح ولا قرب لبن
محمولة في ضروع النوق
المسماة
ابنة السلالة الحاكمة
القديمة في أعالي النبل
وبرفقتها محارب من آرارات
تجرد ت من الملابس
وعلى ظهورنا أحمال الحطب

***

وجه مخترق بنظرة ميتة

1

كما تعوي الذئاب في لوح القرميد
نمضي
برجفة المشتبه بهم
يصفون الريح
وهم ميتون

2

أقسى ما في الفجر
مخطوطة التيه
يمزقها ذئب مفجوع
بموت الليل

3

وجه مخترق بنظرة ميتة

4

الطائر في الزرقة
خطوة مطبوعة على الرمل

5

ذئاب تحسب عويلها
في عين البئر
ثغاء قطعان مستسلمة

6

تحت أقدامنا تشع الأحجار
مثل ذهب قديم
أيتها الريح
فلنتحدث معا، ودون رفة جفن ، أو
نمشي على الماء
كما لو أنه خشب مكسور.

***

أوس أحمد أسعد

صدر له: يوماً ما 1999
بالمزهريَّةِ الاحتمال

-1-‏

كأُمومةٍ‏
اتكِئي بيمامِكِ‏
إلى كتِفيْ.‏
كأُمومةٍ‏
هَذِّبي طُفولةَ جسدي،‏
وأطلقي سُنونُواتِكِ‏
الفارهةَ،‏
أَعلى فأعلى،‏
حتَّى ينبلجَ الأُفقُ‏
من زهرةِ‏
الفَنَاءْ...‏
حتى تَبزُغَ‏
" زهرةُ الأنا "‏
من فمِ‏
النَّرجسْ.‏

-2-‏

ثمَّة هسْهَسَةٌ‏
في المزهريّة،‏
ما الَّذي‏
يُقلِقُ الوردة؟‏

-3-‏

أعطِهِ.‏
أعطِ الشِّعرَ شتائِمَكَ‏
المقُفَّاةْ.‏
مفرداتِ تيهِكَ، ‏
حُمَّاكَ،‏
دُلَّهُ إلى ثُمالتِهِ،‏
سُكْرٌ هي اللُّغة‏
محضُ سُكْرٍ...‏
هَبْ صمْتَكَ‏
آنيةَ المكانْ.‏
والأسئلة‏
حَبقَكَ اللاَّهثَ،‏
رُشَّها‏
على تخوم الهندسة.‏

-4-‏

في الشُّرفةِ‏
قَلَقُ وياسمين.‏
وفي الشُّرفةِ‏
هُبوبُكِ المشرعُ‏
على غيابي...‏

-5-‏

متكئِةً‏
على بنفسجِكِ‏
تَرِدِيْنَ عزلَتي،‏
مُطلقاً‏
من يَمام.‏
يداكِ‏
الترشُفانِ قامتي،‏
كنباتٍ حزين‏
تُؤكِّد أنني.‏
هَيْتَ‏
اْدنُ منِّي يا كرزَ الثَّغرِ‏
لأشْرَحَك.‏
ويا لوزُ‏
رتِّبِ الحديقةَ‏
بالزَّهوِ اللاَّئقِ‏
كيْ‏
أُعرِّي السُّرةَ‏
من لُبْسِها،‏
كيْ‏
أُفسِّرني‏

-7-‏

الوقتُ مثقوبٌ‏
بولوجِكِ‏
فلما‏
لا تزهر العتبة؟‏
حين تعجز عن السُّقوطِ‏
بكَ.‏
بكاملِ أغصانِكَ‏
واللَّبيبِ/ ظلِّكَ‏
حين تكون وعجزُك‏
جسداً واحداً،‏
أيقونةً واحده، ‏
حين تكونْ،‏
أطلقْ البَهاء‏
تماهى كَتِيْهٍ،‏
ورتّلْ معي‏
شهقةَ‏
الزيزفون...‏
علِّم الحديقةَ‏
علِّمها الغوايةَ‏
لتقودَ الصَّباحاتِ‏
من أُنْثاها...‏

- 10-‏

طَقْسُ ارتطامِكَ‏
بالقاعِ،‏
قاعِ السُّؤال‏
أوَّل الصَّحو.‏

-11-‏

ليزهرَ‏
فيكَ العُلوُّ،‏
ولا ماءَ في راحتيك‏
أبحْ النِّهايةَ‏
لعذاباتها البِكر،‏
والصَّمتَ، دُلَّهُ،‏
-السَّيد الصّمت-‏
إلى زهرة القولْ...‏

***

أيمن إبراهيم معروف

صدر له :احتفاءات1997
العابر 1999
الرنين 2001

قصيدتان

(1)

قصيدة أخطاء‏
وأخطاءٌ على مزلاجِ بابِ البيتِ‏
.. في الحاجاتِ والرغباتِ‏
.. في الأفعالِ والأقوالِ‏
أخطاءٌ تمرُّ من الكنايةِ والمجازِ..‏
منَ المرايا والخُطى..‏
ومن الْتِماعِ النَّصْلِ..‏
أخطاءٌ تمرُّ على انهدامِكَ..‏
وانقسامِكَ..‏
وانتظارِكَ خلفَ وهمِكَ‏
حينَ لا تخطو‏
.. تنامُ على سريرِكَ‏
في الحكايةِ‏
.. فوقَ مكتبِكَ الوظيفيِّ‏
الّذي يجتاحُ يومكَ‏
أوْ جداركَ‏
حينَ يبدو ضاحكاً‏
في البيتِ...‏
أوْ في الرّوحِ..‏
أوْ في الخوفِ..‏
أخطاءٌ تُفكِّكُ يومَها‏
وتمرُّ مثلك في الصّباحِ‏
أوِ الظَّهيرةِ‏
.. في اختلاطِ الكائناتِ‏
وفي الحدائقِ‏
والشّوارعِ..‏
في التباسِ النّاسِ‏
حينَ تُدقُّ فوقَ رؤوسِها الأجراسْ.‏
وأخطاءٌ مُؤَبّدةٌ‏
تمرُّ على انتباهِكَ..‏
أو جنونِك..‏
في مكائِدها‏
وتهتكُ وردةَ الأنفاسْ.‏
وأخطاءٌ..‏
وأخطاءٌ..‏
وأخطاءٌ..‏
على إِيْلامِها ‏
الأخطاءْ.‏
وبابُ غيابِكَ المفتوحُ‏
مفتوحٌ.....‏
على أيّامِها الزّرقاءْ.‏

(2)

قصيدة آثام‏
سيكونُ ليلٌ‏
أوْ يدٌ قتّالةٌ‏
تلهو بأسمالِ القتيلِ‏
إذا تهالكتِ الحدودُ‏
على الخرائطْ.‏
ويكونُ حائطْ.‏
ويكونُ مُنْحدَرٌ‏
لنهبطَ في فداحتِهِ‏
وريحٌ تعبرُ الشّرفاتِ‏
.. آلاتٌ مُؤَلَّلَةٌ‏
وكهفٌ داكنٌ‏
وتمرُّ منْ ظلماتِهِ‏
البشريّةُ الدكناءْ.‏
ستكونُ آثامٌ‏
ومُتَّكأٌ لموتٍ شاسعِ الأرجاءْ.‏
سيكونُ مُتَّسَعٌ لتكتبَ ما ترى‏
ويكونُ حقدٌ لائبٌ‏
وترى قميصَكَ في السُّؤالِ الفلسفيِّ مُهدّداً‏
ويديكَ تضطربانِ‏
في الجسدِ المكَهْرَبِ‏
حينَ ترفعُهُ إليكْ.‏
ويكونُ أكثرَ ما يكونُ منَ الحصى‏
في ناظريْكْ.‏
وتكونُ أُحجيةٌ تُناقشُ يومَها‏
ويكونُ يومٌ مُخْتَلِفْ.‏
ودمٌ على بابِ البنايةِ‏
يرتجفْ.‏

***

بسام نديم علواني

صدر له:
آخرُ الرُّؤيا 1997
و تدخلُ الشمسُ أوردةَ الصقيع 1998
دَمٌ لِبابِ الذاكرة 2003

صَادِياً.. أُبْعَثُ فيكِ

أَعيدي ليَ الماءَ
كيْ أتنفَّسَ مِلْءَ السّماءْ
وصُبّي على جسدي

منْ شَظايا الأنينِ أريجَ الرّؤى
تعبتْ في مساءِ الجدارِ يدايَ

***

أَعيدي ليَ النّورَ
حتّى أنامَ قليلاً،
أُقَبّلَ ثَغرَ الهواءْ
لِهذا اليجيءُ دمٌ يَفتحُ الرّوحَ،
يَمتَهِنُ الغيمَ حينَ التساقطِ
من أسفلِ النّومِ حتّى ارتجافِ النّهوضِ
أنا الآنَ أرفعُ عنّي خُطايَ،
أُعِدُّ الوَليمَةَ :
كأسٌ لأنفاسِ وجهي
تَبيضُ الأسى في مَخاضِ الرُّكوعِ،
وكأسٌ تُبادلُني نِصْفَ نَبضي،
وتُسرِفُ حينَ ارتشافي

***

أَعيدي ليَ الحُبَّ
أعشَقُ أنْ أتوارى،
وأُبعثَ في راحَتيكِ
مَزيجاً منَ النّهرِ
يجري على ضِفّتَيهِ
يَقودُ بِإصبعِ الرّيحِ هذا اللُّهاثَ
إلى مُزنةٍ ما تزالُ تَسَلَّقُ روحي
بُعَيْدَ امتشاقِ الضّبابِ لِوابلِ صمتي
أَ . هذا اللّقاءُ على مَفرَقِ الكلماتِ
ارتجالٌ خَفيفٌ لِمَعنى كُسوفي.؟
إذا الشّمسُ فوقَ الهَلاكِ انكِماشٌ،
ورحلةُ بَوحي إليكِ.. خرستُ
إذا الأرضُ لا تُنبِتُ البرتقالَ
لأيِّ الذُّنوبِ وَأَدْتِ احتراقي
وهذا المُدَلّى على النّبضِ قلبي
إذا ما الأنامِلُ صَبَّتْ شِتاءً
كَشكلِ المَعاطفِ وجهي
أُراهِنُ أنّكِ ما عُدتِ وهماً
تجيئينَ مثلَ الهُروبِ،
وأنّكِ سوفَ تُطِلّينَ عندَ العَويلِ

***

سَلامٌ على الغَيمِ
إنْ مَرَّ فوقَ بَلدتِنا ديكُها لا يصيحُ
سلامٌ على الليلِ
يُلقي على السّارقينَ السلاسِلَ
يرفعُ طَيفَ صَلاةِ المُعَذَّبِ
يأتي .. يَؤُمُّ العِناقَ،
يُسَجّي المَتاهةْ

***

أَعيدي لِيَ البحرَ نَعْشاً،
لأرعى عليهِ ابتهالَ الرّمالِ،
أُزَورِقَ فيهِ الأماني،
وأدفنَ فيهِ بَقائي
أَ . هذا الجفافُ بِحَلقي يَباسٌ،
أمِ البحرُ يُؤوي النَّوارسَ فيهِ .؟
لأيِّ الجِهاتِ يُصَلّي الغريقُ .؟
إذا الماءُ يَطفو
بِمَنْ يَستجيرُ التّنفُّسُ .؟
هذي المَآدبُ حَولَ صُراخي
سَتُولَمُ يوماً لِجوعِ الأفاعي
إذا القِرشُ يأكلُ حتّى بُكائي بِماذا أُحِسُّ ..؟

وتِلكَ القبائلُ منَ الجوعِ
حينَ تَجيءُ لِتَقرأ فوقَ رُفاتي العزاءَ
تُراني أرُدُّ إليها التحيَّةْ.؟
أُقيمُ لأجلِ الضُّيوفِ الكراسي.؟

أنا أكرهُ الآنَ :
أنْ أُجلِسَ فوقي الرّحيلَ،
وأكرهُ دَقَّ السّماءِ بِكَفٍّ يُمَزِّقُها المُستحيلُ
فَكيفَ أُدَحرَجُ منْ أسفلِ القدمينِ إلى الناصِيةْ .؟
أنا الآنَ في الهاويةْ
تُراكِ سَتأتينَ مثلَ الهزائمِ
تُعلِنُ نَصراً، وفَتحاً جديداً
على ما تبقّى لِهذا الهَزيلِ نِدائي ..؟
أَعيدي لِيَ الماءَ كيْ أتنفَّسَ بَعدَ انتهائي

***

أَعيدي لِيَ العُشبَ نَاياً
لأرعى عليهِ خِرافَ القصائدِ
أُقْمِرَ كَهفَ الغِناءِ
لِيُبْعَثَ وجهي،
ويستيقِظَ الآنَ هذا الإيابُ
أطيلي الوقوفَ، وغَنّي
عَساني أُرَفرِفُ
فوقَ المراعي هديلاً
يُعيدُ الوعولَ إلى عُشبِ صَدري
أُعَصْفِرُ قلبي طَليقاً إلى شُرُفاتِ البَهاءِ
تُرى : منْ يُلَملِمُ هذا الضَّياعَ
يَرُدُّ إليَّ دِماءَ الدّوالي .؟
تُرى : منْ يُحيلُ الكهوفَ نَهاراً
إذا ما التّلالُ
سَتُرخي البلادةَ فوقَ الوهادِ .؟
تُرى: منْ يُشعِلُ الشَّمسَ في مُقلَتيَّ،
يُرمِّمُ صَحواً بِأُفقِ الرُّقادِ .؟

أَحِنُّ إلى النَّهرِ يُلقي المساءَ
على ما تَعَرَّى منَ النُّورِ حينَ الغموضِ
أَحِنُّ إلى الهَمسِ
تَأبى الشِّفاهُ ضِمادَ الحُروفِ
أَحِنُّ إليكِ
إذا ما الغِناءُ تَماهى صَداهُ
إلى الشّدوِ يَلثمُ فاهَ المراعي
فَرُدّي إليَّ شَفيفَ الأماني،
وصُبّي على جسدي
من مَرايا الحياةِ فُصولَ الرُّؤى
كي أتنفَّسَ رُغمَ انتهائي

***

بشير العاني

صدر له : رماد السيرة 1993
وردة الفضيحة 1994
حوذي الجهات 1994

يرفع القبَّعة وينحني

كان.. كان لنا حلمنا‏
كيف للوردة اصطيادُ عطره..‏
للمُهر.. تضمُ خطوه..‏
وكيف لي أن أزاحمَ بالمناكب كي أراه...؟‏
كيف للبلاد السباحةُ في مياهه الأمينةِ... واحتساءُ نبيذ القيامة من راحتِه..؟‏
كيف لها ارتداء نعله السحريِّ..‏
قميصه الكونيِّ..‏
ونشر راياته المخزَّنه..؟‏
هل نراه..‏
نلامس سقوفه...‏
صوف ثيابه...‏
وهل تفتح القصيدةُ أورادها لدمه الحكيم..؟‏

***

كان.. كان لنا‏
يجيئنا متأبِّطاً أفراحنا وخرائطَ العطرِ...‏
وجريدة يوميَّة للسان حال الوردِ...‏
يرفع القُبَّعةَ حين يمرُّ...‏
وينحني للسابلهِ‏
مرّةَ.. في عيد ميلاد عصفور بدا يمضغُ حلمةً لجزيرة مرضعٍ.. يؤاخي وليدها..‏
ويهدي لسربٍ من ظباء شريدة غيمةً...‏
ويمنحُ أخرى لحقلِ حنطةٍ حزينْ..‏
مرّةً.. كان عارياً في العراء...‏
لا أسنان للهواء.. لا جيوش للسماءِ... لا شوارعَ من عساكرٍ ورصاصٍ..‏
ولا حواري مُغلقه‏
قناديلهُ على ناصيات اللهفة...‏
أشجاره تَمدِّدُ الظِّلَّ للخطوة..‏
وكان قلبُه قريباً... قريب...‏
قرب نسمة... قرب بسمة.. وقرب ارتعاشٍ أكيد.‏
أسراره للنهر... للسهل... للقبيلة والجبلْ‏
يميط اللثام عن نيّة السِّكينِ... ويُقطِعُ الخروف أرضاً من الثُّغاء.‏
لا قصرَ.. لا منِصَّة إلاّ له...‏
الصبايا...‏
والبلاد المشرعات النوايا‏
عرشه اللهفةُ والأيادي الملوحاتُ..‏
صولجانه: الأشواق.‏
في البدء كان الحلم.. كان قتله الجليل‏
لا كمائن للوردة... لا مكيدة في الخفاء‏
لا دم يُسفكُ للحديقة... لا ظبي يُدركه الرصاصْ..‏
كان.. كان لنا..‏
يرفع القُبَّعة وينحني:‏
للسماء ترمقُ شزراً غمامةً تُماطلُ في الهطولِ..‏
تُوغِرُ عليها صدرَ الشرارة... تقول لدوريِّات البرق داهميها:‏
ثمّةَ ممنوعات في جيوبها المُزَّرره.‏
يرفع القُبَّعة وينحني:‏
للوردة الواقفة على أصابع القدمينِ...‏
تدسُّ في صُرَّة النسيم العالي يديها..‏
تهمسُ: نسيمُ... أيا نسيمُ: هو ذا عِطري..‏
هو ذا فائضُ الرائحةِ...‏
هو ذا العنوان.‏
مرحى.. مرحى...‏
يهتف للجند حين يطلقون النار على الجراد والخَونَه..‏
وحين يُفخِّخونَ الأرض بالقطن والنعناع.‏
للصديق: يُرَبِّت على ظهر الصديق..‏
ما أنت وحدكَ لا تحزن‏
ويمضي بقلبه ويديه في كيس أشجانه.‏
للصبيّة: تُشرع كل نبضٍ شبابيك اللهفة..‏
تهتف: يا ريحَ الهوى... يا أنتَ ذا بدني‏
يرفع القُبعة للعاشق حين يمرُّ‏
وحين يُدحرجُ قلبُهُ قبلة المساء.‏
كان ينحني...‏
يرفع القبَّعة عالياً وينحني:‏
لوالدةٍ تقول لإبنها الوحيد طوبى‏
حين يجيء مودِّعاً...‏
في دماه رائحة الشهيد..‏
على فيافي الروح ينهمر الوطن..‏
وتمنع شهقة.. ودمعة راجفة.‏

***

من له حلمُنا العتيقُ... ومن يطوِّق بالصهيلِ مضاربَ المستحيلْ..‏
أيا قتلُ: يا جحيمَ الشاعر الفسيحِ...‏
يا بصيرتَهُ المسنونةَ...‏
أُسرجْ لعشائر الحلمِ... ضامرات الشَّغبْ.‏
ويا قتلُ:‏
يا نباتَ الشاعرِ الدائمَ الخضرةِ...‏
يا دوا إليه الأثيرةَ..‏
هيئِّ الأكفانَ لهذا الواضح مثل جثةٍ..‏
هّيئ له الهاوية‏
إرمِ..‏
للحريّة الفتيِّةِ..‏
لا نبجاسِ الحلم..‏
لاشتعالِ الجنونِ..‏
جذوة النشيد.‏

***

بهية مارديني

بهية ماردينيصدر لها : للحب رائحة الخبز 2003
في الطريق إليكَ، تلعثم ظلي

1

عند مساحة ما، بين الوهم والحقيقة،
عند نقطة ما، بين الروح والجسد،
عند لون ما، بين الألم واليأس،
نلتقي.

2

تطوقني عباراتك، التي احتضنت قصصاً قديمة
بحبل حرير من الصلابة،
بلهفة عاشق، لم يُكتب، ولن ينطفئ.

3

علمني من أكونَ، عندما أنصهر فيك.
وكيفَ تكون البداية.
أمسكْ بيدي حتى أول قبلة، وأول فكرة.

4

التفاصيل الصغيرة
أكبر مني.

5

قفزتُ إلى
اللا قرار.

6

في الطريق
إليك
تلعثم ظلي
طويلاً

7

أعطيك حباً
تتشح تناقضاً
تجاويفي ليس
فيها هواء
فأغرق.

8

الفراشتان المحترقتان
لن تقترب أصابعهما
للعناق من جديد.

9

صمتي الشاحب
الجدول المبحوح
مرايا الجنون
الحدود الرمادية
الجبال المستحيلة
قيثارة الظلام
التأمل القاتل
تماثيل الغروب
أنا وأنتَ.

10

مررتُ أمامك
ولم ترني،
فأنا لم أهتم
إلا ببنصرك الأيسر.

11

أنا موجودة
على سطح هذه الكرة
وأحبك
بحجم لحظات القلق
بعدد وخزات الألم
باتساع مسافات الغربة
في بلادي

12

تشبعني
أساطيري الخاصة
حول تخوم
لم تكتشف بعد.

13

لماذا كتب علي
أن أكون
نقالة ورق زجاجية؟
أريد أن أرى
بداية المسار
نهاية المدى
فدعوا الأوراق تتطاير
وأنا أعلو وأعلو.

14

جئتَ قوياً
عاصفاً
كشفتي البحر
عندما تغنيان
في ليلة ساكنة.

15

الرؤى الجميلة
لن تكتملَ
كصمت الدخان
والرماد
كتخضب الياسمين
تحت قدميكَ.

16

أشجارك
على جذوري واقفة.
مياهك المالحة
لاتصب إلا في نبعي،
ليجفَّ حلقي وقلمي.

17

تخلطني كأوراق اللعب
تنثرني
على مناضد الغرباء.
أتعلق بألم الوحدة
في أعمق نقطة
من صلابتك.
فاجمعني،
وضعني
في الجيب الأيسر
لقميصك الأبيض.

18

المستحيل
نقطة ضعفي.

19

أكافح لقاء
قطرة مطر
هذا الشراب المجاني
الذي توزعه السماء.

20

قميصك الأسود
الابتسامة الصفراء
قلبي المفتوح
قلبك المغلق
الانتظار الطويل
للقائك الأول
ألاحق غيوم المطر
تضن علي السماء،
أعلى دمي.
ليلة زفافي إلى المجهول
طرقتَ عالمي،
زرعتَ رايتك
أعلى دمي
قبعتَ على سريري،
لتستبيح الخطيئة
وتنحر المستقبل.

***

جاكلين سلام

جاكلين سلامصدر لها " كريستال " 2002
ونشتبكُ في القلب
القلب عارٍ من فرح عميق
كأنه لم يبقَ شيء
كأنني ما زلت ُ أستيقظ
أنسحب من الظلال
ولا من رفقة، إلا هذا القلب!

** ** **

تكشّف المشهد أكثر
تتوغل في سيرة الريح، روحي
يتقلقل الصمتُ، الجدار المقيم في الخوف
والكلام - نصفه - يسممّ لبّ الحكايا
يُغويني جموح ألفه ...يائه، والمتواري ما بين الألف والياء، أكثر
وحين ينكسر
تنهال على قامتي الألواحُ مدببةً!

** ** **

أفترشُ شروداً في ظل شجر الذكريات
هذا ما قد تفعله امرأة، نأتْ عن العائلة وعن القافلة
اخترعتْ من أصناف الأشجار عائلة
من العشب وسادة
من الزهر تيجانا لفرح يصعب لملمة شتاته
وعلى أطول، أنضر، أبهى الأشجار تُهيلُ القلب وتكتب:
أيتها الصاعدة بلا دليل، كم أنتِ أمّي!
متى تفردين اختناق ألوانكِ،
شرايين أوراقكِ المذعورة
وتبللينني بالعبق البريّ، وبالندى؟!

** ** **

بلليني
واشهدي فصل الرماد
انزعي الدهشة
أقفلي الذاكرة عن الحذافير الناتئة
هدهديني بما تبقى
دعيني أبتسم بكل حزن الأرض،
أتذكرُ - بعناء - ما قال: سأنتحر، سأموتُ كثيراً، إن تعذّر عليَّ أنْ أكونكِ
وفي المنعطف الأول، حاول حبيبي تقديمي قرباناً للمجهول

** ** **

وشوشتُ الظلال بالحقيقة
أودعتها المتبقي من الأسرار:
لستُ امرأة ظلالٍ
ولستُ الظلال
في رأسي تتواشج الخطوط استوائية،
توازن العلة بين قلة الضوء وتزايد نسبة المنتحرين- أو الراغبين في الانتحار- !

** ** **

الأشجار أمي
نشتبك في الظنون، وفي الأخيلة
في الحياة، في أغصان الذكريات والموت
ونشتبك في القلب!
ثمر شجرة طيبة- وربما شريرة -
تدحرج بعيداً عن الشجرة الأمِّ
لم تكن الأرض سهلاً!

** ** **

هُدنةٌ والقلبُ عارٍ
هدنة والصمت جدار
هدنةٌ والعائلة أشجارٌ
هدنة...
للتوِ، أكتبُ فصول القلب،
تساقطَ
المدن
والعشاق...
وبين منعطفين،
أتأهبُ لطريق بين شمس وحقيقة.

***

جبران سعد

صدر له:
" أشعار و23 قصيدة واحدة " 1998

أغنية إلى البيتلز

عالمٌ لا يشبهني
ولا أشبههُ
ما من طائراتٍ ورقيةٍ - طائراتِ طفولتِنا ذاتها -
ما من خيالٍ زارَ أيامي
لا في زوايا الفلواتِ ولا في طائرة
كي ينبِّه النسيانَ الأزرقَ في أطرافِ أصابعي
أركضُ أركضُ كي ألحقَ بحدسيَ
الذي سبقني أمتاراً من الضوءِ
كأنني الأزمانُ والحقائقُ الزائلة
كأنني تلك الشجرةُ المحمرَّةُ أوراقُها (ذهباً وخجلاً)
في شوارعَ ليفربول البعيدة - شوارع ألعابِنا ذاتها -
المحنيَّة على الضجرِ والغيم
أحبكَ يا تشرين
أحبكِ يا أعمدةَ الشرقِ الحزينة
أنا الإلهُ الهاربُ إلى ذاتي
أتحدثُ عن وجوهِ أحوالي
عن حياةٍ قادمةٍ إليَّ (من الابتسامات العابرة)
عن انتظاراتٍ لعوالمَ عبر المدى
تنامُ على يديَّ
تعالَيْ نركضُ وراءنا
كلُّ هذا الأمام
ولم يزلْ "وراءَنا" يسبقُنا
آه، كنتُ نهراً يتنفسُ عند كتفيكِ
أنا أنا...
وأنتِ... أنا

لندن، 15 تشرين الثاني 2001

***

جولان حاجي

عجوزان

هباء ثمل يتعذب في الأعالي
تعب الحالمون من زرقة الجبال
دقت المسامير في الألواح
وحامت، في حلقات الليل، فرادى خفيفة
ندوب شدت من المسيل قفصاً فارغاً
فيما الريح تهبط فوق الطريق المسعورة
كي تهدّى روعها
ولا يد تقوى لتفك مرساة النجوم الخضراء
عن هذا البستان الغريب

من هذه الأرض النائمة
عينان منفيتان تتقربان بلا أثر
وريقات فضية تسقف قبر السماء:
بصمة الله المدوخة
تغور في الأديم
عجوزان غاضبان يتشاجران في المنزل الغارب
تطقطق المدفأة التي منذ هنيهة خمدت
تتوهج الشتائم العنيدة
شمس الريف غضبى في بقايا الهواء
بروق إبر تتقافز فوق عي حزين
بول وحساء، يموجان الأبخرة.
سهر الثلج الذي استضفناه
طاف ردهته
ما ذوب بدبس، ولا مازج الرماد
في الدمى اليقظى تحت سراجٍ مطفأ.
ولىّ إلى وحشته الفجورُ.
طنّتْ ذبابةٌ كبيرة
تقطّع دبقٌ وغاصتْ في حمم العذوبة
على فراش الليالي الثقيل.
نبُّشت الذكرى التي نُوديت سهواً.
كلُّ الإشاراتِ ابيضتْ. ابيض الحقدُ الكبير.
تنمّشت الأيدي ضاعت عيونها.
اصفرَّت السيقان النحيلةُ. قشِّع المخاطُ
تصعد النفتالين سجَّادةً بعد أخرى.
أثغرت الحكمةُ
وأحرقت العبرات آخر خيطٍ استدلَّ به في تراب النهر.
وما عادت نجوم الشتاء فوق البراري الأولى
في عيون ملائك تترقرقُ
ومعطف الأغاني لن يدثر العظام اليابسة
كريحٍ دافئةٍ تتلو أياماً طويلة ممطرة.
تطير لحظاتٌ ضريرة
وفي مناقيرها ندف الريش وفتات الكلمات.
سرُّ سرى، عاصفةٌ، سكتتْ
وجهٌ بارك عبثاً يذوب في غيمةٍ لشقيقتها،
تقطر حلمات تتلامس
ثم شعاع يخز الباب الصدئ.
يسيران، وئيدين في رذاذ دافئ
عاريين في صباح الفردوس الأزرق:
شفتان آبتا، جناحان انطبقا.
لاتخيفهما صرخات الطواويس
ولا زبدٌ يئنّ ُفي جزر لم يروها
حذاءان مملوءان بالرمل عند القارب
مطر محبوسٌ يلسع جلد البحر.
خلف الستار ترقص أيام مظلمة
ويستلقي أفق كصديق مريض
اتسعت ثقوب مد منها الضوء أذرعهُ:
السير القبر، النوم الموت:
شفتان حمراوان تطوقان مد الساعات
شفتان تتعبَّدان الغبار
في منزل تأكله الظلالُ
ما انفك يزحف نحو حافةٍ تتلألأ بالضباب الخفي
شفتان داميتان تقبلان الغبار
على كتابٍ شاحبٍ
ينقِّطُ كلمةً من نار
تدور خجلى في كفِّ العجوز
فينفخها، كالدمعة، عن ذروة السبابة المرتجفة
ويشمُّ مغمضاً بياض السُّحب الناعم.

***

حازم العظمة

صدر له : قصائد أندروميدا 2003

مدن

لا نعود لشيء سوى الحياة
كنا نعود بعد العصر
.. من الطرق السريعة للمدن الكبرى
أو نعود من نوم خفيف
إلى الضواحي الرثة
.. بينما تبتعد الجبال
تبتعد حقول الذرة
ثم يرسلون العويل
في الحقول اليابسة
في الحقول اليابسة
أو في علب يسمونها ..
نمر من علب
من أبنية
من مقالع حجر
تركت هكذا في العراء
كجرح عميق في الصخور
لا أحد يرانا
مخلصين لهذا الخراب
تلك خطوطنا أيضا
كمانات ونايات
لا نراها
بينما تتساقط ألوانها في الخنادق
.. في العلب الفارغة
تلك خطوطنا:
على الساعدين
في الكفين
في الحقول
تتركها تذهب كالذرة
بينما نعبر من ممرات الزهور الشمعية
للمساء الشمعي
أو من رباط يتدلى من الشرفة
ثم يرف قليلا
ويترك ذلك الأثر الملون في الهواء
من شرفات التلال
ترف بحبال غسيل أبيض
من ظلال لأيلول مائلة
من المدن :
حيث تعود العصافير رمادية
والراقصات يتأففن
من الرتب والأحذية
.. من طرود في الأعياد
ومن بطاقات بحروف ذهبية
.. ليس خفيفا
ولا أزرق
ليس انحناء من رمال
ليس ثابتا
أو متتابعا
أو كموج على صخرة
جارح وحسب
كالفناءات
كالساحة؛
.. مقالع حجر تركت هكذا في العراء
كجرح عميق في الصخور
كمانات ونايات
لا نراها
بينما تتساقط ألوانها
وهكذا

***

حسان الجودي

صدر له :
صباح الجنة، مساء الحب 1998
حصاد الماء 2000
قصائد لغيره 2001

وكأني أهدم الجنات

قبل أن أترك ليل الرّحم المغلق شاهدتُ ملاكاً،
جاءني فيما يجيء
مثل عصفورٍ مضيءْ،
نقر الشّبّاك،
فانزاح الضبابْ.
كنتُ كالورد لما اتفتحْ،
وتويجاتي الوصايا والسّرابْ
وقف العصفور في فتحت قلبي،
ثم أعطاني خيارات النجاةْ:
كوّة الرّوح،
روى المرأة والشعرِ
وآفاقَ العذابْ/
أو كتاباً يهب النّفس الطمأنينة مطوياً على سرّ الحياةْ.
هل ترددتُ طويلاً؟
ربّما لكنّني حين أتى الطّلقُ تطلّعت إلى الكون قليلاً،
ثم أحرقت الكتابْ!
وإذاً كان اختياري العشقَ،
والمرأة منذ الصرخة الأولى
تلمُّ الفحم عن كائنها الأزرق،
المرأة مثل العسل الدافئ للجرح
ومثلُ الثلج للخمر
وفيها كلُّ ما يجعل عشب الحب غابات شجنْ
أو دم العاشق تاريخ سفنْ
أويد الشّاعر إبريقا من الحبر على كأس الزمن
هي طيني كلما فككني الخسران،
وانهدت سدودي،
هي توتي كلّما تقت إلى طعود الخلود،
وهي المرأةُ ضوءُ الجسد السّاطع كالقبّة في أبهى حضور
لارتياد الشغّف الخالص.
المرأة جسر الرّوح نحو الّلانهايات وتمكين الدّم العاجز
من قنص طيور الخصب في ليل الوجود
وهي الفلة في الكأس،
وفجُّ الجمر في الرأس،
وعين الماء إذ ترفد آبار النشيد.
وإذا كان اختياري الشِّعر،
والشّعر صهيل الجسد المؤود
صوت الحجر النائم
حلم الروح بالغامض
ضَوْعُ الهذيان الحلو
إغلاق الممرات على النّفس
حصول اللذة الكبرى
وتقليص المسافات مع المطلق...
الشّعر زمان الأمكنهْ،
لا سواه يتماهى في شقوق المركب التائه ألواحاً،
وفي ماء الحواس الضّحل قيعاناً من الدّهشة.
الشّعر مكان الأزمنه،
يفعل الشعر الأعاجيب،
يعيد الروح للميت،
يؤاخي الماء بالنّار،
ويحدو في سباق الموت كلَّ الأحصنة..
وهو الشّعر انبثاق القمح من مسكب جمرٍ
وانفجار الورد في الأرواح
ربط الكرز الأخضر بالشّمس
وتثليج الجراح الساخنة..
فاعذريني،
كل ما أكتبه الآن يقاضيني،
أنا المشدود كالسهم إلى قوسك،
لا أقدر أن أطلق روحي في فضاءات اليقين،
لستُ منحازاً إلى غيرك،
ليس القلبُ أنفاقاً إلى هرجك،
لكنّ صلاة الشعر تنهاني عن التجوال في حقلكِ
والإيغال في نسغكِ
واللهو بحبات الحنين..
وكأنّي أهدم الجنات،
كي أحظى بصحراء من الوحشة،
كالأفعى بها أسعى على الأشواك مفتوناً ببحثي عنك في كل ربيعٍ
وكأني أغرس النّاب بشرياني لتخدير الجنون،
كلّما وصلت خيطاً فيك جاء الشعرُ،
كي يقطع خيطاً.
كلّما قبّلتُ إبطاً منكِ جاء الشّعرُ،
كي يجْرحَ إبطاً.
فافهميني،
وحده الشّعرُ يزيح الطّينَ عن عين الخلاص الأبديْ،
فإذا أصبحت للمرأة وحدي،
كيف لي أن أطرق البابّ الذي يفضي إلى الشّعر النبي؟
وحدها المرأة كاللؤلؤ كجناح غباري
فإذا أصبحتُ للأشعار وحدي،
كيف لي أن أصنع الماسات من فحم انتظاري
أنتِ والشعر صراطان صديقان عدوان ينوسان أمام المقصلة،
وعذابي أنني أجهل في أي اتجاهٍ
أدخل الرأسَ،
لتنجو الأسئلة.

***

حسين بن حمزة

حسين بن حمزةصدر له " رجل نائم في ثياب الأحد " 1995

بيضاء .. مبكرة إلى النوم

1

بيضاء..
ليس ذلك البياض
الشاسع
اللا مبالي
للثلج
الذي يرى من جميع الجهات
بل مثل
غرابٍ يلمع سواده وسط آلاف البجع
يائسة..
مثل نهرٍ لا يحتفظ بصورة واحدةٍ
للشجرة التي تميل عليه لتلقي نظرة أخيرةً
على أناقتها ..
" مقدسة ..
مثل 36 مليون أرنب حديث الولادة.."

2

أية حماقاتٍ ، كان يمكنني أن أصدقها .. وأنا
أخترعها أمامك.. أية قبور كنت سأدلك عليها ،
لكي تري :
روحي مثل شاهدةٍ تصدأ تحت المطر ..
أيةُ ملائكةٍ ، كنت سأضيفها إلى أحلامك ،
كي تذهبي مبكرةً إلى النوم ، تتركيني وحيداً
كالكتاب الذي لم تفرغي من قراءته . مرمياً
على وجهه ، على الصفحة السعيدة ، التي كلماتها
مازالت مبللةً ،
بنظرتك..؟!
أيةُ ذئابٍ كنت سأربيها ، لكي أطلقها تحت شرفتك،
المضاءة..؟ بينما طيفي يتجول في الهواء المجاور
لتنورتك الخفيفة..؟
أية بحار ٍ، كنت سآخذكٍ إليها لكي تري :
أزرق وحشتي
و شاحب أيامي..

3

كان يمكن أن يحدث هذا:
قطار يذهب
بينما
الأشجار تلو الأشجار
تغذ الركض
كرتل من العميان
في الاتجاه
المعاكس..!!؟

***

حسين حبش

صدر له " غرق في الورد "2002
و" هاربون عبر نهر إفروس"2004

مدارات الاغتباط

اغتبطي يا كائنات المديح فإننا ورثنا عتبات الأوج
بمدائحنا الأرجوانية للينابيع
وشرايينها التي تغرف من أخاديد التراب
جرحاً مسفوكاً في الحقول والبساتين.
اغتبطي فإننا خلعنا المحاريث وارتطمنا بالأفق
نعلِّي مصير الزرقة من فوق الأباطيل،
نزوِّدها بتيجان الشهوة وقناديل الفراغ المزدحمة
بالأحلام المتلألئة ومرجان النوم.
اغتبطي فإننا اختبرنا الموت في شروده
واقتحمنا لهوه بثقة العشاق
نحمل رعشة النبات في الأعماق
مروِّدين قطيع النهر إلى حكمته
من فمه الأملس ومن غشيانه الأشقر.
اغتبطي يا عروش الصقور
فإننا ورثنا الأبراج العالية من أختام البنائين
وأقاصي اليقظة ننقضُّ على الظلام
ونقفل على عمائه المسالك
ونكون الدليل إلى الفجوات والأرخبيلات
المفتونة بالعراك والدويِّ الذي تحدثه
جدران أعماقها الهائجة.
اغتبطي فإننا نوالي الخفقان في ضرباته
السريعة
وهبوب خطواته المختالة
من رنين الإغواء ومن قدوم كماله
من مطالع المشيئة،
نهيئ له الظل الأثير للروح.
اغتبطي فإننا نؤرخ هبات المصادفات
من خزائن العدم ونعثر على محبرة الخفيِّ
نكتب بيانات البرق على ميزان
النهاية المشغولة
بإنجاز ما لا ينجز وإمساك ما لا يمسك
وحفظ ما لا يحفظ.
اغتبطي يا أنفاس الرعد فإننا ورثنا
كيمياء الكواكب من زقاق الخيال
وصداقة البرق وأجواء نعمته
الطاغية في سقوطه المتعمد
على وجه الصخور المربوطة
بعناية الله غلى سفوح الجبال.
اغتبطي فإننا عمَّدنا الأمواج بملاءات الإوز
وأعناق البجع في احتفال باسط الذراعين
أمام اتساع البحر ونهبه المتسارع.
لا ميثاق يوقفنا ولا إجفال يغمض
أعيننا المترصدة
للذبذبات اللاهثة في نهاية السرِّ
والفجاءات المرتجلة من الأعالي إلى الخضم.
اغتبطي فإننا قلَّصنا المسافة بين السماء والأرض
وحلجنا قطن المسرات لأعشاش الطيور المرتعشة،
لا تخبط ولا خوف بعد الآن،
لترقد أرياشها في أمان باذخ
وترف مطمئن وطويل.
اغتبطي يا خيام الغفوة فإننا أرهفنا السمع للغيِّ
واحتدمنا مع البطش
نقاومه ويقاومنا،
نعانده ويعاندنا..
حتى أوصلنا القمم إلى القمم
والجهات إلى الجهات
وربطنا الهواء بالهواء..
موقدين فوانيس المشارف البعيدة.
اغتبطي فإننا نثرنا الزنابق على الجسور
وتماهينا مع بهاء الشهقة
في طلوعها التنكريِّ من خيلاء المعنى،
نخوض معها تجربة الألفة
على منعطفات السماء السابعة
نفتح مشيئة الأقدار.
اغتبطي فإننا عرينا اليأس من مشاربه
وخلعنا أنياب النمور الشرسة،
أنذرنا الرقباء وأقمنا مأدبة الياقوت
فوق كمين الخسارات.
اغتبطي يا الرغبات
يا لجسارات
يا الأقدار
يا المصائر الهائمة في مجاهيل
القلق
والسؤال
والجنون
ت
ب
ي...