***

عطارد عزيز حيدر

نار صغيرة

" لا طاقة لي بها.. يدك الضارعة لن يوقفها شيء "
حين تجتاز الفناء الصغير متجهاً إلى المطبخ يلوح ظلك منعكساً فوق الأشياء التي أتابعها من طرف خفي ، وأتخيلك تضع إبريق الشاي وتوقد تحته النار التي لن تنطفئ بعد ، وحين يغلي .. شيء ما يكون.. فلا يتركني أبداً . وعندما بعيداً على الشرفة أو باب البيت أو تترك الغرفة ثمة شيء يتحرك بسرعةٍ، شيء صغير يغلي ويفور.. إنه قلبي، إبريق شاي صغير على نار.
أنت موقعاً خطواتك على نبض قلبي تصعد الدرج ماسحاً حافته الخشنة بيديك اللتين من أجلي ثم تبعد حبل الغسيل بيديك ، يديك اللتين بهما تحمل لي الشاي وتجمع لي نثار الياسمين ، ووهما يداك اللتان بعد قليل ، بعد أن ينتهي الشاي والكلام الرخي تأخذاني إلى ما وراء الشاي والكلام .
و أنت تمر بورودك وتنقضها غير مبالٍ بأصابعك التي أحبها مثل كل الورود التي تتساقط في بداية القول حين أهامسك على خطوط الهاتف ونهار الطريق والعتمات ، وبداية الرسم حين أكاتبك شاردةً على أطراف ثيابي وأوراقي ، ولنا الهاء التي أئن بها وأتنهدها ، وأتنشقها مثل وردة .
و أنت تمر بشجرتك البيضاء مبتسماً كما حين تعبر الأبواب عارفاً أنني أراقبك من وراء أو أقف لك خلف باب مثل وجوه الياسمين الصغيرة التي تميل عند مرورك وتتماوت تحت كفيك كي تغمض عينيها وتشمها وترعشها وتصب لها الماء ، لكنك تشدها ثم تقصف حضورها على أصابعك هكذا بهدوء ودون ندم بذات الحنان وذات الأصابع التي .. أنا أيضاً.. تشدني ، ثم هكذا ، على أصابعك بحنان وقلب بارد .
لكنك ، تأكلك الحسرة لأنني بعيدة عن أصابعك ، حين تجول في البيت الكبير ، وتمسد راسك من الخلف كما تفعل دوماً عندما تفكر بي ، وترف بعينيك اللتين سأندم عليهما كثيراً وعلى لفافاتك الكثيرة التي تحرقها هنا وأنت تمسد بيديك الفراغ والأشياء التي لا لها قيمة ، وبيديك .. يديك اللتين لي تضغط لفافة التبغ وتهر رماد يديك وقلبك على الأرض عندما لا تجدني حولك ، وتبحث : " أينها تلك المنفضة التي ضاعت "
أينها تلك النار .

***

علاء الدين عبد المولى

صدر له:
مراثي عائلة القلب -1990.
ذاكرة لرحلة الأنقاض -1992.
مدائح الجسد -1994.
وقت لشهوات المغني -1995.
تراجيديا عربية -1998.
أقل فرحاً -1999.
في حداثة الروح2000.
عراف الجحيم -2000.
فتوح الفرح -2001.
على ضريح السراب- 2004

الوحشةَ أقول لكنَّ

أين انقذفتُ؟
بأيّ وادٍ همتُ؟
مفتاحُ الفراديس المذهَّب هل كُسِرْ؟
ليكون كهفاً ما أريدُ، مجوَّفاً في تلّ سفحٍ مندثرْ؟
صبحاً دخلتُ على هواء اللَّيلِ
قالتْ سيِّداتُ الماء:
"تمدُحنا وتسمعُ في الغروب صدى أصابعِنا"
وقالت من أضفْتُ لها جمال السّرِّ:
"رقِّصني بلا شفتيكَ
واجلسْ في حدائق شهوتي واحذر يديكَ
فلستُ تفَّاحاً لتطريز القَمَرْ"..
كيف انشطرتُ؟
بأيّ وادٍ طرتُ؟
أين إناءُ روحي؟
في الغبار شظيَّةٌ
وشظيّةٌ في صوتِ أغنيةٍ تلبَّدَ
عندما انقطَعَ الوَتَرْ
أأنا حصانٌ تهربُ الفلواتُ منهُ؟
أنا نحيبٌ لا يصادف أيَّ ناي في سَفَرْ
أنا لستُ غيماً في الفراغِ
ولستُ ينبوعاً ليعطي دونما سببٍ
ولا شجراً يغطِّي الحالمينَ
وليس بين يديه إلاَّ وحشة الأغصانِ
بعْد ذبولِ لؤلؤة الثَّمرْ
أنا لستُ عطر النّسوة المتبرّجاتْ
يرشفنَ من ظلِّي حليب غوايةٍ
وينَمْنَ بين قصائدي مستسلماتٍ راضياتْ
وأنا على بُعْدِ انخطافٍ من شفاهٍ خاطفاتْ
وعلى سفوح اللَّون لوحاتي تداعَتْ
هزّتْ الفرشاةُ جمرتَها
تداعى عالمٌ لدنٌ طريٌّ وانتحرْ
في أيّ وادٍ همتُ؟
سهمُ الحلم
سهمُ الحبِّ
سهمٌ للأساطير الجديدَهْ
سهمٌ يضيءُ الصَّدرَ
سهمٌ يلتوي في الظَّهرِ
سهمٌ في مخيّلة القصيدةْ
حتَّى "تكسَّرت السّهامُ على السِّهامِ"
ولم أذقْ خبزَ المنامِ على المنامِ
ولا حمامٌ فوق سقف الدَّارِ
والشَّبَكُ الكريستاليُّ لم يجلبْ طريدَهْ
في أيّ وادٍ همتُ؟
يا غزلانَ أجدادي وأحفادي
جفلتُ كأنَّني ظبيٌ يطارَدُ عبر صحراءِ الجياعِ
وأنا الجميلُ...
لأنَّني عارٍ، وما وجهي قناعي
أأنا الجميلُ أم الجمالُ؟
أنا عناقيدُ المعذارى؟
أم مساءَلَةُ الحيارى عن كرومٍ تستوي
في رحلة الإيقاعِ
يا وهمَ العنَبْ
والياسمينِ المحتَجَبْ
مَن كان يسمعُ فيَّ صوتَ بنفسجٍ
حتَّى طفحتُ بكلّ طاقاتِ الكآبَهْ
مَنْ شَلَّ نهر قرنفلٍ يجري طليقاً
في الكتابَهْ
قيلَ القصيدةُ وحدها تحلو
لتغري لابساتِ الحقلِ بالعُرْيِ المقدَّسِ
في ينابيع الخليقَهْ
قيلَ القصيدةُ وحدها بنتُ الحقيقَهْ
لكنَّني أمٌّ لعائلةِ القصائدِ
كلُّها منفيَّةٌ عن ذاتها
عزلاءَ من كلِّ القوى الزَّرقاءِ
تسبحُ في ضباب الفُلْكِ مجهضةً
تلمُّ بقيّةً خضراءَ من أعراسِها
وتظلّ تسألُ: ما إلهتُها؟ وجنَّةُ ناسها؟
أمّ القصائدِ وحدها أثرٌ تنقّبُ عنه عينُ الحلم
تطويه يدُ القلق الَّتي تبني عليهِ
جرَّةً جوفاءَ...
أمٌّ لا ترى أبناءَها الآتينَ إلاَّ مارقينَ
يهشّمونَ على يديها نفسَها
ويهرّبون العُمر من حرَّاسها
أمّ القصائدِ منتهى عطشِ الوجودِ
ومَنْ على أنفاسِها
قَدَحُ البحار بخيلةٌ بطباقها وجناسِها
أمٌّ وكانَتْ سهلَ أشجارٍ كِرامٍ
إِنَّما دبَّ الجفافُ على ندى أغراسِها...
في أيّ وادٍ همتُ؟
أسهَرُ في النَّهارِ وفي الظَّلامِ على منادمةِ الكواكبْ
حَمَلٌ وجوزاءٌ وراهبةٌ وراهبْ
ولهنّ منّي معجزاتٌ واهياتٌ كيْ أبشّر بينهنَّ
وكم رثيتُ لحالهنَّ
وكنتُ -قَبْلَ مآلهنَّ-
أمدّ ذاتَ الشَّمس بين ذواتهنَّ
وكمْ سقطتُ لكي يقمنَ من الحكايةِ وردةً زرقاءَ
حتَّى كدتُ أنسى أنَّ لي حقّ القيامَهْ
فليعترفن بأنَّني كنتُ العصيَّ على مزاياهنَّ
والمنسيَّ في أعتابهنَّ
وكنتُ أُشبهُ في مخادعهنَّ أيَّ حمامةٍ بيضاءَ
كنتُ رشقتُ ريحاً بين أرجلهنَّ
كي يرحلنَ في كلّ الجهاتْ
فرحلْنَ دوني بعد أن صدنَ الحمامَهْ
وبقيتُ مجهولَ الإشارة والعلامَهْ
ورششتُ في أجراسهنَّ دمي بقدَّاس المطرْ
ذهبَ الرَّنين بهنَّ
صحتُ: ألا تَعْدنَ ولو عبيراً في فؤادٍ ملصقٍ
فوق الحجرْ؟
أولا تُعِدَن إليَّ أسئلتي قليلاً؟
جرِّبنَ داء الوحشةِ السَّوداءِ في خطواتكنَّ
وقلنَ لي قولاً جميلاً
ماذا خدشتُ سوى مرايا الخوفِ في أحداقكنَّ؟
غمرتُ أذرعكنَّ بالغاردينيا
والفلِّ والأشعارِ والأحلامِ
يا أشعارُ
يا أحلامُ
يا غاردينيا
يبس المغني كله
لم يَبق إلاَّ ظلُّهُ
فارجعنَ من أعلى الطَّريق
عسى الغمامُ يُظِلُّهُ
واذهبنَ في شتَّى المدائن والقرى
واتركنَ لي بعض القليلِ
فقد يفيضُ من الحنان أقلُّهُ...
... ... ...
من لم أكن باباً على أسرارِها
فلتنسحبْ سرّاً وباباً
من لم أكن أسماءَها الحسنى
فإنّي لستُ معناها العَلِيَّ
ولا دلالةَ حلمها
ولها الكتابُ إذا أرادَتْ، إنَّما
أنا لستُ عنواناً، ولستُ لها كتاباً
من لم أكنْ فيها كما تكوينُها الضّوئيّ والطِّينيّ
فلتذهبْ بعيداً، ولتدع ليلي ذئابَا
تعوي وتنهزمُ اغترابا
من لم أكن خبراً ومبتدأً لها
لا تنتظرْ منّي جوابا
من لم أكن بركانَها
فلتَلْقَ من جسدي خرابا..

17/6/2000

***

علي حميشة

صدر له :
أناشيط 1996

حاصل موت لم يكن

1

مقفل على فم النهار
حيث تتريض الكلمةُ
تتصبب عرقاً بهيمياً.
لا.. لا..لا تصعدُ الشمس
على قبة اليقين في ليلٍ مباغت .
و الليل نفسه . يقتل نفسه. يتوالد .
أنى لشاعرٍ مهزوم
أن يحمل الشمس من فرجها الذهبي
أن ينثر ضلالها الأشعث ؟!

2

سوطٌ على الجبين
موتٌ .. لنهر الجبين .
و الكلمات خببٌ .. وجنسٌ متعب .
سوطً على الشفة
و دم يتنزه..
هذا الفصد بين الدم والشوق
حرارة الشجر والثلج !
جنسٌ متعبٌُ لا يعرف الموت.

3

آه .. يضحكني هذا النهار
حين يخرج عارياً
يترقب بلهفةٍ قدومَ الأسود الكبير
الأسود الطاغي
يضحكني هذا الإمبراطور الخرفُ.

4

كفن لموت البحر ..
و الرجل الراكض
يخطف شطراً من الشمس
لتصبح رماداً في عتمة الموج
و الشمس لا تؤخذ قسراً ..
لم يكن البحر
أو الشمس العمودية
أو الإمبراطور الزائف
كان الأسود الطاغي
امرأة تتدحرج على العشب
بساطة مسيجة بالموت والحب .

5

يقتلع الدخانَ.
كان الشجر واقفاً
و الجسد محاصراً برغبة في الترمل.
و كان يقتلع نهراً في العروق
و يجرب حنظلاً معروفاً ،
يكفُ أن يكون حنظلاً...
وجسداً يكفُ أن يكون موتاً.
كان الجسد دخاناً
حاصلَ موت لم يكن !

6

أغطيه
أو وشاحات ..
مكرٌ لا يلتئم
و نتفٌ صغيرة من الموت
تعلق على الشاربين
ترصع الجبين .
نهارات مؤبدة
تقشر نتف الأظلاف
عن سواعدها الشائطة
تعد قشعريرة اللذة المعدنية.

7

في الفناء الموحش
تتجولُ في الفضاء الأزرق
في الجسد المحروم
إذ لا إبرة
لا خيط .
رتقٌ مفتوحٌ على الله والجسد .
رتق على اللارتق !.

***

علي سفر

علي سفرصدر له :
بلاغة المكان 1994
صمت 1999
يستودع الإياب 2001
اصطياد الجملة الضالة 2004

رجل بظل حقيقة وحيدة

و يعنيني في انطباع صورتي
على جدار ملحقٍ بأفعال الظهيرة أنني بأحرفٍ مقلوبةٍ
لونت فجائع العابرين..
وبكلماتٍ أقل مما يرمي إليه ممدوح فتنتك العجيبةٍ
و هي تفضي إلى برقٍ مولعٍ بصورةٍ مقتنصةٍ في كسور المرآة
إذ تومي بلا قصدٍ
هطول الخطوات اليابسة في كامل المسرود من صمتي ..!

و على حافة اللفظ
يرمي وجهُكِ
لأعيث في تمليه
إلى أخر التدارك
حتى حدود الذين لعبوا في التآويل
يبعثون آلهة الحواة من تقعر صورتنا
حين نزركش الحواف التي تجرح قلب جملتنا الطارئة ..
و يميلون إلى حفرةٍ تضل في مساءنا المستقر
كأرضٍ على أخر الفاتحةِ
بإيقاع ماءٍ ينبض بأقنعة ِ العشاق
حين لا يقنعون بمصير الوضوح ..
لتأوب قبيلة الصور الشائهة إلى مسرب الريح ..
يا ريح .. يا ريح ..
يا صمت هذه الريح
كم يحمل الموت فيك قصائده المدلاة في عمق المسرة..
و كم ينوء فيك كل ترددي إلى ذاتٍ معلقةٍ
في شمس تطل على أرض الحواة ..
وقد أفقد جسدي في محطةٍ يعبرها الذين يلبسون الثياب العتيقةَ فيمتطيه أولهم ولأصبحه
عابراً بدوري إلى نزهة الفوضى والخراب

الوقت حماقةٌ أخرى
لا أدري في أي هجوع ستحملني أرضهم..
و بأي ميزانٍ ستقسم الموت بين المبادئ والكلمات
وكيف ستحترم المتسولين الذين ينهدون على الليل
ليجلبوا إليه صفحة النهار..
و كمثل صوت الشاحنة المحملة بألف حياة
أو لعلني في الطريق إلى ما فقدته
حين تجر الأيام إلى حفرة الردمِ
لن أكون سوى محض تذكر يستعاد
كلما قفز الهباء في الإطار إثر نبضٍ صلبٍ
في شارعٍ ميتٍ بدوره
و يحتمل أن يدفن في أعلى الصفحة ٍ وهي تطوى..

الطيور الوحيدة في عالمي
استعدتها ذات صباح من قصيدة ..!
و الموت هنا ليس سوى شعرية قبورٍ بيضاء
كمنديل متروكٍ في كتابٍ قديم...
و ربما لن ينقصني كي أكتمل
سوى بعض شتائم الحمقى وشكوك الصيارفة..
و ربما سأنقض عهدي لأصبح الخائن الذي مضى في أوله
وهو يحصي الخسارات والأرباح من عهود سحيقة وبائدة ...
أقرأ اللوحة وهي تومض إلى حيث ما اعتقدت الاتجاه ..
و قد أنوء بالصدق حين أوغل بما أفعل
إذ أشبه قديساً سقط من عمق الأيقونة المعلقة في الصدر بعنايةٍ شديدةٍ وبات في أحلامه ربيب الغبار...

قدري ظلُ حقيقةٍ وحيدة
كلماتي ما بقي من ماء المزاريب
و ربما ما أعبر به صوب هذه النهاية الرديئة
من هواجس المساء .

***

عماد الحسن

صدر له:
الذي تأخر1997
كما لا ينبغي أيضاً2002
دبلوم في الكرز2003

ملاذ الرئة

1

هائماً
في ربيع المدائح
أسهو
أروّض
هذا الذي ليس لي
لا مآل يباغتني
لا زباريق
تطلق أطيارها في يدي
هل منابٌ
يداهمني؟؟
هل ركائز
أبهرها
كيفما أشتهي؟؟
هل مزار،
ملاذ،
خرابٌ إذاً؟؟
كي أعي

2

ها هنا:
لا مخاريم تزهر
بين مدارات الأفولْ
لا تبارح تمخر ضحكتها
الفاترهْ
في دمي
لا نبات
يزعفر نكهته
في برايا الفصول
على مئبرٍ
من ملاذ الرئةْ
ها هنا
صمتنا كرزٌ
لا يذوب
على الشمعدان
لا نجوم
تهيم بنا
لا تخوم
تزف إلينا الجنانْ

3

حبيبي الذي لم نكنْ:
نستطير
الوعول
على وهدةٍ
من براري
الظنون
حبيبي الذي كنته
مرّةً
لم يعد يحتفي
بالجنونْ
لم يعد يصطلي
شهقة الوكنات
فدى مهرةٍ
تستغيث
بدمعٍ حرونْ.

***

عمر قدور

صدر له:
إيضاحات الخاسر 1992

مجدلية
تاركة إياي أمضي
لا شأن لي
سبيلي مشهد
أعلى من نبع
ورجائي نذر قديم.
لقد فرَّقتِ أيامي من منتصفها
دون أن تشدي الشرائط جيدًا
لم تكترثي بالتي هيأتْ جراحي
لزيتك
بالنساء اللواتي قطعْن العمر
كسباق التتابع.
لعلكِ ما فكرت
سوى بالغفرانات الذهبية
للمصلوب بيننا
غير عابئة بروحي
(ما هدهدتِها تمامًا)
روحي المبهمة
مثل بُكْلة سوداء
على شعر أسود.

***

عمر إدلبي

صدر له:
حان وقت الغيم، 2001
غيم على شباكنا 2004.

أنشودة الأنثى

شفيف مدّاها
تسمّى بياض الندّى،
وتنادي السماء بعطر اسمها ملكاً
فوق عرش الفراديس،
يا شجر الضوء
سمِّ بآلاء أقمارها
كلمّا لفَّك الليل،
واهبط سلالم وردك
كيما ترى الصبح أزهر،
واسجد لزيتونة العشق سبعاً،
وضم نداها.
ويا ماسة الليل
طوفي ببيت الأريج
وصلَّي بمحراب عنبرها وهُداها.
ويا خازن الماء
مرَّ على نهرها،
واقتطف غيمة اللّوز
من تحت جسر،
تمرُّ عليه خلاخيل فضتها ورؤاها.
شفيف مداها
وما كان هذا المدى كائناً
لو تخلّى عن الخلق فيه سناها
هو الكون أنثى.
على راحتيها تدورُ الفصولُ،
ومن دمها يشرق النور أكمل،
قيثارة القلب حين تبوح
تغني لأنثى.
وفي الدرب ما بين أغنية وبكاء
أتيه
إذا ما غزال القصيدة سابق ناياتها،
والرهانُ لها،
ليس تذوي القصائد
إذا انكسر الحبر
وهو يحدث أشجارها
عن فتوح الربيع،
فتبكي، وتنشق بين يديها السماء،
القصيدة أنثى،
حروف الكلام يواقيت ضحكتها،
وتراتيل فكرتها،
في الأساطير يحدث أن اللغات
التي تسعُ الكائنات
توجّه وجه الصلاة لأنثى،
لعلَّ رضاها يتمم نعمته،
ويضئ لها حجب الصوت،
والغيم أنثى،
بساتين حب تطل
متى نهض الماء من غفوة الغيم،
أجنحة الريح تنسل من رئة البحر
حتى تصير ممالك زرقاً
على الأفق الساحلي،
مباركة شرفة اللازورد
إذا مسَّ ريحانها عطر أنثى.
لها الأرض لؤلؤة من نبات
يخضبها الماء،
آن تدور
تدور لمجد عذاباتها السرمدي،
لعل قناديل أشجارها تلثم الأرجوان،
إذا قلبها من بنيها انجرح.
لها الكون معطف حبٍّ
ويبتكر المطر العذب
حتى يرف على رمشها
كفراش مضيء،
ويهدي لقبتها السوسنية قوس قزح.
سينجرح الشعر إن مس طيبتها،
فتطير عصافير أدمعه،
ويسيل المعتق من حزنه،
فتراه يسير على راحتيها
كساقية من بنفسج،
ما سرُّه الشعر؟
حين يمر بباب عذاباتها يكسر الروح،
حتى كأن الحروف سلاسل
من وجع،
والغريب عليه الفرح!
يسمونها كل هذا،
وأغلى،
وينسون أجفانها غارقات
بأوجاعها،
وعلى كأس رقتها يسكرون.
وفي بركة الحزن يرمون أيامها،
بينما تتلألأ،
كيما تضيء جهات رؤاهم
بزيت مدامعها،
وهم يطفئون.
نيام،
إذا غاب ظل العذوبة
عن حلمهم،
يبهتون.
فسبحانه النور!
يأنس في قلبها،
ويشف كغيمة روح،
بها يكفرون.
جنون...
جنون!!!

***

عهد فاضل

عهد فاضلصدر له:
لم يكن أبداً - 1990.
تأبين البحر - 1995.
وردة الإصغاء- 1996

الأمير يهرِّب كلمةَ السرّ
بالأبيض والأسود. الصور التي يرثها في الحلم، بين يدي المعنى، المراكب القديمة لبشر فانين، الشَّعر اللامع لنجوم عبروا أول القرن.
البيوت القديمة على الكرة الأرضية .
بالأبيض والأسود. قلْبُهُ أيضاً .
يرث الحلم . يكتب وصيته للنوم :
في الطبيعة يتخلّد البشر .
بالأبيض والأسود.
الذين اخترعوا المعنى في حزنهم . والذين من لاشيء صاروا المعنى . هذا هو سر الحراس الذين يتمشون في غُرَفِ روحنا . سرّ اللونِ الذي يخلقه بكاءٌ ميتافيزيقيٌ قاسٍ .
الأمير الحيّ في البطء . لا يسرع . لايرتكب خطيئة الأبناء . مازال في ضوء القمر لايتضجر من انتظار النوافذ .
ينظر من القمر إلى نوافذكم . يعرف جمالها بيديه وحواسه . أنتم تنتظرون ضوءا، وهو يراقب الوجوه البشرية التي ستظهر للتو من المنازل .
هو نوعٌ من المتعالين الذين يخفون الاحتقار بابتسامة، والازدراء اللامحدود بادعاء الصداقة . لكن الكلْبَ الذي يسير إلى جانبه لم يعد يعوي على العامّة.
الأمير الحيّ في البطء،
لديه فرْقٌ في الحب . لاتخافوا . فرق في التذكر وتمجيد البطء . وبينما أنتم في الطريق إلى هناك، ستجدونه يستعيد أوراق ملكيته للبيت الضائع.
سيتذكر .
ستتقدمون .
فرْقٌ في الحب ..
الأمير الحي المغرم بالنوافذ، يغسل شوارع المدينة، في السر، ولايلمحه أحد . ومن سيعرف هذا القادم من مدينة دوستويفسكي؟
الميتافيزيقيا، وحدها، تدخل مع الهواء إلى رئتيه ليتنفس من كل قلبه:
هذه صور الآباء على الحجر والأزقة .لاشيء إلا الآباء في قوة النسيان . أرواحهم صلبة كإرادتهم .
سيأتي الليل، على العائلة، كالعادة، وسينام الأبناء.
الأب الصلب يترقب من النافذة ما سوف ترسله الميتافيزيقيا من طرائف جديدة .
يدخل النبلاء، بالأبيض والأسود، يسألون عن الولد الذي وُلِد في يوم ما، الولد الذي ورث وكان صبورا كالبخار، يسألون مع علمهم بأنه يموت دائما ً.
يكذب النبلاء، أحيانا، لا لأنهم يشْبهون الطبقات العاملة، بل لأن الزيف الذي يتصرفون به، مع الخدم ورجال الدولة، ومع الدولة ذاتها، له أسباب ميتافيزيقية .
يقول النبلاء: يموت الابنُ، دائماً.
مهمته أن يموت. فقط . هكذا، بالأبيض والأسود .
الأمهات اللواتي يقطعن ثيابهن حزنا على الابن الذي لايتوقف عن الموت، يجتمعن ويكررن الكلام نفسه، بينما النبلاء يوغلون في الكذب، لأسباب غير طبقية .
بالأبيض والأسود يعود الأحباء من قبورهم، يدخلون في صوَرنا ويصبحون طعمَ الشاي وطعمَ الجبن، يصبحون الأمن بغزارة، وعنف.
لكن المعنى الذي تساقط في خريف التجربة مملوءٌ بالتجاعيد.
الشجرة التي أحبها لم تعد تزورني . يقول الأمير .
الصور تتدفق كما لو أنها نهر .
نسيانٌ قويٌ يتحكم في الألفية الثالثة.
خَدَرٌ يتسرب، يأمر الآلة بالعودة إلى بيتها . لكنه يخجل من كشف الغابة تحت معطفه . النساء، أبدا. النساء، وحدهن، كما يحصل مع القوة الكامنة، سيتعرفن على الشجر . وسيكون الجنس ورقاً للعب بين الاحتقار والحب، اللذة والموت.
بالأبيض والأسود سيتمكن من استرداد بيت أبيه، وسيملؤه بخرائط جديدة للأرض .
لن ينسى الجوالون وجهه أبداً . معهم الشهوة، ومعه الخرائط .
تحت ثلج اللحظة يدفئ جسده . إنه هكذا : يدخل غريباً ويخرج في الألفة .
لاشي كالاحتقار يحمي اللذة ويتكفل بقتل الضجر.
لاتتعودوا المعنى . يقول .
العمل، كلّ العمل، كل ماتفعلونه، يجهض الأبيض والأسود . يقول ويقول .
يوجد عمّال لأن المعنى دخل البيوت . آنذاك يبيت العمال في المناجم، ويتدفأ المعنى كقطة مدللة . يقول .
لم يكن عليكم أن تفتحوا الباب له..
الهواء البارد يهبّ .
الأمير من قرن إلى آخر
يهرِّب كلمة السر :
بالأبيض والأسود يَرْسم المخلِّصُ . بهما سيعود بين القبور .

بيروت. شتاء 2003

***

عيسى الشيخ حسن

صدر له
" أناشيد مبللة بالحزن " 1998
" يا جبال أوبي معه " 2002

أمويون …في حلم عباسي

أقول له:
كن حوذيّ النص
وخذه بقوة أحلامك َ
نحو مراع ٍ مدهشة النبض
وراعشة الفيض
وأمهلني …حزنين ِ
وخمسَ قصائد َ
لأسوق وراءكَ أكوام التفعيلات
وموسيقا الرفض
وجنون الخبب النائم ِ
والعربَ البائدةَ
البائرةَ
العاثرةَ
العاهرةَ
حروف َ الجرّ
الجمل الاسمية ِ
……..وخرائبنا
ياربّي
ياااااااااااااااااربّ
امنحني غيمات ٍ عشراً
آناء الحرب ِ وأطراف َ الصيف ِ
لأرفعَ عشبَ يديّ إلى وجه أخي
…….
غيمات ٍ عشراً
أرفوها بعصافير تنقط ماء الفتنة ِ
أطويها…..
واحدةً للموت ِ النابت ِ في وجنته ِ
واحدة ً للموت النائي عن خطوته ِ
وأخرى للبستان
ورابعة ً لذهول العربان
وخامسة ً للشعراء الغافين على زند ِ الدهشةِ
واحدة ً للبوصلة ِ الحيرى
سابعة ً …ثامنة ً ..للأيام السكرى
وأخرى لسقوط الحلم ِ
وعاشرة:………………..للفتح

ياااااااااااااااااااااااااارب ّ :
احملني مشغولا ً بالوردة ِ
كي أنساها...
بنتا ً تجرح شفق الرحلة
بالكحل العاتب ِ

وتغني لي: "عن سبعة فرسان ٍ، ذابوا في صحن الليل، وعن نهر ٍ.....كان له
ثمر ٌ
وحداء......... عن خيل ٍ كمنت للريح ِ، فلمّا أغفى الراعي،
سوّغنا الكبوة َ " .
قلت له : كن حوذي النص
" البنت الطالعة الآن من الموسيقا " لتنام على زندي
....نامت ...تركتني لأغني :
" عن سبعة قطاع ٍ، ماتوا في الليل، وعن شجر
ٍ ...........كان له نهرٌ، وبكاء
عن ريح ٍ فرّقت الخيل على فلوات النص،
والراعي : نام ونام ونام ..........." ..
يااااااااااااااااااااارب ّ :
" واجعلني عبدا ً محمود السيرة في حضرة والينا، عبدا
ً ....يغسل وجه الليل إذا جاء النوم،
وينشر قمصان مراثيه إذا هجع المشاؤون، ويضحك
إن طلع البدر، يغمس خبز الآثام
بزيت مواجعه "..
ياارب : " واجعلني في حضرة أعدائي، ولداً مأمون الجانب، ونقي الخطوة
، يمشي بحذاء الجدران، تطأطئ
أحلام قصائده، إن مرّ الهمازون، يزين أيام الغازين بنقد
النقد، وقضم النظريات الباردة، ومدح الآتين "
ياربي وازرعني في السهل المنتهب القمح، السهل المفضوح بقامتها، المشلوح على
وردة روحي، ...كان بعيداً منذ رسائلنا
النائحة على ال " كان " بعيداً ..
يا حوذيّ النص ّ :
" إن رحلت عنا الريح ُ فلملم ْ ورق التوت
وغط َّ الأعضاء المبتورة َ، استرها..يسترك الله
لعلّ فحولتنا المزعومة َ تغرق في الكذبة ِ
إن ذاب صهيل الخيل ِ " فلا تذهب ْ نفسك َ …
…………حسرات ٍ " أجّل نجمتك اللامعة قليلاً "..
وامنحهم نبض نشيدك َ"

………………….

أمويون
بدمع ٍ أموي ّ
وبيان ٍ أموي ٍّ
ودم ٍ أموي ٍّ
..
كانوا لصق نخيل العباسيين
يروون فسائله
أمويون
يشوطون هزائمهم
وخطاهم
وخطاياهم
يتداعون إلى المربد ِ
ويشدون قميص الموت ِ قليلا ً من قُبُل ٍ

أمويون:
" عبد ُ الملك ِ، ومروان بن الحكم ِ، وعمر ُ الخامس ُ
ويزيد ُ، ومسلمة ُ، معاوية ُ الماكث ُ في الأنشوطة ِ
وابن ُ العاص النائم في الخطط ِ الحربية ِ " ..
أمويون
نفخوا في روع الحجاج : " الريح ُ دَبور ٌ
فاحْمِ الرؤيا " ..
أمويون:
اقتعدوا أرصفة المعنى
وبلاد َ الحلم الوهم
ونار َ الأحزاب ِ
وفوضى الأنخاب ِ
………………….وماتوا " ..
كن حوذيّ النص
كن ….ليلاً حين يداهمنا الحراس ُ
وتمراً حين يجوع ُ الناسُ، ونجماً
معصوب العينين ِ، عن النكبة ِ
لا تبك ِ
إن نثر الرمل ُ جنونك في الربع الخالي
أو
ستر الظل البائد ُ أخطاءك َ
فتمهل
أفرد لمجون ِ الإعصار ِ جناحين ِ
من التعب ِالمنهوك ِ
من الحرب ِ إلى الحرب ِ إلى الحرب ِ
إلى الردّة ِ
والعدّة ِ

سأقول بلادي ….نرجسة ٌ ذاب على فستان ِ دوائرها الضوءُ
بلادي سيّدة ٌ …كانت
يااااااااااااااااااااااااااه
بلاد(ي) العرب ِ أوطاني من الشام …ل ِ …
بغ بغ بغ بغ بغ بغ
بغبغت ُ ولم أنطقها
انكسرت أسنان ُ التفعيلة ِ
وتغاضى الفاعل عن وجع المفعول به
وارتاحت كل الأسماء المجرورة ِ
لسقوط أغانينا

فيما بعد :

في العام الرابع ِ للفتح
في العام العاشر للفتح
يقرأ أولادي عن تاريخ ِ الحقبة ِ
" فتح الله على الأمريكان ِ ….، ولما انفتحت
بغداد ُ...وزهقت أصنام ُ الحجاجِ، وارتفعت ضحكات
الأعلاج ِ …توقفنا في السيرة ِ
وارتفعت قمصان ُ الليل ".

***

فارس البحرة

صدر له :
لا .. 2003

أسطورة الفيولونسيل

لا يستطيع عازف الفيولونسيل
أن يصير متشرداً
فأصابعه ستتجمد من البرد
وما أن ينام
سيسرقون آلته

ولا يستطيع المتشرد
أن يصير عازف فيولونسيل
إذ لا يملك ثمن الآلة
ودأبه أن يبحث عن طعامه

لذلك يخرج اللحن من النافذة
يتجول في الشوارع
يتسول الحب
ويمنح المغفرة
...

صنعت أوتاره من أمعاء حيوان
وخشبه من جسد شجرة
لذلك يئن الفيولونسيل
ويمتلك

يتكلم عن الكائنات التي ذُبحت لأجله
"الابن بن الحبيب
للربة الأم"

فابك على صوته يا إبليس
لن يشمت أحد
من دموعك النادمة
وهدهد عذابك على سفوح اللحن
لن تربح شيئاً
سوى المغفرة
...

الفيولونسيل
ابن الله الحرام
والخطيئة الأصلية التي ألصقت بآدم

لذلك يشعرنا صوته
أن الكون قائم على مكيدة

صوت الأم التي أنجبت من ضلعها قابيل
فسجنها في الموت
وجعلها تلد بالآلام

***

فرات اسبر

فرات اسبرصدر لها
" مثل الماء لا يمكن كسرها 2004

لأجل الغياب ..الذي أنا فيه

حزينة الآلهة اليوم …
لأجل الغياب.. الذي أنا فيه
يوم حزمت حقائب موتي
ووقفتُ على شرفة الغيب
أسأل أين الطريق ؟
في غابة كثيفة
أهلها عراة….
غابة تشبه القواميس القديمة
في مكتبات الحياة …
وتواري خلفها عالماً…..!!
يا صاحبي لا تطفئ الأضواء
الطريق طويل
وأنا ألحق به …
ولا ينتهي ..
قد تقول لي :
أنت امرأة تكثرين من الشكوى …والأنين
لقد جفت الأقلام ونامت الصور
ولم يبق غير الموسيقى
اعزف يا شوبان
اعزف……
الصوت النائم في اللحن
يوقظ الألم ..
والجمهور يصفق
هو الرائي الأعمى
والمستمع الأخرس
اعزف يا شوبان
ودع اللحن نهراً جارياً
ذاك ضلالهم….
وهذا لحنيّ ……
من فيكم أمتعه لحنيّ
فليشهد لي …
أني امرأة النار
وأنتم رمادي…..
والنهر يقسمني نصفين
موج يضربني
لا أجرؤ أن أنهض
لا أجرؤ أن ارجع
والصخرة تقسم ظهري
والنهر الهادر يجري…..
وأنا خلفه
لا أجرؤ على الطعن به من خلفِ
قد يخرج كل عماه بوجهي
ويرميني في عمق الطمي
عمياء أنتْ
وخرجت من ضلعي …
سبحانك خالقها ما أنت بفاعل ؟
لقد نمت كثيراً …كثيراً
وشوبان لا يزال يعزف
وما زال النهر يجري…
والألحان تبكي
وأنا مازلت أركض…
ويتبعّني صوت وصوره
ويلحقها تاريخ ..
وأخر ينهض من تحت ركام
أما زلتم هنا.؟
كنتم هناك ..وما زلتم ورائي
وها أنتم أمامي..
أخرجو من دمي …ولعابي
ودعوني سيدة الريح في الاقانيم البعيدة
ربما غداً لن أنام….
ربما غداً
وبعد غدٍ
وبعد غدٍ
أظلُ في الركام …
صخرة النهر بعدها…
والموج هادر
وأنا الواقفة في قفر هذي الممالك
أمة أرخّت تاريخها للرجال..
أمة هيأت توابيتها للنساء
والنهر يجري ….
ويجري…..
والنساء…
وشوبان مازال يعزف
يا تاريخ الحريم الميت
يا شهوة الرجال
فتنة… وخديعة
وأنتِ ……
وأنتِ …..
وأنتِ …
وبقي شوبان يعزف..
وأنا استيقظت والنهر لم يأخذني …….
وبقيت …
في فضاء الماء والصوت
كأني في مخاض.

***

فراس الضمان

حَدثَ فعلاً

- مقهى -

للمرّة الألف
أستقرُّ في زاوية المقهى
كقطعتي نردْ
ولكن، وللمرّة الأولى
تخسرُ الجدران
وأربحُ أنا
حُبّك ...
عيونٌ عاديّةٌ على وجه
يظنّهُ الآخرون بحراً
كلّما اقترب المغيبْ
حبّك القادمُ دوماً من بعيد!!
لونٌ آخرٌ للبنفسج
حكّةٌ أخرى للنبيذِ
طريقٌ أطولُ
للوصولِ إلى الجنّةِ قبلَ الجميع ‍؟‍!

* * * * *

- مفاجأة

بعينينِ
غيرُ مألوفتين في مثلِ هذا الوقتِ من العام
تطلُّ ذاتَ الجناحِ الأحمرْ
... .... .....
في صغري ...
توقّعتُ لون الثلج
توقّعتُ لونَ الشيبِ في حقولِ الكرز
توقّعتُ لونَ بيوت الضيعةِ عندَ الرحيل
الآن..
وبعدَ عشرينَ عاماً
توقّعتُ أن يكونَ صمتكِ أزرقاً
وأن يكونَ جرحُكِ الهواءَ
زنبقيَّ الأثرْ
لكنّي لم أتوقّع أبداً
لون السماءِ عندما تضحكينْ !!

* * * * *

حدثَ فعلاً -

-1-

قلبي ..
أكثرُ أجزائي
ظهوراً للآخرين
لم تَرَهُ حبيبتي !!

-2-

قلعةُ حلب
من نافذةِ الطابقِِ الخامسِ
في جفن المساءِ الباردِ الحزين
مجدداً
بلا عباءةِ المتنبي
حيُّ الجميليّةِ الهادئِ
كطعنةٍ في الظهر
يحدّقُ بي
ويوشكُ أن يلفظَ اسمها
أسرابُ الحمامِ المتعبةِ
أراها بعيدةً
تتألمُ تحتَ الرذاذ
فترسمُ قلبي
لن أنتظرَ قطارَ اللاذقيّةِ بعدَ الآن !!
شيئاً فشيئاً
تغيبُ القلعة عن ناظري
شيئاً فشيئاً
تُضاءُ المدينةُ البلهاءُ
حتّى اللَّمعان
وتظلُّ الخاصرة اليسرى
من الطابقِ الخامسِ
مظلمةً
وديوانُ المتنبي
متشبثٌ بصورتها
أمامَ حطام الريحِِ العنيدةِ
فوقَ جثتي !!

كآبة -

ذروةُ حزني
مكانٌ
غادرتهِ للتوْ !!

***

فراس سليمان محمد

فراس سليمان محمدصدر له:
المدينة التي أسكنها بعيدة 1989
رصيف 1992
هوامش 1995
نافذة زرقاء 1999
على الحافة وفي الخطوة المقلوبة2000
امرأة مرآتها صياد أعزل 2003

على الطرف القصي من المائدة

1

بقرات
الإشراق الجائعة
صباح الخير
آسف
هذا الحشيش
من معدن

2

على أطلال
المابعد
أقف
أنا
البابلي الملعون

3

الملائكة
بملاعق حجرية
يأكلون وجودهم
أنا
على الطرف القصي
من المائدة
أكتمل
وأنقص
دون أن يتسنّى لي
أن امدح العدم

4

لم أصل
ولكن يمكن لي الآن
أن أضع معطفي
على كتف المتراس
أن آتداعى
في الظل
الذي يملكه الأعداء
وأهمس
كمحارب متعب
كم من القسوة
أنني ممتلئ
بما لا أحب قوله

5

العدم...القرصان
بعينيه المفتوحتين
ودون عكاز
خطفهم
حدث أنهم لايملكون شيئاً
على أقرب شاطئ قذفهم
وجدوا أنفسهم موجاً
لن يسترجعه البحر
ولن تضمّه اليابسة
بقوا هكذا تحت الشمس
مثل لاشيئ يحترق
وتفوح حادةً رائحة عذابه

6

الجنرال بكل نياشينه
وبصوته الأجشّ
يصفّ الموتى
قبالة شاشة مثقوبة
وبثياب نومهم المخططة
يدفعهم ليدفشوا مناماتهم
إلى بساتين مهجورة
الموتى..واحد اثنين..
وينقلبون مثل أمعاء الموج
داخل حفرة في السماء
الموتى وهم يقطعون بأسنانهم
الخيوط الزائدة
المتدلية
من ثياب نومهم
يسمعون الهسيس الرتيب
لآلات الحياة

7

ثمة لاشيئ
يرتجف
تحت
أقنعة
لم تكن لأحد

***

مدحلة

مضاءة بالتشابيه
تجأر
في وعورةٍ بيضاء

***

كأنه الجسد
ندمٌ يتحقق
كأنه
لايوجد أنا

8

دمٌ
على
السلّم
ليس من قاتل
ولا مقتول
فقط
دم لن ينشف

9

أجمل ما في القصيدة
الذباب المتيبس على شفتيها
رائحة الظلال حول سرّتها
مفاتيح القشّ تتدلى من
يديها الواهنتين
أجمل ما في القصيدة
هوّة الخواء
التي كاد مالدرور
يملأ نصفها بالدم

10

بمنتهى الفرح
يتأمل الرجل الضائع نفسه
كونه لا أحد
يمشي بدعة في حرش الوقت
لم يكن في الحسبان
أن تهرّ أزرار غيومه
بهذه السرعة
أن يعرى .. أن ينكشف روحاً
تتخبط في وحلها قارة مقلوبة
لا
الرجل الضائع المجنون
في حرش الأسمنت
يبدو هادئا الآن
وهو يربط حصانه بقوس قزح
على مدخل السوبر ماركت.

***

كمال جمال بك

صدر له:
فصول لأحلام الفرات 1992.
بعد منتصف القلب1994.
سنابل الرماد 1995.
فاتحة التكوين 1996.
مرثية الفرات العتيق 2000

كائنات قصب السكر

تعالي لنحسبها..
ونؤسِّسَ مملكةً للسؤال
أنتِ من نبْتةِ الضوء طالعةٌ
يتكسَّر بين يديكِ الندى
والزنابقُ من غبطةٍ تتأرجحُ في مقلتيكِ..
أنا المتأصّلُ في نبْرةِ النّارِ
عادة صوتي أن يتماوج بين السهوبِ
وسعْفِ الخيال
/.. الممالكُ غصنٌ طري
يتحدَّبُ في قبضةِ عجوز
ولهذا تقولُ النقوشُ على الجذوع اليابسة:
لا تدخل كهف الألوان
لتستقرئ دهشةَ الصفصاف
ولهذا تقولُ الأغصان المحروقة:
هذا الرماد من تلك الأشجار
من ذلك الجمر.../

تعالي لنحسبها..
ونمازجَ بين الظلالِ وبين الضلال
أنتِ من شجرٍ أهْدَبٍ وسحابٍ
وعالمُك الفستقيُّ المشعشعُ أشهى من التَّمْرِ..
يشبهُكِ الوردُ عند تفتُّحِهِ
وأنا من حليب الصحارى تفرَّعتُ
لي جسدٌ صامتٌ
ودمٌ ناطقٌ
وتواريخُ قلبي قبْلكِ منسوجةٌ بالرمال
/..ها رأسي بين حقولك
نظيفٌ من تماثيل الدراويش
وقشّ الأشعار، ودفوفِ الحكمة
وحريرِ التاريخ
وبريء من دم هابيل والمسيح والحسين.../
تعالي لنحسبها
ونصاهرَ جذرَ الحرامِ بجذع الحلال
فينأى بنا النخلُ عن ساحة الابتهال
/.. هوذا قلبي
ريشةٌ في مسارات البروق
تجاهرُ بالتكوين
وتسائلُ القيعانَ المنهارةَ عن يأسِ الهدوء
يكتبُ: نطقَ الماءُ جهراً فكنتِ
وسالتْ وردةُ الكائنات
صمت الماءُ سرَّا
فخرجت الأجناسُ والأنواعُ من قصب السكر../

تعالي لنحسبها..
ونزاوجَ فوضى الجهات
بعقد الفصول
وعرس الغلال

/.. أكتبُ.. وأمحو:
من الماء جئنا
شرعاً وسِفَاحا
إلى الماءِ نمضي
مؤمنين وملحدين.../

***

لقمان ديركي

لقمان ديركيصدر له:
ضيوف يثيرون الغبار 1994
كما لو أنك ميت 1998
وحوش العاطفة 2000
الأب الضال 2003

السواد

نحن الذين قُتلنا
‏‏في حرب ‏حزيران
في حرب أكتوبر
وفي حرب تشرين
في حرب الأكراد
وفي حرب الشيشان
بين كوسوفو والصرب
وبين البوسنةِ والجسرِ.
في حرب طروادة
كنا خلف الأسوار
جفتِ الدماءُ في عروقنا
ولم يمضِ المحاصرون.
وكنا خارج الأسوارِ
اهترأت جلودُنا
ولم يستسلمِ المحاصَرون.
طاردْنا أبا جهل
وحظينا برأسه
وقُتلنا على أيدي أعدائه.
أنهكتنا الحروبُ
فتجمدنا في المتاحفِ
أوقاتَ السلام.
نحن الذين قُتلنا
في كل الحروب.
أنهكتنا الحروبُ
فتجمدنا في المتاحفِ أوقاتَ السلام.
في حرب البسوس
وتأرجحت جثثنا على مشانق الأتراك.
نحن الذين قُتلنا
ومُنعت أمهاتنا من البكاء علينا.. فزغردنَ
ومُنعن من الحداد
فارتدين زهورَ البراري الصاخبة.
اقتادونا إلى القتال
وهرب بعضنا إلى بلاد آمنة
فماتوا اختناقاً في الشاحنات
وسُحقوا تحت عجلات القطارات.
.ماتوا مستوحشين تحت ثلوج شمال الأرض
نحن الذين قاتلنا أعداءَنا
ونحن أيضاً أعداؤنا
تعلمنا الموتَ مبتسمين
والحياة متجهمين
فبنوا لنا ضريح الجندي المجهول.
منا الذين كانوا مع الوليد
وقتلهم الوليد
ومنا الذين سامروا الرشيد
في لياليه الضاخبة
وشنقهم لحظة صحوه.
ومنا حرس الثورة
الذين قُتلوا كي تعيش الثورة
لمحنا الجبناء في جنة أسيادهم
ومتنا صامتين
ودُفنّا بجانب شعرائنا المذعورين
بشرفٍ هو الصمت.
نحن الذين قُتلنا
ومُنعت أمهاتنا من البكاء علينا
فزغردن
ومُنعن من الحداد
فارتدين زهور البراري الصاخبة.
نحن الذين..
عندما يموت أحدهم
على سريره
وتحت مباضع أطبائه
دون أن ترى عيناه ساحاتِ المعارك
يجرّوننا من ضريح الجندي المجهول
يُخرجون الدموعَ من أعينِ أمهاتنا الجافة
ويرمون بالسواد عليهن
ينهضوننا من قبورنا
.ويسيّروننا حزانى في موكب الشهيد.

***

لقمان محمود

صدر له :
أفراح حزينة 1990
خطوات تستنشق المسافة 1996

مشاهد متداخلة

مشهد 1

في نهاية لاتنتهي
سأبدأ بالشيء الذي يربط الجبل بعلّوه
تاركاً ضياعي في الأفق
كي يبقى البعيد
أكثر قابلية للمجيء
فعلّمني أيها الجبل
نطقَ علوّكَ كاملاً
ومهّد لعلوّي شيئاً منك
فأنا أعرف
لأن جميع من حاولوا نزعك،سقطوا؟؟

مشهد2

-1-

أحيلت فأس إلى شجرة
وبعد مرور غصن
تبين أن الجذور
كانت في حالة إضراب عن الماء

-2-

ما من شجرة إلا ومارستها الريح
جميع الأشجار مستعدة لذلك
لا شجرة خارج الجنس
فما دَخَلَ"غبار الطلع" شجرة
إلا وتلذّذت أغصانها بنشوة الثمار

-3-

أن تهرب شجرة بكامل جذورها مع عصفور
هذا يتطلب منا
إقناع بقية الأشجار بالالتحاق إلى السرب

-4-

يدرجونني في الغموض
وأنا..أنا
لا أكترث
لأنك..قارة سابعةْ
..
عندما تتغير فيك الشجرة
أموت:
عصفوراً..عصفوراً
..
أتابعك بجميع عصافيري
ولكن أرجوك:
إبق شجرةْ
..
سأتنفس العتمة
طالما الهواء أعمى
...
البحر أزرق
لأنك أيتها الآنسة ماء
...
مقولة:الحب أعمى
لا تنطبق على العميان
..

مشهد4

حكموا على أحد الشوارع
بالإعدام
رمياً بالجثث
لأنه سمح للخطوات
استنشاق المسافة.

***

لينا الطيبي

لينا الطيبيصدر لها:
هنا تسكن 1996
أهز الحياة 2002

نصوص

حياة

بحياة صغيرة،
حياة يتيمة وجائعة،
و...بحياة لم تولد بعد
حياة اختزنت في ضحكتها موتها،
بحياة طرية
أستأذن لأختبئ وراءها
هي الحياة
التي ساقتني بقدمين من خشب
وفم وحيد
وراية
أقبلُ عليها لأشهد ولادتها .

على حافة الحياة

عالياً..
عالياً
أريد أن أموت
برفة وحيدة
وعلى جناح مائل
في سماء عطوف
تمدد لي بين الغيمة والغيمة سريراً
وتوسدني في ارتجافتي الأخيرة
جناح غبطتها
تاركة لي أن أحلم
بالمطر يتنزل
هيناً
يبلل
ما تساقط
من رياشي يقظتي

لا أعني

عندما أقول أنا
لا أعني ذلك أبداً .
أنني أتحدث دائماً على الرئة الأخرى
عن دخان يتنفسني .

عندما أقول أنا
لا أعني أبداً ما أقول
أنني أتحدث عن الصفاء
عن المرآة التي تقتسم غموض وجهي

أحياناً ..
عندما أقول أنا
أدخل في جلال الظل.

***

ماجد قاروط

صدر له :
فصل الانتحار 1998

أنا.. مع وقف التنفيذ

1

لماذا يُخيّلُ للكلّ أن يديّ اثنتان..؟‏
مِنَ السهل أن أتكّنسَ‏
ذلكَ أنّي بدَوْتُ طفيفاً‏
هنالكَ فوق القمامةِ تُدهشني‏
من بقاياي أميَ..‏
رَتّبْتُها ثم زِلْتُ‏
تعثّرْتُ..‏
دوماً أُحسُّ بأنّ التلكؤَ‏
بالموتِ أنثى‏
ودوماً أحسّ بأن‏
الكؤوس أمامي قلاعٌ‏
ترى هل أنا صدْفةٌ..؟‏
أم أنا أكرَهُ السبتَ لا الخُبزَ؟‏
ماذا سأفعلُ لو جاء صحوي وقال‏
بأن الكراسي صغيرهْ؟‏
دمي يتدافعُ.. لا يستطيعُ‏
أُخَرّبُ حنطةَ وجهي‏
ولا أتفادى الزوايا‏
أُخرّبُ ثم أُخرّبُ‏
أرْغَبُ أنْ أتَنَصّتَ كيفَ‏
سيسقطُ بالجملةِ الدهرُ..؟‏
سَمْعي كَمَنْ يكسرُ الكأسَ ثم يُكَذّبُهُ‏
قَلْبُ يا قَلْبُ‏
ها أنتَ مختنقٌ‏
لم تشأْ أنْ تغصَّ بهذا الضَجَرْ‏
تراخيتَ‏
فوضى العبادِ بجوفكَ ليستْ‏
كفوضى المطرْ‏
عصاي تخورُ‏
وطيرُ الكلامِ الرتيبِ تسمّرْ‏
وداعاً إلى الأبدِ الآنَ‏
ليس المهمّ بأن أستفيقَ‏
ولكنْ مهمٌ بأن أستريحَ‏
بفوّهةِ القبرِ‏
أَكْثَرْ..‏

2‏

أُصَفّرُ أَوْ لا أُصَفِّرُ‏
لا فَرْقَ‏
لا أحدٌ سوف يسمَعُ صوتي‏
وجوديَ ما كان قَطّ رقيقَ السمواتِ والأرضِ‏
إنّ الحضارةَ يا ربّ أن أتساقطَ‏
كلّيَ مَيْتاً‏
وليسَ الحضارةُ أن أتساقطَ‏
شيئاً فشيئاً‏
سأخرجُ بعد قليلٍ‏
عساكَ تنام‏
فَوَجْهُكَ من سهر الليلِ يَصْفَرْ..‏

3‏

كأنّ الممراتِ تطفحُ فوق لساني وفوق يديْ‏
أزْمتي أنني لا أشدّ انتباه‏
الأماكن حولي،‏
وجهليَ بالأكل يبترُ وجهيَ‏
شكلُ العبارةِ يهتمّ دوماً لشكلِ فميْ‏
فلذا أتعثّرُ بالنطقِ‏
بالأمس كنْتُ أداري جميعَ المشاكلِ‏
إلاّ الحبوبَ المهدئة.. انتقصَتْ‏
من كياني..‏

4‏

إذا ما انصدَمْتُ بأنّ بريقيَ هشٌّ‏
وكانَ الذي كانَ..‏
لا تغرزوا القمحً فيّ فيفُضَحَ أمريَ‏
ها أنذا في المدينةِ منتظرٌ كي يمرّ أمامي‏
رصيفٌ حلال‏
وها أنذا يبلعُ العمرُ ريقيْ لأنيَ‏
لا أستحمُّ برؤياهُ‏
إنّ النهارَ المبيّتَ لي وسخٌ يا أحبّايَ‏
كنْتُ أودّ لبضعِ دقائقَ‏
أن أدَعَ الكُتُبَ المستجيرةَ بيْ‏
تَسْتجيرُ لآخر مَرّةْ..‏
وكنتُ أودُّ التملصَ مما أنا فيهِ،‏
أسْكُبُ‏
أعلمُ عِلْمَ اليقينِ‏
بأنّ الشوارعَ لا تشربُ الشايَ‏
كي تهدأ الآنَ‏
يبدو بأنّ التذمر يخفى‏
ولكنْ أنا كيفَ أخفى..؟!‏

5‏

أوَحْدَكَ يا اسميَ تكفي لأنْ‏
تبدأَ الحرب..؟‏
لا أتخبّطُ‏
حاشايَ أنْ أتخبّطَ‏
أمْضي إلى ساحةِ الصحنِ‏
مكتحلاً بالأناقةِ‏
لا طلباً للطعام ولا للشراب،‏
ولكنْ لأسمعَ إيقاعَ منفايَ‏
أمشي.. ألا ليتها الأرضُ‏
ما حَمَلْتَ قدميّ ووسّخْتُ،‏
شَخْصَكَ يا طينُ‏
تعبانُ- لا ألقُطُ العمر،‏
يبدو بأنيَ أنقرضُ الآنَ‏
خُذْ يا طريقي جميعَ نقودي وَدَعْني‏
سأمشي على الرغم منْ أنّني لم أكُنْ‏
مُعْجَباً قطّ بالمشي‏
وجْهيَ أكْثَرُ مما أريد‏

6‏

عَصَا حَلْمَةِ النهدِ‏
ويلاهُ.. ويلاهُ‏
هل تتآكلُ حينَ سيشرُدُ‏
قلبي عن الدقّ‏
إنّ الذي ما ارتمى بَعْدُ مِنْ ضحكتي‏
يرتمي الآنَ..‏
بالأمسِ ليسَ على مشيتي حَرَجٌ‏
حيَن تسقطُ من فطنتي شَفَةٌ‏
لم يكْنِ بدْعةً شَعْرُ رأسي‏
لماذا يشيب؟‏

7‏

أنا واقفٌ‏
ليس لي حيلةٌ‏
بينما كنتَ أنتَ‏
تكفكفني عن وجودي‏
إلى الآنَ‏
لم يعلمِ الدهرُ‏
أنيَ لا أستطيع الرقادَ‏
على ضوء وجههْ.

***

مازن أكثم سليمان

صدر له :
قبل غزالة النوم 2004

واحة والإنترنت

عندما أموت
ويًََُنشر اسمي في نعوة الإنترنت
الموظَّفة واحة عاشقتي
تقرؤه من كل الجهات
ولا تصَّدق أبداً
حتى تصفُر نبتة الحبق
ويصرخ الأصيص في وجه الجدران:
أفسحوا الطريق لعربة الشمس
"ثمة جثة تتلمس مدفناً في شعاع"
عندما أختفي
عن سطح الأرض
تقدَّسي آنياً ألسنة المتحوِّلات.
ذاتها
التي ذمَّتني
عن كلّ موقف باص

في المدن
يكون الموت جذرياً
الانتقال من الأرصفة والمباني
وإشارات المرور الإلكترونية
إلى التراب
المسافة تبدو هائلة
مقارنةً بموت قروي
عبورة فقط
من فوق التراب
إلى تحته

واحة التي أحَّبتني
أكثر من فستان سهرة
وأعمق من سروال داخلي
ياما زرعت بهجة البلابل
في حقول السرير

ياما ردَّدت أنّها تعبدُني طليقاً
فإنْ فتّشتْ مساماتي
واكتشفتْ أصابعَ امرأةٍ أخرى
منسيةً في تسريحتي
صَََفَعتني، وبكَتْ ..

كأنني لم أقرأ في دموعها
قائمة الخيانات الجديدة
بعدَ كل ّ حفلة..!!
واحة التي سحَرَتني
وأطلقتْ في دمي صقرَ الجنون
باركتُها على راحتيِّ كما هيَ
بطابور ضحاياها الغرقى
ومزاج قهوتها العاصفة
بفضائحها المشتعلة في كلّ مكان
وأكاذيبها التي أُغرِمتُ بها:
البحرُ سأضعهُ خاتماً في إصبعكَ
لا..ما من طعمة غريبة لشفتي
ونمتُ البارحة عند رشا المريضة..

واحة التي تكره الايدولوجيا والأساطير
وتقرأ كونديرا بنهمٍ
إذا فقدَتني في الألف الثالثة
ليسَ كجدتها
تتزوَّج الأسْود لسنوات
وتوصد نافذة الصَّدر
وتصلِّي

واحة الحديثة
تتعّرى في أوَّل صيف
وقربَ أوَّل رملة
جسدها مرجل ظمآن
قلبها أبداً مفتوح

نهداها عدَّاءان
ذاكرتها سلحفاة
...
...
ولها موقع يزوره المعجبون على الإنترنت.

***

محمد الحموي

صدر له :
هي والغابة 1996
قال: ثم من ..؟ قال الحياة 2000

الأسيد يا كاترين

كاترين
ما كان بوسعي
أن أعد الطائرات الورقية
التي اخترقتني
وأنا واقف
أتذكر وجهك
كل ما فكرت به قلته لك
لم أترك شيئاً يذكر
وهذا يعني أني قلت الكثير
وهذا يعني
أنه لم يسمعني أحد
سفحت أفكاري عليك دون رحمة بك
أو بأي شخص عادي آخر
وعلى فمي دائماً
نبتت مرارة تحبينها
وفي صالة السينما يا كاترين
صدقيني أرجوك
سنشاهد Shakespeare in Love
وستكبر هواجسنا معنا
سنعتني بها مثل أولادنا بالضبط
ولن يتغير شيء
في تمثال الكلس بالخارج
وبين الأدوار القليلة
التي سنكون قد تبادلناها حتى الآن
سأحكي لك بشيء من المتعة
عن غبائي عندما انقطعت الكهرباء
وذاب التمثال
ولم ألمسك
كاترين حبيبتي
كنت انتظرت بضع سنوات أخرى
ليمرق الثلج
مثلما يمرق الوقت
لاهباً وحلواً
ومثلما يمرق الجيران
متعبين من ثرثرات أزلية
لكني نمت في الكرسي
ولم أنتظر أحداً يوقظني
إنما في العرض المقبل من الفيلم
أجل يا كاترين
سأمد يدي إلى صدرك
فقد أرى نفسي
مرة وإلى الأبد
كائناً بشرياً
بوجه متسق
وأطراف مدببة
وروح مالحة
ملوحة الأسيد
فوق المقعد
هل سنترك وراءنا
عمداً
أنا وأنت يا كاترين
عدة مناديل
تدل علينا؟

***

محمد المطرود

صدر له:
ثمار العاصفة1997

ألجأ اليّ

لي الآن أ ن أفتح الباب
أقول للأحباب : صلوا عليّ
أقول ليدهم : حني
وللوردة فاضت آنية الحنين
وللقمر تجلىّ في ليل محنتنا
وللروح أبشري بأثر ثمين
وللضوء الراكض خلف ظعنهم
اكسر طوق العتمة حول وردتهم
أقول يا يدهم: هيلي تراب الألفة
عليّ
أقول للصدى :رد ّ أصواتهم إليه
يا يدهم من غيرك أوصد الباب
حتى ارتميت أليفا في أوار القصيدة
وارتحلت مشاكسا في دهشتها
يا للشقاوة كيف أعطتني سرها ومفاتيح خزائنها، الخبيئة، فتعلمت البكاء سرا /والضحكة سرا / "والموت كما لا يموت أحد "
ورأيت كضوء ينوس
كشمس بأفل أطفال ضحكتها
كيف فرت عصافيرنا الكسيرة
وغيمت فوق حزننا كسرب أنين
هي روحي طيرت لهم ما طيرت
واستوت أخيرا لقول حزين
واستوت أخيرا لحكمة حزينة/واستوت أخيرا لحلم بهيج
العاشق فيّّ لا يوصد الباب
عاشق بدائي يتلبسه وجعهم
ويقول للقريبين من حرائقه : صلوا عليّ
هو حكيم كسول يأثم بخطاياهم
إذ ا أغوته تفاحة الرغبة الأولى
أو جحيم اللمسة إذا اقتربوا
ثم يلوذ بعيدا بالهواء / حين لا هواء
وبالنافذة إذا عز الأحبة عليه

الأحباب يصلون هنا
ويتركون يدهم حيث صلوا
اتبعهم كقطيع خلف "ملك أعمى"
يقود رعيته إلى خمس قارات
تتناهب العويل المر والكلام الجميل
الكلام الذي عادة نقوله متأخرا
هم رأوا أن اتبعهم كظل موارب
لم يصيحوا بي كثيرا
كي تنهض أيائل حب من غفوتها
وينحني جبل ما لندائهم
أيقظوا بيداء الروح ا لفسيحة
والعشب الراقص لمجيئهم
حتى يخرج الصوت من بئره
فأقول للعين : ادمعي
أقول للأذن: اسمعي
وللغامض منهم: هذا أ أنا
وللواضح من المعنى : خانتني القصيدة
وللباقي من ظلهم : يا شجر
وأنحت نصي على الخشب
وأبكي حرقة الفقد فيه
خشب استمالته النار
خشب انتهكه النحاتون
خشب أدمن مسافتهم
مال عليهم
مالوا عليه
ثم كسروه
أصيح ملء تكسرها الروح
أصيح يرتد صوتي إليّ
فأرى روحا ترمم الغريب فيها
كأنها ندب العويل اليّ
وكأن الحبيب احترقت خدعته
كأن الحبيب قصرت يداه
قبل أ ن يصل نهدها المصقول
أ وشفتها،أو سرتها، أو خفتها
أو ذئابا تتقافز في برية جسدها
أو قططا تموء تحت خصلتها أو
فوق حرير وسادتها
يا ألله: يا الحرير / يا ا لوردة / يا ا لشجرة/ أقول
يا الحب / يا ا لترف / يا ا لشيء /يا اللاشيء
هي عصافير للوجع عرجت إليهم
وهم الأحباب ارتفعت سماؤهم
وارتدت / خائبة /وقتلى / وبريئة /وحانقة/ وأنثى
وجميلة / ومشوهة / ومهووسة/ وغريبة /
وقريبة عصافيري اليّ
رسولي إليهم
ارتد سهما إليّ
يا الوارف من حلمهم ظللني: أقول
وللوجع إن مر بهم: مرني
وللجسد البهي إذا اكتمل
وتفتحت كأول الشمس مفاتنه: هذا أنا
أقول له إذا اعتلى / ورأى شبيه إله في مرآته
أنا نبيك في قرارة الحزن، فاهبط إليّ
فاهبط إليّ / أقول اهبط
لا يليق بالآلهة هبوطهم
فارتفع / ارفعني إلى مشارف الدهشة
يا لحبيب كيف نصك يخونك
وكل الآلهة تصالحت فيك
وماذا تقول القصيدة أخيرا
حين يتناسل من رحمها الأشقياء
والأغبياء
وشبه العشاق
وشبه الشعراء
هل ظل فضاؤها الحزين
إذ نزيح المعنى عنه مكانا
الكلام الذي فيه
الصور التي علقتها وخانتني
النشيد الذي نام معي طويلا
المرأة التي باعتني النشيج
لم يبق المكان الناقص من حزنه
ومن من مكائد الأصدقاء الطيبين
مكانا
يأوي طفولة الحزن في أنيني
ويقظة أطفال الوهم إذا تنبهوا
ووحشة الغريب في نفسه
وشقاوة خاتم ملوك الخيبة
وامرأ ة انتظرت فتوحاتي بشبقها
وقالت في الحب لغتها
وأعطت لسرير عجل خيانتها
وصاغت بالخدعة حكمتها
أقول :هل بقي الهواء هواء؟اا
يرد الهاجس النائم في:لا
ولا الماء / لا الجهات الخمس / لا الفصول الأربعة
لم يبق شيْ نخبئه /لا لم يبق، ما نسدل دمعة الأسى
عليه
يموت في آخر الصدى صوته
يعود الشقي إلى روحه
له كذبة يمرن حواسه عليها
يقول: مرحبا يعطر قبضة الباب
ويتركهم يصلون على يديه
ويتركهم كالأدعيات يتقاطرون
إليه
شقي وله الضوء الأمير
وله الجند يقاتلون عتمته
إذا سقط مطعونا بالحب
وأخطأ الضوء رسم خرائبه
وابتعدت عنه دنيا المودات
وضاقت كأنشوطة أسماؤه
عليه
هو أنا: محمد هجرته النبوءة
والأحباب: هموا أحبابي
فهل لي أن أ لجأ إليّ ؟ا ا ا