لماذا نقول الأدب الفارسي ولا نقول الأدب الإيراني؟
هذا سؤال يمكن ان يخطر علي بال العديد من الذين لا يعرفون التركيبة القومية في إيران. يشمل الأدب الإيراني وعلاوة علي الأدب الفارسي،أدب القوميات الإيرانية الأخرى غير الفارسية منها الأتراك والأكراد والعرب الاهوازيين والتركمان والبلوش. وأما الأدب الفارسي الذي يشكل الفرع المهم والرئيس من الأدب الإيراني والمدعوم رسميا وحكوميا أكثر من الآداب القوميات الإيرانية الأخرى له تاريخ خاص لنفسه.
هل كان هناك أدب فارسي قبل الإسلام؟
ــ تظهر الدراسات والبحوث التي قام بها الأوروبيون والإيرانيون أنفسهم، خاصة بعد قيام الثورة تظهر ان الفرس وقبل الفتح الإسلامي لبلادهم لم يعرفوا الأدب الرفيع، خاصة الشعر حيث لم يتجاوز أدبهم الشعري بعض الأشعار الفولكلورية البسيطة والمعروفة باسم (الفهلويات). ولهذا الأمر أسباب بنيوية سنؤشر إليها هنا.
يعتقد بعض الباحثين في التاريخ الإيراني القديم انه وقبل قدوم القبائل الآرية من القوقاز ــ وهم أجداد الفرس الحاليين ــ كانت عدة شعوب مسالمة من السكان الأصليين تقطن نجد إيران وتتحالف في ما بينها باتحاد فيدرالي. ومن تلك الشعوب يمكن ان نذكر العيلاميين والكاسيين والماديين والعرب والمارليك.. الخ. وقد وصل الاخمينيون ومؤسس سلالتهم غوورش (سيروس) الى الحكم بعد إبادة السكان الأصليين وذلك بمساعدة اليهود الذين استنجدوا به ليحرر سباياهم من الملك نبوخذ نصر في بابل حيث قام غوورش بتدمير بابل وتحرير اليهود وإعادتهم الى أورشليم.
وقد حكم الأباطرة والأكاسرة من السلالات الثلاث أي (الاخمينيين) و(الاشكانيين) و(الساسانيين (بلاد فارس قبل الإسلام لمدة 11 قرنا بقوة العسكر أو ما اشتهر بـ(الرمح الفارسي) وكانت حضارتهم حضارة عسكرية بحته لم تقترن بأي ثقافة مزدهرة خلافا للإغريق المعاصرين لهم آنذاك. وحتى في مجال الشعر لم يكن لهم الشعر يذكر كما كان للعرب الجاهليين. كما كانت لغتهم المعروفة بالبهلوية لغة ركيكة لم تتسع لا للمفاهيم الثقافية ولا الأدبية ولم يملكوا أبجديه خاصة بهم حيث كانوا يستخدمون الا بجديه الآرامية قبل الإسلام ؛ حتى جاء المسلمون العرب الفاتحون ومعهم الأبجدية العربية، استخدمها الفرس بدل الآرامية لسهولتها وغنائها البلاغي والأدبي.
ازدهار الأدب الفارسي بعد الإسلام
وقد كانت الفترة بين القرن السابع والتاسع الميلادي للفرس بمثابة فترة حاسمة حيث عرفت عند الإيرانيين بـ(دو قرن سكوت) أي قرنين من الصمت فقدوا خلالها لغتهم البهلوية التي كانت متداولة في عهد الساسانيين، غير أنهم لم يتبنوا لغة الدين الجديد أي اللغة العربية كما حدث آنذاك مع المصريين والعراقيين والشاميين والبربر.
وقد ظهرت لغة مختلطة من المفردات العربية وبعض الكلمات البهلوية القديمة وصفت بالفارسية (فارسي دري) حيث تضم ولا يزال نحو 60 في المائة من المفردات العربية علي الرغم من محاولات حثيثة تمت في المائة سنة الأخيرة من قبل القوميين الفرس لتنقيتها من المفردات العربية وإحلال مكانها كلمات ذات أرومة بهلوية قديمة.
ونفخت الأبجدية العربية والعقيدة الإسلامية، الروح في جسم الأمة الفارسية حيث ظهر وخلال 4 قرون ــ من القرن العاشر وحتى القرن الرابع عشر ــ شعراء وكتاب وعرفاء ومتصوفون ومتكلمون وفلاسفة ونحويون لم يشهد التاريخ الإيراني نظيرا لهم أبدا. فقد طل علينا في مجال الشعر عمالقة تخطت شهرتهم حدود إيران الجغرافية وأصبحوا إرثا أديبا عالميا كالفردوسي وملحمته الشاهنامه، وعمر الخيام وهو شاعر وفيلسوف، وناصر خسرو البلخي وهو شاعر وصاحب (الرحلة) المعروفة بالفارسية والمترجمة للعربية، والمولانا محمد الرومي وسعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي والنظامي الكنجوي والجامي. وفي العرفان والتصوف: عطار النيسابوري وأبو سعيد أبي الخير وعين القضات الهمداني وفي مجال الفلسفة: شيخ الإشراق السهر وردي وصدر المتألهين الشيرازي وميرداماد وفي مجال النحو العربي سيبويه وآخرون. وهذا غيض من فيض لم نريد ان نفصل فيه.
عنصر الانحطاط
شهد الأدب الفارسي وكما الأدب العربي فترة ركود وجمود عرفت باسم عصر الانحطاط حيث تمتد من القرن الـ14 وحتى القرن التاسع عشر الميلادي. وفي الحقيقة كان الشاعر الغزلي حافظ الشيرازي آخر العمالقة في الإبداع الشعري الفارسي وهو يعتبر ــ في نظر العديد من الشعراء والنقاد ــ قمة الشعر الفارسي واحد أعظم شعراء العالم، مما حدا بالشاعر الألماني الكبير (غوته(كي يقدم ديوانه الشرقي الغربي الى هذا الشاعر الإيراني العظيم.
وخلا عصر النهضة من أي صوت شعري بارز ومبدع حيث اتجه الشعر الى الغموض والتعقيد والشعراء الى التقليد واجترار الماضي التليد.
وقد كان لهزيمة الإيرانيين أمام الروس في اوائل القرن التاسع عشر وفي عهد الشاه فتحعلي القاجاري دور مهم في إيقاظ الحاكم والنخبة الذين شعروا بمدي تخلفهم الحضاري عن الأوروبيين.
وقد أوفد الشاه عددا من النخبة الى أوروبا للتعرف علي التطور الهائل الذي حصل في المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية.
النهضة الأدبية الحديثة
أول ما جدد في الأدب الفارسي الحديث هو قائم مقام الفراهاني الذي كان مستشارا للبلاد في عهد الشاه محمد القاجاري في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، إذ حاول في كتابه المعروف بـ(منشآت قائم مقام) ان يقرب لغة النثر الكلاسيكي الفارسي من لغة الشعب ويقلل من الإطناب في الكلام الذي كان سائدا آنذاك.
لكن التطور حدث بعد ان تعرف الشعراء الإيرانيون علي الشعر الفرنسي الحديث وشعراء من أمثال بودلير ورامبو واندره برتون وآخرين. والاهم من ذلك تأثرهم بالشاعر البريطاني تي اس اليوت. وهذا ما شاهدناه أيضا لدي الشعراء العرب المجددين كبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور.
وكان نيما يوشيج اول شاعر فارسي كتب الشعر الحر أو الشعر الحديث ــ شعر نو ــ كما يحلو للإيرانيين ان يسموه وذلك عندما كتب قصيده (افسانه) في عام 1925 وهي تعني الأسطورة أولا واسم يستخدمه الإيرانيون لتسمية الفتيات ومنهن عشيقة شاعرنا المجدد. وأول ما كتب الرواية الحديثة بمفهومها الفني والأدبي هو صادق هدايت وذلك عندما نشر ولأول مرة روايته (البومة العمياء) في الهند عام 1934 وفي 50 نسخة فقط.
وقد أعيد طبع الرواية لعدة مرات خلال الأعوام التي تلت طبعتها الأولى وفي إيران بالضبط وترجمت الى عدة لغات منها العربية.
ويمكن ان نقارن ما قام به صادق هدايت في مجال الرواية بما أنجزه الكاتب المصري محمد حسين هيكل الذي نشر رواية (زينب) وهي اول رواية فنية عربية. لكن مستوي صادق هدايت الفني اعلي من هيكل حيث يمكن ان نقارنه مع نجيب محفوظ أو يوسف إدريس مثلا.
لكن وقبل هدايت بسنوات ــ أي في العشرينيات من القرن الماضي ــ اصدر محمد علي جمال زاده اول مجموعة قصصية باسم (فارسي شكر است) أو (الفارسية، سكر) وهي اول محاولة لكتابة القصة القصيرة الفارسية وفقا للمواصفات الفنية الحديثة.
مقارنة بين الأدب الفارسي القديم والحديث
ان نظرة فاحصة الى تطور الأدب الفارسي منذ نشأته في القرن الرابع الهجري ــ العاشر الميلادي ــ وحتى الآن تظهر انه وعلي الرغم من المحاولات التي يبذلها الجيل الجديد من الكتاب والشعراء الإيرانيين الا أنهم لم يتمكنوا من بلوغ المستوي الذي وصل اليه الأدب الفارسي الكلاسيكي. فقد أصبح عمر الخيام وحافظ الشيرازي والمولانا الرومي وسعدي الشيرازي شعراء عالميين بفضل أدبهم وشعرهم الإنساني الرفيع حيث نري ترجمة ديوان الرومي الى الانكليزية وحتى أيامنا هذه في صدر المبيعات من الكتب في الولايات المتحدة الأمريكية.
أو للنظر الى الخيام والترجمة الرائعة التي أنجزها الشاعر الأمريكي فيتز جرالد والتي لا تقل أهمية عن رباعيات خيام نفسه. أو الترجمة العربية لهذه الرباعيات والتي تمت علي يد احمد رامي وغنتها كوكب الشرق أم كلثوم.
لكن لم نر مثل هذه الشهرة العالمية لأي من الشعراء ولا الروائيين في عصرنا هذا ولهذا أسباب سندرسها قادما إن شاء الله.
جريدة (الزمان)
العدد 1520
التاريخ 2003 - 6 - 2
إقرأ أيضاً: