صدر مؤخرا في طهران كتاب بعنوان " عرب ستيزي در أدبيات معاصر إيران" أي معاداة العرب في الأدب الإيراني المعاصر للباحثة و المستشرقة الأمريكية جويا بلوندل سعد.
والكتاب من إصدارات دار" كارنك" للنشر في طهران، حيث قامت السيدة فرناز حائري بترجمته من اللغة الانجليزية الى اللغة الفارسية وتم توزيعه في كل إنحاء غيران.
وتشتهر السيدة جويا في الأوساط الأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية ببحوثها حول إيران وتركيبتها الإثنية و القومية و الأدب الفارسي المعاصر وصورة العرب في هذا الأدب؛ اذ قامت بدراسة الأدب الفارسي الحديث من شعر وقصة و رواية و كونت علاقات وطيدة مع الأدباء والمفكرين الإيرانيين المقيمين في أمريكا للقيام ببحوثها و دراساتها حول إيران.
لكن قبل التطرق الى محتويات الكتاب ينبغي ان اشير الى بعض النقاط في هذا المجال.
أولا: اختيار العنوان من قبل الكاتبة ليس دقيقا حيث كان من الأفضل ان تعنون كتابها "معاداة العرب في الأدب الفارسي المعاصر" وهذا ما نراه أساسا في نص الكتاب؛ لان الأدب الإيراني والى جانب الأدب الفارسي يضم كذلك،الأدب التركي الاذري و الكردي و العربي الاهوازي و البلوشي و التركماني. أي ان لهذه القوميات الإيرانية غير الفارسية ايضا،آدابها و تراثها و ثقافتها تتميز بشكل او أخر عن نظيرتها الفارسية المدعومة حكوميا ورسميا في البلاد.
ثانيا: ان دراسة الأدب الفارسي المعاصر و نظرة الأدباء و الكتاب الفرس تجاه العرب لاتعني العالم العربي فحسب بل و عرب إيران أي عرب الأهواز ايضا. كما وان الأدب الفارسي هو جزء من الخطاب الإيراني العام و لدراسة صورة العرب في هذا الخطاب نحن بحاجة الى بحوث في سائر مكونات هذا الخطاب كصورة العرب في الكتب الدراسية وفي الفلكلور او في عقلية المجتمع الإيراني و طبقاته و شرائحه وحتى في محافظاته و مدنه المختلفة.
ثالثا: دراسة السيدة جويا لم تشمل أدباء معاصرين كالشاعرين ميرزاده عشقي وعارف القزويني وهم شعراء عاصروا ثورة الدستور واوئل حكم الشاه رضا البهلوي حيث يشير الشاعر و الناقد المعروف محمد رضا شفيعي كدكني على نصوص شعرية وأدبية وصحافية لهؤلاء تتسم بالعداء للعرب. كما أهملت أديبا و ناقدا لعب دورا بارزا في الترويج لقضية معاداة العرب وهو عبد الحسين زرين كوب و التي تعد آثاره و خاصة كتاب" دوقرن سكوت" نموذجا للكتب المعادية للعرب كعنصر و الإسلام كدين و ثقافة.
رابعا: شهد الخطاب الأدبي الفارسي بعد الإسلام - برأيي- 4 فترات مختلفة في نظرته الى العرب و العنصر العربي: 1) من القرن الأول حتى القرن الثاني الهجري.2) من القرن الثاني الى القرن الرابع. 3) من القرن الرابع الى القرن الرابع عشر" أوائل القرن العشرين الميلادي". 4) من أوائل القرن العشرين الميلادي و حتى الآن.
ودراسة هذه الحقب التاريخية تساعدنا على فهم الخطاب الأدبي المعاصر حيث تكمن جذوره في الأدب الكلاسيكي الفارسي.
واستغرقت الفترة الاولى قرنين من الزمن أي منذ الفتح الاسلامي للإمبراطورية الفارسية وحتى ظهور أول قصائد و أشعار أنشدت باللغة الفارسية الحديثة في ولاية خراسان.
واشتهرت هذه الفترة بـ" دو قرن سكوت" أي " قرنين من الصمت" للغة و الأدب الفارسيين. ويعزو المؤرخون هذا الصمت الى اندهاش الفرس و حيرتهم اثر الضربة العسكرية الهائلة التي تلقوها من العرب المسلمين في النصف الأول من القرن السابع الميلادي. أعقبت ذلك، فترة انبثاق الحركة الشعوبية التي كانت تعارض الخلفاء الأمويين
و العباسيين؛ حيث أخذت منحا عنصريا معاديا للعرب في بعض جوانبها وذلك ضد ما كانت تصفه باضطهاد الخلفاء ( والعرب) للموالي أي غير العرب.
وقد تم إحياء هذه النزعات لدى معظم المفكرين و الأدباء الإيرانيين في عصر اليقظة القومية التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و نضجت في الثورة الدستورية - ثورة المشروطة- (1906-1908) و أخذت منحا عنصريا في عصر السلالة البهلوية (1925- 1979).
والفترة الثالثة التي استغرقت 10 قرون كانت شاهدا ولمدة 5 قرون
( 4 – 8 الهجري) على ازدهار الأدب الفارسي الذي نهل من القران
و اللغة و الأدب العربيين على خلفية الثقافة الإسلامية المشتركة وأصبح أدبا عالميا بفضل ظهور شعراء عظام كعمر الخيام وناصر خسرو البلخي و سعدي الشيرازي و جلال الدين محمد الرومي
وحافظ الشيرازي، لم ولن يبلغ تلك الذروة أبدا لأقبل ولا بعد ذلك. فلا نرى خلال هذه الفترة المزدهرة حتى مفردة واحدة ضد العرب بل مدحا و تبجيلا لثقافتهم و أدبهم و دينهم حيث بلغ الأمر بناصر خسرو البلخي في إحدى قصائده ان يفضل العرب على العجم و يتمنى ان يكون عربيا.
وقد شهد الأدب الفارسي و كنظيره العربي، فترة انحطاط لمدة 5 قرون ( 9- 13الهجري) غير انه وبسبب احتكاكه بالأدب الأوروبي في الربع الأول من القرن العشرين، اخذ ينتعش ويستعيد صحته رويدا رويدا.
ويضم كتاب " معاداة العرب في الأدب الإيراني المعاصر" بين دفتيه مقدمة للمؤلف و أخرى للناشر و5 فصول: الفصل الأول المعنون بـ"المدخل" يشتمل على العناوين الفرعية التالية: " دور الأدب في تعزيز النزعة القومية الإيرانية الحديثة"، و" إيران: بلد متعدد الأعراق و القوميات"، و" النزعة القومية الإيرانية في القرنين 19 و 20 م"، و" العربي و الإيراني".
" آثار الكتّاب، نظرة الكتّاب" هو عنوان للفصل الثاني ويضم دراسة لصورة العرب في آثار الروائيين والقصصيين: محمد علي جمال زاده (1891- 1997) و صادق هدايت (1902- 1951) و صادق جوبك (1915- 1998) والشعراء: مهدي إخوان ثالث (1927- 1990) ونادر نادربور(1928- 2000).
والفصل الثالث المعنون بـ" آثار الكاتبات، نظرة الكاتبات" يشتمل على دراسة لصورة العرب لدى الشاعرتين فروغ فـرُخ زاد( 1934- 1966) و طاهرة صفارزادة (1937- ) و الروائية سيمين دانشفر
( 1921- ). والفصل الرابع المعنون ب" الرجل المعتدل" يدرس نظرة الكاتب و الروائي جلال آل احمد (1923- 1969) تجاه العرب والفصل الخامس يحمل عنوان " الخلاصة و النتيجة".
ويوجه مدير دار نشر الكتاب، ناصربوربيرار في مقدمته، انتقادا لاذعا للمثقفين الإيرانيين في عداءهم للعرب قائلا:" هذا الكتاب يوضح لنا مدى ارتباك مثقفينا في تبيين هويتنا القومية و يبحث عن فجاجة معاداة العرب المنتشرة والتي أصابت تقريبا كل الأدب الإيراني المعاصر بالاعتلال ونخرته حتى مستوياته العالية" (ص7).
ويؤكد ناصربور بيرار- وهو فارسي الأصل من مدينة طهران- بأن ظاهرة العداء للعرب بين أصحاب الرأي في إيران، ظاهرة حديثة العهد ولم تتعد القرن الأخير ويضيف:" عندما نعود الى منشأ هذا العداء اللامعقول ضد السكان الأصليين من عربنا [عرب الأهواز] وكذلك ضد الشعوب العربية المجاورة التي تشاركنا في الدين وهو عهد الشاه رضا البهلوي، يتضح لنا بان جميع أهل القلم تقريبا يتفقون ويتناغمون - على الأقل في موضوع معاداة العرب- مع رغبات الشاه رضا البهلوي".
و يتطرق الناشر الى موقف المثقفين الذين يصفهم باللادينيين في عهد الجمهورية الإسلامية تجاه العرب ويقول: " ان اتساع دائرة العداء للعرب في عهد السلطة الراهنة، كما نشاهد مظاهرها، هي تجسيد للاستياء السياسي. وفي الحقيقة ان المثقف اللاديني الحالي يريد ان يحمل مسؤولية تخلفه الاجتماعي و عدم جدارته في الساحة السياسية
و الأحداث التي شهدتها البلاد خلال القرن الأخير يحملها على عاتق العرب الذين عاشوا قبل 15 قرنا كي يبعد نفسه و ببساطة عن الأسئلة الوطنية المطروحة عليه!" (صص 7- 8).
هنا ينبغي ان اعدل رأي الناشر لأقول ان هناك غلو في تعميم مقولة معاداة العرب على كل المثقفين الإيرانيين و حتى على جميع المثقفين العلمانيين و يوجد هناك استثناء؛ والاستثناء عادة يثبت القاعدة. اذ يمكنني الادعاء - كعضو عربي في اتحادي الكتاب والصحفيين الإيرانيين - بان نحو 80 في المئة من الكتاب و المؤرخين والروائيين و الصحفيين ملوثين و بنسب مختلفة بعدوى الاستعلاء القومي
و مظهره الرئيسي "معاداة العرب"؛ و لم يورد في كتابات 20 في المئة منهم أي شيء في هذا المجال أي انهم محايدون او بعيدون عن الشوفينية المتفشية بين زملائهم.
وتقول الكاتبة جويا بلوندل سعد انه لايوجد أي عداء للعرب في كتابات النساء اللاتي قامت بدراسة آثارهن في كتابها وذلك خلافا لآثار كاتب كصادق هدايت التي تتسم ليس بالعداء للعرب بل و لليهود ايضا أي نشاهد في كتاباته الأدبية وغير الأدبية نوع من النزعة الفاشية و العنصرية. وبدرجة اقل نرى ذلك في قصص و روايات صادق جوبك و قصائد و أشعار مهدي أخوان ثالث. وتعزو السيدة جويا،ابتعاد هؤلاء الشاعرات و الكاتبات من قضية العداء للعرب الى انشغالهن بمقولة أهم وهي الثقافة الذكورية و التمييز الجنسي ضدهن.
وتقول الكاتبة:" ان العداء للأجنبي في الأدب الإيراني يشمل العرب
و العالم الغربي معا. ويبدو ان الهيمنة التاريخية للإسلام والتي ترافقت مع دخول العرب الى إيران أثارت الحساسيات في عقلية المثقفين في العصر الحديث حيث نشاهد بوضوح أثرها البارز في الأدب الإيراني المعاصر" (ص9).
وتبحث الكاتبة عن جذور النزعة القومية الإيرانية (الفارسية) ونشأتها في القرن التاسع عشر حيث تقول:" ان هذه النزعة القومية و منذ البدء حاولت أن تؤكد بأن انبثاق الإسلام كان سبباً لتخلف إيران. وقد انطلقت منذ ذلك الحين أفكارا تنادي بتعظيم و تبجيل الحضارة الفارسية قبل الإسلام و تاريخها. وقد رسم [المفكران الإيرانيان] فتح علي آخوندزاده (1878- 1812) و ميرزا آقاخان الكرماني (1896- 1853) صورة عتيدة عن الحضارة الاخمينية والساسانية، محملين عرب البادية المتوحشين مسؤولية اندثار هذه الحضارة العظيمة. واعتبر الكرماني، الإسلام دينا أجنبيا تم فرضه من قبل الساميين على الشعب الآري النجيب. واعتبر"الساميين شعبا حفاة يأكلون الجرابيع وهم ناس رحل و عرب متوحشين يتحملون مسؤولية تدمير الحضارة الإيرانية القديمة" (ص17).
وبلغت افكار آقاخان الكرماني المعادية للإسلام والعنصر العربي عامة و عرب الأهواز خاصة بلغت حدا خطيرا حيث أكد في رسالة بعنوان
" ضرورة لشراء إقليم عربستان" موجهة الى الشاه ناصر الدين القاجاري أكد على ضرورة شراء أراضي العرب الإيرانيين في إقليم الأهواز و بيعها لإتباع الديانة الزرادشتية في الهند. و قد اشتهر هؤلاء ب" بارسيان هند" أي فرس الهند حيث هاجروا بلاد فارس إبان الفتح الاسلامي في القرن السابع الميلادي و سكنوا الهند منذ ذلك الحين غير انهم ساندوا الاستعمار البريطاني في الهند و اقترحوا على البريطانيين دعم الشاه رضا البهلوي.
فلا نريد هنا التفصيل في دحض مثل هذه الأفكار حيث فندها زملاء إيرانيين لهؤلاء معترفين بدور الحضارة العربية الإسلامية في تطوير اللغة الفارسية و الحضارة الإيرانية.
فقد شهدت إيران في أواسط القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين أدباء و مفكرين كفتح علي آخوند زاده وآقاخان الكرماني وصادق هدايت معادين للإسلام و العرب و موالين للغرب غير ان شخصيات بارزة كجلال آل احمد و علي شريعتي كانت تمثل الخطاب الفكري والأدبي في النصف الثاني من القرن العشرين حيث اتسم هذا الخطاب بالاعتدال والإنصاف في نظرته للقضايا الإسلامية و العربية. ويبدو ان التطورات الأخيرة تنبئ بأحداث تغيير في هذا الخطاب وان العداء للغرب اخذ ينحسر في إيران في العقد الأخير قياسا للأعوام الاولى لقيام الثورة الإيرانية لأسباب سياسية لا نريد ان نخوض فيها هنا.