معارضة للمركزية الأمريكية.. والعرب بحاجة إلى هيكلة معلوماتية
إنقاذ مرحلة جنيف من قمة مجتمع المعلومات، ليس معناه حل المشاكل العالقة، بل فقط تأجيل البت فيها وخاصة فيما يتعلق بنقطتي التمويل والإشراف على شبكة الإنترنت. وهو ما يدفع البعض إلى الحديث عن "تأجيل لنقاط الخلاف إلى مرحلة تونس" في نوفمبر من عام ?5002?.
كما اعتبرت منظمات المجتمع المدني في إعلان أصدرته من جانبها، بأن "محاولة البحث عن إجماع أدت إلى إصدار بيان به الكثير من الثغرات في مجالات حقوق الإنسان ومجهودات محاربة الفقر واحترام حقوق الإنسان".
حيث تبنت القمة العالمية الأولى لمجتمع المعلومات التي عقدت في مدينة جنيف بين ?01? إلى ?21? من ديسمبر ?3002?م خطة عمل لتقليص الفجوة الرقمية القائمة بين الشعوب، حيث طالب إعلان جنيف بضرورة إزالة الفوارق بين الدول وإبراز حق الجميع في الحصول على المعلومات، وذلك باعتماد وثيقتين رسميتين هما: الإعلان النهائي للقمة، وخطة العمل.
وهما الوثيقتان اللتان قوبلت بعض فقراتهما بمعارضة شديدة كادت ان تفشل انعقاد المؤتمر، والتي تم التمكن من تجاوزها بفضل الوساطة السويسرية التي لعبت دورا توفيقيا ثمّنه الجميع.
حيث تمكنت الجلسة التمهيدية التي سبقت القمة العالمية لتكنولوجيا المعلومات من الوصول إلى اتفاق حول حقوق الإنسان وإدارة شبكة الإنترنت، وذلك حتى لا يتحول الاجتماع إلى حرب بين الدول الغنية والفقيرة.
وعن الانتقادات التي تتهم المفاوضين الرسميين بأنهم كانوا مهتمين بالجوانب التقنية لجسر الهوة الرقمية وبافتقارهم لرؤية تشمل الأبعاد ظل السياسية لمناقشة أسس مجتمع الغد القائم على أساس تكنولوجيا الاتصالات، رد رئيس الوفد السويسري مارك فورر بالقول: "إذا كان ذلك صحيحا بالنسبة للبعض، أو حتى بالنسبة للاتحاد الدولي للاتصالات، الشريك في التحضير لهذه القمة، فإننا كوفد مفاوض سويسري كانت لنا هذه النظرة للأبعاد السياسية، وما تردده بعض منظمات المجتمع المدني السويسرية هو محض جهل للواقع، ورغبة في الإنتقاص من قيمة ما توصلنا إليه".
وستدرس لجان العمل التي انبثقت عن القمة خطة عمل بهدف إيصال شبكة الإنترنت إلى مختلف بقاع العالم بحلول عام ?5102?م.
واتفق ?11? ألف مندوب عن ?571? دولة في جنيف على اللقاء مجددا في تونس عام ?5002? للمرحلة الثانية من القمة حيث اتفق المشاركون خلال الاجتماعات التمهيدية لقمة جنيف في اللحظة الأخيرة على تأجيل بحث المسائل الشائكة إلى اجتماعات تونس، ولاسيما مسألة تمويل صندوق للتضامن الرقمي الذي اقترحه الرئيس السنغالي عبدالله وادي والتي طالبت الدول الأفريقية بإنشائه لمساعدتهم على نشر التكنولوجيا الجديدة مثل الإنترنت والهاتف النقال بطريقة أوسع، حيث أعلنت الدول الغنية أنها تعتزم في الوقت الحاضر دعم أنظمة التمويل القائمة.
كما أنه بحسب عدة مصادر صحفية منها (سويس إنفو) فإنه من المرجح أن تدور صراعات وخلافات بين الدول المشاركة قبل حلول موعد المرحلة الثانية من القمة حول مسألة تنظيم استخدام الإنترنت الذي تتولاه في الوقت الحاضر المنظمة العالمية لعناوين الإنترنت التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها.
وتدعو فرنسا إلى تسليم هذه المهمة للاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة، فيما رفضت الولايات المتحدة هذا الاقتراح. وكلف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بتشكيل مجموعة عمل تقدم اقتراحات بهذا الشأن بحلول عام ?5002?.
وفي هذه الأثناء يبدو التحدي التونسي لاحتواء مثل هذه القضايا شائكاً ومصيريا في الوقت ذاته، إذ أن مطالبات الدول النامية بسد الفجوة الرقمية يسجل حالة ملحة مما يستعدي على الدول الغنية تقديم تنازلات جذرية خصوصا إذا ما علمنا أن الشركات الأمريكية خصوصاً هي المستفيد الأول من مركزية شبكة الملعومات داخل الولايات المتحدة الامريكية.
وثيقة عربية.. لمجتمع المعلومات
اقر المؤتمر العربي للإعداد للقمة العالمية لمجتمع المعلومات الذي عقد في يونيو ?3002? بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة وثيقة "نحو بناء مجتمع معلومات عربي".
فقد تعرضت في البداية للدور المنوط بالحكومات العربية، ووصفته بأنه الدور الأعظم من خلال التكفل بالجوانب التشريعية والقانونية ذات الصلة بالمعلومات والاتصالات والتكنولوجيات وتنظيم البيئة المعلوماتية والتخطيط للسياسيات العامة، واعتماد مجموعة من آليات التنفيذ.
أما دور القطاع الخاص فأكدت على أنه قلب مجتمع المعلومات على المدى البعيد؛ لذلك يجب دعم المشاركة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أكبر عائد من استخدام البنية التحتية القائمة وتلك التي سيتم إنشاؤها، كما أنه من الأهمية بمكان تنشيط دور "منتدى الأعمال العربي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات" الذي يعمل في إطار جامعة الدول العربية.
أما البنية البشرية فقد اعتبرتها الوثيقة حجر الزاوية لبناء مجتمع المعلومات من خلال التركيز على المنح التدريبية وتنمية الموارد البشرية، سواء للمحترفين الذين سيقودون العمل التكنولوجي أو المتعاملين ومستخدمي تلك التقنيات.
واهتمت الوثيقة بقضية تنمية المحتوى الرقمي لنفع المواطنين على شبكة الإنترنت، وللحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية وسط عالم شبكة الإنترنت متلاطم الأمواج، كما طالبت بالإسراع في تطبيق نظم الحكومة الإلكترونية العربية لتصل لأكبر قدر من المواطنين بحلول عام ?8002?، مع اعتماد مجموعة من حلول الدفع الإلكتروني لتشجيع المعاملات التجارية الإلكترونية.
تكامل معلوماتي عربي.. ولكن
وأكثر ما يميز ورقة عمل (نحو بناء مجتمع معلوماتي عربي) تلك عن أي ورقة عمل عربية أخرى تمتلئ بها مخازن جامعة الدول العربية وذلك بحسب الكاتب خالد البرماوي أنها أقرت مجموعة من آليات التنفيذ، وأكدت على الدور المحوري المهم الذي يلعبه القطاع الخاص العربي والمجتمع المدني جنبًا إلى جنب مع الدور الحكومي.
ولكنها للأسف لم تضع جدولا زمنيا محددًا بدقة لمراحل تنفيذ خطة مجتمع المعلومات العربي، كما أغفلت مجموعة من التفاصيل الدقيقة والإلزامية بعيدًا عن القرارات العمومية والمسلمات البديهية، وهو ما أشار إليه عبد الرحمن السحيباني الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية لجامعة الدول العربية؛ حيث طالب بتغيير في الفكر العربي بعيدًا عن العمومية والاستغراق أكثر في التفاصيل والجزئيات وفق خطط زمنية محددة المهام والتوقيتات.
لم تطرق الوثيقة العربية إلى الجوانب التشريعية والقانونية بالتفصيل، واكتفت "بمطالبة" و"توصية" الأعضاء دون عرض مشاريع قوانين في قضايا حساسة مثل الأمن المعلوماتي العربي، ومكافحة الجريمة المعلوماتية، وجرائم الإنترنت، والقوانين التي تنظم تعاملات التجارة الإلكترونية وما يتعلق بها من رسوم وضرائب وتشريعات محاسبية. ولا شك أن تلك التشريعات لو صدرت فستكون السياج الحقيقي لحماية مستوى النفاذ المعلوماتي عربيا، وحرية تداول المعلومة والاطلاع عليها واستخدامها.
ولم تقترب الوثيقة من قريب أو بعيد لكيفية تعزيز التعاون المعلوماتي العربي في الجوانب التقنية شديدة التعقيد مثل تطبيقات تكنولوجيا المعلومات العسكرية والأمن المعلوماتي، وما يتعلق بها من علوم الفضاء والإلكترونيات. وكلنا رأينا الدور الكبير الذي لعبته تكنولوجيا المعلومات في الحرب الأمريكية على العراق والتي أطلق عليها أولى الحروب المعلوماتية.
ورغم تلك الملاحظات فإن الوثيقة في إجمالها خطوة صائبة على الطريق الصحيح تحتاج إلى المزيد من الجهد والمتابعة والاستمرارية. ويبقى أننا في مرحلة تاريخية فاصلة يجب أن نكون فيها على قدر المسؤولية، ونواجه التحديات التي أمامنا للوصول لصيغة عربية موحدة تلبي متطلبات مجتمعاتنا العربية التي تبحث عن مكان لها تحت شمس عصر المعلوماتية الذي نعيشه، وهي طموحات مشروعة يشاركنا فيها بلدان كثيرة في آسيا وأفريقيا.