زينة غندور مفاجأة جديدة في ظاهرة جيل من الكتاب العرب الذين يكتبون بالإنكليزية، شابة في مقتبل العمر درست المحاماة وميلها الأول كان الى الشعر، لكنها قفزت فجأة الى الواجهة الثقافية برواية لافتة لاقت ترحيبا جيدا من قبل النقاد والقراء في بريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى ناطقة بالإنكليزية. بل إن الرواية، التي حملت عنوان "العسل" بدأت طريقها الى الترجمة الى اللغات الأوروبية. الرواية تتناول الكثير من القضايا العربية، التي تهم شابة نشأت في عمق الثقافة الإنكليزية، لكنها تحمل الكثير من الأسئلة الإشكالية حول الثقافة والقضايا العربية، حيث تطرح بجرأة وتلقائية وعمق الكثير من الأسئلة والقضايا المنسية مع أنها شديدة الحضور في حياتنا.
في هذه الرواية تثبت زينة جدوى تدخل رؤية الجيل الجديد من النساء في تحريك تلك القضايا، مع أن ذلك قد يثير الكثير من ردود الأفعال المتحفظة على رؤيتها لتلك القضايا. الرواية تتمحور حول الأسئلة الكبرى في الأزمة الفلسطينية الحالية، وتناور برشاقة على عدد كبير من المحاور السياسية والتراثية دون أن تفقد صلتها بقصة عاطفية تشكل خيطا رفيعا يشد الرواية.
السؤال الأول الذي طرحته على زينة قبل الدخول في تفاصيل الرواية هو: ما الذي يدفع كاتبة شابة نشأت في عمق الثقافة الإنكليزية أن تقدم كل هذه القضايا العربية الخالصة والشائكة لقارئ إنكليزي في كتابها الأول بدل أن تذهب لتقديم ما يطلبه القارئ الإنكليزي من رؤية "استشراقية" تداعب تصوراته النمطية كي تحظى بنجاح أسهل؟ فما هو الدافع لدخول مغامرة بهذه الصعوبة؟
لم أكن أفكر ككاتبة، ولم يخطر في بالي اختيار الموضوع، بصدق تام أحس أن القصة اختارتني، فتلك القضايا تشغلني. ولم أفكر بالقارئ الإنكليزي لأن همي الأول هو نشرها بالعربية، لكني مضطرة لكتابتها بالإنكليزية لأن لغتي العربية لا تؤهلني للكتابة بها.
ما هو الحافز الشخصي الذي دفعك لتناول شخصيات مثل الانتحاري وشخصية روحية، وهذا الأبعاد الدينية التي لم يجر تداولها منذ قرون طويلة؟
تلك القضايا والتناقضات تعيش في داخلي في اشتباك دائم، تحاصرني التناقضات السياسية في العالم العربي. في الرواية أحاول البحث عن طريق ثالث لتحرير حياتنا من أقفال التزمت.. وضعت المرأة في محاولة لتحرير نفسها وتحرير المجتمع من الصورة القوالب الجامدة الاجتماعية والدينية.
حدثينا عن ما رغبت بإيصاله من خلال شخصية الشاب يحيى الذي كان عازما على القيام بعملية انتحارية والجدل الذي تطرحه الرواية من خلال شخصياتها المتناقضة؟
كنت أحاول الذهاب أبعد من الواقع، انسج مقاربة بين الملامح المقدسة لشخص يريد تقديم حياته من أجل قضية شعبه والصور الكثيرة للقديس والفارس التي تمتد في التاريخ لما قبل الإسلام وقبل الأديان، هناك مقارنة خارج التاريخ... في النهاية لا ينتحر يحيى لكن زميله ينفذ العملية الانتحارية. عليك بالذهاب الى فلسطين لتفكر بالقيام بعملية انتحارية, المسالة لا تحتاج الكثير للاقتناع بفكر الانتحاري.
نعود لحديث الجرأة في تناول القضايا التي ضمتها الرواية، هل القارئ الإنكليزي مستعد للغوص الى هذه المستويات الجدلية، ألم تراودك بعض الخشية من أن يساء فهم الرواية من قبل القارئ الإنكليزي.
لم أفكر ان الكتاب يمكن أن يكون سهلا على القارئ الإنكليزي، ولم أكن معنية بان يكون سهلا، القضايا التي تناولها الكتاب كانت تحاصرني، وكنت أحس أني مجبرة أن أكتبها.
كيف تم استقبال الرواية وما هو حجم توزيعها، والأصداء التي خلفتها في الحياة الثقافية البريطانية؟
استقبال الكتاب كان ممتازا وفاق توقعاتي وقد نشرت عروض كثيرة للكتاب في صحف ومجلات كثيرة وأنا مستغربة من خلو كافة العروض من أي نقد لطريقة تناولي لتلك القضايا. الكتاب تمت ترجمته الى السويدية وتجري ترجمته الى لغات أخرى مثل الدنمركية وسيترجم أيضا الى العربية.
في العالم العربي تتحفظ الكثير من الكاتبات عن التحليق بحرية كاملة، خشية أن يتم عكس ما تكتبه الكاتبة على حياتها، فكل ما تكتبه المرأة تجري قراءته كجزء من حياتها بعكس الرجل، هل روضت مخيلتك خشية هذا الأمر؟
لم أفكر بهذا الأمر على الإطلاق، كنت سعيدة أن يقرأ الرواية أبي وأمي وكانوا سعداء بالكتاب، الرقابة الذاتية مسالة يأخذها كل كاتب من زاوية حياته. القضايا التي تطرحها الرواية قضايا عامة وفي غاية الحضور في الحياة العربية. وعموما هدفي لم يكن الصدمة بل محاولة علاج الحالات التي نعيشها. وإذا كان سؤالك عن حالة المرأة الكاتبة بشكل عام، نعم هناك حساسية من انعكاس ما تكتبه المرأة على حياتها، ولكن في النهاية هناك مساحة للتضحية وكل كاتبة تعرف مقدار التضحية التي هي مستعدة لتقديمها.
نبقى في نفس الموضوع، كيف تتوقعين أن يكون استقبال في العالم العربي عند ترجمته؟
اعتقد أنه سيستقل بشكل جيد.
إلا تعتقدين أن الرواية يمكن أن تمنع في العالم العربي؟
لا أعتقد ذلك فليس فيها ما يمكن أن يوصلها الى هذه النتيجة.
قيام المرأة بالآذان في الرواية أمر له جذوره في التاريخ الصوفي، في مراحل ازدهار الحضارة الإسلامية، لكنه قد يثير تحفظ الأوساط الدينية اليوم؟ ما هي حاجتك لإثارة تلك القضية في رواية مزدحمة بالقضايا الأخرى، ومقدمة لقارئ إنكليزي؟
أعتقد أن المرأة لم تقم بالآذان حتى في تلك العصور المزدهرة. وعموما القضية لم تكن مسألة امرأة بالذات بل الرسالة الروحية التي تعبر عنها وهي تتكامل مع دور يحيى الذي كان يفكر بالقيام بعملية انتحارية، وهي لا تؤدي الآذان كدور بل لإيصال تلك الرسالة الروحية وتلك القوة على العلاج.
هناك رسالة نسوية تخترق الرواية من أولها الى آخرها كيف تلخصين تلك الرسالة؟
لا توجد رسالة نسوية بذلك القدر، هي موجودة بشكل تلقائي وطبيعي.
كثير من الروائيين في العالم العربي يبالغون في تقديم الأجواء الغربية في كتاباتهم، في حين يميل الكتاب العرب باللغات الأوروبية الى تقديم القضايا والأجواء العربية. كيف تفسرين هذا الأمر؟
لا ادري، أنا كما قلت، وجدت أن هذا الكتاب يختارني ويكتبني. ربما سأكتب يوما عن الحياة الغربية ومع ذلك سوف تتمحور حول نظرتي إليها كعربية، ليس هناك مفر من حضور جذري العربي.
الرواية عبارة عن سلسلة من المواجهات الفكرية والسياسية، بين الرجل والمرأة، وبين الفلسطيني والمحتل، وبين اليهودية والمسيحية والإسلام، لماذا تلك الثنائيات، وهل فيها تكمن حبكة الرواية؟
نعم فتلك المواجهات هي كل حياتنا ولست في هذا الكتاب أو ذاك، وعموما فقضية التناقضات تستهويني.
غياب المرأة عن الحياة الدينية وطقوسها إحدى القضايا الرئيسية، وهناك مقارنة بين غناء أم كلثوم وآذان روحية. أم كلثوم لديها تسجيلات للقرآن والتواشيح الدينية. هل هي محاولة لتقريب الطقوس الدينية من الطبيعة البشرية التي توجد المرأة في كل مفاصلها؟ وهل تعتقدين أن غياب المرأة عن الحياة العامة يجعلها أقرب الى القسوة والتطرف؟
أم كلثوم كانت تقرأ القرآن والتواشيح عندما كانت صبية، أي أنها فعلت ذلك في دور صبي، وقبل أن تصل سن البلوغ. القضية مثيرة لأننا نقبل المرأة في الأدوار المستوردة مثل الراقصة والمغنية ولا نقبل اقترابها من الأدوار التقليدية. وهي مسالة خطيرة أن نقبلها كراقصة ومغنية ولا نقبلها في المسائل المقدسة مثل العبادة. في الطقوس والعبادة هناك قبول لدور المرأة في المآسي والأحزان ولكن في القضايا التي تمجد الخالق يرفض المجتمع اقترابها.
ما رأيك بالأدب العربي المكتوب بالإنكليزية؟ وما هي صلته بالأدب الإنكليزي من جهة وبالأدب العربي من جهة أخرى؟
أنا أحب ما يكتبه الكتاب العرب بالإنكليزية، وأعتقد أنه يحتل موقعا جيدا في الأدب الإنكليزي، لكني لا أود الحديث عن تصنيف ذلك الأدب، فهو من شأن المتخصصين.
ما هي مشاريعك المقبلة؟
لا أريد أن أكشف عنها وهي ليست رواية بل دراسة.
ماذا عن الشعر؟
أنا شاعرة أكثر من كوني روائية، وأنا أكتب الشعر باستمرار لكني لا أفكر بنشر كتاب شعري بسبب صعوبات نشر الشعر. لكني أضع شعري في الرواية أي أنني ألبسه قناع الرواية، وهي شعر بدرجة توازي او تتفوق على كونه الرواية.
تبدو القصة والحبكة مجرد عذر للدخول في القضايا السياسية والاجتماعية؟
نعم فعلا قصة الحب والحبكة هي خيط رفيع ومبرر كي أتناول كل تلك التناقضات التي كانت بذورا تتفاعل في داخلي وجاءت الشخصية الرئيسية فبدأت القصة تكتب نفسها. إذ لم يكن لدي طموح او تصور أن أكون روائية.
أنت مقتصدة جدا في الحديث.
نعم ألا ترى حجم الرواية (الرواية تقع في مئة صفحة من القطع الصغير).
عن مجلة ايلاف
السبت 22 يونيو 2002