قال الفائز بجائزة المنتدى الثقافي اللبناني ، الشاعر الأردني امجد ناصر ان الجائزة - بالنسبة لي- لها أهمية مضاعفة،مشيرا في تصريح لـ ''الرأي'' لأنها أولا تحمل اسم الشاعر محمد الماغوط، احد أبطالي الشعريين، الذي منح لي ولغيري من الأجيال الشعرية افقأ جديدا للقصيدة العربية، و لأنها ثانيا منحت لي من هيئة ثقافية لبنانية، وتابع صاحب ''مرتقى الأنفاس'' ان هذا الأمر يعني لي شخصيا استذكار سنواتي التأسيسية الشعرية الاولى في بيروت التي كانت مكانا عربيا بامتياز، حيث كنت تجد شعراء من مختلف الأقطار العربية، ومن اتجاهات شعرية مختلفة متواجدة في هذه المدينة المفتوحة على الحراك الشعري العالمي.
وفي معرض إجابته عبر الهاتف حول ما اذا كانت الجائزة تمثل بداية مرحلة أو تتويجا لها، والمسؤولية التي تترتب على مستحقها قال صاحب''حياة كسرد متقطع'' أظن ان أية جائزة هي مجرد لفتة الى عمل شعري أو ثقافي تحقق، وهي بهذا المعنى تقدير لهذا المنجز، مستدركا، ويحلو لي شخصيا ان أراها لفتة طيبة تجاه ثلاثين عاما من العمل في القصيدة العربية، ولكنها ليست بداية لمرحلة أو نهاية لشيء آخر، إنما هي إضاءة على عمل متواصل، مؤكدا ان الجائزة لا ترتب مسؤوليات على الكتابة، لان الكتابة هي التي تحدد مسؤولياتها تجاه ذاتها، ومسؤولية الكاتب تجاه نفسه ولحظته التي يعيشها.
وعن البوصلة التي يتجه إليها الشعر العربي في المرحلة الراهنة بما تتسم من تشظ، قال صاحب ''خبط الأجنحة'' ان من العسير ربط الإبداع بالواقع ربطا ميكانيكيا، وان الإبداع ليس انعكاسا فوتغرافيا للوقائع، وإلا لرأينا ان كثيرا من الدول النامية تفتقد الى الأدب العظيم، مؤكدا ان البنية الثقافية لا تسير في ركاب السياسة مباشرة، ويقول امجد ناصر الذي جمع أشعاره في مجلد واحد صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بعنوان '' الأعمال الشعرية الكاملة'': يحلو لي ان أتصور ان الواقع الثقافي العربي أكثر حراكا ومسؤولية من الواقع السياسي، موضحا ان الشعر منذ فترة طويلة لم يعد تعليقا على العالم الخارجي، بل وحتى الأصوات المكرسة ، كما الحال عند ادونيس، ومحمود درويش تعلق على الواقع الداخلي وأعماقه وتفاصيل اليومي أكثر مما تعبر عن الاشتباك مع العالم الخارجي.
وكان المنتدى الثقافي اللبناني الذي يتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا له قد منح الشاعر امجد ناصر جائزته للإبداع العربي 2006 .
وأوضح المنتدى في بيان أن الجائزة حملت هذا العام اسم الشاعر والكاتب المسرحي السوري الراحل محمد الماغوط تكريما لذكراه ولالتزامه قضايا الإنسان والحرية والحداثة والتقدم.
ومن ناحيته قال رئيس المنتدى الثقافي اللبناني في باريس نبيل أبو شقرا تعقيبا على منح الجائزة ''نحن سعداء بأن هذه الجائزة باتت لها مصداقية على المستوى العربي وهي حملت أسماء شخصيات رائدة في الثقافة العربية ومنحت باسمهم''.
وأضاف أن ''اختيارنا لأمجد هذا العام جاء بإجماع الاستشارات لكونه يشكل حالة متميزة في عملية حداثة الشعر وهو مع ذلك لم يتخل عن ارتباطه بأصوله حيث لم يتنكر يوما لبيئته المحلية وتجارب طفولته ما أكسب شعره طابعا إنسانيا شموليا''.
ويشار ان المنتدى كان منح الجائزة في السنوات الماضية اعتبارا من عام 1994 لمجموعة من المبدعين العرب وهي لم تقتصر على الأشخاص بل منحت عام 2002 لبيت الشعر في رام الله تقديرا لصمود المثقفين والشعراء الفلسطينيين.
كما سبق للمنتدى أن منح جائزته للإبداع العربي في السنوات الماضية لكل من الشاعرة السورية مرام المصري، والشاعر المصري عبد المنعم رمضان وحملت اسم الشاعر أدونيس، والشاعر البحريني قاسم حداد وحملت اسم الروائي نجيب محفوظ، والشاعرة العراقية المقيمة في الولايات المتحدة أمل الجبوري وحملت جائزتها اسم الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح.
ومنحت جائزة الشاعر محمود درويش إلى الكاتب السوري سليم بركات، وجائزة المفكر الجزائري محمد أركون إلى الكاتب السعودي أحمد أبو دهمان، وجائزة الشاعر اللبناني صلاح ستيتية إلى بيت الشعر في رام الله.
أما جائزة الفنان التشكيلي اللبناني شفيق عبود فمنحت إلى الفنان السوري المقيم في ألمانيا مروان قصاب باشي، وجائزة الكاتب والصحفي اللبناني غسان تويني إلى الفنان التشكيلي السوري يوسف عبد لكي.
ويقدم المنتدى جائزتين إبداعيتين كل عام. وكان منح الثلاثاء جائزته للإبداع اللبناني للمؤلف والعازف في مجال الموسيقى الكلاسيكية عبد الرحمن الباشا.
وصدر للشاعر المولود في مدينة الزرقاء. العام 1955. ويقيم في لندن و يشرف على القسم الثقافي في صحيفة ''القدس العربـي'' منـذ إصدارها فـي لندن عام 1989 عدد من الكتب والمجموعات الشعرية بينها ''حياة كسرد متقطع'' و''2005'' و''مرتقى الأنفاس'' و''خبط الأجنحة.. سيرة المدن والمقاهي والرحيل'' و''تحت أكثر من سماء'' و''مديح لمقهى آخر'' و''وصول الغرباء''.
ويعد امجد ناصر واحدا من رواد الحداثة الشعرية و قصيدة النثر.
وتسجل مجموعته الأخيرة ''حياة كسرد متقطع'' الصادرة عن دار رياض الريس للكتب والنشر نقلة مميزة، وذات أهمية خاصة، حسب الناقد السوري المقيم في فرنسا صبحي الحديدي ليس في سياق تطور تجربة أمجد ناصر الشعرية الشخصية فحسب، بل على صعيد تطورات قصيدة النثر العربية المعاصرة بصفة أعم، وفي تفصيل مركزي بالغ الحساسية وشديد الإشكالية: هاجس الشكل إجمالا، وقلق الشكل الراهن تحديدا.
ولم يعد خافيا، الآن وقد انقضت أربعة عقود ونيف على ولادة ''قصيدة النثر'' العربية، أن الشكل الذي يسقط الوزن ويعتمد النثر ولكنه يحافظ على تقطيع للأسطر شبيه بشكل ''قصيدة التفعيلة'' ، وقع أسير الرتابة والتماثل، وبات ساكنا جامدا محافظا، وهو الشكل الذي رفعت له رايات التجديد والتجاوز والحداثة.
ويقول امجد ناصر عن كتابه ''تحت سماء واحة'' الذي يرصد فيه بلغة شعرية رحلاته الى اليمن، لبنان، عمان، سورية، وكندا، وصدر عن المجمع الثقافي في أبو ظبي ان هذه الرحلات تبدأ من حيث انتهى كتابي السابق ''خبط الأجنحة'' ولكنها تذهب، على ما أزعم، إلى مدى أبعد سواء في الأمكنة أو في ما تطرحه هذه الأمكنة وشخوصها وسياقاتها التاريخية والاجتماعية والثقافية من أسئلة، وذلك انطلاقا من رؤية ذاتية تنحاز وتتعاطف، بل وتتورط، في تبني السؤال وإعادة طرحه.
هاجس هذه الكتابات هو الاحتفاء بالمكان وشخوصه لا مجرد المرور يهما (حتى عندما يكون للرحلة غرض آخر) مرور الكرام.
إنها محاولة للتوقف في المكان وأمامه والإنصات إلى أصواته الكبيرة والصغيرة على السواء، ويحلو لي أن أزعم أن نداءات أصواته الصغيرة، التي بالكاد تبلغ السجلات والقيود والمصنفات، هي التي تشدني أكثر من الأصوات التي يمكن سماعها من مبعدة والتي لا تسوغ، دائما، عناء الرحلة.. ولا أقول ''وعثاء السفر'' .
فيما تشير نصوص'' خبط الأجنحة'' حسب الناشر رياض الريس الى شيء من شعر كاتبه، لا ذلك الشعر المباشر الذي يفتتح به بعض الفصول فحسب، ولكن الشعر الأعمق والثاوي في منهج الكتابة، والتقاطها للتفاصيل الصغيرة والدقائق المهمشة، واهتمامها بعلاقات التجاور ومفارقاتها، وولعها برصد التحولات في الأعماق. إما ''مرتقى الأنفاس'' فكان الشاعر واصلة أو وصلة بـ ''نشيد العزلة'' مترنحا بين شمس الأفول في المنفى، وقمر الحنين إلى طفولته والسبع الروابي، مودعا غرناطة وكل غرناطات حبه وأرضه، مازجا بين الهم التاريخي العام والهم الشخصي.