القسم الثاني . الفصل الثالث 5
لقد انتهى كثير من كتاب القصة القصيرة في هذه الفترة إلى أن الفن الواقعي لا يعني ملاحقة التفاصيل الخارجية في الواقع وتسجيلها، فصرفوا النظر كثيراً عن الصورة المكانية وأحلوا محلها الصورة الداخلية للمجتمع والإنسان، وهذا هو المنظور الفلسفي الثابت الذي تركن إليه الواقعية التحليلية في القصة القصيرة عادة، فالنسخ الدقيق للواقع لا يعتبر عملاً فنياً لأنه يبتعد عن روح الواقعية التي تنظر إلى الفعل وردود الفعل الاجتماعيين، أو ترصد الظاهرة رصداً يشع بإيصال آثارها وأبعادها ونتائجها . ومن هنا كان محط التحليل عند علي سيار وسليمان الشطي هو المعنى الذي تنطوي عليه الشخصية الإنسانية سواء كانت في حالتها العادية أو في حالتها النموذجية، وذلك من خلال اتصالها بدلالات الواقع الاجتماعي الذي يبث محتوياتها ومعانيها وتفاصيلها السردية المرصودة .
وقد رأينا فيما سبق أن أكثر ما أكسب النزعة التحليلية عمقها ورصانتها هو استعمال أسلوب تيار الوعي والمغامرة الباحثة عن أساليب تتجاوز بعض التقاليد الفنية الجاهزة في قصص سليمان الشطي خاصة . وليس من المبالغة بعد ذلك أن يعزو الباحث للكاتبين السابقين ( علي سيار وسليمان الشطي ) الجهد الأكبر في تحقيق الانتقال نحو الواقعية الفنية، وذلك بما دلت عليه بعض كتاباتهما النظرية من وعي وإيمان بالأسس الجمالية في الفن الواقعي (23)، وبما عبرت عنه تجربتهما في القصة القصيرة من تطور وانتقال في صياغة المعاني الداخلية للإنسان باستخدام الأدوات الفنية القادرة على النفاذ إلى تلك المعاني . لقد تميز كل من علي سيار وسليمان الشطي بالوعي النظري للواقعية، مما أتاح لتجربتهما تماسكاً فنياً أكثر من غيرهما، وقد رأينا فيما سبق كيف اشتقت قصة ) السلالم ( لسيار وقصة ) الصوت الخافت ( للشطي ركائزها الفنية مما كان يسبقهما من تراكم وتجربة، الأمر الذي يؤكد وعيهما بضرورة اعتمال تجربة التطور في فترة تميزت بحركتها الاجتماعية والسياسية الناهضة.
بيد أن الواقعية التحليلية لا تتبوأ مكانها بجهود الكاتبين السابقين فحسب أو أنها لا تستمر مرتبطة بتجربتهما، حيث ينصرف علي سيار إلى التفرغ لشئون الصحافة، وينشغل سليمان الشطي بالدراسة الأكاديمية من غير أن يعني ذلك انتهاء الاحتفاء بالسردية التحليلية في القصة القصيرة، إذ يظل ذلك منهجاً يركن إليه الإبداع الواقعي في هذه الفترة. فيخلق له وجوهاً متعددة وتنويعات مختلفة تنتزع نفسها من ذات تجربة الانتقال والتطور التي عايشها )سيار( و)الشطي( . فهناك بعض من كتاب القصة القصيرة يبدأ المنهج التحليلي عنده في التخلص من القيود والرواسب الرومانسية كخلف أحمد خلف في قصة ) حكاية عن الإنسان والقهر ( (24) التي انتزع فيها حالة الخوف باعتبارها خاصية من خواص الضعف البشري، واستقصى سلوكها النفسي الدقيق بتكنيك تداعي الوعي الداخلي الذي أحاط بالمشاعر الداخلية إحاطة تحليلية بارعة، ويأتي المنهج التحليلي أيضاً استشراقاً لأثر من آثار الواقعية الحديثة، ويتنازع وجوده في العمل القصصي مع بعض القيم الرومانسية كما رأينا ذلك في القصص الأولى لأمين صالح . ويأتي التحليل بعد ذلك استمراراً وتأصيلاً لنزعة ثابتة نابعة من روح الفترة، ولذا فهي تستمر في تجارب العديد من كتاب القصة القصيرة، حتى أولئك الذين يتجاوزون المعمار التقليدي للقصة التحليلية تجاوزاً بعيداً .
وممن يمثل هذا الاستمرار عبدالعزيز السريع رغم أنه ينقطع هو الآخر عن فن القصة القصيرة، وينصرف إلى المسرح ليكون من أبرز كتاب المسرحية الاجتماعية في الكويت (25)، وربما كان السريع أكثر اهتماماً بخلق النموذج الذي يتصل بالظاهرة الاجتماعية أو النفسية من سليمان الشطي، ولكنه في نفس الوقت يبدو أبعد منه تحفظاً في معالجة تناقضات المجتمع . لقد كانت الشخصية لدى معظم كتاب القصة التحليلية تبحث عن تماسكها الاجتماعي والنفسي في علاقتها مع القوى الأكثر نفوذاً وسيطرة، وهذا ما جعل كثيراً من نماذجها الحية تبدو من حيث الدلالة إدانة وتعرية لمظاهر الاستغلال والتشويه والآلية التي يسفر عنها التطور الاجتماعي، في حين جاءت الشخصية القصصية عند السريع تبحث عن التماسك والضبط النفسي في محيط أقل اتساعاً . فالكاتب غالباً ما يسجل لحظات التحول نحو حالات التناغم والاطمئنان النفسي وهي تجول بين علاقات الأسرة ( الزوج والزوجة )، لأن الكاتب يكاد يشعرنا دوماً بأنه يبحث عن المعنى الإنساني للظاهرة الاجتماعية أو النفسية وذلك بما ينصب لها من أدوات التحليل التي يحكم القبض عليها في أكثر المواقف دلالة واحتواء للعناصر الموحية .
ونجد الموقف الواحد منها مألوفاً عابراً يشعرنا بقربه الشديد من الواقع، كما هو في قصة ) أغنية ) (26) التي يصور فيها لحظات عدم الوفاق بين الزوجين من غير أن يبدو الموقف بينهما مكتنزاً بالأحداث . لقد اشتق الكاتب من علاقة الزوجين عنصر الضعف الغالب في شخصية المرأة، وعنصر التفوق أو المنطق المتغلب دوماً في شخصية الرجل . فبدأ كل منهما نمطاً يرتبط فيه موقعهما الفردي بموقعهما الأكثر شمولاً، في الوقت الذي لا نفقد ذلك الاتصال العضوي بين الحالة الخاصة التي تعيشها الزوجة - مثلاً - مع زوجها، وبين التحديد الاجتماعي والإنساني لوضع المرأة حين يتضاءل موقفها وتبدي تبرمها من الرجل أمام الشعور الانهزامي بقوى التفوق فيه، ويجعل الكاتب قوام ذلك كله عند نقطة بسيطة من عدم الوفاق بين الزوجين وهـي قلـق المـرأة مـن تغـيب الزوج، وتأخر أوباته إلى البيت . فهي رغم ما تنطوي عليه شخصيتها من مشاعر عارمة تحمل صدق الموقف ومنطقيته . إلا أن الزوج يتغلب عليها بمنطق آخر يبدو كأنه ينفذ إلى قرارها العميق حين يقول لها :
) دائماً يؤثِّرون عليك كل واحدة تصور لك زوجها بالشكل الذي تتمناه وأنت أيضاً ... إنك تقولين عني كلاماً جميلاً .. أعرف ذلك تقولين عني ما تودين أن أعمله ( .
إن الكاتب هنا يستثمر عنصري الضعف في المرأة والقوة في الرجل ويعمل موهبته في سرد هذا الاستثمار من خلال ما هو كائن . أو من خلال كيفيته الواقعية المريضة، وربما احتسب ذلك مواربة وتحفظاً فكرياً من الكاتب، ولكنه رغم ذلك يظل منطوياً على كثير من ملامح الصدق الفني، خاصة في تصوير الحالة النفسية المتباعدة بين الزوجين، فالمرأة تؤثر الصمت، ولا تقوى على الرد على منطق زوجها بينما الرجل يملك الإحاطة بالموقف حيث لا يكتفي بتجسيم منطقه والإحاطة به، بل إنه يصور لزوجته ما يدور في خاطرها فيحيط به، لتبدو الحقيقة مرتبطة بكل ما يقول . ولتبدو التركيبة النفسية المختلفة لدى كل منهما . ومن هنا تحركت صياغة هذا الواقع بما يتلاءم مع النزعة التحليلية، فعجز المرأة عن دفع منطق الرجل أفسح للوعي الداخلي مكاناً يلعب فيه دوره للإمساك بالتفصيلات النفسية، فظل الحوار الخارجي محدوداً في الرجل لما يتحرك به من منطق واضح ومباشر، بينما ظل الحوار الداخلي مقصوراً على الزوجة، لتعبر به عن منطقها الكامن الذي لا تقوى به على مجابهة الرجل، وخاصة في إلحاح أغنية ) يمَّه القمر عالباب نوَّر قناديله ( على مساحات ذلك الوعي طوال الحالة المرتدة إلى أعماق المرأة، ليكون إيحاء هذه الأغنية معبراً عن الشيء المفقود في عدم الوفاق بين الزوجين .
وتستمر المرأة رمزاً مستضعفاً في الحياة الاجتماعية في قصة ) قطتان ((27)، يعمق الكاتب صورته بعدم قدرة الرجل على فهم طبيعتها وحاجاتها النفسية، فالمرأة في قصص السريع غالباً ما تعاني عزلتها النفسية من الرجل، والرجل يبدو حراً في سلوكه، وإن كان ذلك يخلق أسواراً عالية يخنق بها وجود المرأة . إنه يقضي الليل خارج البيت . ويقتني الكتب من غير أن يقرأها، وهذا كاف لأن يخلق للمرأة كيفية خاصة تبدو صورتها الموحية في إقامة ذلك المعادل أو الرمز في ) القطة ( . التي حشرت بين الجدار الخشبي للغرفة والجدار الأساسي للبيت، وأصبح لا يمكن استخراجها إلا بتكسير جانب من المكتبة، وحين تصر الزوجة على سرعة إنقاذ القطة يرفض الزوج بعنف أن يعرض المكتبة للتلف، فبدا في هذا الخلاف جوانب من الانعكاس لواقعهما الشامل العريض . فالقطة المسجونة بين الجدارين هي المرأة ) الزوجة ( المعزولة عن زوجها . لقد كانت تتبرم عليه بسبب المكتبة واقتناء الكتب، وتطالبه بالتخلي عن الاهتمام بالكتب على حساب سعادتها وسعادة طفلها، في الوقت الذي أصبحت فيه حياة )القطة( مرهونة بكسر جدار المكتبة وكأن إنقاذ عزلة الزوجة (المرأة) يرتهن بتضحية كبيرة (كسر جدار القيم والتقاليد). وبهذا الأسلوب الذي يجمع بين الرمز والواقع تمكن الكاتب من أن يدرك أعماق التناقض النفسي الذي تقوم عليه حالة بسيطة من حالات القلق بين الرجل والمرأة . بل إنه أدرك كيفية التحول الذي تتحرك معه الظروف النفسية بثراء وتأثير عندما اتجه إلى تصعيد التوتر وجعله ممتلئاً باللحظات المتنافرة، إلى أن جاء ما أدركه الزوج في اللاوعي ) الحلم ( من انتقام القطة لنفسها، إسقاطاً لذلك التحول من الأعماق الداخلية، وتفريغاً لما تبدى في سلوكه من اضطهاد جعله ينهض من نومه مسرعاً كي ينقذ القطة .
ويمكن الإشارة إلى أن استعمال الوعي الداخلي وسيلة للاقتراب من لحظات التحول النفسي يعتبر من الأساليب السردية التي وظفتها القصة التحليلية في هذه الفترة بدقة دلت على مدى استيعاب الكتاب لتقاليده القصصية، كما دلت على إدراكهم حقيقة هامة وهي أن الواقع الموضوعي يمكن أن يدرك بقوة من عالم اللاوعي تماماً كما يدرك من تفاصيل الوعي الخارجي، انطلاقاً مما أكده علماء النفس المحدثين أمثال ) يونج ( من أن عالم الشعور لا يختلف في واقعيته عن العالم الخارجي، وقد سبق لبعض الكتاب كسليمان الشطي أن سجل اهتماماً كبيراً ومتفوقاً بالحركة اللاواعية وأثرها في استلهام وتوليد المعاني الجديدة كما في قصة ) الأصابع المقطوعة (، ويستمر هذا الاهتمام مع عبدالعزيز السريع بدرجة تجعله يلتمس أعنف مواقف التحول النفسي من واقع اللاوعي . نجد موقفاً من هذه المواقف في قصة ) دموع رجل متزوج ( ينبثق مع لحظة الاستسلام للوعي الداخلي، ذلك الوعي الذي تتجسم في سطحه أكثر ما يدل على عقم الحياة، وجدبها . إنها الحياة الاستهلاكية التي تبدد الطاقة الإنسانية الخلاقة وتحيلها إلى صورة من صور التوقف والإعياء والجمود . وذلك ما يدل عليه الفراغ الذي يلف بطل القصة ويشوه أمامه كل الأشياء ويحيل ألوانها إلى لون واحد ينكشف من واقع الفراغ والوحدة واللامعني الذي تركته الزوجة بعد أن سافرت عنه مع أهلها . كل ذلك خلق في باطن الشخصية عالماً غريباً، حيث لا يكاد يبصر في الطريق تلك العمارة المصبوغة باللون الأصفر حتى تبدو له جميع الأشياء حوله فـي لـون أصفـر ممـا جعلـه يفكر على هذا النحو .. ) لابد أنه مجنون هذا الرجل يجب أن يوقف عند حده ... لماذا الأصفر من بين كل الألوان يختاره لوناً لبنايته .. لابد من موافقة مسبقة على الألوان قبل تنفيذها ... أين النظام ... ( .
ويظل الموقف القصصي مؤسساً من هذه الحالة اللاواعية حتى يعود للتفكير في العودة إلى البيت بعد أن أثار إحساساً جديداً بالخطر في محضر الشرطة الذي ذهب إليه يشتكي من صاحب العمارة الصفراء .
هكذا أصبحت المواقف النابعة من الأعماق الداخلية للإنسان هي الواقع الذي ترتسم فوق سطحه أشكال القلق والمعاناة التي لا تكاد تبصر في العالم الخارجي، إذ لا يتصور المرء كم هو فظيع ذلك المجتمع الذي خلق ظاهرة الاصطياف الجماعية، إنها ظاهرة تأتي - صيفاً - في شكل هجرة الكويتيين وهروبهم من واقع الاستهلاك اليومي المتبلد . ونعتقد أن ذلك الوعي الداخلي الذي يقبض الكاتب نبضاته في شخصيته السابقة إنما يعبر عن مشكلة جوهرية وهي في أكثر لحظاتها تجلياً وحضوراً، وتشكيلاً لما تستنبطه تقاليد السرد القصصي .
لقد ظلت القصة القصيرة عند عبدالعزيز السريع تستمد واقعها الموضوعي من المقدرة الجيدة في التحليل النفسي لذبذبات العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، فخلقت - تلك المقدرة - نماذج لها حيويتها عبر تقنية أساسية هي مزجها بين الواقع والرمز مزجاً لا يضطرب، بنبض المشكلة أو الظاهرة، بل يعمقها ويستبطنها ويعتمل في سياقها بصورة تستنبط منها تفاصيل نفسية تلصقها بالمعنى الإنساني . وتكاد جميع قصص السريع تؤصل تقنية مزج الواقع بالرمز، فالقطة رمز للمرأة في قصة ) قطتان ( والأغنية في قصة ) أغنية ( هي الحلم المفقود في عالم المرأة، والعمارة الصفراء في قصة ) دموع رجل متزوج ( رمز لصحراء الفراغ والجمود التي لم تستطع الطفرة الحضارية أن تقضي عليها . والذبابات في قصة ) الذبابات الثلاث ( (28) رمز لطنين الرقابة والاستهلاك، الذي خلق تجويفاً هائلاً في حياة الموظفين ليس في ارتباطهم بأوقات العمل وحدها بل في علاقاتهم اليومية داخل الأسرة، وهي تتحرك في الداخل بما هو غائب ومفقود في الخارج أو في الحياة الاجتماعية، وقد جاءت معظم الرموز السابقة مرتبطة بعنوان كل قصة، مما يشير إلى دلالته الجوهرية في السرد القصصي.
ويوحي لنا الكاتب أن هناك نوعاً من الرتابة، تستهلك حياة نماذجه بقسوة وفظاظة من غير أن يجسم لنا مظاهر مادية لهذه القسوة، أي أنه ينظر إليها في حركتها الراهنة من غير أن يستشرف لها واقعاً جديداً، أو يستخرج لها قيماً مختلفة، وهو ما يربط غايته الفكرية بالبحث عن المعنى في الشخصية وليس عن حل الظاهرة أو المشكلة، كما يفعل كتاب تيار الوعي غالباً، لذا تنتهي القصص السابقة باحتواء المعنى الراهن واستجلاء حقائق الشخصية في الحياة العريضة. وقد حاول السريع في قصة ) الخلاص ( (29) أن يشكل فيها رؤية استشرافية عبر عقدة الانتظار التي تجمع أكثر من شخصية واحدة . الحارس الذي ينتظر بملل ومرارة انتهاء الوقت، ويتطلع إلى الأيادي شوقاً إلى معرفة الزمن . والزوجة اللبنانية التي تنتظر من ) الشرفة ( عودة زوجها من سهرته، والبقال الوافد الذي ينتظر زبائن آخر الليل من أجل نصيب أوفر . ولكن الكاتب في تجسيد هذا الانتظار لم يخلق خلاصاً أو واقعاً مأمولاً، إذ جاءت نهاية الانتظار تجسيماً بالغاً وعميقاً للرتابة، لأن انتهاء عقدة الانتظار جاءت مرتبطة بالنهاية اليومية للاستهلاك الزمني الذي يمرُّ على نماذجه الاجتماعية، فالحارس لا يحتاج في النهاية إلى معرفة الزمن حيث جاءت سيارة الحرس بزميله الذي سيحلّ محله بعد انتهاء ) دوريته ( ... والزوجة اللبنانية تستقبل زوجها في الوقت الذي اعتادت عليه، والبقال ينهي انتظاره بالزبون المعتاد الذي يقفل ) البقالة ( بعده كل يوم . وبهذا لم يعد ) الخلاص ( خلاصاً لما يلف النماذج الاجتماعية من قلق ومعاناة، وإنما جاء علامة على استمرار معنى جوهري أو استهلاك يومي في حياتهم جميعاً .
وقد اقترنت فكرة القصة السابقة بحبكة المسرحية، حتى كادت تصبح شكلاً مسرحياً يرتبط بوحدة الزمان والمكان والموضوع . ويقدم الشخصيات واحدة بعد الأخرى لتجسم الصورة والحركة وتفاصيل الواقع الخارجي على غير ما ألفناه في القصص السابقة . وليس من المبالغة أن ينظر إلى قصة ) الخلاص ( في سياق الاتجاه المسرحي عند السريع الذي يهتم بصياغة الواقع الاجتماعي في الكويت من خلال نماذج بشرية تكشف خصائصها عن مختلف الشرائح الاجتماعية المحلية والوافدة .
ولكن .. رغم ذلك تظل التجربة المحتسبة في قصص عبدالعزيز السريع تعود بنا إلى جهده السابق في تعميق الاتجاه إلى الواقع النفسي والبحث عن المعنى الإنساني الأشمل لهذا الواقع بتكنيك ) تيار الوعي ( وتقنية المزج بين الواقع والرمز من أجل إحكام النظر إلى الخصائص الإنسانية العميقة * .