بهمن غوبادي، يعتبر نفسه كردياً وليس إيرانياً، فقد نشأ في كردستان الإيرانية. أدى دوراً رئيسياً في فيلم سميره مخملباف "السبّورات"، وساعد عباس كيارستمي في إخراج "الريح سوف تحملنا".
اهتماماته منصبة على القضية الكردية، ومعاناة الأكراد من جراء الحروب في المنطقة، التي هم ليسوا طرفاً مباشراً فيها لكنهم على الدوام ضحايا لها.. وتحديداً الأطفال الذين، كما يقول غوبادي: "يحملون معهم صدمة الحرب وتأثيرها أكثر من أي شخص".
يعتبره النقاد شاعر السينما الكردية. أفلامه مأهولة بشخصيات معزولة، مشوشة، مقتلعة من أماكنها الفعلية. أوضاعها ومواقعها ومصائرها محكومة بقوى سياسية طاغية لكن غير مرئية.
فيلمه الأول "وقت للخيول السكرانة" (2000)، الحائز على جائزة الكاميرا الذهبية كأفضل عمل أول في مهرجان كان، وهو من إخراجه وإنتاجه وكتابته وتصميم مناظره، تدور أحداثه في قرية كردية جبلية في إيران، محاذية للحدود العراقية. أيوب المراهق اليتيم، يجد نفسه مسؤولاً عن عائلته الصغيرة، عن أخيه المعاق الذي سوف يموت إن لم تجرى له عملية عاجلة ومكلفة. لهذا يضطر إلى القيام بالعمل الوحيد المتيسر له: المساعدة في تهريب البضائع عبر مناطق جبلية وعرة وخطرة على الحدود الإيرانية – العراقية، نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض على النظام العراقي آنذاك. لكن المال الذي يحصل عليه بالكاد يغطي احتياجات إخوته من طعام وكراسات. وهو يوافق أن يزوّج أخته إلى كردي عراقي قبلت عائلته أن تعالج أخاه، لكنها تتنصّل من الوعد في ما بعد. أيوب لا يحصل منهم كمهر إلا على بغل يقرر أن يبيعه بعد أن يعبر الحدود، هذه المهمة التي لا تكون يسيرة على الإطلاق.
الأحداث مرئية من وجهة نظر الصبي أيوب، لكن يتحاشى المخرج النزعة الوجدانية في تصوير مظاهر الفقر والأحداث المأساوية، كما ينأى عن النهاية السعيدة. مع توكيد على الدعابة والحالة الشعرية. العنوان مستمد من حقيقة أن المهربين كانوا يضطرون إلى إعطاء خيولهم وبغالهم كميات من الكحول لكي تتحمل مشاق الرحلة ووعورة الطريق وثقل الحمولة.
فيلمه الثاني "تائهون في العراق" (2002) يدور أيضاً في كردستان، أثناء حرب الخليج الأولى. عن ميرزا وولديه الذين يمارسون الموسيقى، ويقررون السفر إلى العراق للعثور على زوجة الأب المبعدة. خلال الرحلة يشاهدون نتائج مغامرات النظام العراقي: الطرقات مليئة بالنازحين الكرد، والمواقع مشحونة بجثثهم. الفيلم يؤكد على الترابط الأسري والمحافظة على التقاليد، إضافة إلى التوكيد على الهوية الكردية.
يقول غوبادي: "السبب وراء كل التوترات والدمار والحروب، في المنطقة، يرجع إلى الحدود. في أوروبا، وعلى الرغم من الثقافات واللغات المختلفة، هم استطاعوا أن يوحّدوا العملة. ونحن الأكراد، الذين نشكّل مجتمعاً واحداً ولغة واحدة، منقسمون وموزعون بين إيران والعراق وتركيا وسوريا. بالنسبة لي، مثل هذه الحدود هي لا شيء، لا تشكّل قيمة وأهمية.. إنها حدود اصطناعية وزائفة، حتى أنني لا أستطيع أن أراها".
في فيلمه الثالث "السلاحف يمكن أن تطير" (2004) يعود إلى الحدود، لكن بين العراق وتركيا هذه المرة. هذا الفيلم أيضاً من إخراجه وإنتاجه وكتابته وتصميم مناظره، تدور أحداثه في المناطق الكردية بالعراق، في العام 2003، عشية الاحتلال الأمريكي للعراق. في مخيّم للاجئين الأكراد قرب الحدود التركية، نرى مجموعة من الأطفال اليتامى، يقودهم سوران (13 سنة)، الملقب بـ "ستلايت" لمهارته في تركيب الأجهزة اللاقطة وربط أجهزة التلفزيون بالقنوات الإخبارية الخارجية، لأناس متعطشين لمعرفة الأنباء عن الحرب. هؤلاء الأطفال يكسبون رزقهم بنزع صمام الألغام، في حقول مزروعة بالألغام، وبيع ذلك – بثمن زهيد – قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
تصل إلى المخيم عائلة صغيرة نازحة من حلبجه، القرية التي تعرضت لهجوم كيماوي، تتألف من فتاة جميلة وشقيقها، الذي فقد ذراعه، وابنها الأعمى الذي هو نتاج اغتصاب جماعي تعرضت له أمه على أيدي جنود عراقيين في حلبجه. سوران ينجذب إلى الفتاة لكنها لا تعيره اهتماماً. هي تترك ابنها في الجبل وتنتحر برمي نفسها من قمة الجبل. سوران ينقذ الابن الذي يتواجد في منطقة مزروعة بالألغام، معرضاً نفسه للإصابة.
حاز الفيلم على جائزة في مهرجان سان سباستيان الأسباني، كما رشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.
في حديث غوبادي عن هذا الفيلم، يقول أن شخصية سوران قريبة منه.. "ثمة عناصر من السيرة الذاتية هنا. مثل سوران، كنت قائداً لعصابة من الصبيان. كنت حنوناً، راعياً، ذكياً، ومحارباً. ذلك يشبه كثيراً العمل كمخرج مع طاقم سينمائي.
الأطفال في الفيلم هم أجزاء مركبة من شخصيتي. في صغري كنت ناضجاً بالنسبة لسني ولدي الكثير من الطاقة. في سن مبكرة مارست أعمالاً مختلفة وتحملت الكثير من الأعباء والمسؤوليات. أبي كان شرطياً ويقتفي كل خطواتي، هذا جعلني كثير التوتر وجعلني أرغب في الاستقلال عنه والإفلات من هذه المراقبة الدقيقة. الحياة في كردستان تعتمد على الحركة. أيضاً، في صغري، فكرت في الانتحار".
فكرة الفيلم خطرت له قبل أيام من سقوط النظام العراقي في 2003.. "بعد أسبوعين من احتلال العراق، ذهبت إلى العراق حاملاً كاميرا فيديو ديجيتال. زرت الحدود الإيرانية- العراقية، المواقع التي تراها في الفيلم. عندما عدت إلى إيران استأنفت انشغالي بمشروع كان مؤجلاً، لكنني شعرت برغبة جارفة في تغيير اتجاهي والمباشرة في تحقيق المشروع الجديد. لم تكن لدي أي فكرة عما ستؤول إليه النتيجة النهائية، غير أني عدت ثانية إلى الحدود ومعي طاقم فني صغير، لكن من غير تصاريح رسمية ووثائق قانونية لتسهيل مهمة التصوير هناك. كما كان عليّ أن أؤلف السيناريو هناك فيما أباشر العمل".
في موضع آخر قال: "أثناء تلك الفترة، صورت الأحداث التي شهدتها فيما كنت أتجول في تلك المناطق الحدودية. كانت الأمور كارثية، وجعلتني أرى الكثير من الكوابيس. لذلك قررت أن أكتب قصة تظهر الأشياء التي رأيتها: الألغام، الدبابات، الأطفال الجرحى".
بعد شهور، ولدى عودته إلى العراق من طهران، وجد غوبادي أن أشياء كثيرة قد تغيرت.. "كان عليّ أن أعيد خلق كل المواقع الخارجية من لا شيء لأنه لم يعد هناك أي موقع. قمت بجمع أسلحة فارغة وحشد ثمانية آلاف شخص، من القرى النائية، بواسطة مكبرات الصوت. ثم اضطررت إلى إيقاف التصوير مدة شهرين قضيتهما في التفاوض مع الأمريكان لاستعارة طائرة هليكوبتر لساعة واحدة. كنت محاطاً بثلاثين حارس من أفراد الحماية، والمناطق الريفية كانت مكسوة بالألغام. لقد كبرت خمس سنوات خلال 12 شهراً من التصوير، لكن هذه هي الظروف التي يمر بها المجتمع الكردي ويجب أن يتحملها كل يوم".
عن ظروف العمل الصعبة يقول: "استكشاف المواقع للفيلم استغرق أربعة شهور. وقد استخدمت أربعة أشخاص في أربع سيارات من أجل ذلك. إن العثور على المواقع المناسبة هو الجزء الأصعب من عملية الإنتاج. الأطفال عثرت عليهم في ظروف مختلفة عبر الأراضي الكردية.. العثور عليهم كان سهلاً. إنهم من مناطق مختلفة من كردستان: من كركوك، إربيل، السليمانية. وهي مناطق متباعدة، تفصلها مئات الكيلومترات. لقد عشت بينهم وأمضيت وقتاً طويلاً معهم. ومن هذه التجربة تولّد السيناريو".
في أفلامه، يستخدم غوبادي عناصر وسمات السينما الإيرانية، "الفنية" خصوصاً، مثل: استخدام ممثلين هواة أو لم يسبق لهم التمثيل، التصوير في المواقع الخارجية لا الأستوديو، الاعتماد على الأطفال، الحبكات البسيطة، التوظيف البليغ للطبيعة، النهايات المفتوحة، اللقطات العامة والطويلة.
أحاديث المخرج مأخوذة من حوارات أجريت معه، ونُشرت في مجلة
Sight and Sound
ومجلة Cineaste, Summer 2005