أود في البداية أن أقتبس مقطعا من قصيدة " كميلة زاهنو " المعنونة (رقابة اثنية أو درس في الجغرافيا): سوداء، آسيوية، بيضاء، من الشرق الأقصى، غير ذلك ! تبقى مربعات الاختيار في البطاقة خاوية / لم يخطر لي مطلقا أن يوجد مربع لامرأة هندوسويسرية ! لكن عقلي يقودني بيقظته إلى العقل الآخر / المسكون بفكرة في عماء الإبهام خلف تلك المربعات المخلوطة. / أهنأك حد بين الشرق الأوسط والشرق الأقصى؟ وأين هو الشرق الأدنى ؟ / والا يمكن لإنسان أن يكون أسود، آسيويا ومن الشرق الأقصى؟ / في كتب الجغرافيا ذات المنحى الاستعماري / حيث تتلون مناطق شاسعة للإمبراطورية / باللون الوردي / كان هناك خط... هذا الخط الفاصل والمميز، الراسم للحدود، كما تتحدث عنه كميلة زاهنو في قصيدتها، هو أيضا - في رأيي - استدعاء للرحيل. إشارة إلى تراوحه الدائم والقريب، منذ لحظة الميلاد الأولى، تلك اللحظة اللاإرادية، المتفاوتة في محاكاتها للإنزياح، التواتر في الانتماء و" عدم الانتماء " حين يتبدى بشكله المحسوس. الرحيل حاضر مهما كان شكله أو قناعه: حركة، هجرة، منفى - هو دائما في تشكيل وإعادة تشكيل حضوره. في لحظات عديدة أفكر بأن الشخص النازح، الشريد، هو التمثيل الأكثر حدة في مأساويته لحالة الرأسمالية وما بعد الحداثة. إن أشد ما يثير انتباهي في متابعتي للقاءات والمؤتمرات وورش العمل المتعلقة بالمرأة العربية الكاتبة هي التجربة المشتركة التي تدلي بذاتها عبر أوراق عمل تتقصى الحميم في حيوات تتقاطع وتتشابك، لتلتقي في نقطة هي بؤرة التململ والقلق كما تتبدى في حالة انبثاقها الأول. أن معظم تجارب المرأة العربية في الكتابة تحكي عن حاجة ملحة في فترة معينة للانطلاق خارج محيط البيت /الوطن. نجد تكرار كلمات من قبيل "الهروب"، "التفاعل "، "اكتشاف الذات "، لتؤكد بأن البيت /الوطن يعتبر واحدا من مواقع السيطرة الأساسية التي تخضع المرأة العربية في الصراع. العديد من النصوص النسوية العربية تتناول فكرة الهروب /الفرار /الانطلاق، مجسدة إياها بأكثر من طريقة. والى حد ما يمكننا القول، أن فكرة "التشرد" التي تم تفعيلها في خطابات ما بعد الحداثة، قد تم تداولها وبشكل متزامن في تجارب المرأة العربية وصراعها في /مع البيت /الوطن. أن مفهوم البيت /الوطن هنا يستخدم ضمن أنساق متعددة لتعني الذات، الأسرة، المجتمع، والوطن. كما انه يطرح أيضا كفضاء لسلسلة من البيانات المتناقضة: على سبيل المثال "البيت /الوطن هو المكان الذي تعيش به - لكنا أيضا المكان الذي لا تستطيع العيش به". ربما يكون هذا الغموض وهذه الازدواجية هما اللذين يقودان ويكرسان " العودة ". من القضايا الأساسية التي ستظل دائما مصدرا للجدل هو إلى أي حد يمكن لمفهوم البيت /الوطن أن يتماهى في موقع جغرافي. وسيبدو الجدل عقيما في أحيان، خاصة حين نعي بأننا مازلنا غير قادرين على طرح مفهوم للانتماء بعيد عن أو غير مقرون بمفهوم الوطن. هذا الموضوع سيظل دائما شائكا في ما يخص تجربة الكاتبة العربية النازحة. ولكن من الجلي أن "المغادرة " أو "العودة "، والتي يلتقي فيها الشخصي بالثقافي بالسياسي، ستظل دائما موسومة بالاضطراب. من الصعب تفادي الأصوات المتشظية لما هو خاص أو عام في تجربة المرأة العربية الكاتبة، فها هي الذكريات البعيدة تحيك نفسها في الصور والوجوه، المئات منها، لتهمس الخيوط المتشابكة لقصص الكآبة والجنون. أن معظم الكاتبات العربيات قد جابهن في مرحلة من حياتهن التأثيرات المدمرة الناتجة عن منع واحد من كتبهن - على الأقل - من التداول. بل أن منهن وخاصة في منطقة الخليج، من تضطر إلى المرور بحلقة مستمرة من الاتهامات والإهانات عبر الاستجوابات البوليسية حول كتاباتهن الأدبية الخاصة، لأنها استطاعت فقط أن تزيح الحجاب عما تعمد الثقافة البطريركية إلى قمعه. على المرء أن يمعن التفكير وبشكل جدي في وضع الكاتبة العربية، كنموذج يزعزع الموقف الانفصامي السائد في المجتمعات العربية، وموقف العديد من النساء العربيات اللاتي اخترن التكيف مع وجودهن الخاص، مقنعات إياه بخطاب الثقافة الاستبدادية، محتفيات بعبوديتهن في عماء. هذا الصراع بين دور المرأة كما هو معرف من قبل المجتمع العربي، وخاصة في محدودية الثقافة القبلية في الخليج، وبين ما تطمح إليه الكاتبة العربية كونها تتحدث لغة أخرى، هو ما يضاعف لديها إحساس العزلة. سيكون من الصعوبة التركيز على المحلية حين الحديث حول قضايا تتعلق بمفاهيم: المكان، تحديد المكان والنزوح، المركز وتقويض المركز، المواطنة والاستلاب، التخوم، الحدود، والانتقال. ومع هذا مازال العديد يفشل في فهم أن سياسات المكان تدور حول التقوقع في المجالات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والتعليمية، وبأنها أيضا تتعلق بالتقوقع داخل المجتمع بشكل يعتمد في تركيبته على الطبقة والنوع والجنس والعمر والدخل. هناك إيمان عميق بوجوب إعادة صياغة السياسات الثقافية جنبا إلى جنب مع السياسات الجنسانية فيما يخص وضع الكاتبة العربية. فمن الملاحظ بأنه لا توجد في العالم العربي حتى الآن ، وخاصة في منطقة الخليج أية محاولات للتعريف بمسألة الجنسانية داخل الخطاب الاجتماعي ذاته. فيما عدا المحاولات المبعثرة في الأقطار العربية بشمال أفريقيا، على المرء أن يعترف أن الحركة النسوية في الوطن العربي لا تزال في مرحلة التكوين. فالقضايا التي تتناول منح المرأة بعض السلطات التشريعية على سبيل المثال ، لا تزال محل نزاع في دوائر بعينها في العالم العربي، داخل الخطاب القومي الذي لاحقه الفشل في معاينة تغييب جسد المرأة ، بالإضافة للتشكيل الاجتماعي المعقد لهذا الجسد ومن ثم تجاهل العنف اليومي الذي يمارس ضد النساء. رغم ذلك لا يمكننا ببساطة رفع النقاب عن تلك الايدولوجيا البطريركية لكشف حقيقة جوهرية للجنسية النسوية. إن الجسد المادي وبناءه الاجتماعي يشكلان توأما التصقا بطرق معقدة ومتعارضة وسيكون من الصعب فصلهما في الممارسة. ولكن ليس هناك أدنى شك في إن المثقف العربي بالمعنى الشامل للكلمة، ذكرا كان أم أنثى، متواطيء في هذا التكوين الهامشي الملازم لهوية المرأة العربية داخل السياق الاجتماعي. ويتبدى هذا في الخطاب الشيزوفروني الذي نصادفه في المقولات التي تنادي بالتغيير على حين يكون أصحابها في انصياع للهيكل الاجتماعي التقليدي المتكشف في أدوارهم كرجال ونساء. الحقيقة المرة التي علينا مواجهتها انه من أحد أسباب تهميش صوت المرأة هو الكبح الذاتي الذي تمارسه المرأة ضد نفسها تحت اسم المسؤولية، والذي يرسي بالتالي قيم الاختلاف النوعي كما نشهدها في مجتمعاتنا العربية بشكل خاص. التأكيد على هذا الكبح تحت اسم المسؤولية فيما يخص دور المرأة العربية في السياق الاجتماعي، هو تواطؤ لترسيخ الاختلاف النوعي تحت مقولات لا تدرك وجود المرأة إلا من خلال صياغات الجمال، العفة، البراءة والسذاجة. لهذا يصبح من المهم إدراك أن التأكيد على ضمنية هذا الاختلاف النوعي كخيار أخلاقي يعد من أكثر العراقيل التي تواجهها المرأة العربية. في أوقات قد لا يدرك المرء سوى الغربة والإقصاء التامين. ومن هنا لا يصبح البيت /الوطن محض مكان وحسب في موقعه، بل يصبح فضاء لأكثر من منظور غني في تنوعه وتجدده، مكان لاكتشاف المرء طرقا جديدة لرؤية الواقع، وتخوم الاختلاف. أن أية محاولة نقدية في هذا الشأن عليها أن تبدأ بمعاينة الطبيعة التوتاليتارية للخطاب الاجتماعي الذي أبدى عجزه عن قبول /استيعاب الرأي المغاير. أن ما يطلب من المرأة في هذا الصدد هو القبول بالاضطهاد الممارس ضدها والتسليم به كواقع ، القبول بالمهانة والكبت والتهميش. لقد تعلمت المرأة في مجتمعاتنا أن تصادر حديثها، فليس كل شيء يمكن أن يقال. وهذا بحد ذاته يرسم المنحى والشكل الذي يستقبل به خطابها اجتماعيا. بالمثل الطريقة التي أستطاع فيها خطاب الثقافة الذكورية السائدة أن يعكس ذاته عن طريق تغييب وحذف الخطاب الآخر، وأن يشوه أي مقولات نقدية بدافع الضرورات السياسية. لهذا نجد الكاتبة العربية معنية بهذا الشد بين محدودية اللغة المنطوقة وإمكانية التعبير، بين المساحة المتاحة لأشكال محددة من الكلام، والمساحة المصادرة في حديث المرأة العربية، نجدها في هذا الفضاء المسكوت عنه خارج ما هو متعارف عليه من خاص أو عام. إن ذهني لينوء بالأحداث والوجوه والاستعارات التي تنشق وتتصدع، وتجعل للغياب حضورا، حتى تتخللني رؤى الكلمات وينداح بداخلي صوت نسائي. هي كما خشبة المسرح حين تصبح محاكاة الجسد هي في الانسياب إلى شروحه، أو كما تنساب لي الآن كلمات الكاتبة الفرنسية /الجزائرية سكينة بوخدينا، أم تراه هو العكس ؟ " كامرأة عربية، محكوم علي بالإعدام. اختياري للحرية كان نتيجته إقصائي، امرأة مهاجرة ومنفية. لن يقبل أحد هويتي الحقيقية كامرأة وكأنه محكوم علي أن أطوف العالم بحثا عن مكان يحتويني." في أحيان يبدو الأمر كما لو إننا لا نملك وطنا نلجأ إليه. ويعجز المشهد المترامي أن يحتوينا حين نحاول المفاوضة بين الداخل والخارج ، لهذا ستبقى كلمة "وطن " بالنسبة للعديد من الكاتبات العربيات النازحات غامضة ، ومشبعة بالمفارقة بل والسخرية ، مادمن غير قادرات على إدراك وجودهن ككيان أنساني داخل حدود هذا "الوطن ". ومع هذا فأن حالة التشرد هذه لا يمكن التعامل معها باستهانة أو بمفهوم أحادي. لأن المنفى في أحيان عديدة قد يكون فعلا اختياريا تلجأ إليه الكاتبة من أجل الإبداع. نزوى -21 منذ أن استسلمنا للمجيء الراحل في عزلته، وهو يوقد بعدا خلناه قد تبدد بقدومها المباغت، ونحن في لهج خافت وانصياع لاهث في تطلع ما شاب هذا الحضور للمرأة التي بدأت تواري جسدها فيض الأوشحة والأنسجة الطويلة المنسحبة وراءها في تأرجح ترتعش له حواف الزوايا وانكسارات الجدران في ميلانها الهندسي المستريح على بعضه. نستشف منه رواحها وانتقالاتها المفاجئة من ركن إلى آخر ومن غرفة مأهولة إلى أخرى، تتصبب في مجد الفراغ وامتلاء أجوائه بعبث دهر في منازلات الترقيم والتجديف. لم يكن ذلك شأنها من قبل مع جسد متأهب في الفتنة، طاغ في ارتياد مساوماته، راشقا العيون العابرة بمناورات التفافه على بعضه وبوحه بما يبرز من اكتظاظ نهد، أو انعتاق خصر في سلاسة تتأوه لها الأفواه التي نقف على مقربة منها فيما يلسع نفسهم الدافئ تجاهها وجوهنا التي غيبتها الظلال المحيطة. كنا نتقافز جذلا ونحن نشهد عينيها تستقر علينا بين الفينة والأخرى بما يكفي لنتلو خلفها وحولها ترانيم العشق المتأبط ذهولنا فيها. لهذا داهمنا الاستغراب في غرابة فعل لا يتسق ورؤانا للعُريّ الذي خلنا فيه الوجود المبكر في استيقاظه، ليدهن أحداقنا بعبيره الملتصق بجلودنا كل هذه السنين، وهو يرجو في تراكم الأقمشة تباعا لترتاح فوق الأنامل، وتتمطط في انسياب كليّ حول القدمين والساق التي لمحنا توهجها في ماض سحيق. نستعين بالشواهد كما نشهدها في الرقيات الحافظة أسراراً مغيبة في لثام صناديق الزجاج المربعة والمستطيلة، في أبنية التبس علينا كنهها بروادها المبعثرين في أروقتها المغبرة، عارضة تفاصيل نقشها لعيون تسبح فوقها في عماء لا يرفق بشأن رفق بحيوات قد زالت وأخرى ستزول في تدرج عجلة الوقت الذي يناهضنا طموحنا فيها، والمربكات في نقيصة الهواجس التي تطفو تارة وترسو تارة أخرى في أعماق هجيعة الأنفس وهي ترنو لحظات السكينة نحو غسق يبدد أرق الدقائق المتلبسة المناوشات ذاتها التي ندير الرأس عنها الآن ونحن في تفكر في جسد وسان المُغيّب عنا خلف ثقل الثياب الرملية اللون الحاملة نفحة التربة معها. نحاول أن نفهم معنى للقطيعة بقضبانها الحادة المتداخلة في مسار كان يصون أرواحنا الرهيفة، من دون أن نسائل ذواتنا عما يشعل هذا المحيط الذي يحتوينا بدمائنا المستنسخة في أوردتنا المتعاقدة بعضها على بعض بما يشبه الفلك السابح في يقينه. وهاهي تتركنا الآن في غربة الظنون وفي تبصر دائخ مما يرصد له، فتتعالى شهقاتنا ونحن نفترش الشائك من شوك حتى تتضح لنا الدواعي لهذا الإسراف الفاتك وهو يفترس فتات الطمأنينة الحالمة التي عرفناها دهراً. الجسد الذي أماط لثام اختلافه إحدى المساءات حين انسحب فيها الضوء السابح في السماء إلى حافة السرير الكبير الذي احتضن أجسادنا الأربعة في نموها البليغ، ليتبع تفجر الأنوثة التي انشغلنا عن ملابساتها وتبعثر سماتها من حولنا، إلى أن لاحظنا البقع الداكنة المتداخلة مع الرسوم المتناثرة لزهور ليلكية وصفراء فاقعة اللون، ومن ثم اختفاء لحاف السرير ووسان معا عن تجمعنا المأهول، لنبدأ في مسيرتنا المعذبة، الدائمة، في البحث عن زوايا وسان السرية التي يحلو لها الشرود فيها وتشتيت انسيابنا إليها. كنا نود أن نهمس لها بأن يقين الجسد هو في استراحته على برعم الخواء وهو يتفتح ناثرا سكونه المطبق في كون يرتد ويدور على ذاته، وبأن ندوبنا المستقرة في رحاب الصدر تحاكي الوجع الأنثوي الذي تأمل وسان أن تلهينا عنه بغياب وقتيّ. لكن الغيرة تنهشنا ونحن نراها تفتح المسار للرجل الغريب ليشهد وجعنا فيها متأرجحا على نعومة الجلد الفاتن في ترابط مع خطوط لأيقونات وشمت خفية المقصود مما انطبع من تمائم تتحلى بها جدران الدار في انبساطها وزلاتها المتواصلة في الغيب. ومع هذا كله، لم تتكشف لنا الحقيقة كاملة ونحن نتراوح بين الخيط الدقيق لمَلكَة القلب ويقين الندب الفاضحة قسوة مجهولة على جسد تطرف أعضاؤه كخفق أجنحة الفراش في عبوره الزمني القصير من انبثاق في الحياة إلى انبثاق في العدم. الندب التي نتقصى نشأتها بأناملنا المتسللة الآن في حلكة الظلمة وانبساطها الداكن الملتف على جسد وسان في استكانة النوم، علنا نلملم المتناثر من تبعات دهر يَصِمُ امرأة هوانا بشطط فجاجته ويهوي بكدمات أزلية على نثار ما تتشبث به من وهم يحاكي الرحى في طحن وتفتيت نطالعه وتطالعه هي من كوّة العزلة. لا تأمل في الرأفة ولا تبسط يديها لدفق الوجد الجاري من محيطنا إلى محيطها في الساعات الرخيمة حين تركن أجنحة اليمام لحواف السطوح المنفلتة نحو فضائها. لا شيء يمكن أن يلهينا الآن عن مسار ما ارتسم فوق الجلد الطيع من أخاديد تنزلق متراوحة في عمقها من أعلى الكتف حتى الساعد، ومن تلاقي الفخذين حتى الركبة التي بدت كمن طرزتها يد في عجلة ردم المتشظي من أوردة وأنسجة اندلقت في فجأة الحدث الحميم، حين يستعصي على الجسد العصيان المتكامل متمثلا في وريد في دفق إلى الخارج، أو كما هي الصور المغوية للشفرة الحادة لنصلٍ ينبسط بين برهة الحاضر وبرهة الغياب الأخاذ كما يتجلى كمينه الفضيّ في سطوع يضاهي حلم اللحظة الذي يتراءى لنا في شرارة الغفلة المائلة فوق أصداغنا، لتلهينا عن المصب الذي ظللنا مندفعين نحوه. نكبو أمام النهد في جلستنا تلك مستطلعين تضاريسه فيما الحلمة تلامس حافة أنوفنا الذاهبة في الرحيق وفي خلجات التوتر وهبّة الاندياح المتوارد في حلقات كالموج يتعالى في دواخلنا قاذفا بزبده المترع في ليونته نحو عراء اليابسة. يطيب لنا السكون في هدأة تلاقي الفخذين في تلامسهما الطفيف، في انفراج النهدين عن مسالك العذوبة، في النحر وانبساطه نحو علوّ الكتف، في العضلة الفاصلة وهي تتمرد هياجا، في انحناءات الظهر وهي ترنو لمراتب تدفق فاجر في حميميته لما ينفرج عنه الردفان الطيعان في تألق المشاكسة. هكذا نتلون ممسوسين بهذيان الجسد ونحن نقرأ بأطراف أناملنا، في العتمة، الخطوط المحفورة على الجلد المترف في نعومته، جالبا حكايانا التي مططها الدهر وتلاعبت بها الرياح على حافة منحدر الحلم المنعتق من جباهنا. أي هيام هذا الذي نهيم به؟ أي وجع هذا المتشكل عبئا في جراحات تطأ الجسد وتستقر في سديم خلاياه؟ ترفع صبيتنا الكف ضارعة، فيما تبجّل أجسادنا هرم الحصانة حولها، مغالاة في ردع لا يحاكيه إلا هذا الانفلات نحوها.@ من كتاب (للصوت، لهشاشة الصدى) إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000 منيرة الفاضل البحرين - أستاذة الأدب الانجليزي في جامعة البحرين عضو أسرة الأدباء و الكتاب.
مؤلفاتها : - الريمورا - قصص قصيرة - دار الربيعان- الكويت- 1983
- (للصوت، لهشاشة الصدى)
- إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000
| |