* كيف خطر لك أن تحقق فيلماً عن قصة حب بين خسرو وشيرين وفرهاد، كتبها الشاعر الإيراني الكبير نظامي جانجفي؟
- إنها استجابة لإغواء قديم، قديم جداً، يعود تاريخه إلى الأيام التي أصبحت فيها مخرجاً. الأمر كله يتعلق بمراقبتي للجمهور. أعتقد أن جذره يكمن في حقيقة أن، في غياب الجمهور، لا يمكن للإنتاج أن يُدعى إنتاجا يوجد بذاته وعلى نحو مستقل. هذا لا يعني أني أريد تملّق الجمهور، فأنا لا أسعى إلى رفع مكانة الجمهور على حساب العمل. ما أعنيه هو أن في اللحظة التي يتأثر الجمهور بالفيلم، ينحصر الخلق في تلك اللحظة المحددة لا الفيلم نفسه. ليس هناك ما يسمى فيلماً قبل أن يدور جهاز العرض (البروجكتور) وبعد أن تنطفئ أضواء الصالة. الفيلم الذي يتألف من أطر (كادرات) عديدة موضوعة في علبة، أو تعمل بنظام رقمي (ديجيتال).. الخ، هو لا يشبه لوحة أو تمثالاً ليحثنا على التفكير فيه ككتلة أو هوية. أعتقد أن هوية الشاشة الفضية تتوقف على الجمهور، في اللحظة التي ترى فيها جمهورها. إذن الإنتاج يتشكّل لحظة رؤيتنا للجمهور. بتعبير آخر، في مفصل معين يصبح الجمهور والفيلم شيئاً واحداً.
أعتقد أن هذا العمل يُظهر فيلمين. أعني، أننا لا ننظر إلى الانتاج في المجرّد، بل بالأحرى ننظر إلى تأثيره على الجمهور. هذه ظاهرة قديمة جداً، جلية في بعض الأفلام الأخرى التي أخرجتها.
كان لديّ شعور جذري جداً وأردت أن أراقب الجمهور سراً. بالنسبة لي، مراقبة الجمهور أكثر إثارة للاهتمام من أي شيء آخر. هذا شعور قديم جداً. لا علاقة له بالإخراج. إنها تحديقة جسورة، عميقة.. تشبه تحديقة الأطفال في مهودهم، تحديقة مباشرة تماماً.
ثمة لحظات في هذا الفيلم والتي هي مثل هبة لي. إنها نعمة أن تكون قادراً على النظر إلى شخص ما عن قرب شديد لتكشف عن المشاعر على وجهه.
* أي موقع يحتل "شيرين" في قائمة أعمالك السينمائية، خصوصاً وأن إنتاجك أصبح متقشفاً أكثر؟
- كل عمل فني هو تتمة أو متابعة لأعمال سابقة، لكنني لا أقصد أن أجعلها متقشفة لأن ليس من مسؤوليتي أن ألخّص إنتاجاً إلى هذا الحد.
* لكن هكذا يحدث الأمر. أنت مرّة ذكرت ما قاله ناقد عن فيلم "شيرين" باعتباره من أكثر أفلامك راديكالية في ما يتعلق بأخذ كل شيء خارج الكادر..
- ذلك لأني أحب البساطة. على سبيل المثال، في الكتب التي أشتغل عليها الآن، منها كتاب جلال الدين الرومي "ديوان الشمس"، قمت باختيار قصائد هي أقرب إلى المحادثات اليومية واللغة الحديثة البسيطة. لم أختر القصائد التي تحتوي على كلمات صعبة جداً، رغم أن بعضها عظيمة بسبب الإيقاع والغنائية.
* الآن وقد انتهيت من الفيلم، كيف تجده وأنت تشاهده؟
- حقاً أحب هذا الفيلم كثيراً، لعدد من الأسباب. قبل كل شيء، الكاميرا ثابتة. وبسبب الاعتماد على اللقطة القريبة، بالمعنى الخاص للكلمة.. وإلا فإنني عادةً أميل إلى اللقطات الطويلة، المديدة. بوسع المرء أن يرى ذهنية الأفراد في اللقطات القريبة.
* لم اخترت عناصر نسائية فقط لفيلمك؟
- لأن النساء أكثر جمالاً، أكثر تعقيداً وحسّية. المزيج المركّب من هذه الخاصيات الثلاث يجعلهن مرشحات مثاليات للأفلام وللنظر. من أجل الكشف عن استبصار في مثل هذا التعقيد، ليس من وسيلة أخرى غير المشاهدة، والتي هي الخطوة الأولى في طريق البحث. فضلاً عن ذلك، النساء عاطفيات أكثر. الوقوع في الحب هو جزء من التعريف الخاص بهن.
* حدّثنا عن الفيلم ونصه السينمائي..
- القصة لم تكن مهمة بالنسبة لي. أعني، أنا لم أعلّق آمالي على القصة. فقط فكرت في جعلهن يشاهدن فيلماً ميلودرامياً، لكنني لم أكن متأكداً أي فيلم سيكون. خلال سير الإنتاج صادفت أشياء وجدتها ملائمة ومتجانسة. الشاعر نظامي، الذي عاش قبل ثمانية قرون تقريباً، لم يكن قادراً على خلق الدراما فحسب، وهو الذي تتسم أعماله بمقومات درامية تضاهي في الجودة أعمال شكسبير، بل أيضاً يمتلك فهماً جيداً للمرأة. الصورة التي خلقها للنساء هي إيجابية جداً: لقد صوّر النساء ككائنات مؤهلة، كفؤة، معتمدة على نفسها. مثل هذه الشخصية من النادر رؤيتها حتى في الوقت الحاضر.
مع أن "شيرين" يحافظ على كل المقوّمات الأنثوية، المعقّدة، للنساء، إلا أنه يتكشّف عن عمل قوي جداً. لقد خلق لنا نظامي لوحة عظيمة عن المثلث الغرامي. مثلث جانب منه يُظهر الملك، وآخر يُظهر مهندساً معمارياً وبارعاً في الرياضيات، صانع تماثيل، أو شخصاً قوي البنية قادراً على كسب ثقة النساء. أعتقد أن كليهما مثاليان بالنسبة للنساء. القصة تدور حول المثلث الغرامي (عشق رجلين لامرأة واحدة).
* ما هي الاستجابة التي تتوقع من فيلمك أن يثيرها؟
- لا أقدر أن أخمّن. ثمة من سوف يقول "الأمر لا يهمني على الإطلاق".. هذا القول كليشيه (صيغة مبتذلة) تماماً لأن الكثير من المخرجين بدأوا في استخدام هذا التعبير بعد تجربة وجيزة جداً في صنع الأفلام.
واقع أنني لم أنبس بتلك الجملة طوال سنوات يجعلني أشعر بالطمأنينة أو الراحة في قولها الآن. أنا لا أزعم بأني لا أهتم في ما إذا أحب الجمهور الفيلم أو لم يعجبه. ما أقوله هو أن عدم إعجابهم بالفيلم سوف لن يؤثر في مشاعري بشأن العمل.
فيلمي هذا "شيرين" قابل للكثير من السبر والاستكشاف. لهذا السبب عندما أشاهده مرة أخرى أكتشف شيئاً جديداً يغريني على مشاهدته من جديد.
* عندما نستمع إلى قصة ما فإننا، بطبيعة الحال، نخلق صورة في خيالنا. لكن في هذا الفيلم هناك صور ننظر إليها. ما الذي تعتقده بشأن حقيقة أن في "شيرين" نحن لا نرى صوراً مرتبطة بالقصة التي نسمعها؟
- هذا ليس عملاً إذاعياً. مع أنك حرّة في تخيّل ما تشائين، إلا أنه يتعيّن عليك أن تشاهدي ما أعرضه أنا. في الحقيقة، هو مركّب من الحرية والقيد معاً. أنا أقترح عليك أن تشاهدي عالماً آخر والذي هو أكثر جاذبية من القصة. أعتقد لو حاولت أن تصرفي القصة من ذهنك، فسوف تصادفين شيئاً جديداً.. سوف تصادفين السينما نفسها. في الواقع، أنا أقترح أن تصرفي القصة من ذهنك وتُبقي عينيك مفتوحتين على الشاشة.
أجرت الحوار: خاطره خودائي، ونشر في موقع Off screen, volume 13, issue 1, march 2009