ولد عبدالله به شيو في قرية صغيرة قريبة من مدينة أربيل في شمال العراق، وأتم فيها المرحلة الابتدائية من دراسته، ثم انتقل إلى أربيل لإكمال الدراسة الثانوية، وفي هذه المدينة، التي تعد الآن مركزا إداريا وسياسيا وثقافيا كبيرا للأكراد، شب على بعض الأفكار القومية والتحررية، وأخذ يتحسس آلام شعبه ويحاول إيجاد القدرة على التعبير عنها ولا يستطيع إلا عن طريق الشعر الذي بدأ يكتبه مبكرا وهو على مقاعد الدراسة. في أواسط الستينات نشر قصائده وسط الأجواء السياسية المشحونة بالقلق والاضطرابات في شمال العراق في تلك الفترة، وأصدر عبد الله به شيو في عام 1967 ديوانه الأول "جرح ودموع". وفي عام 1968 دخل معهد إعداد المعلمين وأصدر مجموعته الشعرية الثانية "الصنم المحطم" التي وجد فيها النقاد تأثرا رومانسيا وسيكولوجيا. مع بداية السبعينات شرع عبد الله به شيو يطور عدته الشعرية ويعبر عن نفسه بمزيد من النضج الفني فلفت انتباه الأوساط النقدية كشاعر مبدع، وأثار ضجة لجرأته وشقه لنفسه طريقا مميزة عن الآخرين. واحتوى ديوانه الثالث "يوميات شاعر ظامئ" الصادر عام 1973 قصائد جميلة ومعبرة عن ما كان يعتمل في صدور الناس في تلك المرحلة مما ساعده على كسب المزيد من القراء والمستمعين في الأمسيات الشعرية. في صيف عام 1973 يغادر عبد الله به شيو إلى موسكو للدراسة فيلتحق بمعهد موريس توريس للترجمة ويدرس اللغتين الإنكليزية والروسية، بعد ذلك يعد رسالة دكتوراه في الأدب الكردي متناولا فيها "بيره ميرد" الشاعر الاصلاحي من القرن التاسع عشر. ومرحلة الدراسة هذه تعتبر من أخصب مراحل حياته وأنضجها، فصدرت له: "قصائد مقاتلة" و"دروس للأطفال" و"أحلم بكم كل ليلة" ونشر قصائد كثيرة أخرى لم يضمها ديوان للآن. في عام 1985 يسافر شاعرنا إلى ليبيا لتدريس الأدب العربي المعاصر في جامعة الفاتح بطرابلس الغرب، ليرجع في عام 1991 إلى موسكو من جديد، لكنه لا يمكث فيها طويلا ، فيهاجر إلى فنلندا حيث يعيش منذ سنوات. إن أجمل قصائد عبد الله به شيو هي التي كتبت خارج الوطن، وتحديدا في سنوات دراسته في الاتحاد السوفيتي السابق(1973-1985) لما تتميز به من شفافية عالية وعمق فكري ونضج، فالبناء الفني لديه متميز يختلف عن أقرانه وهو أشبه بالعمارة مرصوفة الحجارة بإتقان، فعادة ما يقسم به شيو قصيدته إلى مقاطع يحمل كل منها صورة ومعنى خاصا به لتؤلف بمجموعها معنى رئيسيا أو صورة مركبة، وهذا متأت من فهم الشاعر لمهمة الشعر وأغراضه وبالتالي كيفية توظيفه في الحياة اليومية، فالشعر عند به شيو هو "حصان جامح يحب المراتع ويرفض أن يكبل بالسلاسل" فيعتلي الشاعر ظهر ذلك الحصان ويندفع منشدا أغانيه في طريق طويلة وشاقة. يعتبر عبد الله به شيو واحدا من أشهر الشعراء الأكراد المعاصرين ومن أكثرهم تأثرا بالشعر العربي والروسي والإنكليزي من الناحية الفنية والأكثر انغلاقا على الفكر القومي الكردي من الناحية الفكرية، ويتميز شعره بغنائية عالية ورومانسية تحريضية ولهذا فأن العديد من قصائده أصبحت شعارات ثورية على لسان الشباب وأغان يتغنى بها الأكراد داخل العراق وفي المغتربات. فيما يلي بعض القصائد المنتقاة من مرحلة دراسته في موسكو ومن ديوانه "أحلم بكم كل ليلة". *** كل ليلة أحلم أن قوة خارقة تأخذني إلى الجبال كل ليلة أحلم أن قوة خارقة تأتي إلي بالجبال مثلما يحلم سجين أحلام الفرسان بالرياح والجياد أحلام الأطفال بالنجوم والزهور. *** أينما أرى جبلا يخفق قلبي... يرتعش... كقلب عاشق في لقائه الأول وأقف عند سفحه إجلالا فيتراءى لي أن كل جبال العالم تمتد من وطني أينما أرى جدولا يخفق قلبي... يرتعش... كقلب عاشق في لقائه الأول وأقف عند نبعه إجلالا فيتراءى لي أن كل جداول العالم تنبع من وطني عانيت من برد مدن غريبة ولم تتجمد أصابعي لأن في برد كل العالم شعاعا من شمس وطني تحملت حر مدن غريبة ولم تعرق أصابعي لأن في حر كل العالم نسمة تهب من وطني لتكن عيون نساء أوروبا زرقاء أعشقها لتكن عيون نساء أوروبا خضراء أحبها لأن في أكثر العيون زرقة لأن في أكثر العيون خضرة شيئا من سواد عيون النساء في وطني. *** لو عدت ثانية لتدحرجت كل صباح كحمل صغير في حقل ريان ومضغت العشب المر كثيرا حد الشبع وغسلت رجلي حتى الكاحلين بالندى البارد آه... لو عدت ثانية! لو عدت ثانية لتسلقت كالسمور شجرات الجوز الكبيرة وحلقت مثل غيمة واطئة فوق الحقول الخضر وانحنيت كما تنحني أشجار الصفصاف فوق الينابيع على كل صخور الشواطئ آه... لو عدت ثانية! لو عدت ثانية لراقبت جيدا كيف تصفر سنابل القمح كيف ينضج التفاح والرمان كيف تبنى القطا أعشاشها كيف تتعلم فراخ العصافير الطيران كيف تصطف أسراب السنونو المهاجرة على أسلاك الكهرباء من أين تنبع الجداول وأين تصب آه... لو عدت ثانية! لو عدت ثانية لشربت جرعة ماء من حلمة كل ينبوع لتوسدت صخرة في مدخل كل كهف وجعلت لنفسي مهدا في كل مغارة آه... لوعدت ثانية! (هذه القصيدة من ترجمة الدكتور عزالدين مصطفى رسول، أجريت عليها بعض التغييرات) *** ما دمت أعيش حياتي مرة واحدة أحبك أنت وأحبها هي ولو قدر لي أن أعيش مرتين: لأحببتك أنت في الأولى وأحببتها هي في الثانية لكن مادمت أعيش حياتي مرة واحدة اسمحي لي أن أحبك أنك وأحبها هي *** إن تهت في غابة أو غرقت سفني في بحر هائج لن أخاف: ما دامت عيناك بوصلتي ما دامت عيناك أقرب مرفأ لي. * لكي يعرف الناس حالة الطقس يسمعون المذياع كل مساء أما أنا عندما يأتي المساء انظر في عينيك أعرف مهب الريح مقدار درجات الحرارة أعرف: أي حقل أية غابة أي جبل يغسل المطر. *** لو زار وفد بلادي وسال: أين ضريح جنديكم المجهول؟ أقول له: يا سيدي لا تخف طاطئ رأسك قليلا وضع من الورد إكليلا فإكليلا على ضفة أية ساقية على دكة أي مسجد على عتبة أي منزل أمام مدخل أي كهف أو محراب أية كنيسة على أية صخرة في أي جبل على أية نبتة في أي حقل على أي شبر من الأرض ضع إكليلك وامض لا يا سيدي لا تخف فأنت لم تخطئ الهدف. أحسّ أن آلاف المدن آلاف البحار والأنهر آلاف الأشجار آلاف الفراشات والطيور تعيش في قلبي لكن، ما أن أمد يدي نحوها تختفي جميعها. *** كتبت قصيدة جديدة قال الطائر: دعني أحملها إليها قال النهر: أنا أحملها إليها قال النجم: أنا أوصلها إليها قال القمر: اسمح لي أن أبلغها بها وفي الفجر طرقت الشمس زجاج نافذتي: أنا أحمل قصيدتك الجديدة إلى ذات العينين الجميلتين لكني عندما فتحت قلبي وجدتك فيه كنت تتدفقين كالماء الصافي احمرت وجوه الطائر والنهر والقمر والشمس من الخجل واختفوا جميعا واحدا اثر الآخر *** هنا من السهل على الجندي أن يقطع رأس إنسان من أن يقلع رأس بصل هنا من السهل على الجندي أن يجرح رأسا أن يكسر ساقا أو يقطع يدا أن يفقأ عينا أن يُسكت فما أو يصم أذنا من أن يقطع غصنا يابسا هنا يحق للشرطي أن يصادر أملاك أي شخص كأي شئ ممنوع كالأفيون أو الخشخاش. *** على قارعة طريق بكت قطعة حديد بحرقة سمعها طفل فاقترب منها: لم تبكين؟ هل أنت جوعانة؟ هل أنت عطشانة؟ قالت: في هذا الوقت من العام الماضي كان طفل نائما هنا عندما رمتني طائرة وسقطت على رأسه *** احرقوا كل وطن يصير سجنا وابنوا على أنقاضه وطنا آخر انتزعوا كل قلب لا يحمل حب الحرية وازرعوا مكانه قلبا اصطناعيا *** قلعت غابة خضراء بصمت جذورها من أعماق الأرض وأحرقتها عندما عرفت إنهم سيقطعون في الصباح جذوع أشجارها ويصنعون منها أخامص بنادق للحرب العالمية الثالثة *** كل الناس يموتون بعضهم من المرض بعضهم من الخوف بعضهم من الفرح بعضهم من الجوع بعضهم بالفيضان بعضهم بحادث سيارة بعضهم بطلق ناري بعضهم بالسم بعضهم في الحرب بعضهم في السجون أما أنا، فيقتلني حبك يا وطني. *** 1- حب حب الوطن يقتل المرء مثلما يقتله السيف مثلما يقتله السرطان مثلما يقتله الكوليرا 2- راس من يشتري مني رأس الشاعر هذا أو يستدينه لأيام معدودات لأسابيع... لقرون!
3- عمر الزمن نحاس التاريخ نهر من الصدأ والعمر جرة ماء. *** ذات يوم سرقت فتاة قلبي ورمته من بناء شاهق ارتطم بالأرض انكسر مثل قنينة عطر انسكب كل الشعر الذي بداخله. المصدر : الأروقة- إبداعات- http://www.alarweqa.net/eb/stories.php |