سيرة محذوفة
الرماد مناديل ليديك اللاهثتين كالجرح،
مناديل لما قلت، وتماديت،
وسكت، أو سكت عنك الكلام،
أو نزعت عن يديك أمومة الشفاعة،
قال لك الصباح: نامي، فكنت ضجيعة الرحيل،
قال لك الرحيل: اصعدي إلى ضلعي،
فكنت ضلعاً لديدنه،
ديدن مزين بضلوع الخواتم أنت،
القدر يفسر فهرس ما قلت وسكت،
لم يدركك الصباح وأخذتك السكتة،
سيرة محذوفة أنت،
يحذفها اللا ممكن، وتكتبها ثياب العصيان،
من العصيان إلى أمومة يديك مسافة رمح يخترق العقل،
مسافة رئة تتنفسك،
وتخبئك في نفس اليقظة والنوم،
وتخبئك في حقل الرغبة،
يكبر الحقل كيما يغطي كتفيك،
يغطي فمك الذي يتبسم لطائر الكذب،
يحلق الطائر، وترفع السماء على عمد في عيني:
طائر أول/ كانت السماء تذرف المطر،
كانت الخلائق لا تعلم،
كانت الملائك تعلم،
كان المنزل غافياً على سمعه وبصره ولسانه،
كان الحائط مبكى،
كان ثمة رجل يلعب برأس القصيدة،
وامرأة نؤوم الكلام،
كانت القصيدة:
أنتِ [ تصفف شعر الخديعة على رأسه]
زمردة اللغة [تتثاءب على ثياب المكان الغافي]
أنت …[ تغفو، تصحو سماء أخرى،
يظلّ يحكي لها، وهي تحكي إلى طائر لا ينام]
طائر ثانٍ/ ها هي تصح بجناحين من النعاس،
تتعثر أصابعها بدمع القصيدة،
يركض قلبها فوق عشب الكلمات،
يتمدد خيالها كمثل طفل فوق العشب،
كان خياله يتمدد على غروب اللقاء،
كان اللقاء يتمدد على سرير لا يعوّل عليه،
كان السرير يفتح الباب ويغلق اللقاء:
تغيب السماء عن الشمس،
تغيب الشمس عن سماء الكلام،
يغيب الكلام عن فم المنزل،
عن فم الفراغ الذي تركتِ،
عن فم الهوا الذي رافقك إلى الباب،
عن فم الباب الذي عاد بكِ،
إلى منزل اللغة مرة أخرى. !
***
القابلة
إلى أن تغرب الشمس
أشطب وجه الأبنوسة
فيفترق عرش القابلة
أيهم أدعه يموت
أشجار الدموع
لا تكمل عجائب البيت السرّي
الديناصورات
أقصد الأيام الماضية
أين تنام من شدّة البرد ؟
انهم أبنائي
تضمرون الغفلة في الجسد الفضفاض
فاسم غيبة البنفسج في اللهاث
متى أولد ؟
لا ربيع يكتم ضوء الأزهار
أو عسل ينضج في السلالم
التي تؤدي إليك
الشيخوخة فيَّ ليس الهواء
من أطال عذوبتها
هم الصبية لملموا غرانيق اللوم
حين أغار الثلج على الواحة
الكلمات
تروي
أنني
أيتها القابلة
أرتدي قمراً أخضر
يأكله السناجب في أويقات الحبّ. !
***
أحلام المجيء
تحلم الزوجة بمجيء الزوج
والأم بمجيء الابن
والفتاة بمجيء العاشق
والخزانة بمجيء اللص
الزوج يكتب رسائل من السجن
الابن تلدغه أفعى
في الخندق
العاشق يغني في الأسر
اللص يتسكع مخموراً في الشارع
الزوجة ترملت وذهبت إلى مدينة بعيدة
الأم تجهش بالبكاء
الفتاة تترقب كحديقة مهجورة
الخزانة امتلأت من جديد وتحلم
بمجيء لص آخر. !
***
طيبة
الكل يزرع
لتجود يداه بالحصاد
إلا أنا
أعطي....
لكي أزرع في النفوس
ثيمات حبّ
تطهّرها آيات المنى
وإذ يجنّ الليل
أواريه......
عن أعين القادمين
بعطر محاكاة الغد...
الآتي
وأنازع قبحاً
عاث في الأرض...
سواداً وانتشر
[أنا]ي التي ليست أنا
يا طيب أهالينا
يا..............
عدْ إلينا
عدْ بنا
ما عدت أحتمل القلوب....
الخائفة
ما عدت أحتمل الصبابة
ولا السير وراء.......
ريح داكنة
لكن ضوئي لن ينأى
ولن أرتضي
غير طيب
أزفّه مع الفراشات
ليوم أرى فيه وجه الله.
بغداد /2002
***
سؤال
قد تكون شيئاً غير هذا
نسمة باردة أو جنون
خارطة عدم ودمع ومرايا.
لا تبحث عني في أفقك
فالبحر بلاد من رمل.
علم مشتعل أنا ويداك زنبقتان.
والأمسيات مطر.
نحن خطّـان، أنا الاثنين وأنت ماذا؟
يا دفء الشواطئ البعيدة.
لماذا زرعت الشمس في عيني وغبت ؟
وسلبتني النظر، والسؤال؟
من قال لك أن المستحيل شجرة واحدة
تعزف نشيدها على جسدي ؟
من أباح لك سرقة الأوتار ؟
من علّمك لغة البحار لتقنع النوارس بالرحيل
من الوريد إلى الجبين ؟
رسمت دائرتين وخطاً عمودياً
وقوسين ونصف دائرة تضحك
وقبلة ما بين العينين.
فهل سيهاجر النخيل من ضفائري
إذا ما نبذتك ؟
لا تتحداني..
فقد زرعت جدتي أظافرها نرجساً على شعري
وعطّرتني برحيق دجلة،
فكيف فقدت ملامحي حين أضعـتك ؟
تنقسم مرآتي حين أتأملها
يتقطّر الندى منها وتسألني من أكون ؟
أنا بعض منك ولو أ\بقت راحتيك
تضمني..
من زفيرك أولد فأعدني إليك
لأعرف أنا من أكون..؟
28-11-1999
****
رهينة المستقبل
طفلة كالزهور
يقودها شيخ. أحدبته السنون..
عيناه
معانٍ تقصّ
حفاة يمضيان..
يمينهم.
دخاخين سوداء..
شمالهم..
أطلال..
يقتربون من بحر..
بلا موج.. ولا نوارس..!
***
انكسارات
علّقت القلب على شجرة
صفصافة
لا شرقية.. لا غربية
انكسرت
ليس لأن القلب المتورد ضيم
أثقل كاهلها
بل نخرتها الأرضة ….
علّقت القلب على صخرة
تتفجر منها سبع عيون مثقلة بالغيم الأسود
انكسرت أيضاً ..
إذ أن الغيم أسود أنزل دمعاً مدراراً
ونحيب أرامل
علّقت القلب على الحائط
علّقت الحائط فوق الأمس المتصدّع والحرمان
علّقت الحرمان على قسوة أمي..
تنهرنا نحن التسعة والكلب العاشر
نتربص كي نسرق رائحة الخبز الـ" لا يكفي"
من خلف التنور ..
علّقت التنور على طوفان الجوع
يحملنا في فلك مثقوب
نحو المدرسة الخرساء
ووقفت
على جبل عالٍ جداً من أمل
يعصمني من عبق الخبز.. وطوفان الجوع
فانكسر الحائط.. نحن التسعة والكلب
انكسرت رائحة الخبز.. والجبل الشاهق ….
علّقت القلب على عينيك الآسرتين
علّقت القلب عليك..
فانكسر القلب …!
28/تموز/1998 بغداد
***
قصيدتان
(1)
الرسالة التي لم تصل إلى جلجامش
حائط الصمت
انهار على روحي
وفقست تحته سحالي ضوئية صفراء
فلت لأحدها:
احملي كلمتي هذه
واذهبي إلى الجهة القصية من الأرض
إلى جلجامش
وقولي له:
لقد ولد من يحمل عنك الصخرة
ويحيل أحلامك إلى واقع مدسوس!
الأنهار جعلها خطوطاً
البحار دموع أرامل..
الجبال ندب صغيرة
والوديان آثار اللطم!..
الحياة موت ذليل والموت حياة ممجوجة!
قولي يا أيتها الدودة
قولي أنك لن تستطيعي الوصول
لأن هذه الكلمات ستصرع جلجامش!..
* *
من دموع جلجامش على موت أنكيدو
حفرت البحار
ومن حزنه المستديم على أيامه الجميلة
اكفهرّ وجه السماء بالغيوم
ومن ألمه ولدت الأفاعي التي تأكل روحه
أتونبشتم قال له:
اقتل جميع الحيّات..!
لتحصل على الخلود
إذا كان لا يستطيع ان يشرب البحر
فلن ينشف دمعه
وإذا لم ينشف دمعه..
فلن........!
(2)
مات إله الشياطين
قتلت الحصان
على تلّة..
وأحرقت جثته
في مساء حزين..
فجاءت جميع الشياطين تترى
تغني وترقص
تغني وتصرخ
مثل أرامل حافية نصف عارية..
على تلّة في الظلام..
مثل أرامل بابل
كاسية عارية
في احتفال حزين..
مات حصان الحضارات..
فيا أيها الشمس كفي عن الضحك
ويا أيها الريح كفي عن الزقزقة
وأنت الجبال..
ليبق يجلّـلك الحزن والدم حتى القيامة
يبقى يجلّـلك الصمت والخوف والعاقبة
مات إله الشياطين
ليتركنا للمعاناة نحيى..
نبايع سوق التفاهات..
دون انتظار!!!
9/12/2000
***
العشب
العشب الذي يأكل الأرض، غطى مقابر
بأبنائها ذوي العظام والرؤوس وآثار طعنات السكاكين
ورماد الحروب العديدة
صار مراً، ومن أجل ذلك رأيت حياتي
وحيدة تنام عليه، رطباً وحزينة.
العشب من نحاول احتمال أن تعلكه الخراف
ينقر أضلاعنا مسبباً الألم الوحيد.
العشب - لا تأخذيه إلى البيت
لأنه في المساء سينهض من تربته ويلتف
على أبوابنا كالتنين
العشب سيجعل من منزلنا سجناً للسنوات
وسيقضم رسائلنا لتتحول خضراء
وسيعود أبناؤنا على البهجة العجوز
العشب لا تأخذيه إلى البيت
البيت، دمرت حياتي من أجله ودمرته من أجل لا شيء
البيت لا أحمل منه سوى مفاتيحه وفاتورة الكهرباء
وورقة التموين وأخطائي التي ارتكبتها فوق سرير هزيل
نصبناه منذ عمر كسيح كشاهدة.
البيت والعشب مؤامرتان على مؤامراتنا
التي يطلق عليها آباؤنا تسمية حياة.
البيت والعشب والحياة
أفزعتهن القنابل
البيت والعشب والحياة والقنابل
وهن يرممن الثقب الأوسع في - أعني الحرب-
أنا من أردت إخفاء الثقب الأضيق وهو الحرب أيضاً.
حين كنت أتحدث مع الزقاق الذي ظل يعرج منذ
الصاروخ، يشتمني العشب،
ويمزح بي كأنني كرة.
يا من عاقل
يا لنا من نحن
يا للحياة من بيوت
يا للبيوت من عشب
ويا للعشب من نفسه
العشب واحد يجثم على عظام قتلى البابات
التي لم تأتِ بالسرقات بل بأوراق الطحين
الأسمر وازدهار الشاي.
الشاي يزدهر لأن الحياة سوداء
السكر يشحّ لأنها ليست كذلك،
أنا أحدثك لأن قلبي أخذته العاصفة
ولم يبق سوى إصبع للرمي.
قلت لك: ان "باريس والآخرين" فلم
يتحدث عن خلافاتنا تماماً
وعن البصرة بالتحديد
أنا أمجد العشب بسبب الصحراء
وبسبب زرقة البحر أعلي شأن بياضك
الخرطوشة الحمراء لوثت شالك
الزيت علّق بالطفولة
وبسببها أمجد المذبحة
المذبحة التي تزدهر هي الأخرى
بسبب العشب
أمس وأنا ألهث حلمت بالدجاجتين
الباردتين وحلمت أيضاً بالشبابيك
التي تشبهك
كنت أعصر المنزل فينزّ هوياتنا
العشرة لا تساوي عشر علب سجائر
والرز ينفد يا عاقلة
الرز ليس من العشب
الرز من أنواع القنابل
والصحيح، الرز طيارة تهدر أول الليل.
***
خارطة الكون
يبعثرني الحلم في الفراغ
أصطف مع الرؤيا
أخشى من ظلي
الريح تأتي إليَّ
تشتهي قسوة موتي
وكأني في طفولتي
ضائع في خارطة الكون
الجبال تنخر عظمي
والسهول تشرب دمي
والشمس تحرقني، تحرق أدمعي
تدميني بعيداً عن الحبّ
قريباً من الهمّ والغضب
المطر يأتي إليَّ
يبلّل ثوب شعري
يدين نزيفَ العالم
سحلَ العشاق والقديسين
فجأة يرحل عني
وأنا أرحل أيضاً، أغيب في أحشاء أمي..
أرجع إلى سرّ تكويني..
ثم أختفي في الطين.. أعانق خلايا التراب !
***
قمر بني آدم
"مقطع من نص شعري طويل"
الفراغ غياب منظور..! جسدي، قبل انبلاج الفجر أو سمو الزبد عند ضريح الموجة، جسدي الراحل صوب الرغبة، تلك الجمرة، علقة في رحم شتوي، حبل سرّي، أفق داكن يتلوى، سليل الماء والدخان.
رأس هشّ، هذا الجسد المبتلّ بالصراخ، هذا النذر الندي، يهب المهد ظمأ الأنامل، ميراث الهمس المسكون، أمام مكنون، في الأرحام، في المقل، رحيق مكتوم أو يفيض، يستبق الندى، يحبو، بين العتم، في ثنايا السقم، يلثم، بعض سماء، وفتات أرض، ومقام قمر.
في لظى المسرّة غيض الماء، شفاه يباب، ثغور
نوافذ
ملأى بمرح الجراح
مصائر
بمصائر
تشهد سورة الوجوه
من خوف يرتع فيها.. في فيء القباب، ينحدر الصمت إلى الصدور، يقطر
في
عتمة
قانية
في غفلة من ظمأى أو من وراء حجاب، مسّ جسد التراب،
…………………………………الأرض سحاب………………………………
أركان المهد تمور، تنزف من أوداج صماء، من حجب الزمن تسيل الفحولة، سيلاً، على ترائب متربة ضامرة، من وحي وهن توقد من أنين، وليل، يثير الفزع، فراغ الذكورة، والغياب (………..) منظور.
جسدي في المحراب، جسدي مَـنْ؟!
وأنا أتبعه في غيبته، سادراً في حلم الطوائف، حول الضفاف إلى العويل أو أستظل بوارف من أسى أو أثل، ألقي تمائمي، في توق تنسرب إليه، مبسوطة اليدين بالنشوة، نشور تنشد مسالك الخلد، ترتقي، بوئيد الخطى، خطى اليمام على الرماد،
جسدي، وأنا.. وبعض مهد كليل،
بلفائف من سندس خضر، وموت، يكتم أنفاس السواد أو بقية ما أورثته الفصول.
…………………………….الأرض تعوم…………………………………………….
بعري الهمس، همس الرواسي يهفو والصمت يترى، مدّ يموج بأطياف السواد وأطراف الضحية.
بصمت موسوم بارتعاش نلج قبو القمر
ودم الهادي
أصمّ ياقمر بني هاشم للمسرّة
نلوذ سرّ
بدفء يدنو
الغياب ناظري والجسد أدعـــوه فينأى
سلالم تفضي إلى الوجود، إلى ماء رقراق ينبجس من اعتصام الظمأ الغائر في جسد المغيوب، فترقد طلاسم العصور وتستفيق الجلجلة، تبتلّ الأشنّة بدم القمم تخضب السفوح، فتحسسوا بأناملي أفئدة البطاح، ورعشة الهشيم، لحظة ارتجاف الغبش المائج في ليل الحيوات.. !
***
اسم الكتاب: أحفاد جلجامش
(راهنية الشعر العراقي 1980-2000)
التصنيف: شعر (انطولوجيا..)
التأليف: مشترك (مجموعة..)
إعداد وتقديم : وديع العبيدي
الناشر: ضفاف/ النمسا.
الطبعة الأولى : ديسمبر 2003
"جميع الحقوق محفوظة"
***
ضفاف مجلة ثقافية دورية
تعنى بكافة جوانب الإبداع
تؤمن أن لا إبداع بلا حرية
ولا تقدم بلا إبداع
رئيس التحرير: وديع العبيدي
المراسلات:
توجه كافة المراسلات إلى رئيس التحرير.
Wadi alobeadi
Mühring 3, A-4906 Eberschwang,Austria
wadiobeadi@yahoo.com
**
Iraqi modern poetry
(1980- 2000)
"Descendants of Gilgamesh"
Edited by:
Wadi Obeadi
DHIFAF Austria 2003
منشورات "ضفاف"
" لا إبداع بلا حرية ولا تقدم بلا إبداع"
لطفية الدليمي.. في مرايا الابداع والنقد- سلسلة دراسات 2000
يوسف عزالدين.. في مرايا الآخرين- سلسلة دراسات 2001
وقال نسوة.. قصيدة مطو"لة/ حسن النصار- سلسلة نصوص2001
عدنان الصائغ.. في مرايا الابداع والنقد- سلسلة دراسات 2002
عين ثالثة تبكي.. قصص/ رحاب الصائغ- سلسلة نصوص 2002
الثقافة العراقية تتحدى الحصار- سلسلة دراسات 2003
صفير الجوال آخر الليل.. شعر/ ابراهيم البهرزي- سلسلة نصوص 2003
بكائية الزمن الطويل.. قصص/ مهدي الحسناوي- سلسلة نصوص 2003
مداخن الآلهة.. شعر/ وديع العبيدي- سلسلة نصوص 2003
حانة الأحلام السعيدة.. قصص/ نصرت مردان- سلسلة نصوص 2004
سقوط مردوخ.. شعر/ حسن رحيم الخرساني- سلسلة نصوص 2005
أحفاد جلجامش.. راهنية الشعر العراقي [1980-2000] مقدمة ومنتخبات شعرية.