بلاط الجنوب
(مدن الأعلى والأسفل)
سماء هذه الأرض
هذه الحياة المبجلة
تزحف على تواريخنا في الليالي السعيدة
ماذا نجد:
خناك حيتان نائمة وسلاحف وممرات تصدح بنا
غرب يتفيّأ بشرق ينزف
الآخر يستلب ضحيته:
طينه ورقمه وتراتيله
شمال يحصد جنوباً
نقوش عديدة تنام على ضفاف وأمجاد ومستنقعات
سأرميك بالورد.. فلا ترميني بالرماد
قالت: المدارج البائدة
فأمام أي قبائل نقف اليوم لنروى معلقاتنا النفيسة
.. نطرز قنوات ضلالنا.. نطرز شموسنا.. ونهتف
المدارج الباهتة/ أخوات الطاعة
(هبوط وصعود المكان)
حمير: فانوس زاهد يعتلي الخواتم
طيبة: أبو الهول يتزوج منها (من أمه)
الوركاء: نوح إكسير اليقظة (امرأته وسفينته)
هكذا نعلن
نحن الأمراء الجدد - مؤرخو الأسفل
إننا نتنازل عن أبجد في فضاء يقاسمكم
وإلا بماذا نفسر قيامة القتيل..
وموت القاتل
مكة: (العاربة والمستعربة)
سل عنهم… سل عن أحفادهم
ماذا ترى؟
أيام هي حروفهم.. وأبناؤهم كلمات
فهل تتعطشين الآن لبئر جديدة
تفتحها سارة بأقدام هاجر
إيه زمزم
إيه زمزم
رأينا آبارك المشتعلة
رأينا الوليد وأقدامه.. رأينا الرماد في صنوبر العسل
رأينا الصفا والمروة
نقول:
السلام على العزلة الجديدة
فتنتفض مدنك المنتخية/ الناخية
ينتفض رمادك وعسلك
ما هذا ؟
أنها تتشابه
الأستار وحرائقهم
تتشابه.. بينما تختلف الأدعية
(سارة بأقدامك هذه المرة
علّقي لما زمزماً ثانية
علّقي زمزم الحليب
.. الذي يكتشف نبوءة الأبراج)
سماء موحشة إذن.. هذه الأرض
نواقيسها التي تدق في انفلات السماء
حيتانها والبراري البعيدة
تاريخ حافل.. هذا هو الجنوب
بعيداً عن السمك والبردي
بعيداً عن كراريس الماء
بعيداً عن تاريخ حافل بالمسلات (مواجع الستراتيجيين)
يحتفل دائماً بدمه
بعناقيده وأيقوناته
بوجهك خالصاً
يخضر في غفلة النوارس وهي تحلق
بعيداً عن هذا كله
أشمّ أرواحك في طينك
وأستمع إلى برهة صوتك
لعلّ شذى حافلاً نستعيد به دفئنا
الذي تكسّر بينما الأحفاد الميامين
يقسمونه أضحوكة لصباح أسود
كأيامك وهي تحلق موحشة
فتسقطين
كأي حلبة فارغة
هنا نومض في البرق
نسميك كما نسمي النهار
نقول المسرة (عنواناتك الكظيمة)
نسميك ثانية
يصيح القتيل: لا شيء أظهر منك أيها القتيل
لا شيء أظهر منك
وأنت تمحو بموتك
حياتهم المجيدة
هنا فقط
تكتمل بنقصانك
فاقتربي
اقتربي..
حيث لا نراك.
بغداد/1993
***
الحكم
لطالما تمنيت أن أكون
تلك الفتاة اللا تملك من العمر
سوى ستة عشر ربيعاً
تلك الشاعرة الصغيرة العفوية
الكانت ما تزال تعتقد
والكانت تعتقد
تلك التنتقد ما حولها
ما تراه عيناها
لكنك يا صديقي
جعلتني أتمخض
الحقائق مرة وأخرى
عصرت قلبي دماً
لأنني اليوم لا أعلم لمن أوجه انتقادي
جئت طالباً فقط
فدارت عشرات الأسئلة في رأسي الملعون
وتمنيت لو لم أكن
لكنني في الحقيقة أكون
جئت بكل رجولتك
دمرت فيّ الأنثى
وأوقدت الإنسان
ولولا نظرة الأمل في عينيك
لأجبتك
"فاقد الشيء لا يعطيه"
لكنك يا صديقي لم تكن لتفهمني
ولكنت أفقدتك ذلك الأمل
فما زلت لا تملك من الحياة
سوى سنواتي الستة عشر
وما زلت تضع اللوم على من حولك
وما زال الأمل جنيناً في مقلتيك
أعطيتك.....
نعم أعطيتك ما طلبته
لكن بخجل لم أشعر به من قبل.
ولم أجرؤ النظر في راحتيك
لئلا أشهد أثر المسامير فيها
لكنني رأيتك تنزع الصليب عن ظهرك فرحاً
يا ترى..
كم من الوقت يتسنى لكم
أن تنزعوا الصلبان عن ظهوركم
ويا ترى من صنع الصلبان؟..
من ذلك الذي يتاجر بلحومكم؟..
أهم أحفاد شايلوك؟..
أولئك الذين غادروا البندقية
ليبدأوا تجارة أكثر ربحاً في العالم الثالث؟..
من هم إذن؟..
لا تقل أنهم رجال القبيلة
المنحدرين من شبه الجزيرة
ولا تقل أنهم أولئك
الذين يحذرون من غضب الله
ويأولون جوعكم إلى الخطيئة
فليس من ديان سوى الله
وأعلم أن المسيح لم يجرم،
لكنه صلب..
وهيرودس لم يكن يهودياً
لكنه لفظ حكم الصلب
والكهنة رجال دين
لكنهم قتلوا مليكهم عشيّة العيد.
وأنت يا صديقي
والملايين الآخرين
أنتم الترقدون حالمين
ربما بيوم تتمكنون فيه
من تناول ثلاث وجبات
ترى من يسلبكم هذا الحق؟..
أهو القاضي ومحامي الدفاع نفسه؟..
ويا ترى كم من هيرودوس اليوم في العالم
وكم من الكهنة؟..
يا عزيزي!
لا تبكِ على المسيح عشيّة جمعة الآلام
لأنك ومنذ سنوات
تصلَب كل يوم.
***
خمس لوحات لخمس صلوات
الفجر
أستعير صمتك لأصلي..
هكذا أتوضأ.
أبارك الجمال وهو يرسم خاطري
على قماشة مترفة من الخجل..
هكذا أصلي.
الكلمات تغيب
تاركة لي التفاصيل مجردة
من أصباغها المعـتادة..
هكذا أؤمن.
قلبي وهو ينشر أشرعته
ينسى أن يرقع ثقوب العاصفة
هكذا أحب.
أدع كلاً على نقيصته
وأرمي بالكمال في زجاجة الفكرة
ليقرأه العابرون على بحر الشك
هكذا أدعو
أرى كل شيء
أزعم أني لا أراه
أحدث الزهرة والسيف
الفراشة والمشنقة
الأحلام والدماء
هكذا أنا سعيد.
الظهر
ترتفع الشمس كالصلاة
من مسجد..
ينفتح وردة من مصلّين
بين أوراق الدروب
الشمس تسأل الوردة بركتها واسمها.
الخطوات تتابع
الخطوات بذور الأرض
حيث يحلو للفرشاة أن تتنزه وتبحث عن وردة
تركتها ابتسامة الطريق المطمئنة.
العصر
أن تختار النهر
وتترك اللون كله..
هي لوحة قبل أن تبدأ
يبسط الشجر اخضراره
بعيداً عن كلمات الجرف
ويمتد.
الحضور والغياب صوت واحد
في لحظة عناق
يلتقي الإشراق والعتمة
في حياد صارم
ليكسر الصمت إيقاع القدر
المغرب
الشمس كائن صاخب
يتقن الوداع
ريشة أرجوانية..
على أي الغيوم تركت توقيعاً ؟
لون ناعم..
على أي القلوب ركزت جرحاً ؟
أي الصلوات أقرب للقلب..
البداية أم النهاية ؟
أم أن الحقيقة باب مغلق فسيح ؟
قلبي مجرة.. تتساءل.
العشاء
في اللون الخامس للفرشاة
الربّ يلملم زينته
تاركاً للقماشة بقعة من خيبة
الخيبة ذكرى معتمة ..
لفوانيس من قش مصلوب
للفوانيس هالة أغتصبها
حلم أفسد التوبة
…..
الرسام يرحل بلا ضوء.!
***
نصف + نصف
كونك بوابة فيّ لا يعني أنني سور، بل يفسح
أن أشاهد الأرق الخالص في الذهب، الخالص:
يكلل رؤوس الملوك، من سأمهم رعاياهم، وإن
هي - إذ يمرون- تلبسها الأشباح، بل ترى
الليلة نصف البارحة
… والأحفاد يترادمون في أعماق جداتهم
… الآن، لم تبدأ القصيدة ؟
***
رجال سود
نحن القرويون الجميلون
النائمون الغافلون
على طرف كل شيء
نثرثر بأي كلام يطفو على الشفة
ولا نعرف أي شيء.. أي شيء
سوى العمل ومضاجعة النساء
عندما جاءت السيارات
ذات الزجاج الأسود
تطلعنا إليها بفضول غبي
كما فعلت أبقارنا
وهي تعلس العشب غير مبالية
نزلت كائنات بسحنات غليظة
لم نألفها
وشوارب كثة
وأخذوا يلتقطوننا واحداً واحداً
لم نعرف لماذا
نحن القرويون
على طرف كل شيء
نتوسد العشب
لنستشعر نبض الأرض
وننام على أسطح المنازل
لنكون قرب روح خفي في الهواء
لم نعرف ماذا يحدث
حتى جاءت السيارات
ذات الرجال السود
وأخذونا معصوبي العيون
تاركين القرية
لمساءاتها الحزينة !
***
اصطبلات العقل
مسكينة هذه الأيدي،
قاسية هذه المشاعل التي
تنزف القطران على أيدي حامليها…
إلى التسعينيين حتماً.. وجمالهم
يرحلون…
كأنهم يمضون صوب نقطة
الارتقاء
يحملون تفاهاتهم
إرثهم الذي نازعتهم عليه
الملائكة..
بخدر يسيرون
بعيون تتلصص الطريق
وكأن الطريق اعوجاج
آخر
لن يستقيم
وكأن ما بقي من مشهد الموت
يتفنن في اجتياح أخير..
لماذا إذن كل هذه الأناشيد
السخية
لتمجيد الرحيل..؟
لماذا تلتهم الأجساد أدوار البطولة
والروح خلف الحجب
تتلبّس بانفجار يتمادى،
وها هو الخارج بالأمس
يمارس خروجه كزوبعة
فاسدة
ولم يدخل…
الآخرون مثلاً،
يدخلون العزلة
لينظفوا المنطق من الزوائد
أما هم فيدخلون الحقيقة
ليفجرها ….
خلاصة القول،
أن المسافة تتوتر
لحظة انوجادها
وبين الأبصار والعمى
يتدحرج الشك
كنيزك إلى الهاوية..
وحدهم
يتحدون البقاء
بلا أمل للرحيل كذلك،
حيث المكوث يغازل
الانتظار
دون الرجوع لتفتيش اصطبلات العقل
عن أثر للخديعة..
أو الصور إذ تختلط بحوامض تغلي
وهذه تخترق مسافة
الدخول
إلى
المشهد..!
***
تأويل البياض
مثلما لا يلتقي المستقيم
فأن البياض لا يتكرر
*
يتصورونه نسياناً
فيطوفون حول ضريحه
بينما يقف البياض فوق رؤوسهم
يتضور صمتاً
*
أسنان البياض قاطعة
كالدموع. !
***
قصائد
- شطرنج
ينكسر الجندي حول قلعة الملك
تنكسر القلعة في خزائن الملك
ينكسر الحصان والفيل والرقعة بتفخة الملك
ينكسر الملك إذ لا جذور للزجاج !
- العربة
هكذا
ومثل رجل أدمن خيباته
إعتلينا العربة
وحده الحوذيّ
صار يصغي لوقع خساراتنا
…….
هكذا ومنذ أول درب
اندسّ في مسام العربة
ضيّعنا سرادق أعمارنا
ننكشف عن أحزاننا بلا عناوين
منتصرين بالخمول والتلاشي
-كما يقول بعضهم-
لم يكن الحوذي نحيلاً
ولا الحصان
ولا رؤوسنا
فقط كان أفق العربة نحيلاً.
- أمنية
كان بودي أن آتيك
لكن شوارعنا صحراء
وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض.
- يوميات
وأنا أصعد سلّم داري
أسأله عن كنه قراري
أكل هذا العلوّ
ويوجد من يدوس عليك؟
- جراح
في الندى
هكذا قال التراب
الخنازير استفاقت
ولذا هيّأت نفسي
لابساُ يوماً سميكاً
لتلقي الطعنات.
- مرثية لمرزاب الذهب
وجهت وجهي للذي فطر السماء
فسال دم الجياع
وكان يا ما كان
"ميسون حسن كمونة"
من أفزعك حتى عدت تراباً؟
جنوب.. يا جنوب
أجنة تذوب
وكنا أن فاحت صلصلة النار
غطتنا أحلام الثلج
متكئ على وجعي
سأشقّ الرماد
رغم ملايين الجثث
ما بين دمي والحجر النائح
أسيل أنا
حافر السماء
بمخالب وأظافر الأرض مسنونة.!
****
الرماد
"من الشعر التركماني المعاصر"
(1)
همسة
حين أحبّ..
أغدو كمدمن أفيون،
أشعر بانعدام جاذبية الأرض!
وفي قلبي تغفو العصافير..
وتبيض الحمامات..
وتنسج العناكب بيوتاً،
من الشعر والذكريات..
(2)
ابتهالات النوارس
منذ الأزل،
تعشق النوارس حلقة الأسماك الراقصة
لهذا تلو سورة العشق
وتبتهل لربّ السماء
أن لا ينحسر البحر،
فيتحول إلى نهر صغير!
(3)
تجليات عاشق
بما أن المرأة محارة
تحبل بأطفال
من
لآلئ
ولأنني لا أجيد العوم
لذا أنصت كالعاشق الولهان
لصوت البحر،
وصفقات أجنحة الأسماك البلورية،
ورقصات الموج المكللة،
بعذابات النوارس.
ترجمة: أنور موسى حسن
****
ابتكروا لها عنوانا
تكلّم..
فهذا أوان الكلام المباح
وليس لصوتك غير رداء النشيد
يلفّ بقايا الجراح
وهيء صراطك للانفتاح
فكل المسافات
كل الصبابات
كل الصباحات
تفضي إليك
وتسقط بين يديك.
*
على وجنتيك يحطّ هزار الذهول
وحين تكون الدروب
تكابد غربتها في هواك العنيد
تباعد بين الفصول
الفصول
وتمضي…
تجرّ وراءك دغل الزمان الثقيل
تذوب.. أضيء
فتكشف سرّ الوصول
إلى وطن لا نراه !