تاسوعاء
توطئة
.. وكان قد احتاج من ليلي ثلاثاً
أطلعني في كل واحدة
على ثقب في بردته
حتى أراني المشارق كلها.
أما أنا فقد أتلفتُ على بساطة ليلتين
لم يفارق الكمد قلبي
وقد أخطأتني حراب الندم كلها
فلو أن الحياة والموت بعيدان
ما سألت أيهما أركب إليه
حتى أذبل الصبر وريقة دمي
وتسربلت الريح
وجبت أقاصي لا تعرفها الشمس
فكنت على غلاصم الموت
أقدر مني على نسيانه.
*
وكنت أنفّس عن أهل المودة
ثيابهم، كيف لا تشقق حنيناً
حتى بلغ الصبر وفاءه
ليلة التاسوعاء من الهجر
كانت مسرجتي من خزف بارد ورخيص
وقد ظمأ فتيلها
حتى أظلمت الدار وأقفرت
فأنست به على انشغاله بغيري
فما تركت مذلة إليه إلاّ وجرّبتها
وما ناجيته إلاّ وقد اشتملت ببردة الحياء
وكنت أريه في كل يوم
إصبعاً قد قطعه الندم
*
ولما كان شعري يحجب عني
وقد شاكتني شوكة الرجاء
فلبست له ثياباً لا يبلوها السرور
ولا يرتقها الدهر
أعطيت ذوائبي للريح
بعدما يئست من عقصها خلف أذني
حتى أدمتني النجوم بعداً
وقال الرعاة عني ما لا يقال
وكنت قد استغزرت عنده الدموع
ودنوت منه بشقٍّ من صدري
لكأنني ألقمه قمراً
حتى غلبني الرضا
وقد فتشت بمن أطلعني من أصابعي
عن عصفوره الأول
فما وجدت في قفصي من رفيفه شيئاً
وكنت ألثمه على مخارج الحروف
وأبلّ ريقه كلما صدئ المعنى
وتراجع اللفظ
حتى أتى برحيقه على الكلام كله
فما أنقصته شوقاً
ولا افترش قدماً في رياضه لي
حتى أقطعني من غيابه مهراً
فنزلت في بعض من الظلام
وتوددت السرير
وأخذت قميصه على حين غرّة
أتزوّد منه بطلّ وحبق
قلت:
إني ظاعنة الليلة
عن نخيلك ومائك
إني صاحبة نصف هذه الوسادة
إني صاحبة كل هذا الليل. !
*****
الغرباء
في الليل يداهمني الغرباء..
وتحت النجم الذي خلف السحب
فوق شوارعه الخاوية من الناس
تكون القصائد موقداً للروح
تكون الأوراق أغطية للشاعر
بطيئة هذه الساعات التي تمر
قاحلة هذه الخطى التي تعبر
مابين الفجر الذي يجف كالنهر
والعتمة التي تتهيأ لتدخل ثانية
تدخل مع الغرباء!
****
1-حروب
-1-
حروب كثيفة
تتوسّد أيّـامي
تتوسّدني
كأن لا حروب لي سواها
كأنّ السلام
نزع السلام
فارتدته الحروب
-2-
طيوري الملوّنة
بأمطارها تحاصرني
تعلّق الأعياد
مسامير
في جعبتي !
-3-
وحدك
اتلم عارياً
أنت النازف
أنت الراقص
عصيرك الشهي
أشدّ احمراراً
من الوجود
ذاته
-4-
أيضاً
بيدي هاتين
إليك بصري رفعته
بكلتا يديّ
انغمست فيك
وما عدتُ أرى
وما عدتَ !
2- أقدام مراهقة
سأشهد أن للقارب قلباً
لا يعرفه سوى البحر
سأشهد لأمهاتي الكثيرات
بأنني الوحيد
الذي غزل جداول يأسهن
الوحيد الذي ما زال
غارقاً في شطوطهنّ الميتة…
سأشهد للحروب
تلك المآذن الحمر
التي لا تصلي
إلاّ على سجادة أعمارنا
بأن دروبها روما
ونحن مجرد أقدام مراهقة ..!
****
برقيات سريعة إلى :
حاكم ما :
لا لحم لنا
كلابك قد لعقت حتى العظام...
ولا عظام لنا
بعد اليوم
سنسويها خناجر
ونأتيك
أيها الميت سلفا
قلبي:
أستبقى حقا في يسار قامتي ؟ ...
والكل قد رحل
للجهة المقابلة.
جندي:
أيها الخائف الأبدي
من وقع قطة على الجدار!
الممرات الأخرى
ستفضي حتما
لشيء أثير ...
السجان :
زنزانتي كانت
اعتراف أكيد
بعدم انقراض الديناصورات...
أبي:
صحراء أنا
ووصاياك شتاء
لا يطاق
الشاعر مرة أخرى :
لستُ أنت ...
ولستَ أنا ...
كل ما في الأمر
أننا سقطنا سهوا
في العبارة
بيكاسو:
كيف أفهمك
وأنا مصاب بلوثة دالي
وحروبك الأهلية ؟
مايا :
من وهبني في الليل نجمة
ونسى الصباح
ورحل ؟
مايا مرة أخرى :
شطبت اسمك
وكتبتك غيابا
فهل كانت القصيدة
ولعاً هائلا
لا تطيقه الأرض
والسماء ؟
نفايات:
سأقبلك الليلة
وأن ابتغى الأمر سأضاجعك
نكاية بي
النقاد:
عوقي جملة بطول الحسرة
فلا أمل لكم
بعكاز لي,
أو حرف جر ,
أو رصاصة حتى.المجرة:
أسف جدا
أنا راحل قريبا
لأبحث عني ,
فأن وجدتني حقا
سأبقى معي
ألمانيا 2002
****
سقطات
(1) كثيراً ما يسبقني الذباب
إليك…
أيتها الأيام…
الحلوة
(2) وأنت منكسر، تجرح أكثر
أيها الزجاج
(3) ولا أقطفك
سأتركك للسقوط
بينما ((أنا))
الجاذبية
(4) أنا أيضاً
كروي الشكل..
وأدور
(5) لست على القمة ..
لأسقط
(6) أيتها الفراشة، هلمي
فما زلت متوهجاً كمصباح
ما زلت
كمصباح-
متوهجاً
بإمكاني
أن أقودك
إلى النار
(7) أطعت نفسي على نفسي وأعترف
أني، معي دائماً في الرأي أختلف
(8) أعداد لا تحصى من القتلى احتشدوا في الثكنة
وعندما سألهم آمر الفوج: ماذا تريدون
أجابوا: نريد أن نموت
(9) كلامك حلو
سوس حياتي..
****
حياتنا المفضلة
عندما تصرّ عيوننا على تقبيل الحصى
نمشي، ونظل نمشي، أجسادنا
ترسم خلفها أدلة عن الجفاف
أخطاؤنا تتدفق بغزارة، البرد شديد
نلوّح لأمهاتنا المتدثرات بغيابنا
ولا يصل من الجهة الأخرى غير الصفير
مع ذلك، وهب أنكم تقولون الحق!
أين خبأتم أحلامكم؟ من سرق
منكم رغيفكم ؟ كيف تسكتون ؟
في المقاهي، في البارات، في الشوارع
تتكدس أيام المخذولين، أبناء الأمهات
الطيبات والآباء الصائمين المصلين،
الذين جاءوا إلى الحياة بعيداً عن اللذة
قريباً من مجاز الأب.
بعد أن أيبستنا الحروب، جلس جمع
من خارج الموضة، آخرون بدأوا بنصفية
الحساب مع سنين أعمارهم الذابلة، وحدها
الممشوقة القوام، ظلت ترقص أمام
عيون تقف على الحياد
نشكرك يا أنيسنا، خذلتنا في
النظرة الأولى، وفي ختامها أطلقت
صفارات الإنذار.
عرفاناً بالجميل، نقيم كرنفالات وأد
لأيامنا الماضية، كأننا جهل نجا
من الموت واتجه إلى موت جديد
دخل الغزاة، بين قذيفة وقذيفة،
جال أصدقاؤنا في دروبهم اليومية،
المدن رفعت يافطات النحيب أو المقاومة،
وحدنا من انشغل بعدّ الميتين.
هذه كؤوسنا وخيامنا، عاديون جداً،
ومع ذلك، تحاك الأساطير من حولنا،
ولا نحظى بحبّ امرأة واحدة، حياتنا
مجرد أقاويل في صيف حار، يخطئ
فينا الجميع، ونظن إننا بلا أخطاء
الخوف يا سيدي، مع إننا جئنا إليها
بمزيد من الحنين، الخوف هذه المرة
على رأس أولوياتنا، هو الذي يرسم
خطأنا ويشير إلينا بالفرار من الحياة.
حياتنا المفضلة خوف متصل، وإلا
فأين يضع الخائفون - أمثالي- أقدامهم ؟! .
****
صنعاء- عمان- صنعاء
كلّما تعلو بنا طائرة الليل
على الغيم…
… على الريح
على سرب حمامات دم الظلمة
والخوف
أقول:
ارتفعي أعلى..
فأعلى…….
ولنكن كالبحر
والضوء وضوحاً
ولنقل لو…
لو وصلت
وعلى خضرة
أغصان الشآميات
في بوابة الصبح
جريت
ما الذي يفعله المجنون
في الليل
وليلى
لم تعد ليلى
وليلى
وشمتني بيديها: أتقِ هجرَ التي في الهجر
صلّيت عليها
ما الذي يفعله المنفيُّ
والخطّ الحدودي تدلى ؟
في صحارى الوقت
والحزن
الفراتي أطلاّ
لو رجعت
ما الذي يفعله الشاعر
و (البرق اليمانيُّ)
بروحي
صار كهلاً ؟
لو بقيت
هكذا في الأفق تفترين حولاً
وعلوت
سأقول:
ارتفعي أعلى…
فأعلى
علّني أبصر من شرفة
قصر الله
في (بغداد)
أنواراً ببيتي !
****
الإبحار في ذاكرة النوتي
انفلت الحالم من ذاكرة الليل
وهام على وجهه في الشرفات
كان يعدّ العدّة كي يحصي أصفار
سفائن هذي الروح
والروح تراها غارقة في لجة بحر هائج
ترك الشاطئ مهووساً يتراقص والأمواج
كان النوتي يراقبه
والنورس يلتقط الهمس المجبول
بدقات القلب
اقترب الحالم من بيت شبي مهجور
دقّ الباب انغلق الصبح على التذكار. !
****
اختبار للهاث آخر
موقوتة قنابل الفجيعة
على شفا أفق من الترقب
يندمل مساء آخر
وسط ضجيج من آهات الوداع
له خطوات رحلة بلا مسافات
وعيونه أوراق زهرة نَسّاقَطُ
فوق ظلال هاربة من التوجس
والبكاء ما حان وقت اندلاعه
بينما الدموع أوشكت أن تشعل شموع الحكاية
ثلاثون خريفاً والعمر يذبل…
أو يكاد من فرط المسافة أن يعود
وهل يعود!؟
مَـنْ قاربَ الصمتَ
أو أضحى بلا أغنية من التنهيد
وسواحل اللهفة تنأى عن قاربه؟
فريثما يدمن الرحيل
ويكفن الأحلام والذكريات
سيغدو حفنة من رماد الانتظار
فكيف يركض البعد ليبتعد !
وأنفاس بصيص من النهار تخبو ؟
علّ الأخرس من ضوضاء الصمت
يومئ باقتراب الدهشة
ويدغدغ وقت التراجع عن الذهول
أيضاً صليب الكلمات
وكلّ ما ورثناه من الغياب
ومحض اهتراء لجروح طرزتها أنامل تتقن الرصاص
لقيض واحتراق
وغابة أسماء مفخخة بالرياء
تمنحنا سفينة بلا ربّـان
وحبل النجاة قصير كالعمر
طويل كرمشة عين تفتقد امرأة لها طعم الشتاء
منذ سبعين نايـاً
وما يعرف للآن ثلج
حفيف الشفاه يدنو قلباً فقلباً
منسرباً في جذور الهمس
متوشحاً في وجوه المرايا النابضات بالوجد
ملامحه عنقود رعشة يتدلى
تهرع إليه أصابع
فتقبض الفراغ
لهاثها سراب
فضاؤها طبشور يكتب:
متى يحين الـــ …؟!…
فيسقط القناع
ذلك الوجه الذي ما عاد يمسك اليقظة
وما عدنا نحوك شرنقة الأرق
لنعد وساداتنا الخالية من النوم
فطوبى لقبورنا الجديدة
وآمين لمن يمضي معنا إلى آخر الغروب !
****
حين يتدلى رأسي بين يديّ
في كنه الأشياء،
أفتح شباكاً للدنيا
أتململ قليلاً
يلوذ الجيران بالصمت، الأصدقاء يرحلون
فيحصي الصليب الأحمر قوائم المفقودين
ومنسق الشؤون الإنسانية ببغداد، يقول..
لقد أصبح الخبز أبيض
تأتي سفن الأطلسي، فتغدو قنينة الدواء أمنية.
أعمدة الصحف الصباحية عثرات أمام الأحلام وهي
تتحدث بشهية عن أوجاعنا.
كاميرات الأمم المتحدة تعدّ سجدات أمي لتستعيد البيريّات
الحمر شراستها.
منظرو الهزائم/ مدعو البطولات/ شهود الزور/ مثقفو التجميع
مشغولون في إعداد شهادات حسن السلوك.
معتوه يعدّ خرزاته ما بين الجسر المعلّق واستعلامات القصر الجمهوري
الذي أمسى أكثر جمهورية من ذي قبل.
جنرال يخطط لاحتلال مدينة سدوم.
زوايا شارع النهر تفتض بكارة الأحلام والتجار الجدد
يتجرون بملابسي القديمة.
البطاقات التموينية تعود أكثر إشراقاً، فالوكلاء نزيهون.
التحقيقات التلفزيونية المزيفة تشبه ممسوساً يتحدث في محفل.
بما أننا مصابون بالجذام فمكاتب تغيير العملة تغير على جلودنا.
أنا والذين سقطوا مضرجين بالخيبة من الحصول على معبر ما
أبصرنا -ربما وهماً- السياب وشوارسكوف يتناظران شعرياً.
في سفوان حدثني صديق، قال
ان شطّ العرب يغادر براءته.
في باب المعظم...
رصيف المكتبة الوطنية يهزأ من رصيف وزارة الدفاع
بينما تمثال المتنبي يخرج من صمته
ليقرأ شعراً -بالعامية- على المارة.
الكتب المحشورة والمطمورة تستنطق التاريخ والرواد يتأرشفون
بين أروقة المكتبة الوطنية.
جندي أمريكي يستبشع مواويل داخل حسن.
ها يدرك هذا الأمريكي ما معنى.. لإله... لإله... لإله،
عود الفارابي غازلته أنامل نصير.
المقاهي حين تتآكلها المطاعم، ليس لدي ما أقول سوى...
سلاماً مقهى البرلمان/ البرازيلية/ البلدية/ شط العرب/ حسن العجمي
ومقهى المعقدين.
صغار الإشارات الضوئية لا يأبهون بالدمى.
هولاكو وتيمورلنك يسكران بحانات بغداد بينما سعدي يونس
يحرق معطف غوغول في حديقة اتحاد الأدباء
ويغوي جلجامش ليتخلى عن فكرة الخلود.
رأيت {....} يرقص السامبا في الولائم.
شعراء الخليفة يساومون أبا نؤاس ليستبدل-موقع- تمثاله.
شهرزاد مستلقية وليس لديها ما هو صالح للسرد.
شهريار يفترش أرصفة بغداد يبيع الماء البارد.
لماذا أسمي شوارع الوزيرية نوعاً من الملاذ المؤقت
فكل شيء قابل للهدر.
هؤلاء كانوا معي ...
موسى النقدي/ الفريد سمعان/ صادق الصائغ/ محمود البريكان/
صلاح فائق/ كاظم جهاد/ وهاشم شفيق
أين هم الآن؟
هل غابت معالمهم؟
هكذا إذن،
الموسيقى تأخذني، أنا الأعزل مع خوفي
لتبعثرني وتتركني لفوضاي.
****
تكوينات رمادية
1- شاعر في مكتبه
الغرفة عزلاء
وأنا في فوضى الشعر
.. أتجلى
ترفعني الموجة..
تسكبني الدمعة..
نهراً..
تخنقني الصحراء
أصمت لا تكتب فالحرف بغاء
أبداً على جرحي تفوت كل القوافل والنعوت
وأريد موتاً يحـتويـني(م) غير أني لا أمــوت
ويثور قلبي في جـنون (م) ثم يلجمه السكـوت
وحدي يلملمني الأسى وتخيط جرحي العنكبوت
2- شاعر وظلام
لصُ يجترح الشباك
يفقأ عيني ..
أتلمّس زراً ينشلني
آهٍ..
والغرفة تبقى عمياء
أتلفّت..
أبحث عن قبس من نور
وبعيد عن عيني الطور
3- شاعر وصورة
أرفع وجهي بين يديّ
أنظر وجهك..
تبصرني
تبسم..
تركض نحوي..
تتعـّثر
يسقط قلبي..
يتعـفّر
فأمدّ ذراعي
ألمس وجهك..
وزجاج الصورة..
يصعقني
شاعر في مقهى
منـزوياً وحدي في المقهى
تتلصّصني..
أنظار تعبى
أبصر فوق الطبلة جرحي
ترسمه آثار الشاي !
****
قصائد
1- سمكات ميتات
السمكات الميتات قرب النافورة،
هل يشعرن بالبرد الهابط من عليائه؟
هل ينظرن إلى مئزري الجديد،
وهو يربطني كحزام،
أو يؤرجحني مع الطير في ريحه؟
وأنا أعبرهن كل يوم، في الحافلة،
بينما رجل النافورة،منحنياً
يلمع صدفاتها الحجرية.
السمكات الميتات،
بماذا يفكرن دون سباحة ؟
2- سرفات دبابة
هنا الناس مسالمون،
يمنحون خدهم أيسر وأيمن،
ولو بقي الأكثر لتغافلوا عن مصيره،
بينما شفتاك تتعاركان عن لفظ يُذكِّر بالأحمر.
الناس، هنا، لا يدركون الشر
يتقفصون بالملل ـ أقصد طيبتهم ـ
هم لم يسمعوا بحرب،
وكأن سبيلبرغ لم يغزهم بديناصوراته
ولا تمرغوا بستر كوبريك الحديدية،
أقول لهم يا لفطنتكم،
وأحتمي بمظلتهم.
الناس هنا، يضحكون طويلاً
بلا خوف، ويمسحون على لحيتي النامية؛
و يكركرون:
ـ أسرد ما تعرف عن سرفات دبابتك؟
سـ…..ـر فـ…..ـات
ثم يجرجرون الكلمات كطَولِ قماش،
الناس هنا
يظنوني حكواتياً
و برفقٍ يضمونني إلى أحضانهم .
3- الثقوب
يا إلهي كلما رسمت الرأس تخاتلني الثقوب،
كلما أشرت للرأس أن يهتز تغافلني الثقوب
كلما أردت الرأس أن يتحرك تراقبني الثقوب
كلما أداور الرأس تصاحبني الثقوب،
لا أمل
الرأس رأسي ومطرز بالثقوب
أينما أريد لا وجهة أخرى غيرها.
الثقوب،
لماذا يا إلهي؟
5/6/2001
****
قصائد
1- اجاممنون
عائداً...
من غبارِ الحربِ
بقلبٍ مجرّحٍ
وذراعين من طبولٍ وذهب
حالماً بشفتي كليتمنسترا ، العسليتين
اللتين كانتا في تلك اللحظة
تذوبان على شفتي عشيقها ايجستوس
ليلةً، ليلة
عندما فتحَ البابَ
رأى في دبقِ شفتيها
آلافَ الجثثِ التي تركها في العراء
فتذكّرَ
أنه نسي أنْ يتركَ جثتَهُ هناك.!
سهم
لحظةَ الانعتاقِ الخاطفةِ
بماذا يفكرُ السهمُ
بالفريسةِ
أمْ ...
بالحرية.!
2 - تنويعات
في بال النمر
فرائس كثيرة
خارج قضبان قفصه
يقتنصها بلعابه
*
بإبرته المائية
يخيط المطر
قميص الحقول
*
لا تقطفِ الوردةَ
انظرْ ...
كمْ هي مزهوة بحياتها القصيرة.!
3 - قبلة
وهما يتكآن على سياج الياسمين النمام
يهمُّ بتقبيلها
فتفلتُ القبلةُ من فمِهِ
وتسقطُ على العشبِ
محدثةً رنيناً أخضرَ
ينحني ليلتقطها
فتضحك ...
ذلك أن القبلَ الساقطةَ
كقطراتِ المطرِ
سرعان ما تجف.!
****
خارجاً.. ومكتفياً بالسواد
أكفاننا المبثوثة..
في الهواء
قبضة خرافية
كثيراً ما
تخطئ أقدامنا
وباتجاه العكاز تسير
كثيراً ما
تلتهب أجسادنا
فتجأر مصابيح العاهات
كثيراً ما..
تتشابك شتائمنا
(5) الجنون الذي يخلق الصدى
يخرجني حافي القلب
بموقد محطم
وسماء عطشى
تاركاً كل شيء..
ومكتفياً بالسواد..!
****
قصيدتان
المكان
قبل يوم فقط
أتجمّل فيك
وبالصدر أحمل خارطة
في يدي شمعة
كشفت ما يدور على الصدر
من مدن فقست في الحصار
....
الجميع بنفس المكان
قبل يوم فقط
رحلوا
تاركين رهائنهم
ورسائل أجلبها لهم...
بالجياد التي أفرزتهم
للرحيل.
....
قبل يوم فقط
اشتريت كتاباً عن اليقظة
وقميصاً بلون الفضاء
وتذكرة للخروج.
.....
قبل يوم
عرفت مكان صديقي
فأرسلت... اضبارة من كياني
تلوذ بعكازة الحسرات.
.....
قبل يوم تعثرت بالنافذة
وأنا أتمتع بالقلب،
أغسل بعض دماء الفراشات،
فرّت من القسوة....
......
قبل يوم
أبي يرفع السقف عني
ويطلقني لعراء
....
قبل يوم ولدت
كان هذا
بنفس المكان.
حين داهمني الفيضان
أعدت مكاني
لأشنّ النبوءة.
أوراق مبعثرة
كلما أزرع بذرة
تتوفى قرب بيتي..
شجرة.
سوف..
ألغيك من الجمهور
ألتفّ كمنديل يحزّ الرقبة
سوف.. ألغي كل ما حولي
لفردوس الهلال.
لا تمنح رأسك قفل العقل
وأنت شهيد الوهم.
لا تؤجر لسانك للانتعاش
وتغادرني للسؤال
فأنا حفنة من نجوم
تستطيع إصابتها بسهولة.
الحنين سلاح..
درّبه الموت
لا تتسلل فوق سياجه.
****
هامش للربيع الأعزل
كان يلتقط أيامه مثل فراشات مجففة
أعزل بلا نار، يقرأ الصخور وبعد الأشجار
بوضوح أكثر من دمه، وله خطوات تطيح
عليها البيارق ولا تقوم زرع
نسيانه في بطن السراب وتقم مثقلاً
بالحنين، يرشّ حليب غيابه على الصباحات
ليعيذها من ضربة حرب ودم. أشار للظهيرة
أن تفسح له بحجم دمعة وللحمام أن يرجئ
براءته وللبرك أن تغض الحزن عنه ليرى
خطواته على درج المعنى. لكنه حين رأى
تاريخه يسيل على المنائر مثل شمع الندم
والذهب يخضر والغيوم لا تترك تواقيعها على
الأضرحة. زمّ زمام حضوره وعاد بعشرة
فصول من العطش وقد نهر الذبول لئلا يفرح
وسار ربيعاً أعزل على هامش المرتبة
الشائكة.
****
قصائد
اقتحام
اقتحموا اللغة
لتقولوا حقائق ضخمة
ليس في الوقت متسع
فالكلمات تنزف
فقط
احرثوا تربة القلب
وازرعوا.
بكاء
سوف لا أسمح للشعر
أن يعزلني عن العالم
ولا العاطفة
أن تأكل قصائدي
وحتى عندما أبكي
سوف أبكي
بكاء جماهيرياً.
بغداد
سوف أنزف مدناً
كثيرة..
كي اصل إليك !.
توازن
نحن صحراويّون بلا رمل
وبحريّون بلا ماء
لأن البحر في مدينتنا
فتح بابه على مصراعيه
وزرقته بادية على أجسادا
ورطوبته نافذة في أحاديثنا
بيد أن الصحراء
هي الأخرى
بنَت لنا أكواخاً من هجيرها
ورسمت على وجوهنا
اصفرار الرياح
نحن أبناء الزرقة
وأبناء الهجير
لا نريد شيئاً
فقط
نريد مزج الأوان
نريد أن
نتوازن!.
الحلاج
إلى/ عبد الرزاق الربيعي
الغربة نائمة
والوطن الآن قريبي
من أيقظنا من بهو غرائزنا
يا أيتها النفس الأمارة بالخوف أجيبي
رقصت أسماء الماضين بباب نهايتنا
فرأيت بماء الآتين
صليبي !
***
لقد انتهى لطفي مع العالم
أملاكي كومة أيام وتواريخ يغلفها الوهم
السحر تلاشى
وصارت الحقيقة دراهم وعطورات
وجوازات قهر
هكذا انتهى لطفي مع العالم
أصدقائي في وهمهم السحيق
أين يذهبون؟
ما ترابهم الذين يبكون عليه ؟
كيف أشيد منهم مدينة
والمعنى قصب وضباب
حين أفتح باب المنزل
تسقط خلفي آلاف الحروب
دائماً تؤجلني أمنية
وصولي إلى عامي الثلاثين
لم يكن غير اكتشاف مقلوب
أصدقائي في وهمهم السحيق
يتساقطون في الكتب
لا رماد لديهم ولا أسف
أيها الجالس المتعثر بأمراض الحدود
أين ستصل بعاصمتك
وأنت تحصي ملامحك الباقية
المدن البعيدة تتلف في الصفحة اليومية
أستقبل الصباح في الثامنة
في التاسعة يصل العالم إلى نهايته
ويموت الأربعاء بلا تاريخ
هكذا انتهى لطفي مع العالم.!
***
طحين العصافير
ندقّ مساميرنا في الفراغ ونبكي
أيا وطني أين جدران أرواحنا؟
ذبلت فينا العناصر
والوقت تقرضه حنطة،
أو نكوّمه جثثاً حول أسلاك وجهك.
كنا هناك نراوغ موتاً
ونزرع في القلب لون النساء البعيدات،
كنا نعدّ الحمائم من فكرة
ثم نصهل بالحبّ
كنا نماطل في الموت
ليغفو المسدس
كنا ندقّ مساميرنا، نتحسس أرواحنا
ونغني،
نجونا
وها أنت تلصق أعمارنا في متحف الذكريات
وتكتب كانوا........
أيا وطني أين جدران أرواحنا
طحنّا عصافيرنا للصغار،
رسائل،
وقصائد يافعة
طحنّا الضياء المموسق في الروح
علّهم يكبرون
لندقّ مساميرنا
بأجسادهم.
***
فجاءة النيزك
الكلمات العارية الحدباء.. تمسّد جدائلها بزيت الخروع.. وتمضي في شوارع الدهشة.. تترنّم تساوقاً مع نقرات صولجان السياسة على موزائيك مخادع. أمقتها.. هذه الكلمات. لست شاعرها ولا ببغاء مختبئ في حروفي. أنا ارتواز الكلمات التخرج للكون بفجاءة النيزك، لا أصول أخرى لها سوى بداءة الحليب في ثدي التكوين.
تلك هي كلماتي.
أقطّرها مطراً
على "رماة الغيم" المتمردين من آل أزيرج.
أستحلبها من حجر الشكوى
في أوداج رماد العسكرة الحمقاء،
وجنون الخطو الباحث عن صحب
كانوا بالأمس معي-
لننوحَ:
رثاء الخطو
رثاء البحث
رثاء الصحب
ورثاء.. شباب الكلمات المغبونة،
أنْ -قدراً- كلماتي
تتضاءل جنبي كجليد مغلوب
في مدن الثلج.
ألماً تتكسّر
في أضلاع الموجوع
تؤلّبه الأكواخ:
عصفاً للطوفان
بكاء للطفّ
وماء للطوف:
جثة من تلك؟
للغربة أجنحة لا تحصى
لا منها ما يصلح للتحليق.
كلمات لا تنشد في الأوهام
جلال المعنى..
كلماتي... كلمات أخرى..
الصيف المتمرد
في الجسد المتمرد
في عين الفتنة:
امرأة من سومر.
المنفى المتآمر
وليال بيضاء
وعراء ثلجي
يترنح فوق مكائده الفرسان.
وعلى مقربة من خوفو
يفترش الرمل
شعراء عرب وأعاجم
تحملهم نوق الإصغاء إلى بابل
ودون كلام -من أي منهم-
أشعر أن الصمت القاطن
في لغة الشعراء..
لأتقنه: لغتي.
بلى.. كلماتي ذي
وذي لغتي:
تبحر في البوح
ومركبها الصمت.
أما الردح العاري..
الأحدب..
والحرباء..
ونذالات تترى.
فذي لغة أخرى..
أيضاً أخرى
كل ينزع نحو حصون أخرى.
لكن الشوك العالق في بلعوم بعيري
يدرك حجم الهوّة
بين "الأخرى" و "الأخرى".
لا يؤمن
أياً بينهما الأخرى.!
مارس 2001
***
الأصدقاء
واحداً
واحداً
يرحلون
يدقون المسامير في القلب
يعلّقون عليها التصاوير
تلك التي صدئت
أم التي أوغلت صلبة
إغفاءات
وراء الحمام تطير القباب
وتنسى المصلين
والزخرف العربي
والصلوات التي تتراكض نحو السماء
وطن بلا أصدقاء
أين تذهب حين يجئ المطر
كأن القمر
يلمّ البيوت بأحضانه
يبصر الخوف خلف الستائر
المدافع
الديوك التي توقظ الموت من نومه
أيها الموت قمْ للصلاة
وتوضأ بهذه الدماء
***
شرفة لاتجاهي
تذكري المرايا،
تسرّها اللهاث قرب شجرة منهدمة
تلك مرايانا قالت:
أطّروا لي الورود بالوجوه-
ففعل الضحك
علّقوهن في أمنيتي-
ففعل التشاكس
سأنسى.. وراء أمجادي،
تغرزين الوردة بفراشة صغيرة
انتظري…
عيناك تثيران قمراً،
على الركض أمامي
لو مرّة واحدة
أدحرج كلماتي في مضمار صمتك!
إليَّ جئت تقيسين المسافة،
أخطأتني…
خلت أنني قنطرة
جرّبي أن تتركي شعرك للشمس
فأجرّب حظي في اصطياد النجوم منه،
بينما المرايا في خزانة الليل كانت تضمد صفاءها بالحلم،
كان الوجع لي نصف كلامه
ومن الكلام كل ثماره
وبعض الكلام يفطن لحوّاء
حوّاءك المهملة
تصحب أناي
من بشائر الفراغ
تذكّري بذرة،
لم تزل رطبة بكفي
فعلى أية صخرة
أوقف النوارس ولا أفيض إليها
أعرف تماماً،
أن جرار الحكاية آيلة للكسير،
تماماً أعرف!!
***
في شتاء بعيد
في شتاء بعيد…
إذ كنت في السابعة من هجير، سيطول، وخيبات تواصل النزيف على مرأى من نهايات تسرق الحوادث والأشياء ليبقى الغياب يشكل الزمن كما عرّفته الخسائر..
في ذلك الشتاء اخترقت طلقة ظالمة صدر رجل حنون، رجل طويل، هو ابن الريح والعرائش، رجل يشبه نخلات "منديل"، له رائحة الأرض وبهاؤها، بكت لغيابه البساتين ومساءات "المخيسة" التي كانت تنتظر كل خميس صوت بندقيته الأمريكية - التي يحسدها عليها كل رجال القرية- إ كانت تغني "بنت الريف" قبل أن يأتي بثريده لقاتليه أو لنقل ضيوف موته..
ذلك الرجل الذي كان يترك عمله في بستانه ليأتي بالحلوى يناولني إياها من خلف سياج المدرسة الواطئ، ذلك الرجل كان اسمه مجبل رحيم حمادي الدليمي …
منذ تلك اللحظة التي مات فيها ذلك الرجل، أخذتني امرأة اتشحت السواد تذرع الجوع والألم والخوف والوحدة والغياب، وأنا أركض خلفها في صباحات ظنت - تلك المرأة- أنها ستلد آمالاً ودعة وسلاماً ورجلاً يشبه مجبل رحيم حمادي لأنه من صلبه ولو بعد حين .
امرأة رتبت ليلها على شكل الوحدة، وأغنياتها على سلّم الأنين وأحلامها على قامة طفل يتهجى الرعب كما نشوة الألم، كما صحن ثريد، -تلك المرأة كان اسمها ريّة عباس حمادي التي أثبتت أنها أمي مع سبق البكاء والندم..
أقفلت ريّة عباس حمادي " المخيسة" خلفها، بعدما حملت خمس فتيات صغراهن ما زالت في رحمها وولدين كنت الأكبر منهما، وحملت دم ذلك الرجل وبندقيته الأمريكية الصنع وزناره الذي يشبه غيمة وغادرت إلى مدينة تنام قبل بزوغ الحنين، يلتفت عليها نهر ديالى مثل حنونة، تلك هي مدينة "بعقوبة" والتي ستمسي - فيما بعد- تابوتي الرؤوم ..
أقفلت تلك المرأة كل الأشياء لتمضي لأنينها وسبع أطفال كان الخوف والجوع والهزال قاسمهم المشترك..
منذ دوى ذلك العيار الناري في ضحى ذلك الشتاء البعيد والدي انطلقت أثره صرخة ذلك الرجل.."يا خونو.. يا كلاب"- كما روتها عن موته البساتين والخطى وعجوز كمّ فمها الخوف عن أن تصرح بما رأت فأسلمها ذلك الندم للخيل..
منذ ذلك، وكلما نظرت إلى ما حولي وجدته خائناً وقذراً وظالماً ومخيفاً فألوذ بدريئتي، وما كانت- بعد أن انشغلت أمي بنبش الأرض بحثاً عن غصن أو جذر - على الأقل- تطعم سبعة أفواه، وغير مهم ثامنهم لأنه فمها هي، ما كانت دريئتي صدر أمي، بل كانت كلمة .. كلمة كنت أتوسلها أن تبعد عني الخوف والظلم والخيانة والجوع، كلمة ما كنت أعرفها وكيف تتجسد بدء، فقد تكون الله الذي تصلّي له أمي، أو أبي الذي حملوه في صندوق فوق سيارة شوفرليه حمراء إلى مدينة بعيدة تسمى " النجف"، أو قد نكون خالي رغم قسوته وجبروته، أو صديقتي التي ظلت تجلس على سلّم دارنا الطيني في "المخيسة" قرب طيف لن يعود لها لتراقب معه صدور نساء عارية وشعورهن المنثورة وهن يضربن تلك الصدور بقسوة ويجززن الشعور كما لو لم تكن جزء من أجسادهن، وعلى نغم- سيلتصق منذ تلك اللحظة في سمعي وصدري- ذلك هو نغم العويل.
ومنذ ذلك، وتلك الطلقة- التي اخترقت صدر أبي- تواصل خطّ سيرها نحوي وأنا ألوذ بكلمتي، دريئتي التي صرت أسميها .. الشعر..
هو خوفي وأسميه الشعر.. هو قلقي وقد يكنونه الشعر.. هو جزعي- وقد أركله جانباً- وألعنه لأنه الشعر"..، هو قداستي وقد أكفر بها وأشتبك معها- وأسميها الشعر، .. هو خيبتي وهزيمتي أمام وحشية العالم وخياناته وظلمه ولعنتي الكبرى.. لكنه الشعر..، هو امرأة عصية وبعيدة ولا تدرك حتى في حلم.. لكنها الشعر-،
هو دمي على "كرده مند" و "كوره دي" وراقم "سيده كان" و "الشلامجة" و "سانوبه" وفصيلته كلمة مسروقة من يد الكارثة.. وأسميه الشعر..، هو دهشتي لبلادي تتناثر على الطرقات والجبال والصحارى فألمّها - حانياً على جراحها- وأمنحها سلقيّ في "السماوة" لأعود بنصف ساقين ومعي كلمة أسمها " العراق" يغريني كل شيء فيها أن أسميها الشعر..
هو ذلك الصفاء الذي تعرّفه القداسات والحكمة والجمال والبساتين والعيون بأنّة أخي، أخي الذي يكتب العطش أغنية ويرسم الصباح طفلة بلون الحلم، لكن الحرب أخذته لتترك في يدي كلمة أسمها الموت، لكن جنوني يصرّ على أنه الشعر..
ومع أن كل شيء خائن وظالم ومخيف، ومع أن الخسارات تتحالف مع تلك الطلقة، لكنه الشعر دريئتي وملاذي، فكن موتاً جميلاً أيها الشعر.. وحنونا، غير مهم عندي شكل الثوب الذي تلبسه الكلمة، المهم عندي أنها دريئتي..
فإذ يكون العالم في أشرس نوبات وحشيته وعدوانيته، يكون الشعر في فيض من الحنو والرأفة والسلام، وإذ تقصى الأحلام للخرائب تنبت من بين الحروف غابات الحلم باذخة الظلال والثمار والخضرة..
ها أنا ذا ألوّح لأبي.. لأمي.. لبلادي، لأخي.. لخساراتي وخيباتي وامرأتي التي هي قيد السراب أبداً، لأصدقائي الشهداء الذين ما زالت روائح صدورهم على قميصي العسكري، لسنوات أخذها الغياب بعيداً.. لقصائد تبكي الذكريات، لأحبّة يمرحون في قصائدي ولمساءاتهم الترفة.. مساءات العراق الحانية.. لهم ولجمال بعيد ولحزن أقرب من أصابعي ألوّح لكم بسلام الكلمات..
سلاماً أيها الشعر.. !
الهوامش:
منديل: ساقية صغيرة في قرية المخيسة التي تبعد مسافة 30 كم إلى الشرق من مدينة بعقوبة في محافظة ديالى، وهي قريتي التي ولدت فيها.
كرده مند/ كوره دي/ سيده كان/ الشلامجة/ سانوبه/ مواقع عراقية تتوزع الحدود الشرقية مع إيران جرت عليها معارك عديدة خلال حرب الثمانينيات بين البلدين.
-
عمر الدليمي : من بعقوبة. له: على ساقين من خشب..أرتقي نخلة النار/ مجموعة شعرية.