انا مثل ما يقولون فنّان شامل في مجال الشعر، صلتي وثيقة بكل ما له علاقة بالشعر، ولي في الأسطورة والروحانيات اهتمام” هكذا عرفتُ الشّاعر علي الشّرقاوي بجملته الافتتاحية تلك.. في جلسةٍ امتدت لتنبش في مكوّنات الثقافة والشعر، علي الشّرقاوي شاعرٌ بحريني، كان ضيف عُمان في مهرجان الشّعر العماني الثامن المُقام بصحار، وعضو في لجنة تحكيم الشّعر الشعبي.. له الكثير من الإصدارات في مجال الشّعر الفصيح، والشّعر الغنائي، والمسرح الشّعري، ومسرح الأطفال.. أثار قضية (الشّعر العامِّي) والشّعر الشعبي) في أكثر من مناسبة.. من إصداراته في الشّعر الفصيح: الرعد في مواسم القحط البحرين، ونخلة القلب، وهي الهجس والاحتمال، وتقاسيم ضاحي بن وليد الجديدة البحرين، والمزمور23 (لرحيق المغنّين شين).
ومما صدر له في الشّعر الغنائي (العامي): أفا يا فــلان (بالاشتراك مع زوجته الشاعرة فتحية عجلان)، وبر وبحر (مواويل)، ولولو ومحار (في جزئين)، وحوار شمس الروح البحرين. ومن أعماله المسرحيّة: الفخ (مسرحية شعرية للأطفال)، والسموأل (مسرحية شعرية) ، وثلاثية عذاري (مسرحية شعرية) ، وخور المدعي (مسرحية شعرية عامية)، ومن أعماله الشعرية للأطفال: أغاني العصافير البحرين، وقصائد الربيع البحرين، والأرجوحة البحرين، والأصابع البحرين، وأوبريت يد الغضب البجرين.
الشّرقاوي شاعرًا
في البدء الشّاعر علي الشّرقاوي.. حدّثنا عن رأيك في تسمية الشّعر الشعبي بهذا المسمّى؟
هذه قضية كنت وما زلت اثيرها، في البحرين وفي غير البحرين، وقد أثرتها في ندوة الشعر الشعبي.. ما اظنه وأؤمن به أن الشعر الذي يسمونه بالشعبي هو ليس كذلك، الشعبي هو ما يملكه الشعب، ما يملك قاعدة جماهيرية.. والشعر الذي يلقى في الأمسيات والذي نتعاطاه، ليس شعبيًّا، كيف يكون كذلك ومن يحضرون الأمسيات الشعرية يعدون بالأصابع؟
كما أنه يمكن لي أن أوضح القضية من خلال الأمثال الشعبية مثلا التي يتداولها الشعب بكل طبقاته، وبشكل كبير، وهي بلا اسم .. هذه يمكن ان نقول عنها شعبيّة.. أما الشعر المكتوب باللهجة العاميّة فالأولى أن يكون شعرًا عاميًّا وليس شعبيًّا.. المتنبي شاعر له قاعدة جماهيرية واسعة هو أولى ان يكون شاعرًا شعبيًّا، وليس شعراء مغمورين يكتبون شعرًا باللهجة العاميّة.
في خضم التجارب التي خضت فيها الشعر الغنائي، والشعر المسرحي، والشعر الفصيح.. أين ترى نفسك أكثر؟
أنا حاضر في كل أعمالي، وأجدني باختلاف القوالب، الشاعر الحقيقي هو من يستمر، ليس كتابة على نفس النمط، بل بتطور وتقدّم، وتقديم قصائد مغايرة مختلفة تخترق الزمان والمكان.. لكن شهرتي جاءت من خلال الأغاني، فقد شاركت من خلال مجموعة كبيرة : كمسابقات رمضان، وكتابة مقدمات دراما تلفزيونية: كعيال بو جاسم، والسعدون وغيرها، شهرتي جاءت ككاتب بالعامية ، لكن على المستوى العربي كاتب بالفصحى. أما "شنهو الأفضل أو شنهو الأجدر".. أنا لا أهتم لكل هذا، هذا له علاقة بالنقد.. هذا متروك للتاريخ، إذا كانت القصائد تستحق العيش ستبقى وإلا فـ ستندثر .. كما حدث أيام المتنبي عندما انتُقد وهجاه بعض الشعراء، ذهب النقاد والشعراء ولم يبقَ لهم ذكر.. وفقط بقي المتنبي وعرفوا هم من خلال المتنبي ..لذلك نحن علينا أن نعطي أفضل ما لدينا، وعلى التاريخ أن يحكم.. التاريخ كـ الغربال، يصفِّي التجارب ولا يُبقي إلا الأفضل.
يرى البعض أنّ الكتابة في أكثر من مجال تشتّت المبدع.. ما رأيك في هذا القول؟
هو شاعر.. وفي غابة الشعر كل شجرة مهمة.. له الحق أن يكتب في أي مجال من مجالات الشعر، وعلى المتلقي أن يكترث فقط لجودة النتاج، كثيرين يقولون: "تنشر كثير" .. أقول: أنا شجرة مثمرة.. هل تلام الشجرة على كثرة ثمرها؟
في الأخير هل الثمر جيد أم سيء.. هذا هو الأهم.. المسألة تؤخذ من هذه الزاوية .. أنت عليك من نتاج الشاعر.
المشهد البحريني
هل يمكن أن تحدثنا عن واقع المشهد الثقافي البحريني؟
الوضع معنا في البحرين مختلف، فالساحة البحرينية نشاطها فردي، لدينا مؤسستان لهما علاقة بالشعر وهما مؤسستا مجتمع مدني، لكن ليس لهم وجود حقيقي أو حراك، فتعالقات القضايا السياسية والاقتصادية تعوق عملهما .. وللآن لا يوجد اهتمام حقيقي بهذه التجارب.. تمنينا أن تكون لدينا مهرجانات مستمرة، لكن الوضع لدينا مختلف، فلتفعيل مثل هذه المهرجانات لابد أن تكون ثمة استراتيجية للمشاريع، نُظّم لدينا المهرجان الأول للأغنية، استبشرنا به خيرًا بما إنه أول إذن ثمة ثان وثالث، لكنه توقّف عند الأول ..الفرق أنّه لديكم حراك في مجال الشعر والفكر، مهرجانات وملتقيات وهذا ما نفتقره نحنُ في البحرين..لا يوجد اشتغال حكومي لدينا، كل التحركات من مؤسسات مجتمع مدني.. لذلك تحتاج لدعم بشكل مستمر.
عدم تفعيل هذه المؤسسات هل يعني أن المثقف البحريني ينأى بنفسه وينعزل؟
ليس كذلك، ما يحدث في البحرين مختلف قليلا، فثمة ظروف سياسية أحيانا تبعد مجموعة عن أخرى، ثانيا الإمكانيات..من واقع تجربة للآن أنا بعدما أصدرت ما يزيد عن خمسين كتاب .. للآن أبحث عن من يطبع كتابي..
الكتاب في البحرين ليس له أي مردود مادي للشاعر على عكس بقية دول العالم المتقدِّم، عندما كنت في بريطانيا فوجئت أن كل من يريد دخول الأمسية الشعرية يدفع جنيهين.. فسألت عن هذا الإجراء، وقيل لي .. هنا يعتبرون الأمسية الشعرية كأحد وسائل الترفيه التي يدفع لحضورها، حالها كحال أي فيلم أو مسرحية ..هناك الشاعر يعيش من خلال أمسياته، أما لدينا نحن فلا يوجد اهتمام بالمبدع، وكمثال بسيط فوسائل الإعلام تتواصل مع الشعراء لإعداد لقاءات لساعات بالمجان، المفترض أن تصرف للشاعر مكافأة على الوقت الذي قضاه معها، لأنهم لو اشتروا عرض آخر لدفعوا له.
في الغرب حتى على مستوى الصحافة أي لقاء مع المبدع يجب أن يدفع له، فموهبته هي مصدر معيشته، هي قوت يومه، فهم متفرغون للكتابة والإبداع، كما أن من بين الأخطاء التي ترتكب في حق المبدع في الخليج هو جحود حقه في الأداء العلني .. فوسائل الإعلام تدفع للمرة الأولى لكن بعد 3 أشهر أو سنة يصبح هناك حق الأداء العلني أي أنه في كل مرة تذاع أو تعرض الأغنية لابُد وأن يدفع مبلغ رمزي، يفترض أن تجمع لنهاية السنة وتوزع على المغني والمؤلف والموزع وإلخ.. هذا ما نفتقده نحن هنا ..عندما يتحدثون عن حقوق المؤلف، ما هي حقوق المؤلف..إذا ما كان حق الأداء العلني هو الأساس، لا يخاف المؤلف أن ينشر كتابه، لا يحدث كثيرًا هذا .. حق الأداء العلني هو الأهم، والاهتمام به مفقود نتحدث كثيرا عن الثقافة والمثقفين لكننا لا ندعم المثقفين بالصورة التي تليق بهم.
هذه نقطة أساسية: فلقمة العيش والطباعة، هما هاجسان إذ أن المردود المادي المفترض من الطباعة والذي يعول عليه للمعيشة لا يسد رمق، في الدول الأخرى الوضع مختلف فمثلا رواية واحدة لـ هاري بورتر خلقت منها مليارديره .. نحن في الخليج لدينا أسماء لامعة ، لكن من الناحية العملية بعضها لا تجد قوت يومها.
ربما يعود الخلل للشاعر ذاته.. فهو يتنازل في البداية كثيرًا ليصل.
الشاعر في بداياته لا يكتب للمال ولا للشهرة ولا للفوز في المسابقات هو يكتب للتعبير عن تجربته الخاصة، حالما تتحدد هوية الشاعر من العار عدم دعمه، أنا بعد 30 سنة فرّغت لوزارة الثقافة ووزارة الإعلام .. بحيث أُعطى راتبي كاملا، وأنتج في مجال اهتماماتي ..هذه ميزة في البحرين، لكن العملية تحتاج لتقنين .. أنا مثلا فرّغت لثمان سنوات، خلال هذه الثمان سنوات أصبح لدي ثمانية نتاجات في مجال الأدب، هل ثمة مخطط للطباعة والنشر؟.. الوزارة لا تطبع ولا تنشر!
ما هي أبرز نتاجات هذا التفريغ على مستوى السّاحة البحرينية؟
لدينا مجموعة لا بأس بها لديها مشاريع ثقاقية مهمة، لكن حتى لو توفر التفريغ .. الطباعة عائق ثان، لذلك يلجأ البعض للعمل مع الصحافة وفيها لـ"يمشّي أموره".. أبرز نتاجات هذه الميزة ما أصدره الشاعر الجميل قاسم حداد، فرغ مرتين من الخارجية الألمانية لمدة سنتين .. أنجز كتابا مهما اسمه (طرفة بن الوردة) والآن يعمل على مشروع آخر .
الأسطورة وتوظيفها في الأدب
لديك أعمال مسرحيّة وظّفت فيها الأسطورة والخرافة، حدّثنا عن هذه التجربة؟
اهتمامي شخصي كوني أسعى لخلق أساطير وتوظيفها في المسرح .. خلقت مجموعة من الأساطير في البحرين بعضها أخذتها مما تناقله الآباء والأجداد ووصلت للأحفاد منها أسطورة عذاري ... يقال أن هناك بنتا جميلة جدا ، حاول أحد الفرسان اغتصابها، فقاومت وقامت تضرب الأرض برجلها، حتى نبع الماء .. تحولت هذه الحكاية إلى رمز لمحافظة المرأة على عفافها، أخذت الأسطورة وأعطيتها أبعاد سياسية وإنسانية، كما أسطرت أيضا الأماكن.. فعذاري اسم لمنطقة لدينا..وبوزيدان أيضا اسم لمنطقة لدينا في البحرين.. ما عمدت إليه هو تحويل أسماء هذه الأمكنة إلى شخصيات.
فبوزيدان هو الرجل الذي يحب عذاري .. وقدّمت هذا الربط على هيئة مسرحية ..عرض جانب منها.
العلم أزهق روح الخرافة، كيف لك أن تتعامل مع هذا المُعطى في أعمالك؟
في الأدب لا يوجد شيء اسمها خرافة، أنا ابن هذه الخرافة، من أين استقيت ثقافتي الأولى ، أبي كان يردد المواويل، هذا ما شكل وجداني وفكري .. لابد من العودة لها وتفعيلها، ممكن تحويل الخرافة لعمل درامي أو لأغنية أو لمسرح، خبراتنا وتجاربنا يمكن أن تعطي لخرافة معينة أبعاد رمزية فلسفية إنسانية، يمكن أن تأخذها لعالمها وجوها أو تستدعيها للوضع الحالي بإضافات تتناسب وتُقنع.
ولو لاحظتي أن ما كنّا نراه أسطورة وخرافة قد تحقّق الآن.. العلم يكتشف صحة هذه الأشياء شيئا فشيئا، الأسطورة هي حدث وقع، لكن الناس يفسرونه بتفسيرات مختلفة، الخرافة حلم .. أخبريني "فيه أكثر من خرافة افتح يا سمسم؟"... حاليًّا تحققت.. في الأبواب الكهربائية.
ما هي الآلية التي اتبعتها في انتقاء وتوظيف الخرافة والأسطورة في أعمالك؟
كثير من مسرحياتي عن حقبة ما قبل الإسلام على افتراض أن إنسان الآن قد تحرر من الكثير من هذه التقييدات، مرحلة تعدد الآلهة، أي لكل مكان سلطان أو إله..لذلك هم مثلا يقدمون لآلهة البحر أضاحيٍ وقرابين..عندما جاء الإسلام قنّن المسائل كلها ولم ينهها .. لدينا مثلا في البحرين ( الحية بية) طقس من الطقوس عبارة عن أصيص تُزرع به نبتات، يُقدّم للبحر ليلة عيد الأضحى، يقدّمه بعض الأطفال وهم يردّدون أنشودة.. أنا كشاعر استثمرت هذه الأسطورة في المسرح، وأعدتها لمرحلة تعدد الآلهة ..
اشتغلت أيضا على "تراجيديا المحرّق" والمحرّق حسب كتب التاريخ هو صنم عبدوه الأوائل، حاولت أن أخلق من هذا الصنم قصة واقعية أي أن الصنم لم يصل لمرحلة الصنم إلا لسبب واقعي .. سميته "بنعون" وهو رجل طيب .. يُعد الشخصية الرئيسة في المنطقة أو الديرة اجتمع حوله الناس، ووظّفت في ذات المسرحية اسمك منطقة أُخرى ( الدير) أخذ في المسرحية دور الطاغية الذي بدأ يقتل أصحاب بنعون واحدا تلو الآخر، كما وظّفت أسماء أماكن أخرى كشاهين.. وسماهيج .. والزمّة... القصد أسطرة الواقع، ولم أحصر نفسي في المستوى المحلي فقط بل اشتغلت على مستوى خارجي، فقد كتبت مسرحية شعرية ( آه يا سد مأرب) خلقت من صنعاء وجيزان شخصيات موجودة، أيام انهيار سد مأرب.
تاريخ متخيّل للأمكنة
بين المؤرّخ والمتخيّل، ومعطيات الحاضر والماضي كيف تقدّم أعمالك؟
دائما حالما تشتغل على قضية خارج إطار التاريخ الموثّق.. فأنت تستدعي شخصيات من خيال المؤلف لا كما أؤرّخ لها.
الفكرة دائما موجودة تحوم فقط تحتاج لاقتناص، وفي أعمالي آخذ قراءة الحاضر آخذها للماضي .. لدي مسرحية بعنوان " بارباروس" هي منطقة اسمها باربار من المناطق القديمة التي يقال لها علاقة بدلمون وتايلوس، اشتغلت عليها باختلاق واقع جديد، في بحثي عرفت أن البحرين في يوم من الأيام كانت تجري تحتها الأنهار بحيث لا تتبخر منها المياه أبدا، وتصل لكل مناطق البحرين، فكرت كيف يمكن تحويل كل هذه المسألة وربطها ببعض .. خلقت شخصية بارباروس .. وهي اسم منطقة، وشخصية مستدعاة من مسرحية عذاري، كانت في مسرحية عذاري كشخصية ثانوية رافضة، حكيم نوعا ما، أرجعت هذه الشخصية الحكيمة إلى منطقة باربروس، وظّفت في هذه الشخصية تقنية العلاج عن بعد، حاولت إيصال فكرة أن هذا الشخص كان يعرف كل ما يحدث، وعالج بها شخصا معينا، نقلت التجارب من القراءات إلى المرحلة السابقة، فاستدعيت في المسرحية أيضًا شخصا عمانيا من أيام مجان، العماني كيف جاء، ومتى وصل.. لم تكن تهمني التفاصيل..فقط غرقت به السفينة ولأنه بحار قوي أسمر نجى من الغرق، كون علاقة مع بارباروس ليتعلم منه الحكمة وغيرها، من تلك الفترة استدعيته في المسرحية أوجدت رابطة بين دلمون ومجان في وقتها، خلق علاقات متينة بين الحضارات من خلال تلك الشخصيات.
غير الأسطرة والخلق بين الماضي والحاضر ما هي المجالات التي تعمد لها في أعمالك المسرحية ؟
لدي بعض الأعمال الكوميدية .. وعادة الأعمال الكوميدية هي ناقدة بطبيعة الحال، كما أنني كتبت في مجال المسرح الشعري القديم، والتراجيديا.
بما أنّك تكتب المسرح شعرًا.. ومن ثمّ يمثّل..هل تتدخل في عمل المخرج؟
أبدا.. أنا لا أتدخل في عمل المخرج، أسلمه النص وأترك له حرية التعامل معه.
البعض ينزعج من التغييرات التي يعمد لها المخرجون، فقد تصل لمسخ النص الأصلي..
أنا لا أكترث لكل ذلك، أنشر نصّي المسرحي الأصلي، وللمخرج أن يتصرّف في النص الذي لديه، ذلك أمر يعود له.
هل قُدّمت لك أعمال خارج البحرين؟
"السموأل" قدّمت في عمان كأول عمل يقدم خارج البحرين، ودعيني هنا أنتقل لعمان فالبيئة العمانية زاخرة جدا، عمان أعتبرها قارة متنوعة متعددة في اللهجات والجغرافيا والحياة، عمان شيء مختلف.
حسنًا.. ما رأيك فيما اطلعت عليه من النتاج العُماني؟
سأكون صريحًا .. إلى الآن لم تحضر الصورة التي تستحقها عُمان من قبل الفنانين والشعراء، فمثلا الزي العماني نسائيا كان أو رجاليا واضح الملامح وجذّاب .. أحلم أن أرى كتابات عمان وفنها وأدبها واضحا كزيّها، في البحرين نعرف عمان من أيام الرزحة التي عرفناها هناك في منتصف الخمسينات، عندما كان العمانيون المهاجرون يجتمعون هناك ويغنونها.. أحلم أن أرى الرزحة بجمالها متجلية في الفن والأدب والشعر والمسرح وفي كل مكان ..
عُمان أيضًا ثرية بالغرائبي والأساطير...
السؤال أين الخرافة الحاضرة في واقع العمانيين، كثقافة.. أينها من إصداراتهم ونتاجهم؟
أنا مهتم بالأساطير والسحر والخرافة، فهذا يمكن أن نسميه ماء القصيدة أو دمّها، عندما نتحدث عن شخصية أسطورية موجودة، بطريقة شعرية أو أدبية بلا شك لكل طريقته، فأنا استثمرت الشخصيات العمانية وفي أحد قصائدي تحدثت عن الخليل بن أحمد وعمان ومسقط وقريات، أنا وظفتها بتلك الصورة .. كيف يوظفها العماني يا ترى؟
الاشتغال على القصيدة
هل للقصيدة طقوس؟
القصيدة دائما تأتي بسرعة، هي ومضة.. أشبه بعملية ولادة، تأتي دفقة واحدة.. وبعدها تأتي مرحلة التهذيب والتعديل، لكن بعض القصائد لا تكتمل .. لدي قصيدة عمرها 31 سنة.. هي قصيدة حياة .. إلى الان لم تكتمل!
كيف ترى القصيدة في وضعنا الحالي؟
القصيدة الجديدة هي قصيدة بحث، البحث في الذات والواقع، في الحاضر والماضي والمستقبل، هي ليست وليدة اللحظة وانتهيت منها .. القصيدة الجديدة أن أتعرف إلى ذاتي، أغوص أكثر في ذاتي في تركيبتي في معنى وجودي .. القصيدة الآن هي الأسئلة الكبرى .. لماذا جئت لهذا العالم وما معنى وجودي .. وما هي رسالتي في هذه الحياة ..هل جئت عبث .. لماذا جئت في هذا الزمن من أبوين محددين في هذا البلد بالذات .. إذن عندي رسالة .. ما هي رسالتي .. القصيدة باختصار دائما قضية بحث.. أريد أعرف ذاتي أكثر من معرفة الآخرين لي وقبلهم..
ماذا عن القارئ؟
القارئ ليس مهم في لحظة كتابة القصيدة، هي لحظة ممارسة الحرية، اللحظة التي اتنفس فيها الحياة اللحظة اللي أخلق شيئا من لاشيء التي أتواصل مع كل شئ، في لحظة الكتابة أنا ملك العالم كله أهدم وأعيد بناء العالم مجددا بالكلمات، المجرات آتي بها .. تجلس معي ألعب بها أحركها كيفما شئت، لحظتها أنا أملك ما لا يملكه الآخرون .. هنا قوتي إذا استطعت أن أواصل وأطرح هذه القضايا من خلال قصائدي فهذا شئ جيد، وإذا استطعت أن أحرك الأسئلة عند القراء فهذا رائع.. عن نفسي لا أريد من أحد أن يصفق لي أريد أن أثير تساؤلات تلامس شغاف القلوب.
لا أريد القارئ الجامد .. أريد القارئ المشاكس .. القارئ الذي لا يعجبه.. عندما يرمي أحدهم الكتاب معناه أن الكتاب حاول يثير شيئا معين دفعه لرميه، هذا كله موجود..لكن ما أفكر فيه أن أكتب شئ مختلفا مغاير لم يسبقني إليه أحد من قبل .. حالما أنتبه أن أحد توصل لصورة شعرية كتبتها .. أحذفها، المبدع يحاول الوصول إلى صورة جديدة ومبتكرة دائما.
إخراج مختلف
ماذا عن جديدك؟
لديّ عمل جديد، لكن اشتغالي يطول على أعمالي فأنا مختلف، اشتغل نوعًا ما حتى على الإخراج .
كيف يكون ذلك؟
مثلا أحد إصداراتي (كتاب الشين) في إخراجه جاء عبارة عن هوامش، كتاب حقّقه علي الشرقاوي، أشبه بالشكل القديم، به هامشين .. قبله مخطوطات غيث بن اليراعة في هامش واحد..فيه حاولت لعبة لعبة، حيث وضعت هامش لم يكن تابع للمتن .. إنما يتبع متن آخر .. من يريد قراءة الكتاب يكتشف أشياء كثيرة .. آخر كتبي تتبع هذا المنهج، فأنا أؤمن بموت المؤلف بنهاية النص.
في كتبي الأخيرة المؤلف يأتي بصورة أخرى .. البعض لم يفهم الفكرة فتصوّره كتاب قديم قمت بتحقيقه، كما أن لي كتاب آخر بعنوان ( من أوراق ابن الحوبة) جمعها ورتبها وبوبها علي الشرقاوي .. ثمة من يبحث عنه في التاريخ، كذلك كتابي ( البحر لا يعتذر للسّفن) تداعيات بحار صغير يدعى علي الشرقاوي، كل هذه الكتب أعمال شعريّة لكنني أعمد لإخراجها بشكلٍ مختلف
"عمان"- الثلثاء, 08 يناير 2013