ترجمة: أحمد منعم
يحمل الشعر الكوري المعاصر سمة العالمية، وهو شعر متحرر من القوالب والخطاب التقليدي، ذو إيقاع متغير ومخيلة متجددة لا تخلو أحيانا من تطرف، إضافة إلى إبرازه لعديد من العناصر الأيديولوجية التي تميز بها الشعر المعاصر. فهو يرفض ما يسميه سانتيانا بالتقليد البرجوازي، وهو يؤمن بالتجربة الفردية والحرية الفردية فى الوقت الذي يعبر فيه عن اهتمامه بالعدالة والثورة الاجتماعية. أن هذا الشعر مدين بالكثير للشعراء الرمزيين الفرنسيين فى القرن السابع عشر وبالخصوص لافورج وبودلير. ولقد تعلم الشعراء الكوريون من الرمزيين الفرنسيين، تماماً مثل شعراء الشعوب الأخرى، ما تعنيه الحداثة.
ولد الشعر الكوري المعاصر فى ظروف استثنائية: الاحتلال الأجنبي، فقد تعرضت كوريا بين عامي 1910 و1945 للاحتلال الياباني والذي أسس حكومة عسكرية مارست إرهابا نفسياً ضد كل من يحمل أفكارا أو مثلاً مناقضة للاحتلال، مما يعنى بالتأكيد كل ما يمثل الروح الكورية القومية والاستقلال والكبرياء الوطني.
قصيدة
هانغ ـ يونغ ـ اون
(1879 ــ 1940)
يكون صوتك صامتاً ؟
عندما لا تغنى
أصغى لصوتك بوضوح -
صوتك هو الصمت.
أيكون وجهك ظلالاً ؟
عندما أغلق عيني،
أرى وجهك بوضوح -
وجهك هو الظلال.
أيكون ظلك نوراً ؟
على الزجاج الداكن
يشرق ظلك -
ظلك هو النور.
***
هل يأتي الربيع إلى حقول سرقت؟ ...
لي سانغ هوا (1900 ــ 1943)
الأرض لم تعد أرضنا.
أيأتي الربيع كعادته
إلى حقول سرقت ؟
عبر الطريق الضيق بين حقول الأرز
حيث تلتقي السماء الزرقاء بالمرج الأخضر ويتعانقان
تهمس لي الريح، تحثني أن أتقدم.
تغنى قبرة فوق السحاب
كطفلة تغنى فوق الشجيرات.
آه يا حقول القمح الناضجة، إن شعرك الغزير
يبدو مثقلاً بعد مطر الليل.
أمشى خفيفاً تملؤني نشوة
أهز كتفي بلا مبالاة، موشكاً أن أرقص
على وقع موسيقى الحقول
الحقل الذي تشب فيه أزهار البنفسج، الحقل الذي
راقبت فيه فتاة شعرها أسود يلمع
وهى تزرع الرز.
أريد منجلاً فى يدي،
أن أدوس هذه التربة
اللينة كنهد ممتلئ، أن أحرث الأرض
وجسدي يسيل بعرق غزير.
ما الذي أبحث عنه؟ أيتها الروح..
أيتها الروح العمياء، المتوثبة بلا نهاية
مثل أطفال يلعبون على ضفة النهر،
أجيبي: إلى أين أمضى ؟
مفعماً برائحة العشب، يمتزج فيّ الفرح الأخضر
والحزن الأخضر،
أمشى اليوم بأسره مترنماً،
كمن مسه شيطان الربيع:
لان هذه الحقول مسلوبة وربيعنا قد سرق.
***
فتاة فى حقل القمح
مو ـ يون ـ سوك
(ولد 1909)
الشمس الغاربة تصب الحزن
وفى الضوء الخافت عند الجنوب تبتسم القرية.
تسير فتاة على مهلها فى الغسق،
تحمل سلة فى يدها،
تكتم حبها دائماً
وهى تمر عبر حقول القمح.
الظلال تعانق النجوم
متلألئة فى السماء.
يحصل الرضيع على حليبه
وحلم الفتاة بلا نهاية.
عيناها تتوثبان ببطء
عبر الحقول. تسلى نفسها
بهذا التأمل المقدس
فيتفتح وجهها كوردة.
إنها لن تعطر شعرها
المفعم برائحة الزيتون.
إنها تتنشق الحياة
من ندى الفجر.
وما من أحد بمثل جمالها.
إنني أصغى لقلبها ينبض كصدى الصلوات،
وأراها تنحني بحزن على جذع شجرة.
***
قصيدة
يو بيونغ هوا
(ولد 1921)
محاصرون بين المدينة والتمدن،
نحن بشر محطمون
نبحث عن سعادتنا بالرشوات.
أقول لقلبي: اطفئ هذه النار.
وأمضى الليلة تلو الليلة صامتاً بالأرق.
لكنني آمل، إنني آمل.
والوعد ما أغلاه ...
عندما تبزغ أوراق الشجر الصفراء
فى هواء الخريف الساطع،
نقف عند زوايا الطرقات، ونكرر مراراً
حكاياتنا البالية.
فى الصيف المتوهج
نبتسم،
وتنوء أعناقنا بالأيام الطوال التي تسحق العظم
عرب اون لاين