ترجمها وقدمها: علاء عبد الهادي
مقدمة تاريخية
لا يمكننا القيام بإطلالةٍ سريعة على تاريخ الشعر المجري وتطوّره من دون أن نشير إلى الفلكلور المجري, الذي ترجع بداية رحلة الاكتشاف الجادة له, والاهتمام به إلى القرن التاسع عشر, حيث أثبتت مجموعة من الباحثين في تخصصات
مختلفة وفرة مادة التراث والموروث المجريين. وتعد التراتيل الشامانية, أو تراتيل الكهان "Shamanistic Chants" من أقدم الأمثلة الشعرية في هذا التراثأما أوَّلُ شعر كُتب باللغة المجرية فيعود إلى المرثيات القديمة التي كتبت في العذراء مريم "The Lament of Mary" ويرجع ذلك إلى عام "1300" تقريباً, وبالرغم من المائة عام الفاصلة بين كتابة النصين, فإن الفروق بينهما على مستويي اللغة والأسلوب ليست كبيرة, وإن كانا يؤكدان وجود تراث شعري يسبق هذين النصين بكثير.
إن أبرز سمة في الشعر المجري هي ما يسميه عالِم الموسيقى المجري زولتان كودايي بالازدواج الإيقاعي "Rythmical Duality" فمعظم الشعر المجري الموقع المكتوب يمكن قراءته بالنبر الطبيعي للغة المجرية.
أما من الناحية التأريخية, فَيُعَدّ الشاعرُ يانوش بانُُّونيش "1437-1472 Janos Pannonius" من أهم شعراء تلك الفترة على المستوى التاريخي, كان يكتب باللاتينية, وتترجم أشعاره بعد ذلك إلى المجرية, وقد قام بأكثر من دور على المستويين الديني والسياسي, ومن الشعراء البارزين في هذه الفترة أيضاً, أندراش فاشارهيي"Andras Vasarhelyi" "1526 -?", وسباستيان تينودي"Sebestyen Tinodi""1556 -1505 or 1510". وإن ظلت معظم الكتابات الشعرية منظومةً آنذاك باللغة اللاتينية.
شهد عصر النهضة "1594-1554" ميلاد ما يُسمى بالشعر المجري الكلاسيكي، حيث حفَّتَه خصائص الأدب الشعبي بالرعاية، واستقام عوده بين تجلياتها الفنية من الأغنية الشعرية الشعبية، إلى الشعر القصصي. كان الشعر الشعبي -آنذاك- محوطاً بنظام كامل من الرموز التي اعتادها الشعب، بعد أن وَقَرَتْ في وعيه الجمالي, وتعود الاستمتاع بها, جلّها من مفردات بيئتهم الزراعية من زهر ونبات ونهر, إلى حيوان وجبل ومرعى.
أما صوت تلك المرحلة فكان الشاعر بالنت بالاشي " Balint Balassi " 1594-1554 ". كما ظهر في تلك الفترة شعراء كبار مثل الكونت ميكلوش زريني Miklos Zrinyi 1664-1620, الذي هاجم فيينا وسياساتها في المجر وقاوم الاحتلال العثماني, وحاول إعادة بث الملحمة ومواضيعه الشعبية وإحيائها من جديد في الأدب المجري. فكتب ملحمته الحماسية "خطر في شيجيتفار" 1664 ".
استمر تيار الشعر المجري ينهل من مخزون الأدب الشعبي ومواضيعه، فارضاً على حياء مسار تطوره النوعي الخاص. وبدأت أفكار التنوير تجد أرضاً صالحة، وتزامن ذلك مع قيام حركة إصلاح للغة المجرية وذلك على يد فيرنتس كازينتزي "1759- 1831 Ference Kazinczy".
قامت في القرن السابع عشر، الذي عُرف باسم عهد الاستناره المجري, أول محاولة جادة لوصل الشعر المجري بالشعر الأوروبي الحديث, وبالشعر الشرقي أيضاً, على يد الشاعر المجري "تشوكوناي 1805-1773" حيث أخذ الشعر المجري في الابتعاد التدريجي - دون قطيعة- عن سيطرة الأدب الشعبي عليه.
إبان تلك الفترة انبعثت اللغة المجرية من سبات عميق، ودفعت حاجة المجريين للغتهم الأصلية إلى العناية بالكتابة بالمجرية بدلاً من اللاتينية بعد أن تحرروا من حكم العثمانيين. وتعد نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر مهداً احتضن طفل الرومانسية الناشئ الذي ظهر, ثم خطَّ لنفسه فيما بعد طريقاً أوروبياً- مجرياً، وإن ظل مهتماً بالأدب الشعبي حتى بعد تلقيحه بجماليات الشعر الأوروبي من هوميروس ودانتي إلى شكسبير وغيره، حيث اختلطت هذه الجماليات الجديدة مع سمات الفلكلور المجري وتقاليده التي احتفظ بهما الشعر، خالقاً بنيانه الخاص، حتى بعد تأثره بالآداب الألمانية والفرنسية بوجه خاص.
اتجهت رياح الثورة الفرنسية إلى الدانوب موقظة الكثير من شعوب أوروبا ولم يكن المجريون استثناءً. فقامت جماعة المسرح القومي في بودابست عام 1837, وظهر الكاتب المجري إمِري مداش "Imre Madach 1864- 1829 " مؤلف درامة " مأساة الإنسان" التي كان لها أثر في المسرح والأدب المجريين مثل أثر "فاوست" لجوتة في المسرح الألماني, هكذا بدأ اهتمام الأدب المجري بالموضوعات القومية، والفلسفية.
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر نضجت الحركة الأدبية مع سيادة النزعات الديمقراطية، وحطَّت على روح عصرها بصوت شاعر كبير, عبر عنها وعبرت عنه، قدِّر له أن يكون أعظم شعراء المجر -إلى جانب أهميته في مشهد الشعر الأوروبي الحديث- وهو الشاعر المجري الكبير شاندور بيتوفي"Sandor Petofi 1849-1823"، الذي عبر بشكل فريد, وأسلوب أخاذ -يستحيل ترجمته أحياناً إلى لغة أخرى- عن روح الشعب المجري وأحاسيسه. تأثر بيتوفي بالشاعرين تشوكوناي وفوروشمارتي.
وأسس "رابطة الأدباء المحدثين", واستشهد في معركة "شيجيتفار". ربطت بيتوفي صداقة قوية مع شاعر مجري يُعد أكثر شعراء المجر أصالة وهو يانوش آراني " 1882-1817 Janos Arany" الذي اتسم بثقافة موسوعية وكان دارساً لآداب اللاتينية والإنكليزية واليونانية والايطالية والفرنسية والألمانية بلغاتها. فضلاً عن كونه أبدع شعراء المجرية في القصيد الحماسي. أراد آرني أن يعيد خلق الأشعار الملحمية المرتكزة على مصادر البطولة الشعبية. وكان معادياً لسياسات النمسا في بلاده.
هكذا كان المشهد الشعري مع نهاية القرن التاسع عشر، فكما لاحظنا, ارتبط الشعر المجري بالناس، ففي بداياته الأولى, ارتبط بالأدب الشعبي وجمالياته القارة في وعي الشعب وذوقه الجمالي، وفي خضم تطوره اهتم بتراثه الجمالي, من أدب شعبي, إلى محاولات إعادة بعث الملحمة من منابعها الشعبية، مثلما اهتم بقضاياه القومية، وكان معظم شعرائه مشاركين في العمل الوطني، لهم موقف تجاه واقعهم, الذي غالباً ماتماثل مع مواقف شعبهم بشكل حميم, فعبروا عن مشاعره, واحتضن الشعب قصائدهم، وحفظها الناس .. عامة وخاصة.
وقبل الحرب العالمية الثانية .. مر الشعر المجري بمرحلة من أقسى مراحله, فقد أحس الشعراء أنهم عديمو الجدوى, وتركزت أكثر مواضيع شعرهم -آنذاك- على الموت. ساد بينهم شعور عدم الرضا عن النفس. وكانت النتيجة ثورة شديدة أدت إلى ظهور اتجاهات شعرية جديدة، ويُعد أندريه آدي " 1919- 1877 Endre Ady" من أكثر شعراء المجر تأثيراً في الشعر المجري الحديث. وُلِدَ آدي في عائلة مجرية عريقة، ونادى بتحرير الشعر من قوالبه الكلاسيكية. وكتب شعره بأساليب جديدة معبراً عن واقعه المجري, مؤيداً الطبقات المضطهدة, وكأنه يعيد سيرة "بيتوفي". استطاع آدي أن يعبر المجر ويجد صدى في جميع أنحاء أوروبا. واختلفت أشعاره أسلوباً, موضوعاً وصياغةً عن قصائد من سبقوه بل عن قصائد المجايلين له أيضاً، وقصائده الغزلية خير مثال على ذلك.
ربما كان الشاعر المجري الكبير شاندور فورِش "1913- 1989 Sandor Weores" , أكثر شاعر أثر في شعر الطليعة المجري المعاصر. درس فوريش في جامعة بيتشي وقدم أطروحته عن الشعر بعنوان "مولد القصيدة", له العديد من الدواوين الشعرية -لم تنشر في حينها, وإن صدرت ترجمتها الإنكليزية- ومجموعة من الترجمات لشكسبير وروستافيللي ومالرميه, بالإضافة إلى شعر شعبي، وله حضور وشهرة عالميان, بعد أن عانى من فترة تجاهل طويلة, تميزت أعماله بنزعة تجريبية هائلة, وبنزوع أصيل إلى اللعب, فتعددت شكول كتاباته, وكان شديد الولع بالماورائيات, مولعاً بالخلط بين المتناقضات, والمزج بين التجريد والواقع السطحي للمعيش, وكانت لكتاباته نزعة جروتسكية "التنافر", واحتفى بشكل خاص بالأسطورة. وكتب على الإيقاعات الفولكلورية وأغاني الأطفال الراسخة في الوعي الجمعي, وطوعها لكتابته الحديثة في شكول مستحدثة, وفي مضامين جديدة, وكانت أعماله تخالف دوماً المتوقع في الشعر. تناولته عشرات الدراسات والرسائل الجامعية, بعد فترة تجاهل طويلة, وأصبحت أعماله مواضيع كتب عديدة.
بخلاف ذلك, ومع بعض الاستثناءات القليلة, كان مشهد الشعر المجري في الخمسينات والستينات في حالة جمالية واحدة متراصة ومتناغمة، تغلب عليهما موضوعات بأعينها كالموت، والتوجه الميتافيزيقي، الموضوع الغارق في رومانسيته.. إلخ. هكذا كانت كتابات ما قبل 1980 تبدو وكأنها صُبت في القالب ذاته. ويمكننا اختصارها في مشهدين: الأول: ما يمكن أن نطلق عليه الاتجاه المدني.. الذي سادت في كتاباته قيمُ الطبقة الوسطى. أما الثاني: فالاتجاه الذي اهتم بالشعر الشعبي وتقاليده. .. وكانت خلفياته الجمالية ذات حسٍّ قروي.
وقد أنتجت هذه الحقبة محاولات عديدة لتجديد الشعر المجري الحديث يمكن حصرها في اتجاهين الأول: يؤمن بإمكانية مزج أية قوالب إيقاعية -مهما كان مقدار الاختلاف بينها- في إطار الشعر الحر عبر التركيب المفتوح بين الإيقاعات المختلفة سواء كانت موروثة أو مستحدثة, والثاني: وهو الاتجاه المسيطر الآن, يهتم بأولوية الكلمة والصورة الشعرية على أية سيطرة إيقاعية. وبالتالي كان الأقرب إلى قصيدة النثر.
أما الاتجاهاتُ التجريبية -آنذاك- فلم تُحتَمَل من قِبل السلطة, ولم يتسنَّ لها الظهور حتى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. فقد اهتم التيار الأدبي -آنذاك- بالاتجاهات الشعرية الجديدة التي رفضت التنميط, والقوانين الأدبية القائمة. فصدرت كتب، وقامت ورش إبداعية جديدة, فضلاً عن بزوغ مجلات أدبية هامشية. عارض هذا التيار -بطبيعة وعيه- أحادية الوضع الإبداعي الذي كان سائداً في الشعر المجري آنذاك. مبشراً بتعددية جديدة في الحياة الأدبية, بعد أن كان التوجه التجريبي مهمشاً لصالح الوعي الإبداعي السائد الذي وصل جمالياً إلى مأزقه الخاص .. كان شيءٌ ما يستعد للبزوغ, ولم يكن ذلك قصراً على الشعر بل تجاوزه إلى الأنواع الأدبية الأخر.
هكذا ظهر في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات, جيل جديد, يحاول -في حركته- دفع الأدب المجري إلى اتجاه مغاير, أخذ يبتعد شيئا فشيئاً عن جيل الستينيات وجمالياته, منفتحاً على التجريب, ومنجزات الشعر الأوروبي في تلك الفترة. وإن لم ينكر تأثره بشعراء سبقوه مثل: أندري آدي، ولايوش كاشاك "1967-1887 Lajos Kassak", ويوجيف أتيلا، وميكلوش رادنوتي "1944-1909 Miklos Radnoti " وشاندور فيراش, و يانوش بيلينسكي, وتأثر هذا الجيل أيضاً ببعض الدوريات السابقة عليه مثل المجلة الدورية الغرب "1908-1914 "Nyugat " والتي استمر تأثيرها إلى بداية الثمانينات. والسلسلة "الجزيرة "Sziget" " التي أصدرها فورش, وكان لها تأثيرها الخاص أيضاً على الشعراء والكتاب فيما بعد.
تحركت الكتابة الجديدة في طريقها الطليعي الخاص, فأصبح للقصيدة النثرية الحرة قبولٌ عام, وحاولت تحرير الشعر من أساليبه .. سواء على مستوى الموضوع وما يتضمنه ذلك من الانفتاح على التابو، والشعر التعبيري الحر، أو على مستوى الشكل: القصيدة البصرية، التجريب اللغوي, اللعب بالصوتيات وتقنيات التداخل النوعي ما بين الشعر وطرائق كتابته.. إلى غير ذلك. حيث تم التعامل مع اللغة في علاقاتها بالمعنى من منظور جديد, واتجهت القصيدة في بعض تجلياتها إلى مفهوم أوسع للشعر, مفهوم العرض "Performance" الذي تكون اللغة فيه واحدة من مكوناته, وليست المكون الأوحد فيه, مشيرة إلى أهمية طرق التفكير الإبداعي البديلة. وكان للكتابات النظرية والنقدية الحديثة تأثيرها على إبداع هذا الجيل. هكذا أصبح التجريب -بالرغم من الضغوط الأدبية والسياسية المختلفة صوتاً بدأ ينمو بقوة في الشعر المجري المعاصر. في الآن ذاته نمت الدعوات المطالبة بالشعر الكلاسيكي الصارم, وكأنها تظن أن عجلة الزمن يمكنها أن ترجِعَ بالشعر إلى الوراء!
وبالرغم من أن الاحتجاج السياسي المباشر كان متنحياً في الأعمال الجديدة -بعد أن كان مهيمناً بقوة على أفق التعبير الشعري السائد- فإن الاحتجاج الجمالي المطعم بالتمرد الاجتماعي على السائد، كان وجهاً آخر للاحتجاج السياسي, وكان البحث عن المختلف والثورة في الشعر والفن معادلاً موضوعياً لمعاداة دفينة لشكل النظام السياسي القائم آنذاك, وثباته على المستوى الأيدولوجي.
هكذا اتصفت حركة الشعر المجري الطليعي بجديتها, وتبشيرها بممكن جديد ومختلف على المستوى الجمالي, مع خروجها على الشرعية القائمة .. دون رقيب داخلي، يُطَبِّعُ الاختلاف, ويُدخِلُه تحت مظلة الشرعية. ويجمع هذه الكتابات نموها في فترة عرفت الكليات والثوابت، ومحاولتها الدؤوب لتعديل اتجاهاتها إلى عالم جديد فيما بعد. وكأن هذا المسار كان رداً على من سافر وغادر البلاد من شعراء ونقاد جيلي الخمسينيات والستينيات بعد أن حاصرهم النظام, ولم يحتملوا الإبداع فيه. وإن كنا لا ننكر أثر الشعر المجري المكتوب من شعراء مجريين خارج المجر في مشهد الشعر الأوروبي المعاصر.
كما ظهر شعراء أصغر سناً, اتوا من محيط حركة السبعينيات والثمانينيات, وبنوا أعمالهم اعتماداً على التورية والتلاعب اللفظي والمفارقة وألعاب اللغة. من أهمهم في الوقت الحالي الشاعرة فلورا إمري"Fl?ra Imre " التي اهتمت بالتجريب في قالب السوناتا، والشاعر لاسلو فيلانيي "Làszlo" وقصائده النثرية الصادمة,
والشاعر لاسلو جاراتشي "Làszlo garaczi", والشاعر لايوش بارتي نادج " Lajos Parti Nagy" .
ومن الجدير بالذكر أن هذا الملف يعد أول تناول لمشهد الشعر المجري المعاصر, وأول ترجمة عربية لقصائد بعض شعرائه, والتي تعد بحق من عيون الشعر المجري المعاصر. في هذا السياق, لا يمكن أن نتناسى الجهد الذي قام به المستشرق "إشتفان فودور" في محاولته ترجمة الشعر المجري الكلاسيكي إلى العربية, وقد صاغ هذه الترجمة شعراً الشاعر الستيني فوزي العنتيل, فيرجع إليهما فضل تعريف القارئ العربي بمشهد الشعر المجري الكلاسيكي.
ولقد ترجمنا قصائد لشاعرين معاصرين من هذا الجيل هما: كاروي باري " K?roly Bari ", وتيبور زولان " "Tibor Zal?
************************
-وُلد الشاعر المجري المعاصر كاروي بوري K?roly Bari في بوكارانيوش ,عام1952 م، وهو شاعر من الغجر، ترجم الفلكلور الغجري إلى المجرية، وقد أصدر مجموعته الشعرية الأولى عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية, ولاقت نجاحاً واسعاً فطبعت لعدد من المرات بعد ذلك في طبعات متلاحقة. وفي منتصف السبعينيات وبسبب شعره التحريضي, حُوصر إعلامياً وأدبياً من قبل السلطة, وسُجن, ومورست عليه أساليب النفي والنبذ الاجتماعي, ولكنه استمر في كتابة الشعر , والرسم, وجمع الفولكلور الغجري, وترجمة الشعر الفرنسي المعاصر. وتُرجم عدد من أعماله الشعرية إلى اللغات: الإيطالية, والألمانية, والإنجليزية, والفرنسية.
- حصل على: عدد كبير من الجوائز المجرية والدولية, ومن أهم أعماله الشعرية: "من فوق أوجه الميت" صدر في عام "1970", "النار المنسية"صدر في عام"1973", "كتاب التكتم" صدر في عام "1983", "واحد وعشرون قصيدة" صدر في عام "1993".
ستَبقى دَوماً مُخلصةً لغضونِها المجبولةِ,
منْ فُؤادِ الطمي,
تدقُّ الذئابُ المنبوذةُ الخرساءُ,
بابَها كلَّ ليلةٍ,
تتركُهُم يدخُلون..
وتُهَدهِدُهُم إلى جانبِها في السّرير,
المِذْراةُ - الهررُ ذواتُ المخالبِ,
تتعقَّبُ البردَ في فِناء الدَّار.
تتسلَّقُ إلى البئرِ هابطةً,
منْ أجلِ القمر,
تُقِلُّه إلى الأعلى ، تُعَلِّقُه في المطبخِ,
من أجلِ الضياءِ,
أمّي تجلِسُ في مطبخِها,
تتصارعُ في قبضتِها زهرةٌ,
كانَ شعاعُ القمرِ على الحائطِ مربوطاً..
يلوكُ رغيفَ ضفيرتِها:
فيومِضُ شعرُها المعقوفُ في ضوْءِ القمر,
من نافِذَتِها..
ديوكٌ شرسةٌ..
بحناجرَ ألحَمَتْها النَّارُ,
يعْلو في الصباحِ صِياحُها,
أمَّا أمّي فتظَلُّ في مكانِها جالسةً..
ألا تَرَاها؟
وولدَها يبكِي وَحيداً..أيضاً..
لم يكنْ يَأكل,
كانَ يمْلأ قَصَائدَه بالدُّموع,
يَمْلأ قصائدَهُ..قَصَائدَه.
يوماً مَا سَتختَبيئ في غضونِها المجبولةِ..
منْ فؤادِ الطَّمي.
سَوفَ ألاقِيهَا..
حِينها..سأنزعُ بأسْناني منْ وجهِها..
كلَّ القُبُلاتِ المتحجرةِ الأرضيةِ..
وأسنُّ محراثيَ
ذاكَ الّذي تركتْهُ..
تركتْهُ لِي..
..في عِظامِها.
***
(1)
منِ الشّمالِ إلى الجنوبِ,
تَمْتمةُ أوراقٍ, عُزلةُ ورقةٍ ذات عِطرٍ,
خَبطُ أجنحةِ الطّيِر على السماءِ,
ما نوعُ هذا الملكِ الّذي يقرَعُ الغصونَ السّاقطةَ..
الّتي دُنِّيَتْ إلى محضِ عِظامٍ سُود,
الرّيحُ تَرثيِ أطرافَهُ المُضيئَة,
فوقَ تاجِه المُهشَّمِ .. لَطخةٌ منَ الدَّمِ,
رحَّبَ دَويُّ الأوراقِ المُبَعثرةِ بالورودِ,
ورودِ الملكِ,
عزلةُ ورقةٍ ذات عطر!
(2)
كانَ تنفُّسُ الأشجارِ يَصِرُّ,
فوقَ جبينِ السّحابِ,
كما لوْ أنَّ عاصفةً تكدَّرَتْ,
كانتِ النَّارُ الخضراءُ .. تَثِبُ
مُزَينةً بدموعِ زهورٍ برِّيّةٍ
هذه البراعمُ المورقةُ
تهمِسُ دونَ رحمةٍ,
تَخِزُ النسورَ في مُؤخِّراتِها,
كانت ظلالُهُم مَلأى بالألَم,
في ظلالِهِم..
عندَ جُرحٍ مفتوحِ الشفتينِ .. مُزَيَّنٍ,
يقبعُ الملكُ..
وَعِلٌ يموتُ,
مَحروسٌ بِصمتٍ مُكَدَّرٍ,
لحظاتٌ مضيئةٌ..
تنامُ في المَسّْكَنِ المَهْجور!
***
هلِ الموتُ..
هو الَّذي يَنبضُ تحتَ قميصِي؟
لن تَكُفَّ النارُ عنِ الاشتعالِ فوقَ حاجِبِيّ,
يدا أمّي تَبكِيان,
تَرتعشانِ على قَميصي,
تَربتان على نارِ فرعٍ عظميٍّ مَشلول.
بالقُرْبِ مِنْ مَقَابِرِ الغَجَر
رُكَامٌ قاسٍ منْ رِمَمِهِم يَتحوَّلُ إلى حَجَر,
فَقَدْ خَبتِ النّارُ فِي عيونِهم الذِّئْبِيّةِ,
والجذورُ تَكِدُّ فِي حُجراتِ قُلوبِهِم,
خِمارٌ فِضّيّ مِن بُصاقِ الحَلَزُونِ..
يتلألأُ فوقَ وجوهِهِم,
قرونُ الورودِ,
تتأرجَحُ منْ فوقِهِم خيمةٌ منِ العُشب,
تَهُبُّ مِن رُؤوسِهِم صُلبانٌ منِ البَلَسانِ,
لمْ يَلْحظوا أنَّ غُصْناً من قَدَرٍ شَرِس
قَدْ تَقصَّفَ,
لمْ يَلْحظوا أنَّهم قدْ غَادَرُوا هذا العالَم,
وَمِنْ بَينِ أيدِيهِمِ الصُّلبَةِ,
تَنْمُو أشجارٌ خَشِنَة,
أقْدَامُهُم الجَّافةُ تَقْطُرُ النُّجومَ,
فَوْقَ حُقُولٍ مُبَلَّلَةٍ منِ السّحاب.
****
بحفيفٍ مرعوبٍ..
ينهضونَ منْ فَوقِ حقولِهم,
فُئوسُهُم المحشوَّةُ بالطلقاتِ تثيرُ الأرضَ,
العظامُ تنتبهُ,
في مكانٍ ما,
كانَ القمرُ ينسربُ إلى بُقعَةِ مستنقعٍ,
يمكنُ "لأحدِنا" أنْ يَسمعَهُ وهوَ يَصرُخُ,
غداً سوفَ يُطفِئُهُ الليلُ .. أيضاً,
قطعانٌ منِ البيوتِ البيضِ المغسولةِ..
ترْعَى عَلى جَانبِ الطريقِ,
وتقضمُ النُّجومَ بأسنانِ النَّافِذةِ,
في فتحاتِ حناجرِهِمْ..
حُبٌّ,
يتجَمَّدُ إلى حَدِّ الصمتِ,
يَنتظرُ الفجر.
ليسَ مِن عَادَةِ الرَّبيعِ ألا يُعِيدَ الظهورَ ..
في غُثاءِ الليالي المُظلِمَةْ
النجومُ البَغَايَا تَزْعَقُ في وَجهِهِ
لكِنَّ أميرَ الثلوجِ..
لم يَزَل مُطِلاً ..
بأصابِعِهِ العليلةِ,
وَحِينَ تنفَّسَ الربيعُ ..
حينها فقط..
تَوَارَى من الوجودِ حَبْلُ الجليدِ القارصِ,
أمَّا الربيعُ..
فقد جَلِسَ ليرتاحَ..
بِجوَارِ الأخاديدِ التي حفرتها المياه,
واخضَوضَرَت بجوارِهِ الأزهارُ,
هاهو ذا .. يُمَلِّسُ بِمُشْطٍ من شٌعاعِ الشَّمسِ..
مَهْدَ مَرْجِهِ,
وما تشابكَ من ثلوجٍ,
العظمُ المرتَعِدُ اغْصَوْصَنَ ،
الأوراقُ النازفةُ الميتةُ..
تَفرَقُُ مِنهُ ..
خائفَةً ..
مرتَعِبَةً..
لأن حَواليَها,
كان الأخضرُ يستَهِلُّ الحياةَ ..
يضغطُ ..
مُعْتَصِراً .. حَنْجَرَةَ البَسِيطَة.
شَقَائي يَدْفَعُني إلى طَريقِي
تفوحُ المِدخَنَةُ .. بِفَقرٍ فَجٍّ,
بهذهِ الحيطانِ المتداعيةِ,
والسطحِ الذي مزقتْهُ الرّيحُ,
كانَ وَكْرِي المعلَّقُ بهذا العالَمِ..
معقوداً بالتعاسةِ إلى حدِّ عُنُقي,
شقائي يدفَعُني إلى طَريقِي..
عَبرَ الحقولِ التي خَبَزَتْها الشمسُ,
وعَبرَ أعماقِ الوديانِ الباردةِ,
يدفعُني إلى تدبيِر أمْرِي,
إلى رَمْي النجومِ إلى خارجِ دَمِي وَعَرَقِي,
إلى نَزْعِ ما يُشقيني -مِنْ سُمْعَةِ أُمِّي المُعَذِّبَةِ-مِنْ
أعْوَامِي السِّتةِ عَشَر المَسْلُوبَة ,
القمصانُ الموسومةُ بجحيمِ دَمِي,
كَسَتْني كغريبٍ,
مِنْ منزلٍ مِنْ وميضِ الماضي يُلَوِّحُ,
يُرشِدُني إيماني العُضالُ إلى العُزْلَةِ,
يدفَعُنِي خارجاً إلى العالَمِ بعيداً عن الفَقرِ المُمَجَّدِ,
كَي أشُقَّ طريقيَ في العالَمِ الشَّاسعِ كتنينٍ,
نبضاتُ قَلْبي تَغْزِلُ قَضاءً مِنْ خارج مكانِهِ,
أسْمَالُ الذكرى تَبرُقُ مُضطرِمَةً,
وجْهي يتجمَّدُ عَلَى طُفولَتي,
الآلامُ العتيقةُ تَتَطفَّلُ عَلَىَّ..
يجبُ أن أكونَ حزيناً!
مرةً تلوَ أُخْرَى..
أتراجعُ إلى الماضِي المتأجِّجِ,
الذكرياتِ الرَّثَّة.
****
الأزهار اللاهثةُ تَسقطُ أرضاً
الشفاةُ تَبْيّضُّ أسىً:
الصقيعُ,
دَعْنَا نُعْلِنْ
هَمسَ غاباتِ الزَّنْبَقِ الأسْوَد,
مِنْ أجلِ فتاةٍ ..
تُزَرْكِشُ تنورَتِها..
بِرِبَاطٍ من نيرانِ أَجَمَة,
دعنا نَجْلِبْ رقصةَ عروسٍ عاصفةً,
إلى داخلِ حيطانِنا..
مدفوعةً بأضواءِ مَصَابيح يَقِظَةٍ,
دعْنَا نَخطُ في بيوتِ المحبةِ الثلجيةِ البيضاء,
بقلوبنا المتَّقِدَةِ المرفوعةِ فوق رؤوسِنا,
لقد أتينا إلى السّعادةِ الخَفَيَّةِ,
في حفيفِ قمصانِنا الرَّثَّةِ,
دَعِ العَروسَ مُقَيَّدةً بأرواحِ النوارسِ الخالدة,
تحتَ العَتبَةِ,
كيلا تُصِيبَهَا اللعَنَاتُ,
نحنُ هُنَا,
وحَفْلُ الزّفافِ ..
يَنطلقُ فوقَ هديرِ الرِّياحِ المُندَفِعةِ,
عظامُ أصابعِنا
أوتادٌ نسمِّرُ بِها أغنياتِ الطيرِ في السَّماءِ,
وجوهُ الورودِ المسحوقةُ,
تتكيءُ عَلَى تَنَفُّسِنَا,
مُزَيَّنَةً بأكاليلِ دموعِنا,
نَجِّ الفتاةَ,
دَعْ حَمْلَنا النَّارِيّ يَذهَب بِها,
لا تَدعْ أحداً يَبْكِي عَلَيْها,
فَمِنْ تَحتِ جفونٍ مُقْفَلَةٍ..
تَتَجَعَّدُ ..
..سَحائِبُ من دُخَان.
****
كلابُ الشّتاءِ تَعوي,
أسنانُ الشتاءِ المخبولةُ..
تمضُغُ العمودَ الفِقَرِيّ للحقولِ الشاحِبَة,
غُصونُ الأشجارِ .. تذوي,
تسَّاقَطُ في الجليدِ,
التلالُ الباردةُ تقرَعُ صَدرَ الثلوجِ,
بهَمْهَماتِها المُحْبَطَةْ,
هاهي ذي أشجارُ الصنوبرِ المرْتَعِدَة,
تُنبِتُ أشواكَ البِلَّوْر..
الليلُ تُحِاصِرُه قُضبانٌ من نَدِيفِ الثَّلوجِ,
يومِضُ الأبيضُ الأخيرُ بِوَهنٍ,
تحتَ الأسوارِ المتَجَمِّدةِ ..
يترَكُ وَعلٌ دُمُوعَهُ للسّقوطِ,
ويجلسُ القَمَر..
يراقِبُ المشهدَ..
عَبْرَ قرونِهِ المهتزَّةِ.
***********
-شاعر مجري معاصر, من رواد الطليعة المجرية في الشعر السبعيني, مواليد عام 1954, حصل على دبلوم التعليم العالي من جامعة "سَجَد" "Szeged", في عام "1978", وقام بدورٍ مهم في حركة تجديد الأدب المجري الطليعي في النصف الثاني من السبعينيات, متحولاً -بشكل غير متوقع- فيما بعد إلى حساسية الرومانسية الجديدة.
- كتب ما يزيد على اثنتي عشرة دراما مسرحية وإذاعية, بجانب عدد كبير من المقالات النقدية, وكتب أيضاً ثلاث قصص للأطفال.
-- من أعماله الشعرية:"الأرض الشاحبة"صدر في عام "1980", "وبعضاً من الألوان المائية" صدر في عام"1986", " أيها الوقت, اتركني لوهلة!" صدر في عام "19880" "رسائل الصباح العبوس" صدر في عام"1989", " الخارج " صدر في عام "1993", "يوميات أميركية" صدر في عام"1993", "تعداد الكتائب" صدر في عام"1994", "ضوء مُقّيَّد" صدر في عام "1996", ومن أعماله الروائية "مدينة الورق" صدر في جزئين: الجزء الأول صدر في عام "1998" , وصدر الجزء الثاني في عام "2002".
****
سَيّدَتي اليوم .. تُشعِلُ السماءُ نجومَها,
اليومَ .. من جديدٍ,
دمٌ كثيرٌ .. مُتَخَثِّرٌ.. في فمِي..
بيْنما كنتِ تَرقُصينَ على موسِيقَى مَرِحةٍ..
كنتُ أنْسَرِبُ في الرمالِ العَطْشَى,
وأحلمُ بممارسةِ حبٍ -لاتنتهي- بيننا,
الأشياءُ يمكنُها أن تنكَشِفَ للرِّيحِ,
هذا أكيدٌ..
سَوفَ يَتَبدَّدُ شَمْلُ.. اليومِ,
حينَ تكتَمِلُ هذه القصيدةُ,
وَسَتَكُونينَ -آنَذَاك- في خَدرِ النَّومِ,
تحتَ السَّرْوِ الأشْعثِ..
والموتُ يحفرُ آلَتَهُ بينَ فَخذيكِ المُنْفَرِجَتَين,
سَيّدتِي .. السَّماءُ تُشْعلُ نجومَها اليومَ..
تَتَناثرُ الغابةُ,
منْ وراءِ نافذتِنا,
والحزنُ الدفييءُ من تحتِ رأسَيْنا ,
فَِطَاقَتي الشَّخْصِيَّةُ انتهتْ صلاحيَّتُها,
إقامتي التي مددتُها انتهت صلاحيتُها أيضاً
من أجلِ الشرطةِ,
من أجلِ الحبِ,
أنا ذلكَ الوغدُ..
حُراً .. كي أساطَ,
مثلَ القتلةِ..
هواةِ الفنونِ,
حينَ يَرْمُونَ بنردِهِم فوقَ عَباءَتِي..
بعيداً هناكَ..
الشواطيءُ ميتةٌ,
الفتياتُ الكسولاتُ يتعرَّينَ أمامي,
ويغطينَ وجهيَ بِقمْصانِهِن,
جميلٌ .. أن تُصبحَ ذكرى عندَ آخرٍ .. ما,
كانَتِ العربةُ-الترامُ- تحوِّم فوقَ الأشجارِ..
نائمةً ..
وكنتِ تطيرينَ هناك .. وتغُصينَ..
حينَ تطلِّينَ على الأسفلِ .. من غيرِ قصدٍ..
تَغُصِّيَن بالبُكَاء.
****
أعدَدتُ نفسيَ:
اُكتُبْ قَصيدةً إلى أمِّكَ,
قصيدةً لا تشبهُكَ,
ولا تشبهُ أيةَ قصيدةٍ أخرى كُتبتْ في الأمهاتِ,
قصيدةٌ .. على أكثر تقدير .. تشبهُ الماءَ,
ضوءَ الصباحِ,
عبوسَ وجهِكَ الأليم..
حينَ يغوصُ مُنساباً في شروقِ الشَّمسِ,
أيَّتُها المَرْأةُ الصُّلبةُ,
يجبُ أنْ تُنْكِرينِي,
أنْ تقْفِلي بابَكِ دوني..
حينَ تشاهِدينَ ظِلّيَ..
وهو يحوِّم حولَ الناصيةِ .. خُلسةً,
في الشوارعِ المصابةِ بالدُّوارِ,
الليْلَكُ .. مُغرمٌ بفَوْضَى شَعْرِي,
سأغيبُ..
سأغيبُ بأسرعَ ممَّا تتوقَّعين,
سأغيبُ بخفَّةٍ لاتظُنينها,
أخافُ أنَّكِ..
لنْ تَفهَمِي ذلكَ قَط:
ربَّما أكونُ طَيِّباً للغايَة,
لكنَّني أنعمُ كالمهرِّجِ في برادةِ الذَّهَب,
تتعثَّرُ فَوقِي الحياةُ,
وتَهْجُرُني الرَّحمةُ أيضاً..
مثلُ الفأرِ الجائعِ,
منزلٌ مُشرعةٌ نوافذُه .. في اتساعٍ,
أمِّي..
سأكتُبُ قَصيدةً إليكِ .. فيما بَعْد,
مثلَ تلكَ التي يكتُبُها الآخرون -عادَةً- للأمَّهاتِ,
ستَضَعِينَها في مكانِها المألوفِ في الخِزانةِ..
حتَّى تَصْفَرُّ,
وآخِرُ مساءٍ سعيدٍ .. يَصفَرُّ أيضاً
و ما قد بُثَّ في السماءِ يَصفِّرُ..
يجعلُ زهورَ الأضاليا.. البيضَ العَيْدَانَةَ,
البيضَ العَيْدانةَ, البيضَ العَيْدانَةَ,
تَصْفَرُّ..
أيضاً.
*****
الريحُ ..الليلُ.. تساقطُ الثلجِ الدائم .. ربَّما ..
هذه الأشياءُ القوطِيةُ,
نعم..ربَّما تكونُ هِيَ,
القمرُ ..الشَّمسُ السَّوداءُ العمياءُ,
وعَباءةٌ مُلَطَّخَةٌ بالدَّمِ..
في أعْماقِ الظُّلمةِ..حَفيفُها
هل تَرينَ كيفَ أكتُبُ بِيُسْرٍ القصيدةَ!
حسناً,
هكذا انسابَتْ بِيُسْرٍ..
من بيِن الكلماتِ الطائعةِ السيالةِ إلى العدمِ,
في غضونِ ذلكَ,
تسيرُ الليالي بانتظامٍ,
تسيرُ مثلُ جنودٍ عابِسينَ بلا ملامحَ,
ليالينا تشقُّ طريقَها..
بينَ حيطانٍ انتفختْ منْ رَهبةِ..
أن ما لا يُرى لا يُمكنُ أنْ يُحكى عنه,
بينَ حيطانِ ليالينا المُنتفخةِ..
جنودٌ بلا ملامِحَ.. عابسون..
يشقُّونَ طريقَهم منِ الرهبةِ
الليالي سائرةٌ
سائرةٌ تجاهَ العدمِ
في غضونِ ذلكَ
من بيِن الكلماتِ المتدفقةِ
انْسَبْتُ بِيُسرٍ
حَسناً
هكذا .. بيسرٍ
مازلتُ أكتُبُ القصيدةَ .. بِيَسْرٍ
هلْ تَرينَ!
ترينَ العَباءاتِ المتدفقةَ في أعماقِ الظُّلمَةِ,
المُلَطَّخَةِ بالدَّمِ,
والشمسَ
القمرَ الأَسوَدَ الأعْمَى,
وربَّما..
نَعَم,
نَعَم..هذهِ الأشياءُ القوطيةُ
ربَّما تكونُ هِيَ,
تساقطُ الثلجِ الدائمِ
الليلُ
الرِّيح..
****
في الليلِ,
مثلُ الخَفافيشِ تَماماً,
كانَ يتشبَّثُ بجملةٍ مفردة,
بإشراقةٍ غائمةٍ في السَّماءِ,
عليها كتابةٌ,
بحروفٍ تَخْبو فَوقَ أليافِ الخشبِ البالية,
الحياةُ برأسٍ مُدَلاةٍ ,
تجعَلُهُ يدركُ..
أنَّ القوانينَ تعتمدُ على..
اختيارِ وِجْهَةِ نَظَرٍ,
حتَّى ذَلكَ الوقتِ..
تركَ اختياراتِهِ .. للآخَرين,
الآنَ..
وَقدِ ارتبكَ,
حيَن مَسَّ بأصابِعِهِ هُدَّابَ غطاءِ الطَّاولة,
تركَها للآخَرين,
الانتظارُ الَّذي لا يَنتهي..
يَخْدِشُ سُطُوحَ البَاطِنِ,
كلُّ لمسةٍ تُسبِّبُ ألماً لا يُحْتَمَل,
لكنه ُمُحْتَمَلٌ إلى الآن.
كانَ يتصوَّرُ أنَّهُ سَوفَ يَدْلِفُ..
منِ الجانبِ الأيسرِ منِ الخشبةِ..مثلُ مخرجٍ,
سوفَ ينتبهُ -بدايةً- إلى..
مِعْطفِ المطرِ المتدلِّي على ساعدِهِ,وفيما بعد..
إلى مِعطفِ المطرِ,
إلى البقَعِ المألوفةِ على مادةِ المِعطفِ الباهِتَة,
بَعْدَئِذٍ..
النَّوارسُ وهي تشقُّ طريقَهَا إلى الجسدِ الحي,
حتَّى السَّيرِ في الشَّارعِ أصبحَ درامياً,
كانَ قلِقاً لأنَّ الآخرينَ ينَظرونَ إلَيْه,
يتَّجِهُ إلى نَفْسِهِ,
ينسَحِبُ..
لأنَّهُ كانَ يجبُ عَليهِ أنْ يَستمرَّ,
أمَّا صَوتُ الكتابةِ الشائكِ..
فَلمْ يَزَلْ..فوقَ إشراقةٍ عَفِنَة.
*****