تعتبر سافير (Sapphire) واحدة من أبرز الكاتبات الأميركيات الجديدات، شاعــرة وروائيــة، عرفت روايتــها (Push) (إدفع) نجاحاً كبيراً يوم صدورها في منتــصف التسعــينيات. اسمها الحــقيقي رامونــا لوفتون، ولدت عام 1950، في كاليفورنيا، درست الرقــص في بداية حياتها حيث تخرجت من مدرسة الرقــص الحديث في نيويــورك كما حازت العديد من الجوائز الشعرية. نقدم هنا ترجمة لثلاثة من نصوصها.
سهرة عادية
وجدت أختي أنها كانت سهرة عادية جداً. لا تعرف حقاً أن ما من سهرة عادية، ألا تصدقون ذلك؟ فما إن بدأت الشمس تهبط من السماء، حتى بدأت الأشياء تتغير. أنتَ وهي كنتما جالسين في الصالون ـ الكنبة الفينيل ذات اللون الزيتوني، الجوائز الرياضية، التلفاز الملون الجديد، صور كينيدي ومارتن لوثر كينغ التي كنّا نديرها بدون توقف صوب الحائط، الأبواب المزجّجة، سلالم الباطون التي تُفضي إلى ساحة المنزل الخلفية. كنتَ جالساً في الصالون، ونبرة صوتك تشير إلى أنه من المحتمل أنك قد سألت عمّا إذا تبقى بعض الهوت ـ دوغ، أو أنك قلت، لنرحل، لنذهب ونشتري المخدرات. قالت إنك استدرت ببساطة نحوها وإنك نظرت إليها قائلا: «لنقتله، هيّا لنقتل الرجل العجوز».
أشباح
هناك ثلاث عشرة نافذة في الغرفة. أرى قمّة الأشجار والسماء، والديّ اللذين أتذكرهما؛ يُسرع أبي مثل فأر. أمي جالسة. لِمَ جئتُ إلى هنا، وما الذي يريد شبحهما مني؟ أعرف، لست في طور كتابة الشعر، لكني أحاول أن ابني جسراً قد يقودني إلى الشعر. سأعود إلى المنزل، كي ادخل غرفة أختنق فيها. عشت مع شبحيهما. الأم ذات الشعر الأسود، وأهلها على منكبيها. جئنا كلّنا، تقريباً، لنشهد دفنها منذ 12 سنة.
توفي أبي وهو في الخامسة والسبعين من عمره، نوبة قلبية، أبي أنا؟ أو أنا، أنا نفسي – لكن أين الشعر، أين الإحساس الذي ينتابني عادة، هل سيعاودني خلال تمرين ما؟ أخيراً، لدي غرفة ذات نوافذ. أخيراً توفي والديّ، أصبحا شبحين.
الطريقة التي كانا يضربانني بها، الطريقة التي هجراني فيها، الطريقة التي كانا يسخران بها مني، إنهما شبحان.
أرى أبي، متجمداً، مسرعاً، في صورة. نادراً ما شاهدت والديّ معاً. لم تتحدث أمي يوماً عن قصائد أبي. وجدتها بعد موته. كنت في غرفته بعد الدفن. كنت عدت من نيويورك كي ادفن هذا الأب. جئت لأرمي الطين على أشباح الذاكرة المتوارية، مستعدة لأن أصدق وأنا أتمدد في غرفته بأني كنت كذابة. من ثم قالت لي أختي إن والدي تلقاها حين كانت في اللفافة. يتحدث في قصائده عن مغيب الشمس، ولا يتحدث عن والديه مطلقاً.
كانت أمي تقول إنه يشعر بالعار من أهله. وحين يحين وقتي، من الذي سيأتي؟
لا أولاد عندي سوى هذه القصائد التي ليست شعراً. ذكرُ أبي هو الشبح الذي نمصه في أحلامنا. ومع ذلك أشتاق إلى هذا الأب، ابعثه حيّا من الصور كي يأتي ويجلس في غرفتي.
هنا في مستعمرة الكُتّاب، أحاول أن أكتب شعراً في غرفة. أرى أمي وأبي عند قمة السماء. جاء والديّ إلى هنا، إلى البيت، كي يساعداني، أشباح.
سيستينا
البارحة مساء، وبعد المدرسة، بحثت أخيراً عن صيغة للسكستين (1) وفكرت بـ«الكريزي هورس» الذي كان يرقص في الصحراء وتساءلت: هل سيظهر الله هنا؟
أريد الله
نور أزرق غامق جدا، يُلطخ كلّ شيء على مدى أجيال
الصليب المشعّ والهاذي تفوح منه رائحة البول والبخور.
ثمة ورك أعلى من الآخر دائماً
ونهد أطول من الآخر وساقاي والبطن وسط الحياة، مثل مراهقين حمقى ثائرين بشكل كامل
مثل بيلي (2)
وبيسي (3) أو تلك الدرة السوداء بيغ مايبيل (4)
كزدورة حمراء فاحشة
طين
ديك
حلَقٌ مقطوع عند إشارة الصليب، معذب بعظمة قطة سوداء.
بدرٌ
التقى بمهدئ
لوح إشارات مفتول
طلقة بندقية
موت سابق لأوانه
لم تتم معالجته.
أجنحة الصراصير الطافية
في قناة الأذن النصف دائرية
(طفل أبيض في المــحترف، يقضــم في المدينة بشكل حديث، يحلق
شعر رأسه قبل الأوان، يزين جسده بالأوشام، ويتساءل
ماذا لو دخلت الصراصير أذن الفقراء حين ينامون)
تقول فتاة، أجل أجل، سيحدث ذلك، وتركض مثل طرقات
في لامكان، تخرج عن الخط، وأعود لأسقط خمسا وعشرين سنة
قبل ولادتهما وأهمس إلى كريس
ما الفرق، في أي جهة من الخط كنت،
أليس كذلك؟ في اللحظة التي اصطدم فيها الدولاب بالمنحدر
قفزت الدراجة النارية في الهواء، على نور فقرات العنق
لتدور إلى ما لانهاية حول الالكترونات الدائرة حول الدواليب
حول نواة تموت من الضوء
وتسرع تحت الفسوخ
وأحياناً تحت الباطون الذي تسير المدينة فوقه.
أرى حقول القطن التي اختفى فيها والدي
ووجهه، ويسحبني الحب مثل كسوف
باتجاه مغلف قصائد مستهلك وجدته في دُرجه
حين توفي ـ
خطوط متشابكة من النفط، حارقة،
وكما تعرفون كان لزنوج تلك الحقبة، العجائز
الكثير من الحظ كي يعيشون
مثل فراشات أوشفيتز
لِمَ فعل ذلك إذا؟
الزمن الآن، عبارة عن نور يغمق كلما اشتعل
بشكل أقوى
يجعلني أستدير صوب العتمة، ومن ثم صوب النور
مرة جديدة. أتمنى ذلك.
السفير
25 سبتمبر 2009