من دون شك، تقتصر معرفتنا بالشعر اليوناني المعاصر على أسماء قليلة، فلو استثنينا كافافيس وريتسوس وسيفيريس وإيليتس وبعض الأسماء القليلة المتناثرة هنا وهناك، تبدو المكتبة العربية خالية من أسماء الشعراء اليونانيين المعاصرين. قد تكون هناك العديد من الأسباب الكامنة وراء هذا الغياب ولعل أبرزها الانعدام شبه الكلي لمن يترجمون من اليونانية إلى العربية، أي أن القسم الأكبر من اكتشافنا لهذا الأدب جاء عبر لغتين وسيطتين أساسيتين الفرنسية والإنكليزية. بيد أن هاتين اللغتين لم تقتصرا فقط على الأسماء البارزة والحاضرة بقوة في راهنية الأدب في العالم، بل استمرت تقدم لقرائها العديد من الوجوه الأخرى، بينما توقفت المكتبة العربية على اللحاق والمتابعة، كما هي الحال في ميادين أخرى.
عدم وفود أسماء جديدة إلينا، لا يعني ولا بأي شكل من الأشكال أن الشعر اليوناني المعاصر لا يملك تنوعا ومناخات متعددة جديرة بالمتابعة، بل لا يزال هذا النوع الأدبي، سليل هوميروس والتراجيديات الكبرى، يكتب بكل تنوعه وتشعبه، ولا زالت هناك، اليوم، الكثير من المجلات الشعرية التي تصدر بكثرة، كما الكتب التي لم تشهد تلك "الأزمة" التي نتحدث عنها عادة كلما تطرقنا إلى موضوع الشعر.
من هنا، ليست هذه الترجمات، سوى إطلالة صغيرة على بعض الأسماء الحاضرة في خارطة الشعر اليوناني المعاصر، وقد تكون مجهولة عند القارئ العربي، لكن من المحتمل أنها تستحق ان تكتشف، على الأقل لحشرية توسيع "قاموس" الشعراء الحاضرين في مكتبتنا. محاولة لا تدعي أكثر من هذا الأمر. من هنا، محاولتها أيضا، تقديم تجارب متنوعة ومناخات مختلفة، لأجيال متعددة.
***
زويه كاريلليس
Zoé Karellis
ولدت العام 1906 في "تسالونيكي". تنحدر من أسرة غنية وكبيرة. لها العديد من المجموعات الشعرية كما بعض الأبحاث، واحد حول بيكيت والثاني حول كلوديل. من دواوينها: "موسم الموت" (1948)، "تخيل الزمن" (1949)، "وحدة وتعجرف" ( 1951)، "تناقضات" (1957)، "يوميات" (1973)
ثرثرة أوريديس
لا تظنن ذلك...
تعال معي. لا تلح
آمنا كثيرا بالجسد
استمعنا إلى موسيقاه الشغوفة...
لكن لا تؤمن بالمتعة
الألم قوي جدا
يمحوه.
الجسد
يتألم حين يموت
ويحدث أن يفقد
مجده كله. دعه.
أليس من الأفضل أن تتركه؟
لا تجرني، لا تأخذني
إلى قوى الحياة.
الموت الذي يحملني
كان قاسيا جدا.
تعال معي
ستتذوق العدم، سحره.
جسدك المتكامل يلامس كثافة الوجود
كلها.
ستعرف النسيان مثل الحجر،
ستمدد في الثبات
عطشك للحياة.
عندما نحب الحياة إلى هذا الحد
عندما نؤمن بها إلى هذا الحد
لا شيء يعزينا إلا
التبدد اللانهائي الذي يوهب إلينا.
(عندما استدار أورنيوس مرتعبا، لم يجد أوريديس...
لكننا نتساءل، لماذا كان الموت بهذا الشكل...)
***
تاكيس فارفيتسيوتيس
Takis Varvitsiotis
ولد في مدينة تسالونيكي العام 1916. درس الحقوق. من أعماله: "أوراق النوم" (1949)، "حصان الخشب" (1955)، "ميلاد الينابيع" (1959)، "الحجاب والابتسامة" (1963)، "التحول" (1971)، "مديح متواضع للعذراء مريم" (1977)، "الأيدي المترابطة" (1980)، "الدرب" (1984)
في الفاصل
العينان كبيرتان مفتوحتان
كان يراقب
المكان الذي أريقت فيه الدماء.
بعيدا في الأفق
أذرع الأشجار
المتكاتفة
مختبئ في الغابة
الناي
وعد الغد الغشاش
يسكننا الخوف
لكننا نلاحظ هناك همسات
العديد من الأنوار التي تعدنا بالراحة
حشد لامرئي
لذلك، وبدون أي كلمة، سرنا على الدرب
من أجل الرحلة القدرية.
رحلت فجأة
رحلت فجأة
بدون أن تترك
آثار أصابعها
على البيانو
ولا نجمة في شعرها
تحت السقف
ولا حتى عطرها على مقابض الأبواب
من دون أن تترك
سطر الضوء
الذي تتركه القطارات
حين تمر
رحلت ببساطة وطمأنينة
كالليل
نازلة الدرج درجة درجة
أتهب جسدها
إلى آخر سلالات الجليد.
***
أريس ألكسندرو
Aris Alexandrou
ولد العام 1922 في ليننغراد وتوفي في باريس عام 1978. من أب يوناني وأم روسية، عاش منفيا بين 1933-1945 و1948- 1951. عرف السجن خلال أعوام 1952- 1958. من كتبه "هذا الربيع أيضا" (1946)، "خدمة متناوبة" (1952)، "قصائد - 1941- 1971" ( 1972).
شعرية
(1)
رويدا رويدا
أرسل بياناتي صوب بلاد لم تعد موجودة
أخبر عن حركات شمس
تنزلق في الفجر قرب الأسوار
وتصدّق بضوئها
على قرارات الإعدام.
(2)
كل كلمة من كلماتي
ستترك على لسانك
مذاق لوز مر،
كل كلمة من كلماتي
محرومة من الأيدي التي تضعها الأم، ظهرا، قرب الخبز
والضوء الذي يتقطر من ملعقة الطفل
على الغطاء.
(3)
حريتي الوحيدة
كانت النظرة في كواليس القمر خلل الغيوم
لهذا - ربما - لم أكتب أبياتا
لا رجوع عنها، تماما مثل أحشاء منتشرة
لهذا - ربما - تغادر أوراقي
الواحدة بعد الأخرى
ممتزجة بمصائر أولئك الذين لم يقرأوا أبدا.
نصائح إلى متمرد
تستطيع أن تتجنب الملاحقات القانونية
بخاصة إذا أظهرت كآبة ما
أو إذا كتبت - وهذا أفضل - بعض الأبيات الهذيانية
كمثل
"الجنود المشاة أعين كي يروا"
أو "أيها الرقيب، إنني أعاني من الدلتونية
أرى في كل هدف
قلبي الخاص".
تستطيع أن تتجنبها.
لكن إن نجحت في فهم أن الفساد
لا يمنع إرادة الآخرين الاعتباطية
اجمع ما تبقى لك من يأس
وبحزم
وهدوء
مثل الملقن في المسرح
اذهب واهمس للمحقيقين وللقضاة العسكريين
الكلمات التي عليهم أن ينطقوها.
لا تحص الأيام في السجن.
وإذا بدأت الساحة الداخلية تتراءى لك، تدريجيا، أضيق
من الخير لك أن تقصر أيضا خطواتك الخاصة.
ومن المستحسن ألا تعير كثير اهتمام للأخبار
للزينة وللنواب الذين يغيرون أراءهم، وللانتخابات
تأثير على مرور الزمن مثل
هواء البحر الرطب الذي يمر
على مصابيح عمال المناجم.
وإذا لم تستطع أبدا أن تعش بلا أمل
لتحلم بهزة أرضية
قد تهبك - وهذا ممكن -
سفرا جميلا.
بين الحصى
ومع ذلك، لم ألغِ نفسي
هل سبق لكم ورأيتم شجرة تذهب بنفسها
إلى المنشرة؟
مكاننا هنا، في هذه الغابة
ذات الأغصان المقطوعة، ذات الجذوع النصف محروقة
وذات الجذور العالقة بين الحصى.
***
مانوليس أناغوستاكيس
Manolis Anagostakis
ولد في مدينة تسالونيك العام 1925، حكم عليه بالموت خلال الحرب الأهلية. عرف السجن ما بين (1948-1951). من أعماله: "عصور1" (1948)، "عصور2" (1954), "التكملة" (1954)، "الهدف" (1970).
الخاتمة
قد تكون هذه الأبيات الأخيرة
آخر الأبيات الأخيرة التي ستكتب
لأنه لن يكون هناك شعراء في المستقبل
لقد مات مكملو السباق كلهم قبل موعدهم
وأغانيهم الحزينة صارت عصافير
في سماء أخرى حيث تلمع شمس غريبة
انبثقت أنهر متوحشة، أسرعت نحو البحر
لا تستطيع أن تفصل مياهها
وفي أغانيهم الحزينة نبتت زهرة "لوتس"
سنحيا من نسغها، نحن الورثة.
لعبة الشطرنج
تعال لنلعب جولة.
سأتخلى عن ملكتي
لفترة، كانت عشيقتي
والآن، لا عشيقة لديّ
سأتخلى عن رخي
(لن أطلق النار على أصدقائي أبدا
ماتوا قبلي بكثير)
وهذا الملك، لم يكن يوما مليكي
ثم، ما نفع هؤلاء الجنود كلهم؟
(يتقدمون بدون أن يروا، بلا أحلام)
ستكون الأحجار كلها لك، حتى الأحصنة
لن أحتفظ إلا بهذا المجنون
الذي يتحرك على لون واحد
ويجتاز الرقعة من طرف إلى آخر
ساخرا من الشبكة كلها.
مخترقا خطوط دفاعك فجأة
قالبا التشكيلات الدقيقة كلها، رأسا على عقب.
ليس لهذه الجولة نهاية.
أتكلم
أتكلم من أجل نفير أبواق الجيوش المهزومة
من أجل أشلاء ثيابنا التي نرتديها أيام الآحاد
من اجل أطفالنا الذين يبيعون السجائر للمارة
أتكلم من أجل الورود الذابلة فوق القبور المتعفنة من المطر
من أجل بيوت بلا نوافذ، فارغة، مثل جماجم بدون أسنان
من أجل الصبايا اللواتي يتسولن وهن يعرضن ندبات نهودهن
أتكلم من أجل الأمهات اللواتي يسرن حافيات بين الأنقاض
من أجل المدن المحروقة، الجثث المتكومة في الشوارع
من أجل الشعراء المتواطئين الذين يرتجفون على العتبات ليلا
أتكلم من أجل الليالي البلا نهاية حين يتأخر الفجر عن المجيء
من أجل الشاحنات المعبأة والخطوات على الأضرحة الرطبة
من أجل باحات السجون ودموع المحكومين بالإعدام.
لكنني أتكلم من أجل الصيادين بشكل خاص
الذين يتركون شباكهم من أجله هو، كي يتعقبوا خطواته
وحين يتعب هو، فإنهم لا يرتاحون أبدا
حين يخونهم، هو، فإنهم لا يخلفون بوعدهم أبدا
وحين يصبح، هو، شهيرا، يشيحون ببصرهم
يبصق الرفاق عليهم، يصلبونهم
بهدوء يكملون المشوار الذي لا نهاية له
من دون أن تغتم نظرتهم أو تنثني
مستقيمون ومتوحدون في صحراء الجماهير الرهيبة.
***
نيكوس - ألكسيس أسلانوغلو
Nikos-Alexis Aslanoglou
ولد في مدينة تسالونيك العام 1931. من أعماله: "موت صعب" (1954)، "موت نيرون" (1960)، "قصائد من أجل صيف" (1963)، "نفط خام" (1974)، "الموت الصعب"(1978).
كورنثيا
وصلنا القمة بصعوبة. كان الدرب ملتويا لغاية البحر
هنا، حيث الغروب يفتت ضوء الرمال المتوهجة
حيث السماء النيلية تطهو الإسفلت المتسلق حتى الثكنات
في هذا المكان الأجدب والقاحل، تحت شمس رصاصية
كان الزحام ساخنا: بكينا قرب الأعمدة المقلوبة
وحفر أحدنا اسمه على عمود الواجهة
لا ظل لمركب في بعد الظهيرة هذه
ليس سوى أرض في المقابل
والشمس التي ارقص على شرفات فندق القديس "جاوجريوس"
كل شيء جاهز
الفاكهة بين قطع الثلج، الأواني نظيفة
والكلمات مشدودة بلطف إلى شيء غير موجود
هل سيدوم حقا
النور الخفيف وحفيف هواء الليل
بريق عينيك يستجيب لبريق السماء. لكن الآن
وبما أن الكآبة تتكثف، بما أن وحدة المنبسط
المالح لا تروي العطش أبدا
انبثقت علاقة مذنبة، ونشعر بأنفسنا مذنبين
ومرهقين باختيار إخراج المسرحية
عمّا كنا نبحث
في الأعمدة النائمة التي لا تحلم أبدا
ماذا كنا نأمل؟
فن شعري
أرغب في أن تكون القصيدة ليلا، تجوالا
في دروب الوحدة وفي الأوردة
حيث تنبض الحياة. أرغب في أن تكون
معركة لا موسيقى هادئة
هوسا من أجل فوضى تستهلكنا
ان لم نلعب كل شيء من أجل كل شيء.
حين الآخرون، غير المهتمين، واثقون من أنفسهم
ينفقون بلا هدف أو يستعدون مساء
للموت، أبحث طوال الليل عن أحجار "الموزاييك"
التي لا توال سليمة في "المونولوغ" اليومي
برغم التلف، كي تلمع في النهاية
في العتمة كحشرات صغيرة
خطرة، حساسة، يقتلها الحس السليم.
***
كيكي ديمولاس
Kiki Dimoulas
ولدت في أثينا العام 1931. من كتبها "ظلمات"، "قليل هذا العالم"، "جسدي الأخير"...
بالكاد، عرفت مهنة
في شبابي
كنت أصوغ الاحتجاجات بشكل خاص
لكنني كنت أجمع أيضا الكلمات
المستعملة
التي كنت أحولها بسهولة
إلى غرائب واحتداد
عمل روتيني.
كانت تجاربي مزدهرة.
اليوم أنصرف إلى أمور عديمة الفائدة
أمور تجعلني أعتاش فقط.
في أوقات فراغي
أقوم بغزوات قليلة
وبعودة صغيرة
إلى مهن شبابي
الهادئة.
تعارض
كل قصائدي المخصصة للربيع
تبقى غير منتهية
لأن الربيع على عجلة دائمة
وإلهامي متأخر دوما
لذلك أضطر
لإنهاء
كل قصيدة مكتوبة عن الربيع
خلال الخريف، تقريبا.
***
تاسوس دينيغريس
Tassos Denegris
ولد في أثينا عام 1934. من دواوينه "دماء الذئب"، "عذاب وتمجيد"...
الجواسيس
لا أخشى أبدا لا مجرى الأنهار ولا النعاس ولا شفرة السكين
فقط، أخشى
البوابين
والسيدات اللواتي، وراء عربات أولادهن، يتجسسن مرورك
يرغبنني اللواتي، طريقهن الصامت، مصنوع من العناكب
تماما كاستعدادهن للبقاء ملتصقات على السقف
حيث يراقبن فكرك بعين سوداء
من دون أن يرتبكن أقل ضجة.
هدوء الإبادة
حر بهذه السقطة
هذه السقطة
تخصني
أنا مالكها.
***
كاترينا أنخيلاكي - روك
Katerina Anghelaki- rooke
ولدت العام 1939 في أثينا. من أعمالها: "ذئاب وغيوم" (1963)، "قصائد 63-69 (1971)، "أوراق بينيلوب المبعثرة" (1977).
السنجاب
ثلوج الصباح
فوط بيضاء
خالية من أي بصمة
والسنجاب بين الحطب المتجمد
منهك، يفصح ذنبه
عن بعض أمل، منهك
في تصريف أعماله
بقائمتيه الأماميتين.
مداخن البيوت الجميلة البعيدة
سماء مغطاة، بخار أنفاسنا الرمادي
قليل من الأزرق كان معلقا
على الغصن
غصن عار، أزرق وأجرد
كنا نسير إلى وسط المدينة
خلفنا المقبرة
بأمواتها الذين كانوا ينتظرون
الربيع بحكمة...
كنا نتحدث
عن السأم الميتافيزيقي
عن "أونيغين"
عن بؤس حياتنا
كانت مزهرة شتلة الياقوتية
في حديقة الشتاء
في البعيد، سيارات مطمورة
في الثلج
وعنقك النحيف
مطمور
في فراء ياقتك
الصغير.
عند مفرق المدينة
المحلية الوحيد
حيث أحببتك
تفحصت ساعتي و"الباروميتر"
كان البرد هنا - رهيبا
وكانت الساعة، ساعة بداية الآلام
اليومية.
تركتني أمام السينما
ربما أراك هذا المساء...
وعند عودتي كان السنجاب
قد أنهى عمله
هنا على الأرض
وكان قد صعد في سماء الخشب.
***
يانيس كونتوس
Yannis Contos
ولد في إيغو (بيلوبونيزي) العام 1943. درس العلوم الاقتصادية. من عناوين كتبه: "غير المتوقع" و"فوتوكوبي" و"من ناسك مجهول"...
موسيقى الغرفة
تضاجعين مراهق
أنتيسيتير وترفعين
صوت الراديو عاليا
كي لا أسمع تأوهاتكما أبدا.
صبيحة اليوم التالي، في المتحف
كانت أكتاف "الكرونوس" (*)
مدماة، وبين أصابعه خصلات شعر.
***
ميخاليئيس غاناس
Mihalis Ganas
ولد في تسامنتاس العام 1944. درس الحقوق. من أعماله: "عشاء" (1978)، "حجارة سوداء" (1980)
الثمن
وحدها الأفعى تعرف ماذا
يعني تغيير الجلد
لذلك تحتفظ بالسم.
مراسم الخطوبة
سقط الليل بالمظلة
تنثقب السماء
كل ما يتنفس في المنزل
يدافع عن حقه بأسنانه
نم، إنها الأفعى في العارضة الخشبية
(مثل خاتم ينزلق من إصبع إلى آخر).
***
ريا غالاناكي
Rea Galanaki
ولدت في جزيرة كريت (هيراكليون) العام 1947، من دواوينها "ومع ذلك أنيقة"، "المعادن"، "أين يعيش الذئب".
تعليق على رواية
يصلون بلا مفاصل، وبالإيماء
يأمرون - مطولا - الفراشة أن تلعب مع ظلها
في مياه عيونهم الثابتة والواضحة
حتى تتصفى الرمانة الواقعة في الفخ
وتلعق الكلاب الدماء
الرسائل التي حملها داناوس من مصر إلى ارغوليد
(وليس قدموس الفينيقي مثلما زعم هيرودوس)
تؤكد مرة جديدة، في سراب وثيقة محاسب،
موتهم الجماعي في الجبل.
***
ديميتريس كرانيوتيس
Dimitris Kraniotis
ولد العام 1950 ويعيش حاليا في باريس. تأثر بالسوريالية. من مجموعاته "إيروس غريبُ غريبٍ" (1979)، "مصير متشرد" (1985).
شيطان اللايقين
شيطان اللايقين والشك
راقصا في الفسق
رحل يصطاد
الروح، الغضب احتدام
عشاق السماء، الحلم، البراكين.
في طريقه التقى
العرافة والدلفية (*)
وحروق الضوء
على صدر أوديب.
أمام البحر حفر قبرا سحريا
أطلق الرصاص على هيبنوس
حصد بدون خفر
الحلم الهائج
اللغز
الرمانة
الطاووس.
ديميتريس هولياراكيس
Dimitris Houliarakis
من مواليد العام 1957، يمتاز بنيرة غنائية قريبة من العبارة اليومية. من أعماله "دفاع عن النهود والمناقير" (1983)، "معادن الرغبة السوداء" ( 1985). ترجم إلى اليونانية أعمال ييتس وجيمس جويس وكيبلينغ.
العلبة السوداء
علبة حياتنا السوداء
من سيجدها في الحطام المتكلس
من سيخرجها بعناية، ومن
سينحني فوقها بجدية
كي يدرس أسباب المأساة؟
ومع ذلك، ما نفع هذا، ما دام
حدث ما كان يجب أن يحدث
ما دمنا، شاحبين، عدنا كلنا إلى أرضية
سنوات الشباب المحطمة
من دون أن نتعرف على أحد
من دون أن نبحث عن أحد.
من الأفضل إذا أن تختفي
علبتنا السوداء
لتتعفن في مكان ما في الحقول
ليمتد العشب الصامت فوقها
ليغطيها بالكامل
ليترك فوقها، انتفاخا في الرمل فقط
هذا كل شيء.
كوستيس غيموسوليس Kostis Guimossoulis
مواليد العام 1960، أحد أبرز ممثلي تيار ما بعد السوريالية في الشعر اليوناني المعاصر. من أعماله:"الحمى الحطاب"، "الحبر المقدس" (1983)، "الفم السارق" ( 1986)، "أطفال خطرون" (1992).
جنس الرقاد
تطفو تفاحات في نعاسك
تغطي بالقبل حقائب شفتيك
فوق جِِمال محملة بقطعان الأموات
ساقك، يغطيها الرحيل بغاز
نوع من إله مليء أعصاب، يفرك
وجهه بوجهك
شقيقتك، كعاهرة
ستُغلّف بنعاس
نعاس رجل. يبني المياه
ويشيّد الجدران حوله.
قصيدة ناجحة
إن كتبت قصيدة ناجحة
فذلك لا يعني، انك بالضرورة
فوق الآخرين.
وان كتبتها
فذلك لا يعني
أنك "الأًص" (*)
"الأصوص"(**) الحقيقيون
هم الحرّاقون
القبارون
البهلوانيون
إن كتبت قصيدة ناجحة
فذلك يعني أمرا واحدا:
تعالج سنا منخورة.
بمعنى آخر
تأخذ مادة صلبة
لتردم الفراغ
الذي يجتاحه الألم.
***
ثاناسيس هادزوبولوس
Thanassis Hadzopoulos
ولدت العام 1961. لها العديد من المجموعات الشعرية منها: "عن جسديهما" (1986)، "منذ أن وجد الندى" (1991)، "موت الدماء عينها" (1994). ترجمت إلى اليونانية أشعار بول فاليري وفيليب جاكوتيه.
ألوهيات جهنمية
كنا نتعانق في هذا الحلم
ونجد بين لسانينا
دما وترابا
حين رحلت بصقت مذاق هذا الدم
يصرّ الرمل تحت السن
هذا اللسان بعضوه
بحلماته، بمستعمراته، بأقنيته
باندفاعاته كمثل شفرات قاطعة
يجتازني تشنج بارد
حين عدت قلت:
"تباركنا الألوهيات الجهنمية
وتحكم علينا".
أيقظتني ضحكتك
شعرت بأقمشة الصدى
تسمرني
أطفو في الهواء شيئا فشيئا في البعيد.
ملاك زاهد
تركل روحي الأحلام
لكني، نهارا، أتقيأ أحشائي
التي ترويها العتمة
أتسول الطعام من الأحياء
أتوسل نسيان الحب
أحتفي بذكرى جسدي
حزن مسكون باله.
أشكو الأموات المحتملين
أحيانا في الغياب، أُعجب
بمجد الأموات.
********