|
بيسوا بريشة الفنان البرتغالي خوليو بومار |
في البداية كانت هناك الحقيبة. تلك الحقيبة السحرية الشبيهة بمغارة علي بابا. الحقيبة التي صاغت الأسطورة، أطالت الشعائر وضاعفت احتفاليتها. القضية برمتها، تكمن إذا في هذه الحقيبة التي تتقدم شيئا فشيئا، التي تفتح لنا قلبها رويدا رويدا، فبفضلها لم يعد الشك مسموحا، إذ كل شيء صار ممكنا. هل اختفى الشك بذلك؟ من دون شك، كان فرضية واختفى. لم تكن هذه الحقيبة فارغة في يوم من الأيام. هل كانت مليئة ذات يوم؟ حتى هذه اللحظة، تشكل الحقيبة ذلك الانمساخ الأخير لكل (هؤلاء البدلاء). عبرها، جاءنا كل ما عرفناه عنه بأسمائه المتعددة، وربما سيجيء إلينا بدلاء آخرون: أسماء أخرى، ذات تواقيع مجهولة بعد. الحلم مسموح في هذه الحالة. مسموح، لأن من سيأتي قد يتقاطع مع المعروفين من قبلنا. وربما أيضا، يزيدون في تضاعف أعمال فرناندو بيسوا، لغاية أن (يخففوها)، ربما، ان نشرت بالطبع كل كتاباته التي لم تنضب حتى اليوم.
لقد ترك فرناندو بيسوا، إذا، حقيبة خلفه. حقيبة واسعة. مليئة بالمخطوطات. وفي هذه الحقيبة ذات الشهرة المجيدة، التي يمكن ان ندعوها صندوقا أيضا، مغلف علية بطاقة لاصقة مكتوب عليها (الرباعيات). مغلف يحوي ستين صفحة مخطوطة، من الصعب قراءتها، كما يقول لنا من استطاع فك رموزها (قام جورج رودولف ليند، بمساعدة جاسينتو دو برادو، بإعادة (تركيب) 325 رباعية. وقام الاثنان بنشرها وتقديمها في المجلد التاسع من (أعمال فرناندو بيسوا الكاملة) الصادرة عن (منشورات أتيكا في لشبونة).
انطلاقا من هذه الأوراق، جاء ديوان يتضمن 325 (رباعية ذات نكهة شعبية). أتاحت القصائد والأوراق المؤرخة (وهي قليلة في الواقع) بأن يعاد تركيب نوع من التسلسل الكرونولوجي. لقد كتبت الرباعيات الثماني الأولى ما بين سنتي 1907 و1908. في تلك الفترة كان فرناندو بيسوا قد نشر لتوه قصائد بالانكليزية (نعرف انه بدأ بالكلام بهذه اللغة بعد إقامته الطويلة، في شبابه، في جنوب أفريقيا). في تلك الفترة أيضا، بدأ يكتب بالبرتغالية. ومثلما يتراءى لنا فيما لو اتبعنا مسار حياته (راجع كتاب روبير بريشون <> الصادر عن منشورات كريستيان بورجوا في باريس)، فانه لم يكن قد نشر قبل هذه الرباعيات الثماني، سوى نص واحد بلغته الأم. ست من هذه الرباعيات الثماني، تبدو لنا وكأنها تحيلنا الى مرجع ذي واقعة محددة تتجلى في موت كائن عزيز. تمضي 26 سنة ان صدقنا تواريخ الأوراق التي بعثت من الصندوق قبل أن يعود بيسوا لتأليف رباعيات أخرى. لقد كتب المئات منها خلال العامين الأخيرين من حياته، بدءا من تموز 1934 وحتى حزيران 1935 (توفي فرناندو بيسوا في لشبونة يوم 30 تشرين الثاني عن 47 عاما).
كان بيسوا قد أبدى اهتمامه بهذا الشكل الشعري حين كتب مقدمة لديوان رباعيات صدر العام 1914 (ديوان <> لأوغوستو كونيا وأنطونيو فيرو)، كذلك نجد أن العديد من قصائد هذا الديوان، القصيرة أو القصيرة جدا، موجودة بين قصائد فرناندو بيسوا وقصائد بدلائه.
ثمة سؤال لا بد أن يطرح نفسه: لماذا وكيف حدث وما الذي دفع بشاعر مثل فرناندو بيسوا، الذي كان قليل (الطبيعية)، والمخضب كليا بالثقافة، لأن يكتب هذه القصائد ذات (النكهة الشعبية)، وليصل بها حتى النجاح؟ ربما كان علينا أن نسأل عن التحديدات التي نعطيها لكلمة (مذاق) أو لكلمة (ثقافة) أو لكلمة (شعبية) وفي علاقاتها فيما بينها. قد يستنتج المرء (ويساعدنا في ذلك قراءة الرباعيات المنشورة كلها) بأن هذه الكتابة المتفردة تظهر تناغما مع باقي أعمال بيسوا، وكأنها تشكل جزءا منها وغير مفصول عنها: تحوي التيمات عينها كما أرقه وقلقه ورهابه. في هذه (التركيبات) الشعرية، نجد ذلك المزيج من الصيغ اليومية كما نجد انحرافها الماكر. أما من حيث تراكيبها النحوية فتمتزج فيها أيضا تلك الاختصارات الشعبية مع أعقد تنويعات النحو والقواعد المستعملة، (لم يكن موجودا على المغلف سوى كلمة (رباعيات) من هنا لا بد أن نتساءل من أين تأتي إضافة كلمات (ذات المذاق الشعبي(؟ هل هي من فرناندو بيسوا نفسه؟ من منتحل ما؟ من اللذين عملا عل (فك رموز هذه الصفحات؟().
* * *
في هذه الرباعيات (تركيب شعري عرفته العديد من بلدان العالم)، يحاول بيسوا أن يذيب كتابته في نوع أدبي وفي حساسية معينة، خاصتين بطائفة ما. يحاول أن يحذف أيضا تلك الرباعيات التي وجد انها (شخصية) جدا. ما يؤكد ذلك ملاحظاته التي كتبها عل هامش هذه الأوراق الستين. من هنا يبدو أن هذا المشروع في نزع الصفة الشخصية عنها، هو في الوقت عينه، مشروع أكيد وملطف.
مشروع أكيد، لأن هذه المحاولة في نزع (الشخصانية) المشتهاة، تلتقي بتلك الحركات المتعاقبة لذلك (البحث/ الرفض) للهوية، الذي يشكل العنصر المؤلف الحقيقي لعمل بيسوا الأدبي برمته. عمل أكيد، لأن هذه الرباعيات تشكل جزءا من ذلك التيار الكبير الذي افتتحه شعراء التروبادور الغالسيين / البرتغاليين منذ القرنين الثالث عشر والرابع عشر والذي اجتاز (عصور الشعر الشفاهي والمكتوب، العليم والساذج ((راجع كتاب انطولوجيا (شعراء التروبادور الغاليسيين البرتغاليين) منشورات P.O.L، فرنسا العام 1987). ففيها نعود لنجد هذه الموتيفات والميلوديا والمناخ والأمكنة والحالات والحركات الشكلانية وأقل قواعد النحو التي يلعب بها بشكل رهيف وتلك الطريقة المؤكدة الأورثوذكسية في اللعب على المتوازيات عبر الاستعادات التي تذكرنا بأناشيد ((cancioneiros القرون الوسطى كما بأشكال الشعر عند جيرانه الأسبان.
ومع ذلك فنحن أمام مشروع ملطف، إذ على الرغم من هذه الإرادة والاهتمامات التي انحاز لها، الا ان بيسوا لم يستطع أن يمنع نفسه من القول، من أن يفرد هواجسه: نزع الشخصانية نفسها، (التفكير/ الإحساس) في تضاداتهما، الإخلاص، (الصدق الكذب)، السعادة عبر الوهم، الوحدة بين الجماعة، (العدم((أو اللاشيء، وهو الذي يمثل مصدر الأشياء كلها ونهايتها)، المرح وهذه الحساسية القاتلة التي تتباهي كي تقنع نفسها.
كتبت جميع هذه الرباعيات تقريبا في الفترة التي صدر فيها ديوانه (رسالة) (وهو الديوان الوحيد الذي صدر وبيسوا كان لا يزال على قيد الحياة)، من هنا تحمل، الرباعيات كما قصائد (رسالة)، ذلك الشعور الوطني (الطازج)، حتى في (كليشيهات) مراجعها.
* * *
أكثر نظام هذه القصائد، يقسم كل رباعية إلى (مقطعين)، يتألف كل مقطع من بيتين متكاملي المعنى. يموضع الجزء الأول ديكورا ما، يقبض على حالة ما، يوزع فضاء ما، يعيّن متحركا ما، يرفع مجازا ما، يرسم بورتريه ما أو ربما يرسم دوائر عاطفة ما أو حميمية معينة. أما الجزء الثاني أكان ذلك عبر المقارنة المباشرة أو المضمرة، عبر التضاد، الخ... فنجده يصل إلى خلاصة ما، يؤكد على أخلاقية ما، يطور مثالا ما، يعطي أثرا لمعنى، يجلب اللحظة أو التذكر الى الوضع (العاطفي) لمن يتكلم، الى برهان الحب، الى ضده، الى نشر هذا الحدث في تأمله الخاص، الى (درس الحياة) الذي يخفي جيدا العواطف (المجعلكة).
هذا الفضاء الداخلي للقصيدة (توزيع الأبيات الأربعة)، وان كان يحضر بكثافة، الا أنه لا يشكل الحالة الوحيدة للرباعية. نجد أحيانا ان النسق مقلوب، أن الأبيات الأربعة متناسقة في مرات، تحمل القوافي عينها أو قواف مختلفة.
* * *
غالبية هذه الرباعيات هي قصائد حب. ربما كانت تشكل وحدها قصائد الحب في شعر فرناندو بيسوا، إذ لا نعرف للحب أي موضع آخر في قصائده العديدة، في أسمائه المتعددة. انه الحب الخجول، الحب المتواضع، الحب العذري، الحب الشهواني، الحب المليء بالغيرة، الحب الذي لا يشعر مطلقا بالاكتفاء، الحب الحالم، الحب اللطيف، الحب المنتقم، الغياب، المرارة، تلك المسحة من كراهية النساء. ثمة فتاة شابة (تسيطر) على مناخ القصيدة. شابة مغناج، خرقاء، غير مبالية، صادة أو بالكاد يلحظها... شابة تأسر شخصيتها بلباقة تغلي أحيانا بوقاحة موسومة. يحدث له أن يحدثها باسمه الشخصي عبر ريشة الشاعر مثلما نجد ذلك في (أناشيد الصديق) (Cantigas damigo) عند (التروبادوريين).
تنتظم القصيدة حول عناصر من الحياة اليومية الشعبية: (كشتبان الخياطة)، لفيفة الصوف، الثوب، أصيص الحبق، القبعة، القرط، التنورة الزرقاء، القميص الأحمر، الدبوس، الشال، المروحة، المقص، حبة القهوة، الخيط، الأغاني،... الخ.
كذلك نجد (أشخاص) القصيدة في العمل، أمام الغربال، يسهرون لأنهم لا يستطيعون النوم، ينظرون من زاوية النافذة، يتنزهون كي يبرزوا أنفسهم ولكي يشاهدهم المارون الآخرون، ينسجون الصوف والدانتيلا، يأكلون (القريدس)، يشترون الأسماك، يحضرون الحلوى، يتمشون في الساحة، يقفون أمام الكنيسة. ونحن معهم أيضا فوق الدروب بأسرها، في الريف، في المدينة. أشخاص تراقب ملامح الطبيعة بانتباه، يراقبون رمزية الغيوم. يستحضرون حقول القمح، الحصاد، الطواحين، الآبار، الجدران، شتلات الزهور، الحدائق، السنونوات، العندليب، البطيخ، الكرز، الخمر.... أنهم يحبون الأنهار ويكرهون البحار.
* * *
بعض هذه الرباعيات تنحو (بالعبث) صوب الحنان: (انه اللامعنى) الصافي، الذي يشكل صدى لتلك القصائد الهجائية التي انتشرت في القرون الوسطى. انه الوضوح المعتم لهذه (البديهية) المكبلة.
* * *
ثمة غنائية بدون نزق، اقتصاد في الوسائل، دقة بسيطة، استدارات غير متوقعة، علاقات سرية، شعبوية ماكرة: كأننا أمام ثقل في الخفة.
في هذا الشعر ذي الغزارة القليلة، نشعر وكأن ما من شيء يتم كبته. بعض الاستنتاجات، أربعة أبيات، شيئان أو ثلاثة، من أشياء الحياة اليومية، طرف قطعة قماش، عاديات تتداخل مع يقين النبرة، مع القليل من عاطفة القلب: كل ذلك يضعنا أمام فعالية من السحر والنعومة والنجاح. إننا ببساطة أمام قصائد جميلة.
* * *
لم تتبع هذه الترجمات إلى العربية الترتيب الذي جاءت عليه رباعيات فرناندو بيسوا، (فالأرقام بالعربية غيرها في النص الأصلي). انها تختار خمسين رباعية فقط، لتحاول أن تقدم لمحة عن هذا النوع (المجهول) في عمارة بيسوا الشعرية. هذه العمارة التي كانت موجودة في حقيبة او لنقل في ذلك الصندوق السحري الذي يشبه مغارة علي بابا.
(1)
كمراكب فوق اليمّ
هي أغاني البرتغاليين
ترحل من روح إلى أخرى
تخاطر بالغرق.
(2)
نظمت كل لآلئ
هذا العقد لأهديه إليك.
اللآلئ قلبي
والخيط، حزني.
(3)
الأرض بلا حياة. لا
شيء آخر يحيا سوى القلب
تلفك الأرض الباردة
لا حنيني.
(4)
دعيني لهنيهة أعتقد
أنك لا تزالين قربي.
حزين ذاك الذي يظن
أنه بحاجة ليخدع نفسه بنفسه.
(5)
ميتا، سأبقى إلى جانبك
بدون أن أعرف شيئا، بدون أن أحس بشيء...
هذا يكفي
لكي يكون للموت فضل.
(6)
لا أعرف ان كانت الروح تحيا في الماوراء
إذا مت مت أو رغبت في الموت.
لو كنت حيا، لرغبت في رؤيتك
لأنني لن أستطع نسيانك إلا بالموت.
(7)
بلى، هواء البارحة كان أتعس
على بابك مرّ أيضا
اسمعيه: يحمل تنهيدة
تعرفين جيدا من أرسلها لك.
(8)
أعطيتك قلبي
أنظري كيف عاملته!
لم ترديه لي بعد
ربما لأنه تحطم.
(9)
العلبة التي من دون غطاء
تبقى دائما مفتوحة
أعطني واحدة من ابتساماتك
لا أتمنى شيئا آخر.
(10)
انتظرتك ساعتين.
سأنتظرك سنتين.
هل أنتظر بعد؟ تراك لا تجيئين.
لأن النهار لا يزال مشرقا؟
(11)
طيلة الليل، سمعت المياه في الحوض
تنزل نقطة نقطة.
طيلة الليل، سمعت في روحي:
أنك لا تستطيعين أن تحبيني.
(12)
النهارات هي النهارات. الليالي
هي الليالي. لا أنام أبدا...
لأني لا أراك نهارا،
وأفكر فيك ليلا.
(13)
تحملين زهرة في يدك
قطفتها بلا انتباه...
تراك قطفت
قلبي بانتباه؟
(14)
عيناك حزينتان، تائهتان،
لا تركنان إلى شيء...
آه يا حبي، يا حبي
لو كنت في الأقل هذا اللاشيء!
(15)
بعد النهار يأتي الليل،
بعد الليل يأتي النهار
بعد الحنين يأتي
الحنين المستبد بنا.
(16)
أيستحق الأمر أن أكون رزينا؟
لا أعرف ان كان يستحق العناء.
الأفضل أن أبقى ساكنا.
أن أنظر إلى وجه مطمئن.
(17)
ترتدين خُفيّن،
يضربان الأرض بنعليهما.
أحرى بي أن أموت، قبل
أن أتوقف ثانية عن سماعهما.
(18)
تديرين رأسك لتسألي
تبدأ أقراطك بالرقص
مثل سنونوتين مملّتين
لاتعرفان الطيران بعد.
(19)
تحملين زهرة في يدك
لا أعرف ان كنت ستعطينني إيّاها.
أما الزهور التي على وجهك
فتعرفين كيف تحتفظين بها.
(20)
آه، أيتها الشابة الشقراء،
آه، أيتها الشقراء الشابة،
قولي للذي يراك، هنا
انك ما زلت صغيرة جدا.
(21)
لك، كتاب لا تقرأينه،
لك، زهرة تفرطين أوراقها،
لك، قلب على قدميك
لا تنظرين إليه أبدا.
(22)
لم تقولي أبدا إذا أحببت
ما لم أقله لك.
أعرف جيدا أنك تكهنت بذلك.
لا أعرف ما كنت تفكرين به.
(23)
ملكت زهرة لأهديها
للتي لم أجرؤ على أن أقول
لها أنني أرغب في محادثتها.
ذبلت الزهرة للتو.
(24)
حينما تنظرين الى الوراء
لا أعتقد ان ذلك من أجلي.
لكنك تنظرين، تنظرين
وهذا أفضل.
(25)
كل يوم أفكر
بهذه الحركة المقدامة:
تلتقطين الوشاح
المهمل، بالقرب من هنا.
(26)
أسمعك تنشدين في النهار
في الليل أسمعك تنشدين.
واحسرتاه لي، ان كان ذلك من الفرح!
واحسرتاه لي، ان كان من الكرب!
(27)
الحبق الذي يُشترى، ليس
أفضل من الذي نهبه.
دعي الحبق جانبا
وأعطني قلبك.
(28)
الزهرة التي تقطف
لا تحيا طويلا.
لا أحد ينظر إليك
ولا يرغب في قطفك.
(29)
أيتها السنونوة التي تمرين
من ينتظرك؟
وحيد من يراك تمرين
ويجدد ثقته بالغد.
(30)
لديك مشط اسباني
في شعرك البرتغالي
وحين تلفك الشمس
تكونين مثلما خلقك الله.
(31)
رجوتك مرتين
وعرفت ذلك لمرتين.
في النهاية أجبت
عن الذي لم أسألك عنه.
(32)
لا أعرف بم تفكرين
عندما تحكين بطمأنينة...
ربما بهذه الاهانات
التي تصنعينها بصمتك.
(33)
النوارس، أيضا وأيضا،
تطير من النهر الى البحر...
تسحرين من دون أن تقصدي،
إذ ليس ضروريا أن تطيري.
(34)
من جرة فخارية
نشرب مياها أعذب.
الحزين لا ينام.
يسهر ليجد الفرح.
(35)
ثمة حقائق تقال
وأخرى لا يقولها أحد.
لدي شيء أقوله لك
لكنني أضعته.
(36)
غيمة في السماء تشبه
كل ما نحبه
لو أنك، على الأقل، تعطيني
ما لا يتعذر إعطاءه.
(37)
ترحل عاليا الغيمة التي تمر.
عاليا يرحل فكري.
انها أسيرة رجائك
كما الغيمة أسيرة الريح.
(38)
يا مريم، حين أناديك
تعالي إلى هنا، يا مريم، قولي
انك لا تستطيعين المجيء.
هكذا أستطيع أن أراك.
(39)
أشعلت شمعة
في هذا الهواء الذي أعطاك إياه الرب.
لم يعد من ليل فوق القرية
ولا في السماوات، أيضا.
(40)
عندي كتاب صغير أكتب
فيه حين أنساك
كتاب ذو غلاف أسود
لم أخط فيه كلمة بعد.
(41)
الحياة هي أشياء قليلة أحيانا
الحب، حياة نحملها،
أنظري في الاتجاهين
لا أحد يأتي ويكلمني.
(42)
بخفة يذهب الأثير، بخفة
يتمرد كي ينام.
باختصار يذهب الأثير، باختصار
يعلمنا النسيان.
(43)
أيتها الغيمة، العالية، أيتها الغيمة
لِمَ تذهبين بعيدا جدا؟
ان كنت تملكين الحب الذي ينقصني
انزلي قليلا، قليلا بعد.
(44)
الغيمة التي تمر في السماء
تسأل الذي لا يسأل شيئا
ان كان من المفيد ان نقول لمن أعطى:
(ما أعطيته، لن أعطيه لك).
(45)
أيها الجدول الصغير، أيها الجدول الصغير
من يركض بسهولة
ستركض وحدك
أيها الجدول الصغير، مثلي أنا.
(46)
في النهاية،
كلامك الكاذب
لا يجعلني سعيدا
لكن السعادة في أن تتكلمي.
(47)
ابتسمي لي ابتسامة الأحد
لأتذكرها يوم الاثنين.
تعرفين ذلك: أنا خلفك دائما،
ليس ضروريا ان تذهبي.
(48)
أرتدي ثيابا جميلة
أنتعل حذائي
وأذهب بين الناس
للبحث عمن لا أجده.
(49)
من خلف الجبال الخضر، يأتي
الرعد الذي لا أسمعه
صدى جميل يتوه
وهو يحدثه.
(50)
قلبه صغير، المسكين
ويعمل جاهدا!
يبكي في النهار
وينتحب في المساء.