التقديم والترجمة: جمانة حـداد
لكلّ طريقته في الاحتفاء - أو عدم الاحتفاء - بعيد الحبّ. لكلّ أسلوبه في عيش جنون العشق وجموحه ونزقه ودواره وصعقاته وبراكينه. نحن دائماً نحتفي بعيد الحب شعرا، ونختار الشعر لأنه الأشدّ نفاذاً الى أعماق الجحيم والأكثر صفاء في بلورة الحرائق. وقد تعوّدنا أن يجري معظم شعر الحبّ الذي نختاره على ألسنة الرجال. لكننا سنغيّر العرف هذه السنة. سنكسر المنتظرَ والمتوقَّع.
***
ولأجل ذلك سنختار من الشعر ذاك الذي كتبته شاعرات "وقعن" في أسر الحب. نريد هذه المرة أن نخترق صفحة المرآة أو أن نعكس صورتها. أن نفاجىء الرجل. أن نرفع القناع عن وجهه. أن نراه. أن ندخل الى الطبقات الخفية من صورته مرئيةً بوجدان المرأة. نريد أن نفصّله حركةً حركةً، وإيقاعاً إيقاعاً، ولحظةً لحظة، مثلما تراه الشاعرة التي تحبّه. ننوي إذاً أن يجرحنا الحدّ الآخر من السيف، بوجه الرجل معشوقاً ومكتوباً، ووجه المرأة عاشقاً وكاتباً. لماذا؟ لأن الإرث الأدبي العظيم في شعر الحب ترك لنا أشعاراً مكتوبة بأقلام الرجال أكثر منها بأقلام النساء، وقد علق في الأذهان من جراء ذلك أن المرأة دائماً - أو غالباً - هي "الموضوع"، وأن الرجل هو الذي "يصنع" هذا الموضوع أو "يخلقه" أو "يخلّده". هكذا يقال عادةً عندما يتعلق الأمر بصورة المرأة لدى الرجل. وليس المقصود أن نخرّب هذا الصورة أو أن نثبت عدم صحتها، بل المهم بالنسبة إلينا أن يكتشف القارئ أيضا كيف تكتب المرأة الرجل أو كيف تكتب عنه. وهل صحيح أن الرجل عاشقاً - شاعراً، هو أكثر توهجاً شعرياً من المرأة عاشقةً - شاعرةً؟ ليس المهم أيضاً أن نقترح أجوبةً، ستظل دائماً موضع أخذ ورد، وإنْ كنتُ أنحاز شخصياً الى الرجال الشعراء مطلقاً، وإليهم خصوصاً عندما يكتبون مرايا محبوباتهم وقلوبهن وتجاربهن، كما حيواتهم الشخصية، متلألئة تحت نجمة الحبّ الليلية. ولكن يربكنا أننا لا نعرف الكثير عن شاعرات العالم عموما، ولا عنهن شاعرات حبّ. ربما لأن الحياة لطالما وضعت المرأة في موضع الشغف والإلهام. وربما بسبب العدد الهائل من ملوك شعر الحبّ الذين يملأون الدنيا بكلماتهم الحاضرة فينا مدى الأجيال. وإذا كان علينا أن نتذكر فستحضرنا أسماء كثيرة، من شعراء الحب لدى العرب الى أولئك في كل مكان وزمان. وسنكتفي بذكر بعض "مرضى" العشق لدينا، ماضياً وحاضراً، من شعر بلاد ما بين النهرين وأساطيرها الى نشيد الأناشيد، ومن المجنون الى ديك الجن الى عمر بن أبي ربيعة الى نزار قباني الى أنسي الحاج. وسنكتفي أيضاً برموز الحب العالميين من حال أورفيوس لدى هوميروس الى دانتي الى أراغون الى نيرودا الى ساليناس الى إيلوار وريلكه.
هذه المجموعة المختارة من القصائد أردناها إذا مكتوبةً بأقلام نساء، وذلك لا بدافع نسوي ولا ثأراً أو انتقاماً من ذكورة العالم المفترضة أو المزعومة، إنما لإلقاء الضوء على بعض شعر الحب حيث الرجل هو البطل الملهم، وحيث المرأة هي ناقلته و"مخترعته". وأردنا ان لا تتضمن هذه الباقة قصائد كتبتها شاعرات الوجد الإلهي، اللواتي تركن شعراً في الحب يستحق أن نتذكره في كل آن، إلا انها تـقدم شعراً من 18بلداً بـ"جروح" 28 شاعرة. وقد ارتأينا أن لا تضمّ النصوص المختارة شاعرات عربيات لأنهن في المتناول (باستثناء جويس منصور)، فقصرنا همّنا على شاعرات من الجهات الأربع. وقد لا تكون جميع القصائد المنقولة على القدر نفسه من التوهج والتألق والخلق. وربما - نكرّر - ربما لا تكون هذه المختارات على مستوى ما نعرفه من الإرث العشقي العظيم لشعراء في معشوقاتهن. وقد نجازف بأن نتذكر هنا ما قاله فرويد عن افتـقار المرأة - والكلام على ذمته -الى الليبيدو أو الطاقة الشبقية، مما قد ينعكس تاليا، في رأي البعض، على عبقرية كتابتها الشعرية. ونلفت في هذا الإطار الى ظاهرة الغزارة والشهرة الروائيتين لدى المرأة، مقارنةً بنتاجها ومكانتها الشعريين. في كل الأحوال، ليس هذا موضع تحليلنا ومناقشتـنا. المهم أننا لا نعرف الكثير عن الشعر العالمي مكتوباً بحرائق نساء، وهدفنا هنا العرض والتعريف لا النقد والتـقويم. من ناحية أخرى، إن ترجمة الشعر رحلة استكشاف فنية. مغامرة غالبا ما يساور فيها الكشـّاف شعور بعدم الرضا عند نهايتها. ولا يمكن ترجمة الشعر أن تحيا اذا كانت حرفية. لا بل هي تـفقد الكثير من وهجهها اذا كان معيارها التبجّح بالإخلاص والموضوعية الخالصة اللذين يفرغان الشعر من روحه فلا يبقى منه سوى جثـته، إن لم يقترنا بالموهبة الموضوعة في خدمتهما. هذا لأقول الآتي: كما أن معرفة العالم السري للقصيدة ليست شأنا علميا وأكاديميا بحتا، بل هي خصوصا معيار حدوسي ورؤيوي نفـّاذ، كذلك فانّ الترجمة الشعرية لن تكون إلا هكذا: حيث الحدس يخترق أسرار القصيدة ويضع نفسه في خدمة تقنيات النص ومعاييره الأكاديمية. تلك هي المنطقة الوسطى التي ينبغي ان تلتقي حولها نظريات الترجمة الشعرية. ومن هذا المنطلق سعيت في اختياراتي هذه الى احتضان المعنى من دون الاعتداء على الروح، ولكن بدرجات متفاوتة من الحرية، أملتها طبيعة القصائد نفسها، وذلك توقاً مني الى إنقاذ النص من براثن وحش الترجمة الحرفية. قد يقول البعض إنّ الشعر عصيّ على الترجمة، لكني ألفت الى ضرورة اختراع كلمة اخرى للتعبير عن دينامية نقل الشعر من لغة الى اخرى، بسبب خصوصية المعنى الجمالي للشعر، غير القابل للقياس علميا كما ذكرنا، والعلاقة الوثيقة التي تربط في القصيدة بين الإيقاع والبنية النحوية لكل لغة في ذاتها، والتي يجب أن تمرّ من خلالها الشحنة بين الدال والمدلول والقارئ، وذلك على المستويين اللغوي والشعري على حد سواء.
في هذا العدد الذي يسبق عيد الحبّ، ننشر إذا قصائد منقولة مباشرةً من لغاتها الأصلية، وخصوصاً الإيطالية والأسبانية والألمانية والأرمنية، فضلا عن الفرنسية والإنكليزية. وكنا نفضّل أن نكتفي باللغات التي نتـقنها لأننا ضد مبدأ الترجمة من لغات وسيطة، إلاّ أننا غلّبنا همّ التنويع في نشر قصائد الحب المكتوبة بتواقيع نسائية من كل من اللغة اليابانية والاسكندينافية والروسية واليونانية وغيرها. ونفتح باب القصائد بهذا السؤال: أليس الحب كافياً بذاته ليكون هو الشعر، أم أنه يحتاج دائماً الى لغة كي يصير شعراً؟
*******
النصوص
*
رحيق
I
هنيئاً للتي بقربك، من أجلك وحدك تتنهّد
للتي تتلمظ بلذة الإصغاء إليك
وتلمح أحياناً رقّة ابتسامتك
أي آلهة يمكن أن تعادلها سعادة؟
ما ان أراك، أشعر بين أوردتي بشعلة خفرة تجتاح جسدي
ولفرط عذوبة الهذيان الذي تتوه فيه روحي
تخونني اللغات والأصوات.
II
النجوم المتناثرة حول جمال القمر
عادت لتحجب وجهها البرّاق
ما أن أطلّ البدر بكل وهجه
ليضيء عتمة الأرض
الهواء الذي هبّ على المياه العذبة
يغنّي بين الأغصان الخضراء
بينما الأوراق التي أيقظها
عادت لتنساب في نوم عميق.
فتعال أيها الحب!
تعال واسكب في كؤوس الذهب
الرحيق الذي ستقدّمه لضيوفك.
***
بلا استعارات
ثمار الخوخ تقع بعد أن تنضج: مثل الحب
الحرائق في مخازن الحبوب تنطفئ: مثل الحب
صباحات الشهر السابع تتخدّر: مثل الحب
الخنزير في منزل مزارع فقير يهزل: تماماً كالحب
حسناً
فلأتحدث عن الحب وعنّي
بلا استعارات
الحب، ذاك الشيء الذي بحثتُ عنه
والذي التقيتُ بأشياء كثيرة تشبهه
لكنها ما كانت لتعلق بي
وما كانت أيضا لتعلق قشّة تعوم على البحر براحة هذه اليد
ها قد جاهدت لكي أتكلّم بطريقة اخرى
لكن الحب في آخر المطاف ما هو إلا استعارة
الحب إذا حبّات من السكّر تقطر من ثمار الخوخ
الحب حريق في مخازن الأرصفة
بارود متفجرات
شعلة تنتصب عمودياً
الحب صباحات الشهر السابع المتلألئة
الحب خنزيز يسمن ويتكوّر.
***
جزيرة
اذا وقع عاشق
أو عاشقة
على درب
فوق جزيرة
داخل بركان
أو في بحر
حيث الرمال لاهبة
والمياه تتفجّر من الأرض
ينبوعاً حاراً،
سيحترق جرحهما
ولن يكفّ عن الاحتراق:
فثمة على كاحله
أو كاحلها
بقعة من الجسد
مفتوحة
تغلي وتوجع
هي النافذة
التي تُرى منها الحياة وتكوي...
أولئك الذين لا يحبون
يداوون جروحهم بالمراهم والدهون
والضمادات المطمئنة
أما العشاق
فلا يداوون شيئاً
يتأملون فحسب
يصغون الى نبض الدم
الطالع من الأعماق
ينتظرون
الألم المجهول
المحلّق فوق الجبال
أجسادهم
تتقدّم ببطء
وتحتل المساحة كلها
على المنحدر.
***
لا إسم له
لا إسم له
لا أريد ان أسمّيه حباً
ذاك الذي أكنّه لك
لا أريدك أن تهزأ بقلبي
مثلما يهزأ آخرون بأغانيّ.
لا ليس اسمه حباً
لكن لا شيء في العالم يهمّني قدْره
وقدْر عينيك قدْر عينيك
اللتين نادراً ما تبتسمان لي
بقدر مصيرك
الذي لا تعهد به إليّ
بقدر الحب الذي تكنّه لي سرّاً
والذي هو أيضا
حبكَ ذاك لا اسم له.
***
ظـلّكَ
في الأمس بحثتُ عن شامة القمر
على بشرتكَ.
كم من جدائلي
يجب ان اسرّح
قبل ان تعود الأرض
صالحة لسكناي
في زاوية من جسدكَ؟
سوف ابحث طويلا
وإذا لم يعد ثمة شيء
يستحق عناء الاستمرار
سوف القي بظلي
على الجدار مقابل ظلّكَ
هناك حيث يطلقون النار
على أبناء خيالنا
وحبّنا.
***
قميصه
لا يكشف ألوانه الحقيقية.
ازرق
ومن قماش عادي للغاية
الى حد ان أيا كان
في وسعه شراؤه.
أنا وحدي
اعرفه
قميصه
وفي بعض أوقات النهار فحسب.
عند الفجر
هو راية
في وسط ساحة
ينتظر التقاط نور البرد
ومفتوحا يتحول
شراعا فاجأه
فرح لا يُحدّ.
***
كيف احبكَ؟
كيف احبّكَ؟ دعني اعدد الأساليب
احبكَ من أعماق روحي، من شساعتها
من علوّها حين تسمو خفيّة
الى أقاصي الكائن والحسن المثالي
احبكَ بمستوى ابسط حاجة يومية
تحت الشمس وعلى ضوء الشموع
احبك بحرية، مثلما يتوق الرجال الى الحقّ
احبك بنقاء، مثلما يجتنبون الثناء
احبكَ بالشغف الذي كان يعتريني
في أحزاني الماضية، وبإيمان طفولتي
احبكَ حبا كنت أظن نفسي أضعته
مع قديسيّ الضائعين، احبكَ بروح حياتي كلها
وابتساماتها ودموعها! وبمشيئة الله
بعد موتي سوف احبكَ أفضل من هذا كله.
***
حبيبان
لو كنتُ افهم ماذا يعني
ان أكف عن رؤيتكَ
لما كانت لي حياة في هذا الكون
لكن الأرض بالنسبة اليّ
بقعة أدوس عليها أنا
وتدوس عليها أنت
أما الباقي فهواء
نبحر فيه كمركبين حرّين
ونتلاقى.
***
في نهر حلمكَ
أود لو يراودكَ حلم
لا يشبهني
وان تمنح حلمكَ اسمي
أود لو تحيا فيك من جديد خميرة القلق
التي عرفتها طفلا، مساءات الصيف،
حين كنتَ تتمدد على العشب الكثيف
ترفع ذاتكَ تقدمة الى الفضاء
وتلامس قبة السماء
أود حين تستيقظ
عند الساعة التي يُفني فيها الصباح
الدروبَ الليلية
وتتساقط شظايا النجوم
على هدب الأمواج
أود لو تقبّلني
في نهر حلمكَ.
***
درب الحب
يا أيها الحب، أعرف أنكَ معي
أن وجهكَ الجميل قربي
وجهكَ الذي لا يخدعني قطّ
مهما تغيّر اسمكَ ولهجتكَ وقلبكَ وعمركَ.
لعينيكَ يا أيها الحب ضياء النجوم الصابرة
ضياء الليل والبحر والجزر المنسيّة
لا أخشى شيئاً ما دمتَ تعرفني
وها قد عدتُ يا حبي من بعيد لأجلكَ.
من يعرف أين سوف نذهب من هنا؟
أتراكَ تبحث عن خيالي المتلاشي؟
متى فقدتكَ يا حب؟ في أي حياة؟
وهل تجرؤ السماء على التفريق بيننا بعد الآن؟
***
حمّى قديمة
ماذا تريد يا حبي
أن أمنحكَ مع الحب؟
هاكَ أمام نافذتي
شجرة الصنوبر
المنتصبة بهدوء
إليك الصباح والمساء
في غناء العصافير
والليل الذي يعتّم عليه القمر.
قل ماذا تريد
فأنا أودّ لو تنقذني
لو تبدّد حمّى الرضا
وتطالبني
كما في الماضي
بالمستحيل.
***
هاتِ نهم يديكَ
من خشب الأبنوس مصنوعةٌ أنا
ومن حلكة شعري يفوح الليل
هاتِ حبيبي نهم يديكَ
وبذاركَ والنجمات الأفريقية
هاتها وازرعها على عتمة جسدي البرّاق
آهاتٍ من لؤلؤ وذهب!
***
القافية الأخيرة
طويلاً حلمتُ في لياليّ الكئيبة
لياليّ الطافحة حزنا ودموعا
بقبلة حب مستحيلة
بلا ظمأ ولا نار، بلا قلق وحمّى.
لا انشد لذة معذبة
لذّة لاهثة تشعل الحرائق
والشفاه الشهية الخطيرة
تثير فيّ رعباً بلا حدود.
آه حبيبي! يا حبيبي المستحيل!
يا ايها العاشق ذو النظرة الحالمة
دع شفتيكَ حين تقتربان
تقبلانني بلا نار بلا حمّى بلا قلق
اعطني القبلة التي طويلا تقتُ إليها
في لياليّ الطافحة حزنا ودموعاً
القبلة التي ترسم على شفتيّ نجمةً
وتنثر عطر الناردين في روحي.
***
نشيد العاشقة الرابع
سوف نموت حبا، نحن الاثنين،
ذاك مذكور في كتاب الأنامل
ورموز هلاكنا رأيتها
في دلالات أيدينا المبتهلة
سنموت فتعيد من اجلي فقط
اختراع المحيطات وأقمارها وأسماكها
والأرض التي تدور
وتنحني تحت أحمالها
وسأولد مرة ثانية من ضلعكَ
فنستقرّ معاً في صيف ابديّ
ونعيش في موتنا انتصار النور.
***
قديس الساعات الأخيرة
سوف أسبح إليك
عبر فضاءاتٍ عميقة
بلا حدود
حامضة مثل برعم وردة
وسأجدك أيها الرجل الجامح
نحيلاً ومغموراً بالأوساخ
يا قدّيس الساعات الأخيرة
وستجعل مني سريركَ وخبزكَ
وقُدسكَ
ويوم يغلبني الصمت
سوف أكتب بيديّ الاثنتين
سأتقدم بركبتين مشدودتين
بنهديّ الطافحين
وبصدري المريض من فرط الصمت المكبوت
ويوم يغلبني الموت
سوف أصرخ بكل قواي
كي لا أقع حين تتكهنني يداكَ
عارية في الأرض الحارقة
سوف أخنق نفسي بيديّ هاتين
حين يلعقني ظلّك
ممزّقةً في قبري حيث تلمع نباتات الفطر
وسوف ألملم نفسي بيديّ هاتين
كي لا أقطر في صمت المغارة
كي لا أكون عبدة حبي الفائق الحدّ
وستستكين روحي
عارية في جسدي اللذيذ.
***
الحب
تارةً يتلوّى كمثل أفعى
ويمارس سحره في أنحاء القلب
وطوراً يهدل كيمامةٍ
على حافة نافذتي البيضاء
قد يبرق على الجليد المتلألئ
أو يتراءى لي في غفوة القرنفلة
لكنه بعناد وصمت
يخطف مني راحة البال
أسمعه ينتحب برقّة
في صلاة كماني المعذّب
وكم أخاف حين يعلن قدومه
في ابتسامة رجلٍ غريب.
***
تنّينة مكسورة
أنا التنّينة المريضة حباً
بلساني الأخضر من فرط الغيظ
ومن دواء السعال.
كم هي صغيرة شعلتي
بين حزمات التبن في هذه الشفاه اليابسة!
وكم تشقى لتدرك هدفها
لتلهب البشرة الرقيقة
لأمير أحلامها!
أنا التنينة المريضة حباً
ذات الجفنين المجرّحين:
برتقالتان دمويتان
ترتعش أهدابهما
كأوراق في الريح
نجمات الحب
تقع من عينيّ
مثل قشور
وقلبي المبلّل يقرع
كطبولٍ في الفراغ.
***
نعجة طائشة
I
لا. لا تعانقني الآن
قد تسحق فيّ ذاك الشريان السامي
الذي يدوّخني ويُنضجني
دعني أرفع قواي الى الشمس
دعني أشغف بثماري
دعني أهذي ببطء
ثم اقطفني
يا أيها الأول والوحيد
يا منشوداً في الليالي كلها
إصعقني بشباك عشقك
وخذني
مثلما تؤسر نعجة طائشة.
II
لقد كتبتُ من أجلك كلمات فضية
من أجلك كتبتُ كلّ أفولي
وحان الوقت لكي أتلاشى
ما من خلاص لصوتي الخاشع
سوى أنشودة تشفّ من جسدي
أنشودة حب تُنضج ربما
أبديتي هذه البلا حدود.
***
الى الطاغية
افرش الليل على وجهكَ
وفي غابة جسدكَ
اغرس شجر الأرز واللوز
ابحث عن أفراح الفرعون الذهبية
فوق صدركَ الذي لا يكلّ
لكن شفتيك قاسيتان
منيعتان أمام معجزاتي
فاذهب بسمائك الثلجية عن روحي
ماس أحلامك يقطع أوردتي
إني يوسف وعلى بشرتي الملوحة
حزام من الرقة
تلتذ بهمسات أصدافي الخائفة
لكن قلبك لم يعد مصباً لأي بحر
فآهٍ منك!
***
من الجنينة
تعال يا حبيبي
نتأمل الزنابق
نحن قليلا الإيمان
ونكثر الكلام
فتخلّ عن ثرثرتكَ
وتعال معي
نشاهد الزنابق تتفتح في الحقل
وتنمو فيه كمثل مراكب
تبحر على مهل ببتلاتها
بلا ممرضات ولا ساعات.
هيا، إنسَ كلامكَ المعسول
وكلامكَ البذيء
ابصق كلماتك كحجار
وتعال الى هنا! تعال الى هنا!
تعالَ التهم ثماري الشهية.
***
كن زهرةً على صدري
أنا أحب! أنا أحب
ولا اخفي حبي
ولا أنكره
حتى لو انتزعوا بالسكين
كل شاماتي.
اعطني يدك يا حبيبي
ولنرحل الى الحقول
لكي نتبادل الحب
أو نتهاوى معا تحت الطعنات.
تعال
وكن زهرة على صدري
لأتمكن كل صباح
من إنعاشك بقهقهة مني.
تعال لكي أتلمسك
لكي أضمك
أنا نسمة الليل التي
ستموت قبل الفجر.
***
أزهار سرية
هل الحب نور؟
أتراه نوراً عنيداً
أم مصباحاً
أحلم في بحيرته الشاحبة
بقصص العشق القديمة؟
أم ومضةً
أم برقا يأتي اليّ من بعيد
نازلا من جبل معتم؟
أترى حبي نجمات عالية قصيّة
تسطع عليّ بشموخ؟
آه حبيبي
جدها واجمعها لي
نجمةً نجمة
بتلة بتلة.
***
رسالة
مذ ملكتَ قلبي المغرور
انقلبت قوانين العالم القديمة كلها
بات يحلو للزهو أن ينحني لكَ
وللكبرياء أن تحتجب أمام عظمتكَ
وللحسد ان يتحول خفراً وحياء
صارت هزائمي تهلل لنصركَ
وثرواتي تنشد الفقر هازئة
إما الخطيئة والسماح والقلق والخفّة
فتفتّحت جميعها في زهرة واحدة
في وردة كبيرة تركض في دمي
وردة تدعى الحبّ.
***
أغنية
لو لم أكن أحبّ، لو لم أكن أحبكَ
لمَ يتفتّح الربيع إذا في قلب الصيف
وشمس الشتاء حريق؟
لمَ السماء ذاهلة الى ما لا نهاية
لو لم أكن أحب، لو لم أكن أحبكَ؟
لو لم تكن تحب، لو لم تكن تحبّني
لمَ إذا كل ما من حولك
ينحني أمامي بحنان:
عابرو الطريق والمنازل والأرصفة والثلوج؟
لو لم تكن تحب، لو لم تكن تحبّني؟
ولو لم يكن واحدنا يحب الآخر
لمَ لا تحصى النجوم؟
لمَ الليل والنهار شهيان
والكون عذبٌ وديع
لو لم يكن واحدنا يحب الآخر؟
***
حبيبي
تحرثني
وترمي بذرة الشوك
بين فخذيّ
فأمتلئ
بضراوة ناركَ
ثم أتلوّى في دمائي
وأطردكَ
من هيكلي المفتوح
هكذا أحبكَ
وتحبّني.
***
لا شيء مثلكَ يوجعني
I
أنتَ عزائي الأنقى
وملجأي الوحيد
أنتَ أفضل ما لديَّ
لأن لا شيء يوجعني مثلكَ.
لا، لا شيء يوجع مثلكَ
تحرقني كثلج ونار
تخترق روحي كسلاح قاتل
لذا فإن أفضل ما لديَّ
هو أنتَ.
II
كيف يمكنني ان أعلم اذا كان صوتكَ جميلاً؟
جلّ ما أعرف أنه يجعلني أرتجف كورقة
يمزّقني ويكسرني...
ما أدراني بتفاصيل بشرتكَ وجسمكَ؟
يروّعني فحسب أنها ملْككَ
أي لن يهنأ لي عيش
قبل أن أجعلها
ملْكي.
***
كيف اسمّيك؟
من صحرائي أتأمل مدى البحر
واراه مركبكَ جانحاً صوب الرمال
أناديك بلا انقطاع صارخة
لكنكَ لا تأتي لا تخمد أحزاني
فأي اسم أعطيك لكي تعرف
إني أناديك يا حبي اللذيذ؟
ومتى تقع في راحة يديكَ
عطايا وحدتي السرية؟
***
لقاء
آه حين تكون بعيدا
ولا يتلفظ احد باسمكَ
حين أطأ أينما ذهبت
فراغاً معتماً جليدياً
أتوهم انك محض حلم
وُلد من توق هلوساتي
واني منحت ذاك الحلم حياةً واسماً
وأعطيته وجهكَ وجسدكَ
ولكن حين أعود فأراكَ
وتخترقني من جديد صاعقة كلماتكَ
حين احني رأسي على كتفكَ
واسمع نغمة صوتكَ
اعرف آنذاك ان كل ما عداكَ ليل
وكوابيس سأنساها قريبا
اعرف انكَ سترفعني الى الضوء
وستؤوي فيك حياتي وأيامي.
ملحق النهار
الأحد 9 شياط 2003