مرة أخرى نعود إلى الشعر البرتغالي الذي قدمنا بعضاً من أسمائه منذ أسابيع قليلة. في هذه المختارات التي نقدمها هنا، ترجمات لكل من الشعراء: أوجينيو دي أندراد، أنطونيو أوزوريو، بيدرو تامين، جوزيه أغوستينيو باتيستا، جوون ميغيل فرناندس جورج.
ولد أوجينيو دي أندراد العام 1923 في (بوفوا دا أتالايا) ويعيش في (بورتو) منذ العام 1950. حاول دي أندراد، على الرغم من بقائه في التقليد الشعري الغنائي البرتغالي، أن يبدع لغته الخاصة، التي مارست تأثيرها على جملة من الشعراء الذين أتوا بعده.
يعتبر أنطونيو أوزوريو (مواليد العام 1933) شاعر الحياة اليومية وهشاشة العالم، كذلك حاول أن (يكتب ذبذبات العاطفة والذاكرة الصغيرة)، مع الاعتناء الكبير الذي يفرده لأسلوبه الكتابي.
في العام 1934 كانت ولادة بيدرو تامين، الذي نقل أهم كتّاب فرنسا إلى اللغة البرتغالية.
يفترق شعره عن كل الأساليب البرتغالية في الكتابة، من هنا يبدو تأثير الشعر الفرنسي واضحاً في كتاباته.
ولد جوزيه أغوستينيو باتيستا العام 1948 في مادير وعاش في لشبونة. نقل إلى البرتغالية العديد من الشعراء الإنكليز والأميركيين. يصف شاعر البرتغال الكبير أنطونيو راموس روزا شعر باتيستا بالقول: (في شعره، ثمة تجذر بمسقط الرأس، لا نستطيع أن نبعده عن غيابه عن هذا المكان المليء بالحنين).
يتميز شعر جوون ميغيل فرناندس جورج (ولد العام 1934) بغنى موضوعاته وتنوعها، لدرجة انك تجد في قصائده كل الأساليب الكتابية البرتغالية المعاصرة، التي عرف كيف يصهرها لدرجة انه لم يبق منها أي شيء.
يحترق الجسد في الظل،
يبحث عن النبع.
أعرف الآن
أين يبدأ الحنان
أعترف
بشجرة النار.
عرفت صحراء
الكلس.
جذور الكتّان
كانت قوتي
كانت عذابي.
بيد أنني كنت أغني.
لدرجة أن الليل صعد حتى الينابيع
وأنا عدت صوب المياه.
حين تبدو العاطفة
متعبة من وظيفتها،
وحين النعاس أكثر المراكب تأرجحا
يتأخر زيادة
حين تنبثق عيناك
زرقاوين
وتبحثان في عينيّ عن سفر مطمئن،
عندها، أكون أحدثك بكلمات
حائرة وقاحلة،
كلمات مدهوشة بالصمت.
****
يكتبون على الشارع:
يجمعون
الكلمات بحذر.
يستلونها
لفظة وراء لفظة،
يختارون، يجمعون،
يتممون،
يضربونها
بخفة على ظهرها
ومن ثم يتابعون.
مطارق خشبية،
تعرق
تواقيعهم.
أكثر من الضباب
أكثر من الضباب.
في سحب
ممتصة.
حشرة ثاقبة
لا بل واضحة.
بيدرو تامين
أتكلم...
أتكلم. أحدثك عن ألوان زرقاء، خضراء،
محاولات، عظايات، هواء ناعم،
أقول لك نفقات ورغبة، أقيم،
أنبه، أكلمك أينما شئت
وأسقط. أسمع نشيدا
عند صدغي الشتاء؛
صفير، محيط، انه جبيني.
عالياً على الأرض
عالياً على الأرض الكثيفة
لا يبكي أي طفل.
تكلمت كثيرا، تضاعفت
ولم يسمعني أحد هنا.
أعود لأشعر، أتيقن أخيرا
بأن غياب الضجة
أقل من الصمت،
لا أحد يستطيع أن يهزمه:
يغلّف، يغرق، يشعل،
مثل حارق حيادي،
الصوت الذي يخاطر أكثر من غيره
والعدم الذي يعود في كل شيء،
بصوت واحد بدءا من الآن،
هم مخالفو الزمن القديم،
ها هم يتحدثون: اسمعوا،
انتم الذين بلا آذان.
******
ثمة ألم بلا نهاية في بطء النهار.
ثمة عصفور موت في أغصان هذا النهار.
تعكس هذه الورقة غياب أوراقك، إنها
بيضاء ووجهك أبيض
وحلم.
ثمرتك ثمرة مقتولة تطهر
دروب النهار.
ستتحقق إرادتك في هذه الأرض وسط
السماوات
وسط النهار.
يقودنا هذا الشهر إلى الخسارة.
بقي القليل في زمن الكريستال وفي كل
موجة
لا نعرف تحديد أي نسيان.
معطفك، أيها البحر، بارد كوجهك الأعمى.
ليس الأزرق سوى أبي هول محنط.
عندما أجلس هنا، واقفا أمام أطرافك،
ينزف قلب فوق الأفق،
مدمى بالحنين.
ثمة، في مكان ما، مدينة تتلبد فوقها الشمس.
في عمق الأكواريوم، ينعس الكائن الغريب
من النزع.
*******
مياه النهر
لا تجيد التخلص من اخضرار
الطمي السائل. يغللها
الضوء بالبياض،
غصن طويل ينثني
على المركب الفارغ، المضموم
بحنين أخضر
عميق جدا.
إنني بين الجدران...
إنني بين جدران الحديقة.
هناك ثلاثة أنواع من الكائنات: الأحياء
الموتى والبحارة.
تقريبا، تطفو شجرات النخيل.
أسير بمحاذاة جدار الطمي.
من حديقة إلى أخرى (لتتبارك
نجمتها) متبعا انحدار الدروب
محاطا بأشجار نخيل شاهقة في كل مرة.
أسير فوق الدرب حيث تنمو الزهور.