صدرت رواية ماركيز لسيرته (مذكراته) بلغته الأصل عام 2000 تحت عنوان ماركيزيّ بامتياز Vivir Para Contarla (عشتُ لأروي). يعني أن يعيش المرء الحياة ليرويها كأنّه ليصقل مرآة فعل الكتابة عينه موضوعاً للسرد. وقد احتفل العالم اللاتيني بالحدث كما يليق بعملاق أدب حي. وصدرت خلال أشهر ترجمة عربية لجزء من المذكرات من دون ان يكون للمسألة وقع الحدث في الحقل الثقافي عندنا. مرّ الكتاب سلعة بين السلع. وفي بداية الموسم الثقافي، أوائل الخريف، وقع دور الاحتفال على العالم الغربي فصدرت ترجمات كاملة. وبدأ العيد: تحقيقات في كبريات الدوريات. شهادات لكتّاب كبار وأصدقاء. مقالات لاستعراض ظاهرة أدبية ملأت الدنيا وشغلت الناس. بحث ميداني لجمع تاريخ شفهي من ذاكرات العديد من أصدقاء "غابو" وأقربائه ومعارفه. هكذا، من "نيويورك تايمز" إلى "لوموند" مروراً ب"باريس ريفيو"، تردّدت أصداء الحدث مناسبةً لقراءة هذا الذي يدعى غابريال غرسيا ماركيز، حياةً وفعلاً كتابياً وآيةً أدبية عظمى تسعى بين الناس.
يبدو ان الحلم، بنتيجة معاكسة لسياق التطور التاريخي للمصطلح في معناه ومبناه، بات فضيلة أوروبية، في حين تبقى لنا ما يضادده في الخُلق والاشتقاق، أمور مثل النزق واللجاجة واستعجال الصفقة. مرّت السيرة الذاتية لماركيز بالعربية، بعد أسابيع قليلة من صدورها بالاسبانية من هنا، في مثل خلسة، بالتدريج، على دفعات. مرة من الشام، وأخرى من أرض الكنانة. مرة فصلا في جريدة، وأخرى في جزء من هنا ثم في جزء آخر من هناك، وتردد الصدى في قفر. لكنها السيرة نفسها تصدر أوروبية في مثل دوي. حدث أساسي في عالم الأدب له صفة الشمول من حيث صدور الترجمة كاملة وشهادات الأصدقاء واستقصاء التاريخ الشفهي لصاحبها. يواكبها احتفال احتفائي ب"غابيتو" وما فعله لفن السرد الروائي يقيمه أساتذة نقد وثقافة في كل مربع من مرابع الصحافة التي أحبها غابو حتى الولع وفي تربتها "تعشق" جذور اللغة والواقع والحياة معا من دون أي كبح لنوازع الكتابة وشرطها النهائي: الحرية. وها سيل مقالات وتحقيقات غير مستندة إلى إنشاء استيحائي ولا إلى فرض إخباري وإنما إلى رصد الشرارات الساطعة التي قذفها ماركيز في فضاء الأدب نجوما استقرت في مدارها جاعلة منه الرجل الحي والجالس في الوقت نفسه فوق تخت الزمن الكلاسيكي للأدب في شهرة عهد قديم.
إنها سيرة "حيوات" مندفعة الجريان لتصب في نهر الكتابة الدافق. تنبعث فيها الأمكنة من أوهام الذاكرة أو من بقايا عيان لم يعبأ به التاريخ أو من عهد حديث كأنه لم يُعرف لها ماض (الساحل الكاريبي، آراكاتاكا، بارانكيا، كارتاجينا...)، والأهل والأقرباء كأنهم كائنات الواقع السحري فقط ليكونوا موضوعات سرد روائي تطنطن له الدنيا، والعصبة المشاكسة من أصدقاء الفتنة الأدبية المتسكعين ما بين غرف التحرير في صحيفة "الهيرالدو" واللقاءات العاصفة في مكتبة "الموندو" وصولا إلى المقاصف والحانات وعالم الليل الخرافي كأنه الفردوس الرابخ في وحول الأرض.
فوينمايور المستهتر، ذو الحس الساخر، صائد الأخطاء في أدغال اللغة، وأوبريغون، آكل الجداجد وأعظم رسامي كولومبيا، وخيرمان كانتيو، الناقد الدقيق واللاذع صاحب النثر الخدوم الذي يقنع القارئ بأن الوقائع تحدث لأنه هو الذي يرويها فقط، وألفارو ساموديو المثقف الأشبه بغجري الذي له عينا مجنون لا تخفيان سهولة الوصول إلى قلبه، وخوسيه فيلكس الأقرب إلى نفس غابو، الى طريقته في الحياة وثقافته الكاريبية، صاحب المبدأ الأساسي القائل بأن الفرق الرئيسي بين الحياة والأدب محض خطأ بسيط في الشكل، ويعتبر ماركيز ان كلمة ألفارو "جميعنا خرجنا من خوسيه فيلكس" ومضة صائبة.
رواية الروايات
يروي غابو كيفية تشكل الجماعة التي كان يقال عن أفرادها بسوء نية أنهم أبناء الأب نفسه، إنها العفوية وقوة الجاذبية والاستقلالية والميل الجامح والتصميم الخلاق الذي يشق طريقه بالمناكب، وهذا كله تبدّى في مغامرة إصدار "كرونيكا". ولا يمكن، في خضم السرد الماركيزي أيا يكن، فصل الوقائع التاريخية عن حمى الكتابة والأدب، أو فصل الأحداث عن سود الصحائف، أو جيشان صدور الكائنات البشرية (يتساوى في متونه منها العين والدون، الشريف والوضيع، السيد والنذل، الكولونيل والفلاح...) عن اللغة وإيقاع السرد الذي يتبدى في كل مناسبة روائية ترياقا منسكبا في نفس القارئ كأنه ليوطن فيها منظومة software الواقعية السحرية من دون معرفة إمكان اقتلاعها (فوغيه، قالها في معرض التحذير من خطورة قراءة ماركيز). السرد هو الحياة في عينها التي "تعاش لتروى" بل "كيف نتذكرها لنرويها"، على ما يقول غابو في الترويسة التي يصدّر بها سيرته. انها إذا رواية الروايات حيث نقرأ، عبر متابعة السيرة، الوقائع التي شكلت الجذور التي منها نبتت النصوص الروائية على مدى عمر موّار. ويمكن المرء ببارقة خاطر ساطعة أن لا يرى ثمة فرقا، في كل أعمال غبريال غارسيا ماركيز، بين فن السرد الروائي وأحوال الأيام والقدر المتربص بالفرد كأنه ليتخذه خالصا لوجه الأدب حتى انه لم يدرك فلسا مدى حياة بأسرها إلا بواسطة آلة الكتابة.
لنذهب إلى الإحتفال الذي دهمنا لأن الحدث مر في ساحة النشر العربية اعتمادًا على النشاط المحموم لبعض المترجمين (إحدى هذه الترجمات كانت من مراجع هذا التحقيق وهي "عشت لأروي" ترجمة صالح علماني) من دون إلقاء الضوء على بعض الشهادات اللافتة التي واكبت صدور الطبعة الإسبانية وطال حِلم الأوروبيين (الفرنسيين بشكل خاص) في كشفها لتواكب صدورها بلغاتهم عندهم.
شهادات تكتب السيرة
أهم هذه الشهادات ربما كانت تلك التي رواها ميلان كونديرا عن لقائه بماركيز (وكورتازار وفوينتس) أواخر عام 1968 وكانت الدبابات السوفياتية تختال ببروجها المدرعة في شوارع براغ. تمت زيارة كتّاب أميركا اللاتينية بناء لدعوة من أصدقائهم التشيكيين "ليروا ويفهموا ويشجعوا زملاءهم". وقتذاك قرأ كونديرا "مئة عام من العزلة" فافتتن. "فكرت، قال، بالحِرم الذي أطلقه السورياليون على فن الرواية بعد وصمه بأنه ضد الشعر لأنه مغلق على كل ما هو خيال حر. لكن رواية ماركيز ما هي إلا خيال حر. أحد أكبر الأعمال الشعرية التي قرأتها. كل عبارة خاصة فيها تتطاير منها شرارة فانتازيا، وكل عبارة مفاجأة. تأكدت ان الشعر والغنائية ليسا مفهومين توأمين لأن شعرية ماركيز ليس لها شأن بالغنائية فهي لا تثمل إلا بالعالم الموضوعي الذي يرفعه في كرة حيث كل شيء هو في الوقت نفسه واقعي وسحري وغير قابل للتصديق".
ويتذكر ألفارو موتيس لقاءه بصديق العمر منذ أكثر من أربعة وخمسين عاما في أمسية عاصفة في حي من أحياء بوكاغراندي بالأنديز. "أمران من سجاياه لا يمحوان صُدمت بهما: تفان شاسع ليس له حدود في الأدب، وبذل ذات بشكل محموم ومفرط ولانهائي من اجل الوقوف على الغرائب السرية للكلمات، ونضج رجولي بحس موزون لا يتزعزع وانحياز كامل إلى كل سنواته العشرين التي كان على وشك الإحتفال بها بحاجبي قرصان وقلب محمول فوق باطن كفّ مفتوح".
المناسبة لم يفوّتها "أقدم الديكتاتوريين" على كرسي الحكم، فيديل كاسترو، الذي كتب عن "صديقي غابو الذي كان يؤكد لي ان في أميركا اللاتينية والكاريبي لا يحتاج الكتاب إلى خيال لأن الواقع يتخطى كل اختلاق بحيث أن مشكلتهم تقتصر على أن يسعوا ليجعلوا هذا الواقع في عينه قابلا للتصديق. علّمني غابو آفة قراءة الكتب الأكثر مبيعا والقابلة للإستهلاك السريع لأنها الطريقة الوحيدة للتطهر من وثائق الحزب. واستطاع أن يقنعني بأن أكون كاتبا عندما أولد مرة ثانية".
المفاجأة سجلتها سيلفانا باترنوسترو (باريس ريفيو) التي أمضت في نهاية العام 2000 شهورًا في ترحال عبر أميركا اللاتينية خصوصا في الأماكن التي ولد فيها ماركيز وشب وانطلق، وذلك من أجل عقد لقاءات مع أصدقاء وأقرباء عرفوه عن كثب، وكانوا أسخياء بذكرياتهم عنه في الجلسات الأليفة التي جمعتها معهم. أقرباء آراكاتاكا، أصدقاء سوكر، بعض رفاق حانة جابي، زملاء المهنة في بوغوتا وصحيفة "الاسبكتادور"، واللائحة طويلة ضمت إليها أيضا نقادا وأدباء وشعراء حكوا ما سمّته باترنوسترو "تاريخا شفهيا" لصاحب "مئة عام من العزلة". والنتيجة صفحات كأنها المرايا الخلفية لغابيتو " ذي المُخيْن" كما كان والده يقول عنه وقد كان صبيا يلهو.
كان غابو صبيا صغيرا عندما أخبروه ان في قاع جرة الماء الفخارية يعيش العديد من الجن، فما كان منه إلا أن ذهب إليها مادا يده بعد تفريغ الماء باحثا عنهم بفضول لا تعوزه جرأة (داكونتي من آراكاتاكا). عندما عاش غابو في بارانكيا كان يعمل مثل شخص مخبول مرتديا ثيابا غريبة فتعوّد الناس أن يدعوه tropito يعني غلاما رث الثياب (أوللوا، أحد الأقرباء). تأثرت المجموعة بفولكنر، حتى ان ألفارو ذهب إلى عمق الجنوب الأميركي لكي يراه. تعوّد أن يجلس على مدخل بيته مغرقا في الشرب إلى أن يبدأ بمساءلة نفسه عما سيقوله لفولكنر عندما يقابله وجها لوجه. بعدئذ، تفوح منه الرائحة ويقرر المغادرة (إيرازو، شاعر ورسام عمل مع ماركيز). تجدر الإشارة إلى أن ماركيز اكتشف عبر قراءة فولكنر، الذي تأثر به في العمق، ضعف الرواية المحلية وبات تفكيره بها في أفق آخر. استأجر غابو غرفة في ماخور يفصله عن صحيفة "الهيرالدو" التي كان يعمل بها "عملا مهما بأبخس الأجور" قارعة طريق. هناك وجد هدوءًا كافيا ليكتب الكثير من المسوّدات (جينيت، عضو مشارك في إنشاء لاكويفا، شبه حانة باتت ملقى الجماعة). كان مفلسا في أكثر الأمسيات، يأتي متأبطا مسوّدات "مئة عام من العزلة" فيقول البعض "ها قد أتى المتسكع ليحدثنا في الأدب". كان يشرب قليلا جدا منصرفا إلى الإنصات للقصص التي نحكيها ليكتبها لاحقا (سكوبل، مصور في لاكويفا).
كنا في الاتحاد السوفياتي مدعين اننا برفقة فرقة كولومبية موسيقية لأنهم لم يعطونا تأشيرة. استيقظ غابو ذات صباح وقال لي: "مايسترو، أنا حزين جدا، حلمت بأمر ممض". سألته وماذا يكون ذلك، فقال: "حلمت بأن الاشتراكية لن تنجح" (مندوزا، صحافي وديبلوماسي). التقى غابو بمرسيدس (زوجته المستقبلية) عندما كانت فتاة صغيرة. دخل مرة صيدلية أبيها وكانت في الحادية عشرة من عمرها وأخبرها "سوف أتزوج منك عند بلوغك سن الرشد". بعد سنوات قال لها: "يجب أن تتخذيني زوجا لأنني سوف أصبح في غاية الأهمية". كانت تعرف كل شيء منذ زمن بعيد (إيليو، مخرجة أفلام إسبانية، "مئة عام من العزلة" مهداة إليها). ويقول سانتياغو موتيس، صديقه المقرب، الشاعر ابن ألفارو، عن الفترة التي أمضاها ماركيز في باريس أواخر الخمسينات، ان باريس أعطته مخاضا قاسيا وطريقة لمساءلة نفسه في كيفية ما سيكونه ويفعله. لقد وقع انبطاحا على الوجه معرِّفا حاله ما كانه على الدوام: رجل من بارانكيا، من كارتاجينا، من آراكاتاكا. بعدئذ، اصطنع غابو ذاته وهو يحكي القصة الآن أدبية، الأمر الذي لا يعني انها حقيقية.
كان المنزل الذي ولد فيه ماركيز مغطى بالنبات المعترش وفناؤه بالعشب البري عن آخره عندما أعلن في "الإسبكتادور" انه فاز بجائزة روميللو غاليكوس الأدبية وقيمتها مئة ألف دولار وهبها إلى السجناء السياسيين. ثم فاز بجائزة أخرى أعطاها أيضا لبعض المساجين. كان منزله خربا، وبلدته في حاجة إلى قناة ري ومدرسة، لكنه أعطى المال إلى شعب آخر ( زاباليتا، مؤلف موسيقي من كولومبيا).
لم يعد قط إلى آراكاتاكا. ظهر ذات ليلة في منتصف الليل في سيارة ذات زجاج ملون. قاد حول البلدة مع بعض الأصدقاء، لكنه لم يعد أبدا إلى آراكاتاكا (إمبريا داكونتي، من عائلة قديمة الصلة بماركيز).
قرأ ذات ليلة في شقة ألفارو صفحات من مسوّدة. تأثرت جدا وقلت له: "اقرأ المزيد، ماذا حدث بعد ذلك؟ "فروى لي بعدها قصة "مئة عام من العزلة" بكاملها. أذكر انه روى لي خبر قس يرتفع في الهواء، وصدقته قائلة لنفسي ولماذا لا يرتفع قس في الهواء؟ بعد انتهائه نت رواية الكتاب قلت له:" إذا كنت أنت الذي كتب هذا فإنك تكون قد كتبت التوراة". قال: وهل أعجبك. قلت: انه مدهش. فقال: إذا هو لكِ. وأعتقد انه رآني مصغية ببراءة عميقة فقال في نفسه: أنا في سبيل إهداء الكتاب لهذه البلهاء (ماريا لويزا إيلليو).
انه متشبث برؤياه لا يتزحزح، أمضى عشرين عاما وهاجسه "مئة عام من العزلة"، بعد إنجازها أرسلها إلى الأرجنتين والمكسيك وإسبانيا، والثلاث رفضتها. انها ليست مهمة، ونصحه الأرجنتينيون بتكريس نفسه لأمر آخر (سكوبل). لكن الرواية نشرت أخيرا في بوينس آيرس عام .1967 نجاح صاعق قدره ثلاثون مليون نسخة. بعد أسبوع من صدورها سافر غابو إلى العاصمة الأرجنتينية في صفته عضو لجنة تحكيمية في مسابقة للرواية. عندما دخل المسرح، يقول موتيس، تمّ تقديمه مؤلفا للرواية، فهب الجمع وقوفا مرحِّبا به بتصفيق حار. هناك، في ذلك المكان وبالكيفية التي حصل فيها الأمر، بدأ كل شيء ولم يتوقف من حينه. العالم أتى إلى قدميه.
التقط ماركيز التقليد الشفهي في الكلام في لحظة حاسمة لينقله إلى الأدب. أضاف الجمال إلى الواقع عبر اللغة. كان مندفعا لا من أجل مال ولا تعقبا للجوائز إنما ليروي قصة الحياة نفسها من البداية إلى النهاية. قصة الذين هم كل شيء، أهله، عائلته، أرضه، أصدقائه. ثقافة البوب هي أم الفن وأبوه، وهذا هو غابو (موتيس).
كانت مرسيدس، زوجة غابو، تتولى الرد على الإتصالات عندما ذهبت إلى بيته بعد سماعي نبأ حصوله على جائزة نوبل (1982). كانت عبارة "تهانينا" معلقة بأحرف كبيرة على الباب، وكانت لديه تلك العينان الكبيرتان الجاحظتان مفتوحتين كما لو انه في بُحران الهلوسة (إيلليو).
أصيبت كولومبيا بالجنون.
بات ما يقوله ماركيز هو الأدب الكولومبي وما لا يقوله بات من الصعب قبوله. صار الظاهرة التي لا يدانيه فيها أحد. ليس مرة خرجت مع أوكتافيو باث، تقول إيلليو، بل ألف مرة من دون أن أرى أناسا يفاجئونه بالمعانقة والتقبيل أو لسؤاله هل هو باث أم لا. أما مع ماركيز فكان الأمر يحصل على الدوام. أتت الأيام التي صار فيها غابو يتباهى باستطاعته مهاتفة تسعة رؤساء دولة من دون تكليف. بات كلينتون صديقه بعد ليلة مشهودة. كان قد طلب من شيلسي تدبير اجتماع مع غابو. أعدت مائدة خاصة اجتمع حولها، إلى كلينتون وماركيز، فوينتس وهيلاري وبعض الأصدقاء. يروي وليم ستايرون، أقرب الكتاب الأميركيين لغابو، بعض التفاصيل. أدخل غابريال وكارلوس الحديث مع كلينتون إلى مسألة حصار كوبا. كانا كلاهما متحمسا حول الأمبارغو. وكان الرئيس الأميركي يقاوم الدخول معهما في الحوار. الديبلوماسي بيل ليور طلب الانتقال إلى موضوعات الأدب فسأل (هو أو كلينتون) الحاضرين أن يذكر كل واحد منهم اسم الرواية المفضلة عنده. أضاءت عينا كلينتون بعدما بدتا للحظات كالزجاج. فوينتس قال: دون كيخوته، وغابو: الكونت دو مونتي كريستو، ولم يكتف كلينتون بالقول ان روايته المفضلة هي "الصخب والعنف" لفولكنر، بل مضى تاليا مقطعا طويلا من الرواية بالحرف، ثم تحدث عن قوة فولكنر وشدة تأثره به. اندفع بعد ذلك ماركيز كاشفا عن أثر فولكنر عليه أيضا وانه بوحي من قراءات رواياته انطلق في الكتابة بعدما كان يراوح في صوغ الكلمة الواحدة.
لا يمكن أن يكون لنا في العالم الاكلو الانكلوسكسوني مثل ماركيز، ليس لدينا مثل هذا التقليد أن يكون الكاتب مبجلا إلى هذا الحد، يقول ستايرون.
وتعبّر القصة التي يحكيها جينيت عن القريحة الملتهبة التي تلقي غابو على الفور في غمرة الأدب في الحين الذي يقبع فيه الآخرون في انتظاره. التقينا في منزل ألفارو. عانقني غابو قائلا: هؤلاء هم أصدقاء الطفولة. كان خوان غوسان، صاحب الشأن الأكبر في الصحافة الكولومبية، حاضرا، فقال لغابيتو: مايسترو، دعني أجري معك مقابلة. فأجابه ماركيز:"أي نوع من الصحافيين أنت؟ ماذا تريد أكثر من ذلك؟ لديك القصة كلها أمامك مباشرة، فقط خذها. ها هو صديقي منذ كنا أطفالا. هذه هي قصتك
ملحق النهار
30 تشرين الثاني 2003