أخي وصديقي يوسف
البقية بحياتك أنت أيضاً
أقف عاجزاً حيال كتابة كلمة واحدة ، واحدة فقط .لأنني كنت أدري أن ثمة أحداً سيخبرني بموت بسام حجار الذي تأخرنا الإحتفاء به وهو على قيد الحياة ، تأخرنا في النظر إليه أو قراءة كتاب من كتبه . نادم على دعوة، لم ألبّها، تلقيتها منك ومنه للذهاب إلى صيدا ،ذات سفرة بيروتية، إلى بيته لشرب العرق وقضاء ليل تحت سماء المدينة التي أعرفها من الأساطير أكثر مما أعرفها من الخرائط ودروس الجغرافيا. وبما أنني أندم كثيراً على أشياء تحدث معي سأعود في نفس اليوم إلى دمشق لأرتب حقائبي عائداً بخفي حنين إلى بيت الزوجية المقدس في المهجر .صدفة أن ترسل إلي خبر موته وأنا أستمع لعزف جنائزي على البيانو للإسباني خوسيه كاريراس ابن برشلونة.وماذا عن ابن صيدا الشاعر الذي سحرني حزنه . الحزن الذي تتساءل من أين يأتي به كله إلى الشعر في الوقت الذي نذهب فيه لاختراع آلات ضرورية لحماية أنفسنا من التلف والمجازات التي تأخذ شكل منحنيات هندسية وحواف وأشجار خرافية حطمنا تحتها زجاجات كثيرة. ولشدة ما أراد أن يكون وحده، ذهب هكذا وكأنه يدحرج حجراً إلى قبره ، قبره الشخصي الذي عمره بالمفردات والنجوم . ولن أجد تفاسير لكل هذه التراجيديا الشعرية التي كانت تلح على استدراج حياة أخرى فيها ممالك لمخلوقات أليفة وظلال صحبتها أكيدة. وها نحن الآن نكتب عنه بلسان أجنبي. صفحات كاملة لم تفعل سوى أنها رثت تمضية الوقت والأمراض الخطيرة التي كان يعانيها.وهو لم يفعل سوى أنه كان يقيم شرحاً وافيا ًلإقامته الشعرية هذه التي كان يحسها على مضض ، والصور الكثيرة التي تركها كانت كلها بالأبيض والأسود، أحببت فيها الإحساس الغريب الذي تمنحه: زمنها القديم والحميم، على كل هذه الوحشة التي لا تضاهى بسام حجار واحد من مؤسسي الوعي الشعري الشقي، وكل تلك الرسوم المعمارية والزوايا والجدران والأواني والالتماعات التي تركن بين الأثاث المتروك على مهل، ما هي إلا اختزال بسيط لفكرة وحيدة اسمها العجز على التعايش بين أغراب لم يسمهم، وإلا ما سر كل هذا الرخام الذي يتمدد تحته جسد ميت، وما الوصف الخالص لسيرة كل شؤونها أن تمحي أي أثر لها وتكتفي بسفر بسيط بين البيت والجريدة.
نيوجرسي