العدد الاخير من مجلة "الحركة الشعرية" الفصلية التي تعنى بالشعر الحديث وبالشعراء العرب من مهاجرين ومقيمين في بلدانهم حفل بقصائد لما لا يقل عن 40 شاعرا وشاعرة معظمهم من العرب ومن من اقطار مختلفة مع نتاج اجنبي وترجمة لقصائد لكبار من الاسماء العالمية.
المجلة التي يصح الى حد ما وصفها بانها مجلة للشعر المهجري العربي الجديد ولشعراء مهجريين ومهجرين من بلدانهم ولاخرين من المقيمين فيها حملت كذك بعض الدراسات الادبية.
يصدر مجلة الحركة الشعرية في المكسيك الشاعر المهجري اللبناني قيصر عفيف ويتولى رئاسة تحريرها بينما يتولى محمود شريح امانة التحرير.
قيصر عفيف درج في السنوات الاخيرة على امضاء نحو نصف السنة في لبنان ونصفها الاخر في مهجره المكسيكي.
وفي العدد ثلاث دراسات واحدة عن الشاعر اللبناني شوقي ابي شقرا كتبها محمود شريح بعنوان هو "برناسيسة شوقي ابي شقرا..عبارة نسيج وحدها". الثانية وعنوانها "سقف الحروف" كتبها عبد الغني فوزي عن ديوان "اربعون قصيدة عن الحرف" للشاعر العراقي المقيم في استراليا اديب كمال الدين.
اما الموضوع الثالث فهو للشاعر اللبناني صلاح مطر وعنوانه "حوار مع شريف الشافعي..قصيدتي كعاهدة صلح مع الحياة" وفيها آراء للشاعر المصري.
اسماء الشعراء جاءت كما يلي: قيصر عفيف،يوسف الجباعي،عذاب الركابي،جريس ديكوك،خلدون البرغوتي،فاتن يوسف،عبدالله بيلا،رحاب حسين الصائغ،نزار الحميدي،أليس معلوف،امامة الزاير،احمد الدمناتي،حسن رحيم الخرساني،حنان بديع،عبد الرحيم حسن حمد النيل،بن يونس ماجن،حليم كريم السماوي،بشير ونيسي،ادريس علوش،حسين القهواجي،زياد كاج،روبير شربان،عدنان الاحمدي،فريد السعدني،لقمان محمود،جنان نويهض سليم،فاروق سلوم،صفاء دياب،عماد فؤاد،ايليا الهبر،الشريف حسن بوغزيل،منية بو ليلة،محمد فاهي،اكتافيو باث،حاتم النقاطي،خورخي لويس بورخيس،تهاني دربي،مثنى حامد.
ترجمة النصوص الشعرية المنشورة قام بها كل من منية بوليلة وقيصر عفيف.
القصائد كلها مع استثاءات قليلة هي قصائد نثر تتفاوت في الجودة وفي التمكن من الفن الشعري. وهي في غالبها خاصة في الاسماء الاقل شهرة والتي قد تكون لشعراء وشاعرات من جيل الشباب تعكس الانماط الشعرية السائدة حاليا.
وهذا القول وصفي وليس حكما ايجابيا او سلبيا. وحيث التجربة الشعرية حية حارة والقدرة على التعبير متوفرة فالشاعر يجعل من النمط السائد حالة خاصة. فالنمط ليس هو مقياس الحكم بل القدرة على الانطلاق من خلاله الى حالات انسانية وجمالية. ولو كان الامر غير ذلك لصح الحكم على كل الشعراء الكلاسيكيين انطلاقا من الجاهليين بالتساوي تقريبا في القيمة الشعرية لاتباعهم نمطا واحدا بشكل عام.
اولى هذه القصائد لقيصر عفيف وعنوانها "انا الغصن والشجرة". يبدأ الشاعر قصيدته بقوله "انا غصن هذه الثمرة،ليست الغابة غايتي بل السماء
"اسبح في المساحة الكبرى،اسافر واسكر،لا سياج يحدني،لا يباس،اسرع دون ان انقسم،ليس في حسابي سوى: سراج الرحلة،وسرج الوصول...
"انا الغصن لا انسى الجذور،انا الجذور لا انسى الغصون،انا لصيق بالشجرة،وانت؟"
قصيدة جريس ديكوك وعنوانها "الشتاء" ذات اجواء موحية مؤثرة وتأتي في هدوء يجمع بين الحزن وبين حقائق الحياة الدائمة التي تطل علينا باستمرار موحية بل موهمة بالجدة وبغير المألوف. تبدأ القصيدة على الصورة التالية:
"غدا يأتي الشتاء،مثل كل شتاء،يأتي بلا قلب،متعبا،مهزوما،يأتي الشتاء،مثل كل شتاء،غدا نفترق،وتسكن الاصداء،غدا يغسل المطر،كل الذكريات،وتختفي السماء،غدا تتفتت الكلمات،ترحل الطرقات،ويسهر في مواقدنا،البرد،والرماد."
وفي الجو نفسه تقريبا وبتصويرية بارزة نقرأها في قصيدة "الصمت" تقول "كالمجنون يطرق الصمت بابي،يطالب بحاضري وماضي وبغدي،يبدد اسراري،يقلب صفحاتي،يقتحم مراياي،ويسرق الوجوه،ويكسر الصمت اسراري،ويشرد كل الدموع."
اما فاتن يوسف وفي قصيدة "التقينا في حلم لا موعد له" وفي تصويرية رمزية وموسيقى نابضة تقول "بصباحات كفك الجريئة،تمزق ثياب الصمت،امد اطرافي لاتذوقك في نشوة مرعبة،لا مثيل لها،رغبتك مستلقية في النفس لا تعرف الانكسار،شيء ما في القلب يخبرني عنك،احبك كلما نبض القلب،احبك كلما تسارعت انفاسي."
في "حالات" يقول الشاعر التونسي نزار الحميدي في ايقاع بارز "لن اكتب شيئا،لن اكتب شيئا،لن ازرع في الغيمات الفكرة،لن اجلس في مقهى القدس،لن اتسلى بمرور الايام امام عيوني،وانا ارتشف القهوة كالبدوي النازح."
وفي قصيدة ذات جو قصصي عنوانها "الجد" قال الحميدي "أدرك الشيخ وهو يداعب ستين عاما على ذقنه،أن غول الحكاية مات اخيرا،وان الشتاء الذي يتهدد قريته بالسيول،سيجرفه،اغمض الشيخ عينيه وهو يحملق في تربة البيت،حين سألت عن الجدة الجازية...،غمغم الجد:،يا ولدي ليس لي ما اقول،قلت: نذهب في اثرها؟،اطرق الجد،يا جد،يا جد،يا جد،والجد ليس له ما يقول."
وفي قصيدة "عناية عائلة عاشقة" قال الشاعر المغربي احمد الدمناتي في تصويرية رمزية ايضا "زنبقة،الزنبقة التي انتعلت مظلة،من غيم كثيف،تتثاءب في الظهيرة،كسنجاب في الظهيرة،كسنجاب يفر من ذاكرة الحر."
الشاعر حسن رحيم الخرساني في قصيدة "عصافير المطر" يقول في ايقاعية واضحة متنوعة متغيرة "على اصواتنا،صوت غريب،في يديه قبورنا،وقبورنا،ذكرى على الابواب،تسمعنا..،وقبورنا،صوت ينام به المعنى،وفيه،يستريح الرأس،من قلق الذباب،ونار الصيف،واغنية الرئيس على دفوف الحرب،وقبورنا،كل القصائد،حين يدخلها السواد،بنبضنا...
"تابوت امي،والنخيل،وصمت بغداد الممزق،لنبض يكتب،وقبورنا ذكرى على الابواب،تسمعنا قال الصباح،ايهاالقمح العراقي انتظر،شاهدت تنور المدينة،يأكل الاطفال،والشجر اليتيم،والرطب."
ومع "عفوا ملهمي" لحنان بديع عودة الى ما يشبه النثرية في ما يراد به ان يكون قافية كما في عدم قدرة الاسطر على احداث ايقاع فعلي. تقول الشاعرة "عفوا ملهمي،لست من يغير في الحب عادة،كانت عادتي،ان المح في التجريح بعض الاشادة،ان ارى في النقصان،شيء من زيادة،كانت عادتي ان اتبنى في مواسم الحزن،اطفال السعادة،ان ابقى،على قيد حياتك،برغم كل اصناف الابادة."
من القصائد المترجمة قصيدة لخورخي لويس بورخس عنوانها "فن الشعر" ترجمها الى العربية قيصر عفيف. قال الشاعر "ان تحدق في نهر مجبول من الزمان والماء،وتتذكر ان الزمان نهر آخر،ان تعرف اننا نضيع مثل نهر،وتختفي وجوهنا مثل الماء...
"ان ترى في كل يوم وكل سنة،رمزا لكل ايام الانسان وسنواته،ان تحول سخط السنوات،الى موسيقى وصوت ورمز،ان ترى الموت حلما،والغروب كآبة ذهبية،هذا هو الشعر.. ابدي وبسيط،ويعود مثل الفجر والغروب.
"رويترز"