خصت مجلة «الآخر» في عددها الثاني الثورات العربية بملف جمع بين المراجعات النقدية والشهادات التي كتبها مفكرون ومثقفون من أجيال وبلدان عربية مختلفة. ومن المشاركين في الملف ومواضيعه: علي أومليل: هل الفرد اختراع عربي؟ مصطفى حجازي: ثورة الشباب وتحوّلاتها الثقافية، نجوى الرياحي: هل تغيّر ثورةٌ تُقصي مثقّفيها ونساءها تاريخ تونس؟ فوزية بلحاج المزّي: ... ولا بد للقيد أن ينكسر، آمال موسى: ومضات من جدليات الدولة والدين في تونس، ألفة يوسف: الانثوي في الثورة التونسية.
ومن الشهادات: علي محمد أسبر: الشباب الجامح: المفهوم والتمرّد، وائل قيس البوح بما نشتهي، تمام بركات: حياتي مسرح أربّيه في حنيني، عبادة تقلا: شباب التهمه القلق، رشا عباس: مولدي 1984 وعمري x، عبد الكريم بدرخان: نعبر الحياة دون أن نتأملها، تغريد عيسى قاسم: الشباب من الفعل الى الحشد، نبيل محمد: «لا» والذات: حقيقة كاتب شاب، وسيم إبراهيم: الحياة التي ورائي، نداء امريش: شباب لا تغيّره الشهادات العليا، أسامة عبدالحميد: حياتي اللحظة الفذة التي لا تنقطع، علي جازو: رغبة الجسد الحر، وائل الدنيا: جيل الأزمة أم أزمة جيل، سوزان المحمود: الطاقة المصادرة، أنور العوا: قضايا الشباب من وجهة نظر خاصة، عامر علي أبو عصى: روح الشباب، جعفر محمد العلوني: الحركة كمعنى للوجود، عهد كمال شلغين: مفهوم الشباب من وجهة نظر خاصة، نورس عجيب: الحقيقة المزيّفة، سامر عبدالله علاوي: الانترنت مندمجاً مع المسجد، وفاء خضور: المجتمعات الفتيّة المهمّشة، طارق مصطفى: شغل شباب، سامر محمد اسماعيل: أن تعيش الحياة على أنها سينما.
ديوان الشعر المصري
وضمّ «الديوان» ملفاً بعنوان» أربعة شعراء من مصر» وهم: إيمان مرسال، جرجس شكري، علاء خالد، محمد متولي وقد اعده وقدمه عبدالمنعم رمضان.
أما حوار العدد فبدا حدثاً بذاته وكان الكاتب صقر أبو فخرالتقى المؤرخ كمال الصليبي في حوار طويل وشامل حول مساره العلمي والتأريخي والثقافي وحول القضايا الاشكالية التي طرحتها كتبه.
وكتب الشاعر ادونيس باسم هيئة التحرير مقدمة العدد بعنوان : «هيام الانشقاق والرّفض» وهي تمثل مدخلاً الى قراءة حرة للثورات العربية. وجاء فيها: «يصدر «الربيع العربي» عن هيام عريق عند العرب، هو هيام الانشقاق والرّفض، ذلك الذي عرفه تاريخياً في جميع مراحله. فهو جزء عضويّ من البنية السياسية العربية.
وقد عبّر عن نفسه دائماً، وعلى نحو مباشر، برفض السلطة القائمة. لم يُعنَ بالمجتمع في ذاته، وإنما عُنِيَ بحكمِه، وبمن يتولى هذا الحكم. ولم يهتم بتغييره، إذ يفترض فيه أنه مجتمع كامل بالإسلام الذي ارتضاه ديناً وحياة، وإنما اهتم بانحرافات السلطة، أي بالقضاء عليها، وإحلال سلطة جديدة محلّها.
وكان جمهور هذا الهيام اثنين: الأول غير منظم، مجموعات من الافراد، تطالب بمزيد من الحريات والحقوق، دون اهتمام مباشر بالسلطة. والثاني منظم يعمل، أساسياً، على الوصول الى السلطة واستلام مقاليدها. وتؤكد التجربة التاريخية أن هذا الهُيام بقي حراكاً سياسياً – سلطوياً، ولم يتناول بُنى المجتمع العربيّ، إلا مع القرامطة، وكان ذلك أمراً عابراً واستثنائياً، وإن كان، تاريخياً، أمراً عظيماً.
ولا تنقصنا الأمثلة في العصر الحاضر: ثورات عبدالناصر، وحزب البعث في بغداد ودمشق، والقذافي، تمثيلاً لا حصراً. فلم تكن هذه «الثورات» إلا استحواذاً على السلطة، واستئثاراً بها، واتخاذها وسيلة لطغيان ثأريّ، على جميع المستويات. وهكذا أدت الى مزيد من الفساد، ومن التفكك، والانهيار.
يؤكد لنا هذا الواقع التاريخي أنه لا ثورة في المجتمع العربي إلا إذا كانت قطيعة مع ماضيه المتواصل: لا مع السلطة وحدها، وإنما مع البُنى والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والدينية.
ونعرف جميعاً أن تفكك نظام الخلافة في العالم العربي، أدّى الى نشوء أنظمة متعددة، استنسخه كلٌّ منها، تبعاً لأوضاعه وحاجاته ومصالحه، تاركاً نظام المجتمع كما هو: دينياً – قبلياً، ينهض على رؤية قروسطية، في كل ما يتعلق بالانسان الفرد، وبحقوقه وحرّياته، وبخاصة المرأة. وهكذا بقيت العلاقة بين الناس والنظام علاقة انتماءات وقرابات وولاءات، في معزل كامل مع الرؤية المدنية للحياة والانسان والمجتمع. ومارست هذه الانظمة طغياناً تأسس في جوانبه السياسية – الاقتصادية على «حرية وحشية»، حرية الامتيازات والاحتكارات، مقرونة بالتنكيل، والاقصاء، والقتل.
سقوط هذه الانظمة، إذاً، ليس ضرورة تاريخية وثقافية فقط، وإنما هو ضرورة انسانية. لقد عرف العربي في تاريخه القديم كثيراً من المهانة والإذلال، غير أن أوج هذه المعرفة يتمثل في تاريخه الحديث.
ولئن كان سقوط هذه الأنظمة أقل من الخلاص، فإنه على الاقل وعدٌ به. والتحية هنا، دائماً وأبداً، الى أهل هذا الهيام في عصرنا الحاضر الذين يفكّرون ويعملون، لكن يرتقون به الى مستوى الثورة. كان أليماً جداً خبر وفاة المؤرخ الكبير كمال الصليبي الذي اختتم حياته الكتابية بحوار نختتم به هذا العدد الثاني من مجلة الآخر. وهو حوارٌ يمكن وصفه بأنه خلاصة نفّاذةٌ وحكيمةٌ وشجاعةٌ لتجربته الحياتية والفكرية.
للخلاّقين وحياةٌ ثانيةٌ في أفكارهم وكتاباتهم. كمال الصليبي واحدٌ متميّز بين هؤلاء».
الحياة
الاربعاء, 09 نوفمبر 2011