في الوهلة الأولى يمكن أن تكون لهذه اللوحة، بالنسبة لمن يشاهدها لأول مرة، قراءات مُتعددة و مُختلفة، يمكن أن تطغى القراءة الأولى على الأخريات فتغيبها كلية عن الإدراك !
فعلى الرغم من أن المشهد العام للوحة هو مشهد تصويريّ طبيعيّ مقروء، لأحد المواقف اليومية البطولية للأطفال العرب الفلسطينيين العُزل في وقفتهم التاريخية أمام ترسانة العدو الصهيونيّ الغاشم، ألا أن الإدراك البصري للمشاهد لهذه اللوحة وعند مُحاولة التعرف على خصائص مشهدها العام و طبيعة جملة مُكوناته التفصيلية قد يتعثر ولو لهنيئة كتعثر، إن صح التعبير، أطفال الحجارة عند فزعهم من الطلق الناري المدوي وهمهم بالفرار من هجمة العدو المدجج بالسلاح ..
فتتنازع بصر المُشاهد و حسه و حواسه، في هذه اللحظات المُربكة ذهنياً، صور ومُفترقات و مُفارقات عدة قد تنبعث عنده من الشعور أو اللاشعور، وقد لا يعرف إلى أي معلوم منها سينتهي به المطاف، إلا عندما يقوده الإدراك إلى ماهية ما هو عنده معلوم ويمكن التعرف عليه ومعرفته و تشخيصه في هذه اللوحة !
فلو حاول المشاهد على سبيل المثال أن يتبين ماهية تلك الكتلة الداكنة التي تقع في يسار مشهد اللوحة و تحتل من تكوينها قرابة ثلث المساحة، لوجد صعوبة بعض الشيء في التعرف علي مكوناتها أو إدراكها من أول وهلة ! و السبب هو أن هذه الكتلة الداكنة تدعو المشاهد لقراءات مُختلفة؛ إذ يمكن للوهلة الأولى أن يتبين له أن هناك جندي صهيوني يختبئ متوارياً خلف حائط متين مُتكسر، ومن زاوية الظلام هذه التي تذكر بجبن الجندي الصهيوني وخبثه، و التي انصهرت فيها قامته وقامت أمثاله الذين تذكرنا بهم أقواس الخوذ المتكررة بالجدار الجامد، يصوب بكل ثبات و إصرار فوهة سلاحه الفتاك إلى صدر ذلك الصبي الأعزل القابع في وسط فضاء اللوحة المغمور بالنور، فاتحاً ذراعيه مرحباً بالشهادة ...
وفي قراءة أخرى مُختلفة : يمكن للمشاهد أن يرى في نفس الكتلة شيء مغاير و لكنه خفي على الإدراك الأول ؛ إذ أن كتلة جسم الجندي ابتداءً من زاوية كوع ذراعه الممسك بزناد البندقية مع استدارة قوس خوذته و قوس الخوذة الخلفية المجاورة وما بينهم من تفاصيل يشكلون في مجملهم رأساً أو وجهاً (هتلرياً) عسكرياً صلفاً ... !@
|