على مدى يومين، وبايقاع سريع ومكثف، وبمستويات متفاوتة، تتراوح بين الجدي والمعرفي، وبين الانشائي والشعاري، بين الجديد الطازج وبين القديم البائت، عقد مؤتمر المعرفة الأول في دبي وشارك فيه نحو 300 "أكاديمي" (بعضهم غير أكاديمي وبعضهم الآخر انطباعي، وبعضهم الآخر ارتجالي) قدموا اوراقاً، وتم التعقيب عليها. والطريف ان بعض المعقبين افاد أكثر مما أفاد "اصحاب الأوراق".
سننشر بعض الأوراق التي قدمت سواء ذات المستويات المرموقة، ام ذات الانحدار الى درك الاستهتار والخفة.
هنا مقاربتان تنتميان الى جدية التناول وعمقه، الأولى لعبده وازن والثانية لعبد الحسين شعبان.
*******
الوحدة والتنوّع الثقافي في العالم العربي
لعل المقترحات التي تقدمت بها لجنة مؤتمر المعرفة الأول في صدد التنوع الثقافي هي على قدر من الشمولية والالتباس بحيث انها لم تحدد المنطلقات التي يمكن من خلالها معالجة قضية "وحدة الثقافة العربية" القائمة على التنوع او على "ثقافات فرعية" كما تزعم ورقة المقترحات. هناك إذاً قطبان: وحدة الثقافة العربية ثم الثقافات الفرعية التي هي بمثابة دليل على تنوع الثقافة الواحدة نفسها. وتشير الورقة نفسها الى ان هذا "الاعتبار" سقط في امتحانات عملية عدة ليس على المستوى العربي العام فقط بل على المستوى الوطني في بعض البلدان العربية. هذا توصيف عام قد يتيح الانطلاق الى معالجة هذه "الامتحانات" التي نجم عنها سقوط الاعتبار المزعوم.
الا ان الورقة تمعن في تحديد اهم اسباب السقوط وهو بحسب زعمها "انكار التنوع في الثقافة العربية وانكار وجود ثقافات فرعية وأحياناً محاولة سحق هذه الثقافات". هنا يمكن وضع الاصبع على الجرح مباشرة، مع ان مثل هذا التوصيف يقتضي طرح أسئلة مثل: كيف تم انكار التنوع في الثقافة العربية؟ وأي جهة هي وراء إنكار هذا التنوع؟ بل من الذي أنكر وجود ثقافات فرعية وحاول سحق هذه الثقافات؟
وفي محاولة للاجابة عن الأسئلة التي تطرحها الورقة، لا بد من القول ان الوقت حان فعلاً لتطوير مفهوم "وحدة الثقافة العربية وتأكيد الأبعاد الانسانية لهذا المفهوم كي يتمكن من استيعاب التنوع الثقافي والثقافات الفرعية". أما السؤال هنا فهو: كيف؟
الرد على السؤال الثاني هو أجل، من الضروري والحيوي الاعتراف بالثقافات الفرعية واحتضانها والتفاعل معها ايجاباً. ولكن يطرح سؤال هنا أيضاً: ما المقصود بالثقافات الفرعية؟
القضية الثالثة التي تطرحها الورقة وهي ترتبط بمنهج العمل او الانطلاق. والسؤال هو: كيف نذهب بالتنوع الثقافي في العالم العربي والمجتمعات العربية الى مستوى القيمة المضافة بدل ان يكون قيمة سالبة؟ بل كيف نحوله من مصدر محتمل للأزمات الى مصدر اكيد للفني الثقافي والتماسك الاجتماعي؟
أعتقد بدءاً أننا عندما نقول "التنوع الثقافي" أو "الثقافات الفرعية"، فانما نحن ننحو منحى اثنياً وانتروبولوجياً. فالإثنية كما علمنا علم الانتروبولوجيا إنما هي عبارة عن كلية لغوية وثقافية وجغرافية ذات حجم معقول أو هي تعني كياناً معيناً مزوداً بثقافة اللغة وسيكولوجيا خاصة به. هكذا لا نستطيع ان نتكلم هنا عن الثقافة الا في مفهومها الانتروبولوجي الشامل، ما دامت تتعلق بالتنوع والثقافات الفرعية أو الفروع. وفي هذا المنحى تكتسب كلمة "ثقافة" اصطلاحين أساسيين لا ينفصل واحدهما عن الاخر نظراً الى ان الثقافة تتمثل هنا بالمطلق او في اشكالها المتصورة والمعاشة جماعياً.
ولئلا نوغل في النظرية الثقافية وهي ليست قصارى هذه الندوة التي شاء منظموها ان يكون الكلام ازاءها عملياً أختصر وأقول ما لا بد من قوله انطلاقاً ان الثقافة في هذا السياق هي مجمل معقد يحوي العلوم والمعتقدات والفنون والطبائع والقوانين والتقاليد. ولعلها أيضاً كل تصرف أو ممارسة يكتبها الانسان ككائن اجتماعي. الثقافة إذاً في المفهوم الانتروبولوجي هي أمر متلازم الوجود مع الوضع الانساني الجماعي، بل هي "صفة مميزة له" كما يعبر كلود ليفي ستروس، انها ايضا "ميزة عامة". هكذا تقارب مقولة "الثقافة" مقولة أخرى هي "الحضارة" وهي على هذا المستوى تتضح عبر استخدام تعابير مثل "تراث" و"تقليد" و"تراث ثقافي" و "إرث ثقافي"... تبدو الثقافة كنوع من "الرأسمال" الحضاري والروحي يكون المجتمع مستودعه و"الدولة" حارسه.
أود من هذا الكلام ان اخلص الى ان الثقافة تندرج في التاريخ كتنوع للثقافات. هذا ما يوصلنا الى الاصطلاح الاخر للكلمة، واذا كانت وحدة الوجود البشري تختصر في كثرة الثقافات او تعددها، فما الذي يمثل الاختلافات بين تلك الثقافات؟ يفيد علم الانتروبولوجيا ان ما يسمي ثقافة هو كل مجمل اثنوغرافي يند، عبر البحث الميداني، عن تباعدات دالة بالنسبة الى وجهات نظر أخرى، بل أبعد من ذلك، تستعمل عبارة ثقافة لجمع مجمل تباعدات دالة تتطابق حدودها بعضها مع بعض تقريباً، واستخلاصاً ليس ثمة ثقافة منعزلة، والديناميكية الثقافية لا تنشأ من تطورات داخلية بل من تفاعل دائم بين الثقافات. لكن كل ثقافة تتراوح بين الرغبة في الانفتاح على ثقافات أخرى والتوق الى الانغلاق على نفسها. ولا تستطيع اي ثقافة ان تؤكد خصوصيتها من دون ان تتمنى اظهار اختلافها قياساً الى الثقافات التي تقيم علاقة معها. هنا لا بد من استعادة مقولة "التثاقف" accultration التي تدل على الأواليات المعقدة للاحتكاك الثقافي التي تتعرض من جرائها مجتمعات أو مجموعات اجتماعية الى ان تتمثل او ان يفرض عليها تمثل بعض أو مقدار من الملامح الآتية من مجتمعات أخرى.
بين ثقافة المتن وثقافة الهامش
إذا سلمنا بمقولة "وحدة الثقافة العربية" التي تحتاج بدورها الى بحث مستفيض يوضح أبعادها ومراميها، فمن المفترض ان تشكل هذه "الوحدة" ما يسمى عادة ثقافة "المتن"، فيما تشكل "الثقافات الفرعية" بحسب ورقة الندوة، "ثقافات الهامش". ولئلا نغرق مجدداً في التنظير نستعرض ـ وفق ما تمنى المسؤولون عن الندوة ـ بعض أنواع هذه الثقافات في عالمنا العربي:
- أولى هذه الثقافات الفرعية المهمشة عربياً في رأيي الشخصي هي ثقافة الداخل الفلسطيني. ويمكن الحديث عن هذه الثقافة على حدة وبعيداً من الثقافة الفسطينية العامة، المنفية أو المقيمة (داخل أراضي السلطة). هذه الثقافة التي تعيش في حال من العزلة الشديدة تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي تحتاج الى الخروج نحو العالم العربي. وهي ثقافة قائمة بذاتها وشروطها على رغم تواصلها مع الثقافة الفلسطينية والعربية. يجب على الثقافة العربية في المفهوم "المؤسساتي" ان تهتم بهذه الثقافة وتساعدها على كسر عزلتها، خصوصاً انها تعيش مناخاً من الاغتراب أو الاستلاب ALIENATION الثقافي بين ماضيها وواقعها، بين تراثها العربي العريق والثقافة المفروضة عليها. وقد برز في الآونة الأخيرة جيل من الشباب الفلسطيني يكتب بالعبرية وليس بالعربية. وهذه مسألة خطرة نسبياً ويجب الالتفات اليها.
- من الثقافات الفرعية التي يجب احتضانها عربياً تلك الثقافات التي تسمى اقلوية، مثل الثقافة الأرمنية التي تحيا في حال شبه انعزال في قلب العالم العربي، لا سيما المشرق (لبنان، سورية، الأردن...) هذه الثقافة يجب الانتباه اليها عربياً، خصوصاً انها تملك أوالياتها وأشخاصها ومثقفيها وكتابها. وهي لا تزال شبه مجهولة عربياً مع ان بعض نتاجها الثقافي ينطلق من المناخ العربي.
وهناك أيضاً ثقافات اقلوية مثل الثقافة الأمازيغية في المغرب العربي التي نحتاج الى ان نتعرف اليها أكثر ونحاورها أكثر. هذه الثقافات الأقلوية تحتاج فعلاً الى فتح حوار مع الثقافة العربية ليس في هدف تعريبها وإنما لتأصيلها من غبر إذابتها أو تذويبها عربياً. فهي من الدلائل البينة على الغنى الثقافي العربي وعلى التعدد والاختلاف. ويجب عدم التعامل مع هذه الثقافات بصفتها "الاخر" أو "النقيض" بل بصفتها جزءاً مختلفاً من الذات. - الثقافة الفرنكوفونية والانغلوفونية: لقد فرضت هاتان الثقافتان نفسيهما على الثقافة العربية المركزية بصفتهما ثقافتين عربيتين ولكن بلغتين غربيتين هما الفرنسية والانكليزية. وقد تمكنت هاتان الثقافتان من البروز عالمياً تبعاً للغتيهما الغربيتين. لكنهما ما زالتا شبه غريبتين عن الثقافة العربية الداخلية مع أنهما تشكلان وجهين مضيئين لهذه الثقافة. صحيح ان هاتين الثقافتين هما نخبويتان، لكنهما مرتبطتان بقضايا العالم العربي وهموم الانسان العربي. وقد شكل بعدهما او جوهرهما العربي الميزة التي جعلتهما تتفردان عالمياً، حتى وان وقع بعض نتاجهما في ما يسمى "الاكزوتيكية". ولا بد من مصالحة حقيقية بين هاتين الثقافتين والثقافة العربية، فلا يشعر الكاتب العربي بالفرنسية أو بالانكليزية بأي غربة عن مصادر ثقافته الأم وعن جذور اللغة الأم.
- الثقافات الأصولية: ثمة ثقافات يمكن وصفها بـ "الأصولية" تعيش في عالمنا العربي ومجتمعاتنا وهي مثار جدل عميق واختلاف بين من يؤيدها ومن يرفضها. انها ثقافات الانغلاق والغاء "الآخر" (العربي) والتعصب وعدم التسامح والضغينة. وقد تحتاج هذه الثقافات التي لا يمكن تجاهلها الى جلسة خاصة، من أجل تفنيدها وتشريحها ومقاربتها انطلاقاً من النص الديني المرجعي نفسه.
- الثقافات الشعبية التي يتميز بها تراثنا وعالمنا المعاصر ولا سيما الأدب الشفوي في معناه الشامل. وهذا الأدب الذي طالما كان عرضة للنقد تبعاً لالتباسه النوعي واللغوي اصبح الآن معتمداً، خصوصاً بعدما اتسع مفهوم الكتابة. ولعل اعتناء هذا الأدب بالشكل واستخدامه الخاص للغة يمنحان النصوص المتناقلة شفهياً قيمة جمالية واضحة. هذه الثقافة الشعبية وهذا الأدب الشعبي يحتاجان فعلاً الى اهتمام خاص لأنهما جزء من الثقافة العربية نسها.
الوسائل والسبل
أما السبل او الوسائل التي يمكن من خلالها التقريب بين ثقافة المتن وثقافات الهامش فهي غير قليلة ومنها:
- وسائل الاعلام المرئي والمكتوب التي تستطيع ان تضطلع بدور أساسي على هذا المستوى من الأداء الثقافي. وهذه الوسائل الاعلامية، لا سيما الشاشات التلفزيونية الأرضية والفضائية تعاني مشكلات كثيرة بعدما جذبتها الثقافة الاستهلاكية، ثقافة الربح والتجارة تستطيع ان تؤدي دوراً أساسياً في الجمع بين الثقافات الفرعية وتعريف الجمهور بها وجعله على تواصل معها.
- دور النشر العربية يجب ان تؤدي دوراً عملياً علي هذا المستوى أيضاً، فتقدم على ترويج هذه الثقافات عبر نشر الكتب وترجمة الأعمال العربية المكتوبة باللغات الأجنبية التي تستحق الترجمة وتعميمها عربياً.
- اتحادات الكتاب والأدباء والنوادي الثقافية والجمعيات الأهلية مدعوة بدورها الى تبني هذه الثقافات ومناقشتها وتقويمها بغية اقامة حوار معها.
- وزارات الثقافة العربية المسؤولة عن هذه الثقافات، يجب ان توليها الاهتمام الكبير وتخصص لها حيزاً مهماً ضمن سياساتها الثقافية وتشرف على أحيائها وعلى إخراجها من عزلتها المحلية.
*******
التنوّع الثقافي في المجتمعات العربية مصدر غنى أم فتيل أزمات؟
تطرح مسألة التنوع الثقافي في المجتمعات العربية وخاصة منذ نشوء الدولة الوطنية عدداً من الأسئلة والتساؤلات المهمة، بما له علاقة بالسلام الأهلي المجتمعي ووحدة وتماسك الكيان الاجتماعي وأفقه ومستقبله إيجاباً أو سلباً.
السؤال الأول يتعلق بـ: هل أن الاهتمام بالتنوع الثقافي كان كافياً منذ عهد الاستقلالات، خصوصاً التنوع القومي والاثني والديني والطائفي والسلالي واللغوي في المجتمعات العربية؟ وإذا كان الجواب بالسلب، فسيترتب عليه بعض التساؤلات الأخرى منها:
لماذا كان التجاهل لطبيعة التنوع والتعددية الثقافية أو عدم الاعتراف بها أو التقليل من شأنها؟ وهل أفضى الإنكار أو التنكر وعدم الاعتراف بالحقوق الى وحدة ونقاء هذه المجتمعات أم زادتها إشكالية وانقساماً، بدلاً من وحدتها وتماسكها، وحتى لو تم بحث مشكلة التنوع والتعددية، فإن النظرة المسبقة الارتيابية الاستعلائية تظل هي السائدة، ولذلك فإن الحصيلة السلبية تبقى هي الطاغية.
السؤال الثاني يتعلق بـ: لماذا يتم التعامل بمسألة التنوع الثقافي بالعموميات، بل غالباً ما يجري بالشعارات المركزية الكبرى من دون الاعتراف بالحقوق، كأن تتصدر قضية المصير المشترك والأمن القومي والتنديد بالإمبريالية والتشبث بوحدة المجتمع والدولة وغير ذلك، باعتبارها تمثل الأولوية بل والقدسية أحياناً على حساب الحقوق والحريات والإقرار بالتعددية والاعتراف بالتنوع، وما عدى ذلك سوى جزئيات وتفاصيل يمكن تجاوزها، وبغض النظر عن أهمية هذه الشعارات إلاّ أن مسألة حقوق الأقليات والاعتراف بالتعددية الثقافية والدينية والاثنية شيء آخر.
السؤال الثالث لماذا لا يتم بحث مسألة التنوع والتعددية في إطار مبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة ركنا الدولة العصرية وعلى قاعدة حقوق الإنسان محور التطور الحقيقي للمجتمعات الساعية الى تحقيق العدالة؟
السؤال الرابع غالباً ما تتقدم قضية الوحدة حتى وإن كانت قسرية أو فوقية أوامرية تسلطية على حساب الحقوق والحريات والمساواة التي تصبح مسألة فيها نظر، أما المركزية والاستعلاء الثقافي فيصبحان شيئاً مقدساً!! فهل يمكن استمرار هذه الحالة الى ما لا نهاية!؟
ويذهب بعض المتأسلمين الى اعتبار المسلمين (المواطنون) متساوون كأسنان المشط وأن التنوع القومي أو الاثني أو اللغوي أو الثقافي ليس سوى بدعة وضلال، والحل هو بوحدة الانتماء الإسلامي أي بالوحدة الإسلامية وإلغاء الفروق والتمايزات، أما بعض القوميين التقليديين فقد غلبت عليهم نزعة تعظيم القومية الكبرى على حساب الأقوام الأخرى، فمن عاش في الأرض العربية (المقصود الدولة ـ الأمة) وكانت لغته عربية فهو عربي بغض النظر عن دينه أو حتى قوميته أو عرقه. ويذهب بعض الماركسيين الكلاسيكيين الى اعتبار مصالح الكادحين (الدولة الاشتراكية البيروقراطية لاحقاً بما فيها فرعها للتحرر الوطني) هي الأساس على حساب حقوق الأقليات التي يتم الاعتراف بها شكلياً حتى وإن اتخذ الأمر بُعداً قانونياً أحياناً.
السؤال الخامس هل هناك مفهوم متبلور للتيارات الأساسية القومية، الماركسية، والإسلامية من الأقليات الدينية والقومية: مثلاً الموقف من حقوق المسيحيين، الأكراد، التركمان، البربر (الأمازيغيين) الشركس، سكان جنوب السودان، وهل يحق لأفراد الأقليات غير الإسلامية أو غير العربية تقلّد المناصب العليا في الدولة (رئاسة الدولة والجيش والقضاء وغير ذلك)!؟
السؤال السادس هل صحيح أن الأقليات عرضة للتأثير الخارجي منذ حروب الفرنجة، وهل السبب يعود الى هضم حقوقهم؟ إذاً هل يبقى الشك في ولائهم الى ما لا نهاية أم أن تلبية الحقوق وتأمين مستلزمات المساواة كفيلة بقطع دور التأثير الخارجي؟ وكيف السبيل الى دولة عصرية فيها المواطنون متساوون بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة أو غير ذلك.
ولماذا الكردي والمسيحي والأمازيغي الذين يعيشون في المنطقة العربية منذ مئات وآلاف السنين مشكوك في ولائهم في حين أن كيسنجر وبريجنسكي وساركوزي وغيرهم من أصول لا علاقة لها ببلدانهم الحالية!؟
أيمكن التعكّز على اضطهاد المتوكل لأهل الذمة والقسوة في التعامل معهم أو الى أن سلوك البعض منهم كان سلبياً وبخاصة سعيهم للاستقواء بالخارج باعتباره أحد أسباب ذلك، وماذا لو استجيب لحقوق الأقليات، فهل سيبقى التأثير الخارجي قائماً أو سبباً في التمييز!؟ ولنعيد السؤال على نحو آخر: هل أن العامل الخارجي هو السبب في عدم الاعتراف بحقوق الأقليات أم أن هناك نظرة قاصرة أساساً للحقوق والحريات الإنسانية!؟
السؤال السابع والأخير إذا كانت المواطنة مع الاعتراف بحقوق الأقليات وبخاصة القومية منها تشكل مدخلاً لحل مشكلة التنوع فهل أن مسألة الحكم الذاتي أو اللامركزي الإداري الفيدرالي (الاتحادي) سيكون استحقاقاً مناسباً مع قبول التغيير والإصلاح الديموقراطي وفي إطار هوية عامة شاملة مع الاحتفاظ بالهوية الصغرى، باعتبارها استكمالاً وتعبيراً عن حقيقة التنوع القومي والثقافي والديني وغير ذلك.
نبادر الى السؤال هل الثقافة العربية موحّدة، أو واحدة أم هناك تنوّع وانفتاح ناجم من حقائق حياة المجتمعات العربية، إضافة الى ذلك فهو تحصيل حاصل لتنوع المشارب والمصادر للثقافة العربية خصوصاً كون الوطن العربي مصدر استقطاب للحضارات والثقافات والأقوام والديانات المختلفة.
لكن هذه القضية بسبب هضم الحقوق أحياناً أصبحت مؤرقة لبعض الساسة والحكام منهم على نحو خاص، كونها تشكّل تهديداً لوحدة هذه المجتمعات وتفاعلها.
لقد ظلّت الثقافة العربية السائدة تنكر التنوع الثقافي وتتجاهل وجود ثقافات فرعية، وأحياناً تسعى لتدجينها أو احتوائها، بما يؤدي الى إضعاف وحدةا لمجتمعات وتماسكها الاجتماعي، ناهيك عن أمنها القومي، ولعل هذه المناهج والسياسات تفتح نافذة للتدخل الأجنبي وتكون مصدراً محتملاً لاستقواء فئات داخلية والاحتماء بالقوى الخارجية ضد مبدأ الشراكة الوطنية، الذي تستهين به القومية الكبرى أحياناً، في حين أن على القوميات والأقليات الصغرى التي تعمل لنيل حقوقها واحترام حقوق القوميات الكبرى أو القوى الكبرى في مجتمعاتها.
ما السبيل الى تأكيد البُعد الإنساني والتنوع الثقافي والتفاعل الحضاري بمجتمعاتنا ذات الهويات الموحدة والتعددية في الآن ذاته، والأمر يقتضي الاعتراف بالثقافات الفرعية والتعامل معها بإيجابية، خصوصاً وقد أوصلت سياسة الإنكار والنفي مجتمعات بكاملها الى الاحتراب بما يضرّ بالوحدة الوطنية، والسؤال المطروح هو هل أن التنوع الثقافي قيمة مضافة لإثراء ولتطوير الثقافة العربية أم أنه خصوصاً من خلال التعامل السلبي الإقصائي الإنكاري التسلطي، مصدر أزمات يؤثر في تماسك الدول والمجتمعات!؟
وقد يكون مناسباً عند الحديث عن التنوع الثقافي، التطرّق الى دور الثقافة وارتباطها بقضايا الحقوق والحريات لما لها من علاقة وطيدة بالدينامية والإبداع فهي متحركة تعددية وليست جامدة أو سكونية.
التنوع والحقوق الثقافية والشرعة الدولية
ترتكز منظومة حقوق الإنسان الثقافية على عدد من القواعد الأساسية. منها الحقوق الجماعية، ومنها الحقوق الفردية، أما الحقوق الجماعية فأهمها:
- المساواة في الحقوق بين الأمم، كبيرها وصغيرها.
- الحق في التمتع بالثقافة الخاصة، والإعلان عن أتباع ديانة خاصة، وممارسة طقوسها واستخدام لغة خاصة.
- اعتبار جميع الثقافات جزءاً من التراث الإنساني المشترك للبشرية، بما فيها من تنوّع واختلاف.
- واجب الحفاظ على الثقافة ورعايتها بكل الوسائل، باعتبارها التعبير التاريخي والاجتماعي عن التطوّر الروحي للإنسان.
- ضمان حق كل شعب في تطوير ثقافته، وتعزيز روح التسامح والصداقة بين الشعوب والجماعات.
أما على الصعيد الفردي، فإن الحقوق الثقافية ترتكز على ما يلي:
- حق كل فرد في المشاركة الحرة في حياة المجتمع، والتمتع بالفنون والآداب، والمساهمة في التقدم العلمي.
- الحق في حرية البحث العلمي، فالحرية الفكرية لها موقع مهم في منظومة الحقوق الأساسية للإنسان، سواء الحقوق المدنية والسياسية، أو الحقوق الثقافية.
- الحق في حماية المصالح المعنوية والمادية للنتاجات الفكرية والعلمية والأدبية.
- واستناداً الى ما تقدم، وبخاصة عند تحليل وتدقيق "الشرعة الدولية لحقوق الإنسان"، فإننا نلاحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في العام 1966 قد عالجا الحقوق الثقافية، التي حاولت منظمة اليونسكو العمل على تعميقها وتعزيزها.
يتألف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من 30 مادة تحدثت عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والتي تخص النساء والرجال من دون تمييز. وأكدت المادة الأولى على الحرية والمساواة، باعتبارهما حقاً للإنسان منذ ولادته حتى وفاته، ولا يمكن ـ بأي شكل من الأشكال، ولأي سبب من الأسباب ـ التجاوز عليهما أو الانتقاص منهما.
أما المادة الثالثة فيمكن اعتبارها حجر الزاوية في الإعلان العالمي، حيث نصّت على أن لكل فرد "الحق في الحياة والحرية وفي الأمان الشخصي". وقدمت هذه المادة للمواد من 4 الى 21 التي تنص على الحقوق المدنية والسياسية، كما قدّمت المادة /22 لتكون حجر الزاوية الثاني في الإعلان العالمي للمواد من 23 الى 27 التي حددت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد تواكبت الجهود لإقرار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منذ العام 1954 حتى أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، ودخل حيّز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني 1976 بعد إيداع وثيقة التصديق والانضمام. وقد تضمن هذا العهد ديباجة و31 مادة، حيث جرى التأكيد على "الاعتراف بالكرامة المتأصلة" و"الحقوق المتساوية"، وكذلك على الحقوق الجماعية لجميع الشعوب، تحقيقاً لغاياتها الخاصة، والتصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية. وأكدت المادة /15 على حق المشاركة في الحياة الثقافية واحترام حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي، كما أكدت المادتان /13 و14 على حق التعليم.
الشرعة الدولية لحقوق الإنسان حين أقرّت التنوع الثقافي والحقوق والتعددية الثقافية، فإنها استندت الى المبادئ التالية:
- المساواة بين الثقافات.
- رفض التمييز بين الأمم والشعوب، كبيرها وصغيرها.
- عدم الاعتراف بفكرة التفوق أو الهيمنة الثقافية، وما تستند إليه من مفاهيم عنصرية أو شوفينية.
وقد أكدت منظمة اليونسكو على حق كل شعب في الحفاظ على هويته الثقافية، وتبنى اعلان مكسيكو عام 1982 هذا الحق مؤكداً على احترام الهوية الثقافية، وعدم السعي الى فرض هوية ثقافية بالاكراه على أي شعب.
ولا شك ان الحق في الهوية الثقافية للشعوب، يعطي الحق للأشخاص والجماعات في التمتع بثقافاتهم الخاصة، وبالثقافات الأخرى المحلية والعالمية. والحق في الثقافة يعني حق كل ثقافة لأمة أو لشعب أو لجماعة في الوجود والتطور والتقدم في إطار ديناميتها الداخلية، وبعوامل التأثر الخارجية، مع حفاظها على خصوصيتها واستقلالها، ولكن دون إهمال للعوامل المشتركة ذات البعد الانساني، ولقيم التعايش والتفاعل بين الأمم والشعوب والجماعات.
الأقليات والحقوق الثقافية
شهد القانون الدولي في العقود الثلاثة الماضية تطوراً إيجابياً في ما يتعلق بحقوق الأقليات، حيث غطت العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ميدان عدم التمييز تغطية جيدة. وحظيت "الحقوق الخاصة" باهتمام كبير، وخصوصاً بعد إبرام "إعلان حقوق الأشخاص المنتمين الى أقليات قومية أو اثنية أو أقليات دينية أو لغوية"، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ47 برقم 135 في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1992. وتجلى الأمر على نحو أوضح بإنشاء الفريق العامل المعني بالأقليات عام 1995، وذلك اعتماداً على "الحقوق الثقافية".
ومع أن تعريف الأقلية ليس محل إجماع، بل يثير الكثير من الالتباس والجدل إلا أن التوصيف الوارد في الاعلان، أو مقاربته بخصوص الأقليات أو الجماعات القومية والاثنية والدينية يكاد يكون الأقرب الى تحديد مفهوم الأقلية. إن الهوية الثقافية لبعض الأقليات تعتمد على شعور قوى بالتاريخ، خصوصاً عندما تكون تلك الأقلية قد تمتعت بشيء من الاستقلالية، أو الخصوصية المتميزة في إدارة نفسها.
ويقصد بالحقوق الخاصة، الحفاظ على تلك الهوية والخصائص الذاتية والتقاليد واللغة في إطار المساواة وعدم التمييز. ونصت المادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: "لا يجوز في الدول التي لا توجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتمون الى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافاتهم الخاصة، أو إعلان ممارسة دينهم أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم". وتؤكد هذه المادة على الحق في الهوية القومية أو الاثنية أو الدينية أو اللغوية، وحق الحفاظ على الخصائص المتميزة، التي لا بد من تنميتها وحمايتها. ولا يتعفي ذلك دولة من الدول من الالتزام بهذه الحقوق اعترافها أو عدم اعترافها رسمياً بوجود أقلية من الأقليات.
ويمنح اعلان حقوق الأقليات الصادر عام 1992، والمؤلف من 9 مواد،
الأشخاص المنتمين الى أقليات عدداً من الحقوق منها:
- حماية الدول لوجودهم وحقوقهم (م/1).
- الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة (م/2).
- الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية العامة (م/2 ـ الفقرة الثانية).
- الحق في اقامة صلات سلمية، ومواصلتها مع سائر أفراد جماعتهم، والحق في إنشاء روابط خاصة (م/2 ـ الفقرة 495).
- حق ممارسة الحقوق فردياً وجماعياً، ودون تمييز (م/3).
وبالقدر الذي يتطلب مراعاة الخصوصية الثقافية والقومية والدينية وتعزيزها بوجه محاولات "الالغاء" و"التهميش" و"الالحاق" و"الاستتباع"، بحجة "الشمولية" والثقافة السائدة أو العالمية، إلا أنها لا ينبغي أن تكون وسيلة للانتقاص أو التملص أو التحلل من المعايير والالتزامات الدولية، خصوصاً في القضايا الأكثر راهنية وإلحاحاً بما أبدعه الفكر الانساني وما توصلت إليه البشرية، وهو ملكها جميعاً، تعمق على مر العصور، وهو لا يقتصر على قارة أو أمة أو شعب أو جماعة، بل هو مزيج من التفاعل الحضاري للثقافات المتعددة المشارب والتكوينات والمصادر.
وأعتقد أن الاسلام ساهم برافده الثقافي في تعميق توجه البشرية الحضاري باتجاه احترام التنوع والتعددية والخصوصية الثقافية والدينية، ولعل "حلف الفضول" الذي أبرم في عهد الجاهلية في دار "عبدالله بن جدعان"، حين تعاهد فضلاء مكة على ألا يدعوا مظلوماً من أهلها أو ممن دخلها من سائر الناس إلا ونصروه على ظالمه، خير دليل على العمق الحضاري العربي، حيث أبقى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما بعد عكست تعاليم الاسلام والقرآن الكريم النزعة الانسانية المتأصلة.
وكان دستور المدينة أول دستور مكتوب في العالم يتناول الحقوق والواجبات ويتضمن حقوق الطوائف والأديان والتكوينات التي تعيش في المدينة (يثرب) التي جاء الرسول (ص) مهاجراً وكتب فيها شرعة أو دستور المدينة.
وإذا كان دستور المدينة قد ضمن حقوق اليهود فإن صلح الحديبة كان قد ضمن حقوق نصارى نجران التي تعني الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني. أما العهدة العمرية فهي عبارة عن وثيقة أصدرها الخليفة عمر بن الخطاب (رض) بعد معركة اليرموك الشهيرة التي انتصر فيها العرب على الروم. وعند دخول الفاروق مدينة القدس استقبله أهلها دون أن تراق قطرة دم واحدة وأعطاهم العهد المشهور "العهدة العمرية" وتضمن العهد حفظ الحقوق، مؤتمناً على نصارى وطوائف القدس على حياتهم وأمنهم وكنائسهم وأموالهم.
كما تضمنت وثيقة فتح القسطنطينية التي أعطاها محمد الفاتح الى سكان اسطنبول (الاستانة) منح حقوق الى أهلها والأمن والسلامة الشخصية وحفظ المال والعرض وحق تأدية الطقوس والشعائر الدينية خصوصاً وأن معظمهم من المسيحيين.
الخصوصية عليها إذاً أن تتوجه لتدعيم المعايير الانسانية المشتركة وهي إذ تؤكد التنوع الثقافي، والديني، والسياسي، والتاريخي، وتنمط الحياة الاجتماعية لمجتمع ما، أو جماعة قومية أو دينية أو لغوية، فإنها تعنى العقلية والتقاليد بين شعوب وبلدان، وتفاعل حضارات وأمم وأقوام أو تكوينات، وهي بقدر تناغمها مع الفكر الانساني، تستطيع التعبير على نحو أوضح عن تميزها وتفردها وخصائصها، وهكذا فإن فكرة الحقوق الثقافية،
مثلما هي فكرة حقوق الانسان، تكون قد حيكت من نسيج الفكر الانساني، ومن مصادره المتنوعة.
وبهذا المعنى فالخصوصية لا تعني "الانغلاق"، أو التصادم مع الحضارات الأخرى، أو الارتياب منها بل التعايش معها والتفاعل والتواصل من خلال المشتركات الانسانية، كما أن الحداثة والتواصل الحضاري لا يعنيان قبول منطق الوصاية والتبعية الفكرية، كما أن التعايش والتبادل الثقافي لا يبرر الاستتباع، أو ازدواجية المعايير، أو الانتقائية في ما يتعلق بقضايا الأقليات وخصوصياتها الوطنية والدينية وثقافاته، وليس هناك من مبرر لتجاوز السياقات التاريخية والثقافية لحضارات أمم وشعوب وإنكار دورها بحجة تعميم "الموديل"، أو لسيادة نموذج فكري وسياسي واقتصادي واحد.
إن الانقسام الحاد السابق، الذي بلغ ذروته في عهد الحرب الباردة، لم يلغ، وبخاصة في بعده الفكري، وإن اختلف في شكله وسياقه، وإن انفتحت بعض القنوات ولكن ثمة شكوكاً وحواجز ومعوقات ما زالت كبيرة، ومع ذلك ففي عالم اليوم لم يكن بالامكان الحديث عن ثقافة واحدة مهيمنة في دول متعددة التكوينات والثقافات ومرجعيتها، دون طعم خاص للمذاقات الخاصة الثقافية والقومية والاثنية والدينية واللغوية وغيرها، ورؤية خاصة للألوان الثقافية والدينية، وانتماءات متنوعة لأنماط سلوك وحضارات وثقافات وتكوينات اجتماعية وسكانية.
إن ما يجمع التكوينات المختلفة، ودرجة تفاعلها، وتأثيرها المتبادل في السياق الانساني الذي يشكل مرجعية جامعة، لكنها ليس الوحيدة أو النهائية لخطاب ما زال يعترف بالكثير من الخصائص الثقافية والحضارية المختلفة.
ومهما قرر البعض اختيار طريق العزلة، أو فرض على نفسه ستاراً حديدياً، فإنه لن ينجو من رياح التغيير، بعد أن تحول العالم الى "قرية عالمية"، ولا يمكن لأحد إدارة الظهر عن الاستحقاقات العلمية والتكنولوجية الماثلة في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات وانفتاح السوق. ولعل سؤال الخصوصية والعالمية كان قد واجه مؤتمر فيينا لعام 1993 بعد مؤتمر طهران لحقوق الانسان عام 1968، ولذلك يصبح احتجاز "الثقافة الخصوصية" في ظل العولمة أمراً يكاد يكون مستحيلاً، فهي تتأثر وتؤثر في مجرى الحقوق الثقافية العالمية.
وقد أكد مؤتمر فيينا هذا التوجه حين أشار الى أن "جميع حقوق الانسان عالمية، وغير قابلة للتجزئة، ومترابطة ومتشابكة" وهكذا هي الثقافة دائماً وهذا يعني في ما يعنيه التأكيد على الخاصيات الوطنية، والخلفيات التاريخية والثقافية والدينية، في إطار من التوافق، وليس إهمالها. كما أشار المؤتمر الى واجب الدول، بغض النظر عن نظامها الاجتماعي، احترام هذه الحقوق، التي تعني التنوع في إطار الوحدة.
الثقافة تمثل الوعاء الذي يمكن أن تزدهر فيه التنمية، وهي القدم الثانية التي يمكن للمجتمع أن يسير عليها على طريق التقدم، الثقافة والتنمية عنصران يكملان بعضهما البعض، والحق في الثقافة يمهد ويتساوى مع الحق في التنمية، الذي أقرته الأمم المتحدة في العام 1986.
أخلص الى القول ان الاقرار بالتنوع الثقافي والديني والاثني هو إقرار بواقع أليم رغم محاولات الانكار والجحود الطويلة، ويترتب على هذا الاقرار الاعتراف بحقوق الأقليات تلك التي أقرتها شرعة حقوق الانسان الدولية، ومن التجربة العملية فإن ثمن التنكر وادعاء الأفضليات ومحاولات التسيّد كان باهظاً على حساب التنمية وتعزيز الديموقراطية، وساعد في تفكيك الوحدة الوطنية بدل الادعاء في المحافظة عليها وهدد الأمن الوطني واستخدمته القوى الخارجية وسيلة للتدخل وفرض الارادة بحجة الدفاع عن حقوق الأقليات، بل إنه ساعد في هدر الأموال خصوصاً على النزاعات العسكرية والحروب الأهلية!!
المستقبل
الجمعة 2 تشرين الثاني 2007