ضمّـني إليك
كي إذا خسرتُ شدّة قلبي تزوّدني شدة قلبكَ
كي إذا ذهبتْ جذوري عميقاً أكون في عهدة هاويتك
كي إذا أهدرتُ عمري ازداد بك أعماراً ولغات.
ضمّـني إليك
كي أصيرَ عشـبةً تؤرق الصخر
كي تصير صخرة ليّـنة في ظل عشبة
كي يولد نهرٌ بيني وبينك فتـفيض كل الأنهار
كي أترجّل من جبالي لألاقيك
كي أكتـشف كم أنك الصعود
كي تكتـشف كم أنّي الغرق
كي إذا سرتُ إليك أرفع جسراً بين ضوء وتهلكة.
ضمّـني إليك
كي تطلبني كتـفاحة تشتاق قطافها
كي أهرقك كتـفاحة بعد قطافها
كي أغمرك بما لا تستطيع
كي أصنع من أجلك ليلاً وغيمة فوق ليل
كي أنسـّيك أني شجرة لأغصانك
كي أنسـّيك أنك أغصان لشجرة
كي إذا غلبتـني الحياة أربح معك حياتي.
ضمّـني إليك
ثم أطلق في الريح يديّ
كي كلما كدنا نصير واحداً
نظلّ اثـنين عاطلين عن القدر.
علقتُ سهواً في الحياة
ورغماً عني
ولكي لا أقع من حافة الضجر
نذرت يديّ لأغلاط حميمة
ولم أكن يوماً واهمة
أحببتُ وأغلقتُ أبواباً كثيرة
لئلا أهب أحداً غيابي
تعمدّتُ أن آثم
لتكون لي ذنوبٌ مستحقّـة
سرتُ طويلاً في صحبة الظل
وطويلا أغويت الملذات
ما رأيت سراباً إلا تبعتُـه
ما صادفتُ ناراً إلا أخذتـني
لكنّي لم أرتكب ما يكفي من الأخطاء
وسيمضي وقت طويل
قبل أن أبكي كما يجب
سيمضي وقت طويل
قبل أن أعرف كيف أفسد حياتي.
من تكونين أيتها الغريبة؟
أقنعتكِ الماحيةُ قسماتِ الهجس هي النافذةُ العمياء
بنهم البرق تسرقين النوم
ومن مجون أحلامكِ تـفور الرعشات
مرصودةٌ أنتِ لجهنّم الجسد
وصدعُكِ يتـفتّح في الإناء
فكيف لوحدتكِ أن تتوسّد القلب
رغم النهارات المكتظة
وكيف لحزنكِ أن يرتدي الجفون
ولمساءاتكِ الشديدة الإنحدار
أن تـنتـشل الوجه من الهاوية؟
من تكونين يا غربة الذكرى عن الملمس
وغربة الجذور عن الفرار
أيها الإنحلال الغامض ككثافة الغيم
والإندثار الشبيه بالذات؟
جسدُكِ العطشانُ ترويه شهوته
كصحراء تنتـشي من ظمأ رمالها
أرضكِ الضيّقة أرحب من صدر العاشق
ونقطةٌ من عريكِ فينهمر القمر.
لم تلدكِ شجرة
ولا اكتمل نضجكِ في الفصول
أبوابكِ موصدة
لكنّك طريّة كلذّة تتـفتّح
تخرجين من بستان الحياة لتحتمي بخيالاتكِ
تؤثرين التنزّه بين النجوم
وهناك تهرقين ماءكِ لتأثمي
رأسكِ
عميقاً
عميقاً
يعـبق بالصور.
سماؤكِ التي تظلّ عالية
تليّن الضجر
وتسبغ عليه نكهةً غامقة
كالأفق المغلوب.
قولي كيف يؤتمن خيالكِ على الجوهر
كيف تلتئم رغباتكِ عند الفجر
وتلهب توقك إلى التعرّي؟
كيف يكون لكل شروقٍ سكّينه أيتها الغريبة
كيف تستطيعين!
تتيهين في ليلكِ
وفي مطارح العبور
أما ظلّكِ فيتلمّس يديك الكثيرتين
ويترنّح معكِ تحت قوس اللذة.
غريبةٌ أنتِ
وتعرفين
تنكسرين على ظلّكِ هذا
وعلى بعض جدار
ثم تنتظرين اكتمال الذهاب.
بلادكِ هذا الليل الحارق
ولا شموس تخمده
أغصانكِ الثملة تتمايل على حافة الحضور
كلّما
يدٌ
همّت
بالغياب.
لا إسم لبلادكِ أيتها الغريبة ولا آخر
روحُك كلّما دنت لحظة الوصول
تجعلها بعيدة.
غريبةٌ أنتِ أيتها الغريبة
تتأبطين وحدتكِ
التي تركض في السهول
باحثةً عن عصافير للغابة
وحدتك الخفيفة
كنهدٍ لم يجتز عتبة الخيال.
ترى أين تسندين نجمتك عندما تمسّك العتمة؟
أين تلمعين أيتها النجمة الغريبة؟
يحرسكِ شحوبكِ
وفي الظلمة تنتظركِ الوجوه المغلقة
مزاجكِ يتناثر على الدرب المحجوبة
وروحكِ تذرف في الليل كمال جنوحها.
من تكونين أيتها الغريبةُ يا نفسي
يحسبونكِ المتمردة
وما أنتِ إلاّ شبقٌ يخترق ذاته
وذاك الذي يحسبونه رفضاً
ما هو إلاّ دوار التيه.
ومن فرط الأقنعة يمّحي وجهك.
لا تبخلْ على إعصار إهده شجرة.
لا تغرْ من نسرٍ إنزل مثله.
لا تهملْ عصفوراً كن صيّاده.
لا تشهر غلمتك فوق هاوية إغمدها.
لا تخزن ماءك أهرقه.
لا تجمع أمزجتك أنثرها.
لا تعش الوقت مُـته.
ته لا تهتد.
لا تسافر وحيداً إصطحب شيطاني.
عندما أجلسُ أمامك أيها الغريب
أعرف كم تحتاج إلى الزمن
كي تردم المسافة اليّ
أنتَ في أوج الذكاء
وأنا في أوج المأدبة
أنت تـفكّر كيف ستبدأ حديث المغازلة
وأنا تحت ستار وقاري
أكون قد فرغت من التهامك.
حياتان مختلفتان وفعل اختلاس
ولن يبقى من تقاطع اللقاء إلا شيطان غوايتي.