أنت أيتها الخديعة، يا كوزَ الإشارة وعلية الملاك الأسود يا وشما لمعت أطرافه في أحشائنا ساعة جئنا، وفاتنا محطمين بين الوهاد.
تمهلي قليلا الآن وخذي أسنانك تلك الحب ممزق على الطاولة والأوهام مثل زخات المطر تحت الإبط. هكذا بقليل من الالتفات، بقليل من السلوة، انهضي وتعالي. المسافة بيني وبينك لا تتجاوز فتحة فم. الدكاكين موصدة. ضوء المصابيح أضأل من بريق عين، ولا أحد يمر. لتتحركي، الوقت مؤآت للزيارة التي لا تعوض. المجد عند العتبة. الهواء يهز كتفه مخاتلاً، والساحر رمى بسبعين جثة في عتمة الفردوس واستكان كشهوة الماء.
إذاً لا داعي لإشراك الريبة في السهرة. إن ذلك الخزاف الممدد فرب شجرة برتقال محروقة يمسّد هراً ميتاً ورائحة الفودكا تفوح منه كشتاء عتيق، يعلم جيداً بأن الشظية تنسى ذاكرتها في أعشاب الرحمة. أما الذي تبعه البدو في الأحراش عشية إدخال غيمة لغرفة عمليات فأخبرنا أن الطقس سيذوب اليوم من الفتل، والتعب سيرقد في النعمة، والطعام ستبلعه الأبصار. ملء اليد هذا القلب المقلي في الريح ملء الدخان الأخضر، تخاطبه ذوائب الجبال وصداك البعيد، فاقتربي.
حنجرتي أسفل مطرقة، وضربة عذوبة منك ترفع علي المطرقة والعالم. سوق الطيور هذا الذي احترق. وقفة بين التاج والصفعة.
وبما أني رهنت أوراقي لمدة عام مقابل تذكرة مغشي عليها،
قلت، سألخبط لبن النهايات برماد المخدع وبدلا من نزع الجفون آخر الليل، سأسهر خاوياً من اشتباك. لكن المسرح ذاب في كوب الفيزياء، والخياط ملَّ من حياكة الأشرعة، والحجل تلبث في طيرانه وأسقط غلى المكياج، والمرآة تعطلت لأن النهار لم يعد يضيء، ومجنون الحي عاد إلى مقعده لصق الفنار ومات. كفتان في الهواء، أنت وأنا، كغريمين مذ أن ولدا ولا ميعاد يشرق بيننا ولا نجمة بحر ولا قبر. هدوء، هدوء- والحمد لي- على التيه الذي يتدلى كمفتاح فندق من جيبي، وكمن يعالج الصرخة ببلع نخلة على الريق فعلت أنت، وليس في اليد حيلة.
"سهرانة، كدت أقتل يا حبيبي! العيد مقبل وأنا كالحنين أسحق في زقاق. رفعت نهدي عالياً، وكان الوادي بلا ضجيج، فجاء تسر واقتلعه. رفعت الثاني، فاقتلعه أيضاَ. وضعت كفي على صدري، فوجدت حفرتين تصلحان لدفن موتى. مشيت، فتعثرت بحاجبي الذي وقع. رفعته وذهبت للعيادة. الطبيب ثبته بصمغ، ثم فتح بؤبؤه فتح الشرفة، وقفز.
بالأمس صادفت متشرداً- قال لي- بأنه نبئي. أنا لم أكن أبكي على نفسي لكنه بكى علي. في الظهيرة أخذ يحدثني عن الله والحيوانات الأليفة والحلوى، وحين أظلمت أحرق ظلي و جفل على أربع. هم دائماً هكذا، نثار، ولا يدركون بأن من مثلي، قد تقضم شتاء كاملاً في ثانية". لقد قلنا، قبل أن يطمر الماء الفاتر الرؤوس، إن الحجر مطعون في الحد والعمق مهمل على فراء اللعنة. لذا فلا فائدة من معرفة أتم! شيء في هذه الليلة. لا فائدة من إطلاقي الصفارات التذكارية أو جعل القضاة القرويين يرتشون. الحكاية عاصفة حين تهب من شمال ما يربك، وأنا لست مجبراً على خذلان العناق المنتفخ على ركبة الغمر كورم أسنان.
في هذه الليلة كذلك، ستسرع النجوم إلى أوكارها منتظرة، وعلى أحر من الجمر، مجيء اليأس من الأقاليم وهو خالي من الصفات حيث الحافة الماثلة هناك تعمل طيورها، على كنس الأسف من الشارع.
إلا أن الولد الذي كان يعبر ماداً يده للبخشيش، قد صدم بنتاً صغيرة قد ولدت طفلاً للتو، رجل غامض تقدم من المولود ثم وشوشه قائلاً : أيها الصغير انك حقاً لأنصع من لؤلؤة لكنك يا بنيّ لقيط.
بسرعة عاينت أعصابي بقرصة خفيفة. نظفت نظاراتي بقطعة شحم. خلعت حذائي الضيق و الجوارب، همست لجاري المسافر : "أنا مجنون وقد أقتل عندما يحدثني أحد من دون مناسبة" بعدها، توكلت عليّ ونمت إذاً، لتسترح الآن كما لو أنك في رافعة لا تعمل كما لو أنك مخدر بين ماءين هكذا لا تغضب ولا تلوح، تسلي بالزبد وهو يغمر الأشياء ويبددها فقط وإن شئت، مد للنسيان يداً ودعه يقصص أظافرك.
لتسترح، ماذا يهم لو أن الأحلام ضاعت في الممشى والسماء طالت لحيتها وأخذت شكل مكنسة. ماذا يهم لو أن الدعة قيدت في جارور والأحبة- سريعاً- دفنوا ألبوم صورنا في الرماد، وأفرغوا لمسة الفجر منا.
ليدعوك وشأنك، المراكب ارتطمت بالليل وانفلشت ألواحها، الممرضون حقنوا البحر بالإبر فأصابوا عيون الأسماك. السياح رفعوا قبعاتهم للندم الذي كان يعرج، وقائد الصفقة حشا أذنيه بالفطن، ثم وضع الخريطة على وجهه و سها.
أما أنت، فكثير عليك أن تصطاد الحياة بصنارة وتتمدد كرف طويل في مكتبة مهمة. من كتاب (لا لزوم لي) الطبعة الأولى - دار الجديد - بيروت - 1 |