غسان الخنيزي
مواليد 1960 - القطيف
له : أوهام صغيرة، أو التي تراود الموهوم في الحمى
عنوانه :
ص . ب : 4937
حي نجمة
رأس تنورة 31311
المملكة العربية السعودية
هاتف 055805452
أولئك الناس الذين يأتون في الضحى
ينفثون الأرواح في الأروقة،
ويبقى صدى مجيئهم يدوي.
مدويا يبقى صداهم المائج.
ثم إن طوفانا كبيرا يبتدئ
كي نهرع من سبات الغرفة إلى شمس العلية
نترنح، نرى شعاع الضوء غافيا
نبصر وجوه صويحباتنا توهن قليلا قليلا،
ثم إن أولئك الناس، بمكير، يذهبون،
تاركين اليقظة تلهو بألبابنا... كيف تشاء.
في الأمسيات
أنسى يدي ممدودتين إلى قنديل غاز خافق،
دونهما أذهب إلى حيث الأخيلة.
لمرات ذوت في الضباب الأخيلة.
مرة وحيدة،
التقيت بالسياب وسعدي
ما ظننتهما اكترثا كثيرا.
همهما لفافات تبغ يابسة
ينفثان روحيهما، يطيران الأدخنة في الأعالي يقهقهان،
أصداغهما الحليقة تلمع في المياه الساكنة.
إلى الخلف منهما أرض تنعم بسعفات نخل عالية.
عندما عبرت الربع الخالي
كانت الأصداف والمحارات تدمي أصابعي،
كنت حافيا وطريدا.
وعلى شطان البحور البائدة وجرف الطلعة
سمعت دوي عاصفة الرمل
والريح التي تعوي حين الوقيعة،
وهجس أناس عبروا قبلي.
ما كانت النيران،
بل سهوبا ناضرة
روادها رجال اخشوشنت مآربهما،
يهربون سباياهم إلى طمأنينة حافية.
هل عرفوا ما يريدون\دون أن يدروا أن عرفوا؟
فنسنت فان غوخ
فرانز كافكا
فلاديمير ماياكوفسكي
أيهم أكثر جنوناً؟
أيهم أكثر شجاعة ؟
أيهم
سأقابل،
في العشية؟
الكراسي التي
يتهيأ لي
أن نافذة تنتظرني، تضيء حنينا إلي
وأني أسحب- لحظة الغروب- كرسيا عتيقا
أستجيب لسطوته
أرخي عليه رأسي المتهالك، أسارره الصمت.
الكراسي التي أخذتنا في حلم النهار
تبتز منا النظرات.
نظرناها،
فآلت علينا أحلامنا
ومن النوافذ أطلقناها للهواء.
ليل الكلام
أكان يول فاليري
الذي رآني
والظهيرة الساكنة قال إني
الشرج الهائل فيها؟
ما نزلت بي المواقف إلا لماما
و النشوة،
ما كانت إلا انشراخ المعاني
سقيت المعاني إكسير الظهيرة
ما استفاقت إلا على ليل الكلام
أشد ظهيراتي ضياء،
أسطع منها ضوء الليالي.
أنظرني بعين أخرى لعلك ترى إلىّ وأنا أجافي الوقائع ، حاملاً النوايا عالياً ، مخافة انهراق العسل الذي أكاد أغرق في منابعه الفجة .. ذلك هو الرضا والإستئناس إلى الوحشة المطلقة ، الأستيهام والتواطء كما لم نعرفه من ذي قبل .
أنعرفه ؟
في البدء أظنك تظن أنك عارف ماذا في البدء .. أو ، لربما كنت مثلي تقول إن المعرفة هي أن نتربص لإخفاء الأشياء كي نمارس وصفها الشائن : هنالك الآن مراوغة عظيمة وشائنة أنخرط فيها مع عسل الأشياء ، مع الرضا .. شفيعي فيذلك كله هو حفظي للنوايا غافية في محملي الجم لها إلى أشد المخابىء تلوثاً بالرأفة والحميمية . هكذا هي إشتباكات المعاني والإحالات ، وهذا هو الوضوح متأوجاً على ظهور خيل تتهاوى في سافل المدارك وأروعها بلادة وخمولاً .. وأنت ؟
هكذا اذن استحوذتك القناعة !
ماهمّني أن أجد تخريجة لما أقول ولا أفعل ، لكنني حيث تتواجد الأوهام .. أتواجد ، سابحاً صحبة سرب من طيور السنونو ... ولما لا ؟
بعد ذهابك لملمت لغاتي كلها من قارعة البحر ، ودفعت بكفي في وجه الأحبة قاصداً أن لا .. وهكذا تراني منكفئاً في البحث عن الأشكال وع نهاياتها . وستتأكد إنني بعناد قبرة سأفصح عن لغة توائم وهماً أكثر إيغالاً في التوحش والفطرة .
في الأيام أتاجر بين المأوى الوظيفة ... بعرقي . أحياناً ليست بقليلة أتاجر بخلاصة ذهني ثم أعود بفم مليء بأوحال المتربة ... لا تؤزر قناعتي غير أوجاع الصدمة القائمة .
في اللحظات أصطنع الحضارة كما تعلمناها في الفصل وفي المجلس الأبوي وفي الأماكن الأخرى التي نتراكض فيها بحثاً عن ذواتنا المنخورة بالفضيلة . ويبقى جنون فوكو هو الأكثر حضوراً حيث نتبادل اللغو : في المزادات وفي المسالخ وفي دور الأوبرا .
في الأوقات يصفعني شوق عارم إلى أن أخادع نفسي وأرجع تائباً إلى جرائم الكتابة ، لكن العزيمة أضعف من أن تساق سوق الأسود إلى الفرائس ... ولكنني ، بهكذا ، لا أقول جديداً .
ههنا ، حيث تندحر الرغبات إلى البدء . وتقى مليئة بالطلاسم واللعن أماكن أرضية نهفو إليها كل حين . ههنا واحد من هاتيك الأماكن . في الأفق ، بعد إلتقاء النور بالأمواه وزبد البحر ، ألق يهرب من بين أيدينا ساعة يتأوج العطس .
هوذا المشهد الذي نرى دائماً : ننبعث في الأيام ونندمج إلى حين في مغرياتها . ثم إننا بعد ذاك الأنغماس نشرع نبحث عن السمو ، أو ، هكذا يخيل لنا . في الغرف المعتمة ، يأتي النور عبر الكوى الصغيرة ويستطير في الذرات المبثوثة في الطقس . وهناك ، دائماً ، على الضفة الأخرى من الأماكن ، في الركن الأبعد فيها ، يكمن النقيض الأكثر غموضاً وجلالاً . بعدها سنبحث دونما كلل ، وسنتأبى على الحكمة التي تقول : توقفوا ، عبثاً ما تفعلون .. سنبحث دونما تبصر عن السراب في أيامنا ، وعن الأرواح الشقيقة في الليالي كما تظل قريبة في التمني ، عصية على الأكف التي بها نلهج لهجاً يكرسه الحنين .
من كتاب (أوهام صغيرة أو التي تراود الموهوم في الحمى) -در الجديد- الطبعة الأولى - بيروت - 1995