ترجمة وتقديم: اسكندر حبش
(لبنان)
تشكل القصائد التسع عشرة، التي تحمل عنوان "رؤية من الفضاء" الجزء الثالث من كتاب يحمل عنوانا رئيسيا، "غراغنده" كتبه يانيس ريتسوس في بداية السبعينيات، وقد تشكل من قصيدتين طويلتين، الأولى بعنوان "غراغنده"، والثانية بعنوان "الناقوس" أما الجزء الثالث فقد جاء على شكل قصائد قصيرة، هي التي نقدمها هنا. وإذا كانت القصيدتان الأولتان، تتخذ من شخصية "غارغاروس" موضوعا لها، وهي شخصية شعبية يونانية، يجعل منها الشاعر بنفسه الملحمي، شخصية أسطورية، ليتحدث عبرها عن اليونان الحديثة، فان القصائد القصيرة تقترب أكثر من اليومي ليتحدث عبرها عن تيمات عزيزة على قلب الشاعر. بيد ان مناخات الأجزاء الثلاثة، تتشابه في مناخها العام، وذلك لأنها ترتبط بتجربة الشاعر في المعتقل، الذي زاره مرارا بسبب مواقفه السياسية المعادية ليونان الجنرالات والحكم العسكري الدكتاتوري.
(1)
أولئك الذين يختبئون خلفهم
هم من أحرق الأشجار
أحرقوا العصافير والأطفال
أحرقوا المياه
ما بين شتلة أرز مزهرة
وفراشة.
أولئك هم بالضبط، الذين يختبئون
خلفهم.
(2)
ذاك الذي تراجع خطوتين الى الوراء
كي يشير الى المذنب
ذلك الآخر وضع يديه في جيبه
كي لا يشير الى المذنب
الثالث أغلق عينيه
كي لا يرى.
أعدموا رميا بالرصاص.
(3)
تكلمنا أم لم نتكلم - سيّان
الحطبة محروقة
الحطبة مشتعلة
زاوية الطاولة
الشمعة على المغسلة.
اغسل يديك.
الموت.
(4)
تسلل إلى داخل الخوذة الحديدية
في إحدى زوايا المتحف -
أكان ذلك للعراك؟
أم للاختباء؟
حان وقت الإقفال.
خشخش الحارس بمفاتيحه.
أغلق.
على الأقل، هل وافقت التماثيل؟
(5)
مع رجفة الجفن
مع إصبع العشب الصغيرة
مع الصمت مع الكلمة
مع السير مع الثبات.
خلف زجاج القطار
نظارتا المحسور النظر
سيجارة الحارس الليلي
الورقة تحت الباب
الحذاء السعال الإشارة
حتى النجمة
هذه النجمة الى جانب المدخنة
كيف يستطيعون المشاهدة والسير
في هذا السواد المعتم؟
(6)
من جديد هذه الأشياء المنسية
المحتقرة
اللا - اعتراف
عدم إعلان النزاهة
اللسان المعضوض
حزة الظفر على الحائط
تنفس البيرق المخفي
تحت القميص
الذي - بعشق -
يحف طرف النهد.
أيها الانسان، من جديد
أنت الأكثر طردا
الأكثر التزاما
الأكثر وحدة.
أنت المسؤول،
أيها الانسان.
(7)
والحصان الخشبي
ذو العينين الزجاجيتين
وظله عل الحائط.
نعم هذا أيضا.
ثمة صراخ في الأسفل على المرفأ.
قطعت الحبال.
تنساب مشاعل الزيت.
في مصباح السيارة
ظهر الرجل المقتول واقفا
والصليب على صدره
صليب صغير حديده أبيض.
(8)
في علبة الثقاب
نرد مصنوع من عظام.
لماذا تحركه؟ قال
3، 4
4،5
6 الموت.
أنظر جيدا الى هنا.
إننا رجال - قال.
يعني رجال مع رجال.
هذه " المع" تعني كلنا معا
ضد جميع أشكال الموت
جميع أشكال الشر.
إرم النرد الآن.
(9)
لتسمّ الأسماء كما هي
قل فيت - نام
قل النفط
قل ياروس وليروس
قل ديونيزوس
ب - 52
البنتاغون
قيمة الأشياء العارية
الكلمات العارية
مصباح الشارع
ساعة المعصم
منتصف الليل
الوقت بالضبط
الهدف
بدقة.
(10)
بطمأنينة بصمت بحذر
صابرا منتظرا
مستعدا
احفظ أسنانك نظيفة
أظافرك.
مسواكات ثلاثة في جيبك.
المنفضة. الكأس. التاريخ.
فكّر.
لا تتنازل عن الفكر.
لا تستند على:
"دائما كان الأمر على هذه الشكل
وسيكون كذلك دائما."
هنا حيث لن تنحني
ستنوجد
أنت نحن
أنت التاريخ.
(11)
الموت
ليس عذرا
كي ترفض.
ولن تستطيع أن تتوسل
الى الليل
حيث لن ترى
كي لا تسير في النهار
حيث ترى.
على الشرفة المقابلة
أخرجت أصص الزهر
تسقى بالماء
صباح الخير أيها الجار.
(12)
العديد من الأموات
أحياء
العديد من الأحياء
موتى
تجلس على الكرسي
تحصي أزرارك.
مع من أنت؟
ما أنت عليه؟
ماذا تفعل؟
(13)
بعناد بإرادة بالتزام
لأنك تحيا لأننا نحيا
نحن اليوم
الآخرون غدا.
لا تقل الأكاذيب.
لأننا نحيا.
فالشجرة خلف القضبان
الورقة الفنجان قاطعة الورق
مصافحة الأيدي الحلم
القصيدة.
(14)
كيف إن لم ذلك؟
ليس الأسود.
كلا.
الألوان السبعة
الثمانية
التسعة
على زجاج النافذة
في الصباح حين يمر
بائعو الورد
بائعو الفاكهة
حين لا تريد الموت
رغم آلام الرأس
والتفاحة
تتدحرج - مقضومة -
على الرصيف الرطب
(15)
غير لائقة هي الكلمة
الكلمة القادرة
في مدينة تسكت نفسها.
الطلقة السرية
من جدار إلى آخر
المبرد الصغير من أجل الندوب
نصف ابتسامة
مثيرة
الساعة الخطرة
الالتحام
المعرفة الكبيرة
اليقين.
ابق قربي.
لقد وهنت. لقد وهنا.
الخطأ المعترف به
ميثاق.
تفتح النافذة.
يدخل الهواء.
ترتجف الورقة.
(16)
الأول الثاني
الثالث الرابع.
مئة. ألف.
وآخرون.
كم؟ متى؟
دائما.
في الصمت.
جد مقبض الباب.
افتح.
اخرج.
آه هذه الأرض
الإبريق المحطم
التمثال
بعد المطر.
هذه الأرض.
تعرفها.
مرحبا يا رفاق.
(17)
أوتار مقطوعة
ليس لشدة الاتفاق
بل لشدة الخلاف.
الغيتار على السرير.
الكأس تحت السرير
مع أحذية.
الأول مقفول عليه في الجدار
الآخر في الحقيبة
الثالث في التابوت.
لم اعد احتمل - قال
رفع إصبعه الى عينه
كي يقلد
حركة أوديب
لا حركته الأخيرة
بل ما قبل الأخيرة.
(18)
عندما ننتقل
من الفضاء المستقيم
حتى النقاط البارزة
من السرير حتى الشارع
من التابوت حتى النافذة
آه من جديد
هذا الشق على الشفتين
الذي عبره يتسرب العالم
مقسوما
مستقيما بشكل آخر
هذا العالم الممسوك بالأرض
بواجهات محالة المتعددة الألوان المليئة
بالمكانس الكهربائية بالبرادات بالراديوهات
بالمقاعد الكهربائية والأعلام.
(19)
تقول مجددا الكلمة نفسها
الكلمة العارية
تلك
التي عشت من أجلها
والتي متّ من أجلها
التي انبعثت من أجلها
( كم من مرة؟)
الكلمة نفسها.
هكذا طيلة الليل
الليالي بأسرها
تحت الأحجار
لفظة بعد لفظة
مثل الحنفية التي تسيل
في حلم الظمآن
نقطة بعد نقطة
أيضا وأيضا
تحت الأحجار
الليالي بأسرها
كلمة تهجى على الأصابع
ببساطة
كما نقول أنا جائع
كما نقوا أنا أحبك
ببساطة شديدة
مثلما نستشق
أمام النافذة
حـ - ر- ية.
السفير 5 أيلول 2003