وأسرجت خيلَ أمانيّ للموتِ
مذ فارقت ساعديّ البواريدُ
وانطفأ الشمعُ حول زواياك راشالُ
وعدت غريباً كما أنبأتني القوابلُ :
لا اللونُ لوني
ولا خمرة الناس هذي مزاجي ..!
أعلل نفسي بأنك بابي
وأني في ما سيروى غداً :
كان يأتي إليها عشاءً ..
سيروى غداً :
إنه سارقُ الليل ..
راشالُ
كنت أباً للنهارات
في كل وعدٍ بلمَّة شملٍ أضيءُ المكانَ
وأشعلُ ستين صبحاً معي
ثم أوقد من راحتيّ شموع المواعيدِ
وا أسفا ..
سوف يروى غداً :
كان قبل العشاء أباً للنهارات
يشعل ستين صبحا
ويوقد من راحتيه
بلى .. كنت ذاك الذي سوف يروى
وما كنت راشالُ قبل الرواية بابي
أماسيّ كان الهوى فيض كأسي
وكانت نجاواهُ زادي
على غفلةٍ ..
يأخذ الوجدُ حزني إلى قبر أمي
على غفلة من خيوط الصباح وحجّاب بوابة الفجر
يأخذني
لأقبّلَ حتى الندى فوق إفريز شاهدها
وأخفَّ .. أخفَّ إلى أن أراها
ويختلط الأمرُ عندي بين الحقيقة و الوهم :
"خطّاركم" نحن يا أمُ
جئنا بكل سلال مودتنا فاملئيها على المهل زاداً
يعادل غربتنا و المسافة من دارنا للمزار
يعادل ذيلَ الحكايات ..
قولَك لي : " نكملُ الغدَ يا قندةَ الروح …"
ها أنني ماكثٌ في الجوار
املئي سلّتي بالخواتيمِ
فليس ثمة أخرى هناك ستقوى على " نكملُ الغدَ …"
لا ماءَ .. لا عشبَ ..
إلا صبايا حكاياك خلف الدخان
يهيئن لي مخدعاً ونبيذاً ويسألنني الوصلَ
ملت عليهن .. بالغت في الميل
حتى لقد قيل : فيها هلاكك
قلت : إذا أُوّل الأمرُ فيها نجاتي ..!
أحاجٍ تؤرجحني - لو تحنِّين يوماً - أحاجي ..
وقد خيرتني يا أمُ ما بين وعدين
وعدٍ بليلٍ ..
ووعدٍ بصبحٍ ..
وأهمس في القلب : يا قلبُ
إن هي إلا أحاجٍ …… تُفكُّ
فيصرخ فيَّ : وقد يتلف القلبَ فكُّ الأحاجي
ويغفو كلانا على أملٍ
أن تجيء السلالُ محملةً بالخواتيم
حتى وإن تلف القلـبُ ..!
محمد الماجد 1420 هـ
* * *
جاءوا لأول الحتف
في قوافل ملئى بجرارٍ ممهورة بشفاه أجدادهم
جرارٍ تركت أجسادها العارية نهباً لريش الزعفران وهمهمات المزامير
ليتهم فضّوا ختمها والهوادجُ بعدُ لم تتهيأ لاستقبال شموسهم
دربهم محشوةٌ بالشِّراك وسماؤهم .. مطر
كلما هبطوا وادياً ووجدوا فيه متكأً من الموت
كسروا له جرةً فلم يغادروه إلا وقد أخصب وأسرَّ لهم بحال جيرةٍ له أشد عوزاً منه
يقول أهلُ السِّير :
... كانت الأودية قبلهم في قبضة سدنة الصحراء وخزنة الملحوأنهم بعدها كسروا كل جرارهم على طول الطريق الممتدة من أقصى المدينة وحتى مصب النهر ... |
هناك أمرهم حاديهم بحطِّ الرحال لينبئهم بأن هذه الأرض هي قابلتهم الأخيرة
على موعد كانوا ويوم ولادتهم
رائحة سفر ..
نسوةٌ يقلِّدن فرسانهن بالمخبوء من الخوذ والقلائد والوصايا
فيما راح الأطفال يسألون عن مواعيد ضُربت لهم في ظهر الغيب مع سهام طائشة وفلوات تسلمهم إلى الوحشة .
حاشية
نسي أهلُ السير أن جرارهم تلك
توالدت وانتشر نسلُها في بطون وأفخاذ كثير من القبائل
وأن جرةً منها وجدت في بطنٍ لعبد القيس يقال له شن
عليها ختم السيد الأكبر
مازالت شهوة الكسر متقدةً بين أضلاعها.
* * *
انحلتني الصبابةُ
حتى إذا مال منها - على الظَّن - غصنٌ
وقال : المواسمَ .... ملـتُ
أُجَنُّ أنا يا مواسمُ
إن زار تمّوزُ ارضيَ لا نارَ فيها تقرِّي الضيوفَ ولا أهلَ
إلاَ بقايا لدورٍ هي الأهلُ
إذ غادروها ولمّا أعانقهم أو أقولُ : الوداع
فيا ليتَ أني إذ غادروها
تزفَّرتُ .. أجهشتُ .. مـتُّ ..
لهم ههنا حيث مرّوا
قواريرُ مسكٍ تقصُ علينا أحاجيّهم
تباركتَ يا مسكُ ..
ربُّ الوشاية أنتَ
فأنت على كل باب زوى الريحَ
نبـتُ ...
تقيم هنا حيث مرُّوا خِفافاً
تعدُّ لمائدة من خوابٍ تعاهدها الحزنُ
ماذا لو اكتمل الشّربُ ليلاً وعلّوا الكؤوسَ وقالوا : الشّرابَ
إذاً لغتسلتَ بماء العناق
وغصتَ على سرِّهم كاشفاً ..
واغتسلتُ ..
ورحنا على نغم النهاوندَ
نخاصرُ أحلامنا والصباحَ
فلا الصبحُ جاء إلينا صباحاً ولا الحلمُ حتى ..
فكل مواعيد أحلامنا حين نصحوا عليهن يا مسكُ
فـوتُ ...
ذرفنا عليها قلوباً
تقولُ بأنك أشعلت منها و أطفأت رملَ الشواطيء
أين الشواطيءُ ؟
تاهت وتهنا
فلا الفلكُ قرَّت وألقت عصاها
ولا البحرُ بيـتُ ...
كلانا يخاصمُ أبراجَهُ
ثم ماذا تبقى لنا ؟
غيرُ زيجٍ يضيء لنا مدرجَ العائدين بأحلامنا
حيثُ زينبُ تغزلُ بالثأر قمصانهم
ثم تدعوهمُ للقاء الأخير
ليختـار كلٌّ قميصـاً ..
قميصيَ زينبُ أحمـرُ
عاف الحياةَ وحيداً مدلّى على الشجن المر دهراً
وعـفتُ ...
قميصي زينب : أحلامُ كوفة بالدفء
منفى لكانون
زيتونةُ في الخليل ..
وأخرى جنوبيةُ تمنى على الله وعداً إلى النار
أضرحـةٌ ..
وزقاقُ مؤدٍ إلى حضرةِ الفلك
حلقات المريدين
نخـبٌ أذكارهم
خطوات العجالى بأحزاننا أوّلَ العام
يقولون مالا يقال
صـدى ندبهم بين جنبيَّ
جنبـاً يقيمُ وجنبـاً يفـتُّ
قميصيَ زينبُ أحمـرُ
عاف الحياةَ وحيداً مدلّى على الشجن المر ..
زينبُ .. عـفتُ ..