أيها الصوفي المتعبد في محراب النون ..
هيا دع عصاك السحري يلهج بابتهالات الصحو لفراشة يغريها الوهج الطالع من هذا المرمري..هذا المشرئب نحو عوالمك الصاخبة..
هيا دع أنامل الشبق تتحسس هذا البض الممتلئ .. هذا الذي يحنو على كتفك.. ضمه كيفما شاء لك الضم.. وهدهده بمناغاة شفة تحنو وتقسو حسب الإيقاع المتواتر لجوقة صهيل الحروف التي ترافقنا.. ولسوطك الذي يجلد بآهاته مصائد ضعفي..
أيها الصوفي المتعبد في محراب النون وحمائم الوله..
( دس بنعلك ) على ترابي المندى برضاب جنونك .. هيا فارضي منذ زمن .. منذ دهر لم يمسها محراث..
هيا لا تتهاون ولا تبطئ.. فتربتي عطشى يعانقها يباس واهن..
أيها الصوفي المتعبد في محراب النون..
أركان صومعتي ترتجف ولها.. لدبيب أناملك.. هنا بالقرب من ساحة داري..
هنا أنا أشتعل.. وجمري صرخات تتناوب بالنداء عليك..
هما لك قبتان.. وشفتاك هلالا..
حي على الرشف ..وعلى الرعدة السارية في الجوار.. وعلى الزغب المشرئب لعوالم جنونك.. حي على الدعك الدائري والبطيء والمتسارع الشغوف الراكض.
فأسفل.هوى النزول أسفل.. فأسفل .. قُبلاً مجنونة ولمسات كالحريق.. أرتجف وحمى مبدئية تزحف رويداً ووهج خانق يأخذ بتلابيب جوفي الساحق.. هبوطا إلى سرة الكون الغامض.. يسيل على حواف عقدتها الداخلية لعاب سعارك وخرمشة أسنانك.. آه.. ..أه ..
أفترقا أخوان .. كل في طريق، وأفسحا بما كان يطبقان عليه، أشرعاه للهواء وللحمم التي تستعر وأشتم شياطها الآن.. أه..ثم أه ه ه !!
ربكة سير في درب التبانة ، نجوم تتصادم وأضواء تعشى ، كون يخلق من جديد .. بعث وقيامة وحريق كوني هائل.. فوضى ودمار شامل.. ثياب تضيء عتمة الغرفة.. وبقايا لهاث ينتظر الجولة الثانية.. ونعاس يحبو على أطراف التلذذ عابثا بما تبقى من يقظة كاذبة ، حينها يحلو النوم ..
تنساب الحروف والكلمات .. دافئة من بين أناملي.. تهدجا وتبتلا للحنان الذي يتسرب رغما عنه يعانق قلبي الذي يبتهل حمداً وثناءً وخشوعا.. للعشب الغافي على جنيات الطريق الذي يزهو بوقع خطاي...وللنسائم التي تغافل الشمس وتداعب الزهر الذي ينتشي خجلاً للنهار العابق بأنفاسي التي تراود الحرف عن نفسه..
في كثير من اللحظات لا أستطيع أن اكتب نفسي.. أضيع.لج قلبي عالم الحرف.. أضيع .. تتوه مني ذاتي، ترتعش أوصالي وانتشي.. كما اللذة الكبرى التي يسعى إليها قلبي وجسدي.. وفي حضرة الصمت المزدان بألف صورة لوجعي ألقي برأسي الثمل بدفء الحروف واحتضن القلم.. بهمس خجول أبوح..
مازلت وجدان ذلك الوتر الحنون المسكون بعزفه..
كيفما عُزِفَ عليه..يصدر نفس اللحن الذي يطرب الروح والجسد ..
تداعبني الأنامل فأهتز وانتشي من قطرة لعاب ظلت طريقها وجاءت ثملة تسعى بدفءٍ حميم.. أجزل العطاء لقلبي الذي ينحت نبضاته من ( فتافيت ) صخرة الواقع التي تصطدم بها أحلامي
وأُكثر من تعاطي الحرف الذي يعيد توازني النفسي بين متطلبات رغائبي وبين هشاشة تفكير المجتمع ( الهروكي ) الذي نحيا فيه.
في حضرة الحرف، بوهن يتعالى صراخي الشبقي، أصاب بصرع العشق وأرتقي سدرة اللذة، متكئةً بحواسي المتيقظة على شرفة هذا المدى الفاصل ما بين روحينا.
ويغمرني الخجل بتعثر الخطى.. كطفلة صغيرة لتوها بدأت تتعلم أبجدية الحروف، ولهاث خطواتها يركض باتجاه فراشة الوقت المرهون لمرجل الحنين الذي يغلي هنا في قلبي، أما تراه يفور، وجمر الحرف وقودي..
هذا القلب، مصاب الآن بأسئلة الصمت الموغلة في رهافة المشاعر التي تغوي بدهشتها ما تبقى عالقا من صدأ الروح على حافة التعري..
هذا الصدأ الموعود بجنة الخلد ، وغفران المعاصي ، والدليل على إثبات البراءة ، تراكم طبقات الصدأ فوق بعضها البعض وكأنها في حالة عناق لا ينفك إلا بالتحلل والتلاشي ..
هذا الصدأ المنكفئ على رائحته.. المهمل والمتاح لجنون أحلام لا زلت أراها منتهى البراءة
هذا الصدأ الذي يخطف من رائحته ناراً تشتعل في المطلق وتحتضن الجسد بهالة ملائكية ، بوسعه أن يفر هارباً إلى أرض يتماهى فيها الخيال .. ليعض بشراهة مجنونة ما تناثر من شذرات الصدأ على أرض الواقع.
وجدان.. هذا الوهم يتعاطى الكثير من الكلمات ويرتشفها مع فناجين قهوة الوله المرة.. ولا يتنعم بخيرات الله الوفيرة سوى بالكثير من الحليب والجبن والقليل من الخبز والفاكهة ( لا أحب أي نوع من اللحوم، طوال عمري هكذا، عندما أقوم بتنظيف الدجاج وأشم رائحته رغما عني.. تتمركز في مخليتي صورتي ورائحتي حينما يأتيني ذلك النزف الشهري )
ها أنا ( أتكرون ) في حضن الياء، أغمض عيني وأستسلم لمداعبة الألف الذي ينصب نفسه راعيا على كلماتي، يقف خلفي يلكزني بطرف عصاه الصغيرة كلما تغافلت وسرت باتجاه معاكس لقطيع الشياه الأخرى.. فأركض وأجراس الخيبة تتدلى من عنقي.. هذا العنق الذي لا يصلح إلا لقُبل الحروف.. ها أنا أراها تندفع نحوي ، تتصارع منتشية لتظفر بقُبلٍ صغيرةٍ .. وعلى غفلة من يقظتي يدفعني جنوني للسقوط في بئر ( الراء )
ذلك الذي يزهو بتكوره واستدارته الشهية.
( مطلقة ) .. لقبي يتأملني .. يتتبع خطى أقدامي المتعثرة ويعيد صياغة معانية ودلالاته الخفية ويحاول بطريقة واعية الإفصاح عن خبايا الذات..
ها أنا ( أتكرون ) في حضن الميم الذي يشي بحلاوة استدارته الصغيرة الشهية.. التي تستسلم طواعية لقُبل القلم على شفاه الورق والذي يستميت رافضا محاولات انطلاقي لعوالم فتنة الطاء المكفنة برماد نار تفضح المسكوت عنه في حياتنا …
واللام بهذيانها الصاخب تتوسط هذا الهتاف وتنصب نفسها راعية لتصرفات يجانبها الخطأ في مسيرة الإصرار ، خلسة تمد أنامل شهقتها المتواترة المتحفزة لأحضان القاف التي تطل بعين واحدة ، تهز أغصان ذاكرة الحنين .. تتساقط ثمار الحرف اليانعة على أرض عطشى عانقها اليباب منذ سنين..
يحدث هذا.. وتاء التأنيث بتكورها الذي يطلق عنان الذاكرة لشهوة اللمس.. تقف شاهدة تدون معاناة روحي عبر واقع فرض عليها ونتائج العديد من تجارب إثبات كينونة الذات وإبراز صورتها الإنسانية الحقة.
لمن سأشرع نوافذ هذا البوح.. ؟؟
فراشة أنا..
المس بطرف أجنحتي وهج اللهب ..
المنبعث من حروف تشتعل بنار قلبي المثقل بالوجد.. ولا أحترق..
فراشة أنا..
أكتب عمري .. بنار أصابعي التي تزرع الدفء في روحي التواقة للحنان..
فراشة أنا..
أمد أنامل الشوق .. وأسفح دمي عشقا..
كرمى لعينين لي هنالك.. في الطرف الآخر من العالم الموحش..
كرمى لقلب.. يحبني ويخاف علي..من سطوة الوحشة وفجيعة الفقدوودياني.اني. الغيث عن سوودياني.اني .. عن تربة قلبي التي حرثت
بهوس الحرف الذي يقودني دائما لبوابة الحنين..*