غ1ف
الشِّتاءُ قُربَ البَحْر.
أخرُجُ طيّعاً لدموعِ السّاحلِ فَيُنبِئُني الصَّيّادونَ نَبأَ البَحْرِ . لم يَصِل النَّعْشُ بعدُ. أُصغي إِلي عجوزٍ تَرسُمُ عُكّازاً علي الرَّملِ، وإلي حانةِ السّاحلِ مَهْجورةً من السّاحلِ. لا غَريبَ سِوايَ إِذنْ ولا قبرَ سِوي قبرِكَ.. مأتمٌ تَسمَّعَهُ البحّارةُ ليَسْألوا العَجوزَ عَمَّنْ لم يُهلَكْ بعدُ. لا غريبَ سِوايَ. أُصادقُ البحرَ بالمِعْطَفِ الصُّوفيِّ، بذكري الُّلصوصِ ذَوي الأَرْجُل الخَشَبيّةِ. بسُفنِ الحَمْلِ والغرقى الزُّنوجِ. أُريهِ طُبولاً هنديّةً وهَدايا الذَّهَبِ وخَدَماً لا يَنطقِونَ، يُريني نساءً اختطفن من قُري الغاباتِ، وفُرساناً يَعدّونَ خسائرَهم كلَّ مرَّةٍ. أُراقبُ عكّازَ الرَّملِ، فأسْمَعُ أُغنيةً لزُنوج البَحْر عن قُوَّةِ الجَسَدِ وصُراخاً لسكارى الحانةِ: أَنْ ادخلْ إلي البَحْرِ الآن..
الشّتاءُ قربَ البحر.
لم يَصلِ النَّعْشُ بَعْدُ. أسأَلُ عَجوزَ الرَّملِ: لم تَحملِ السُّفنُ إلينا غيرَ وداعِ السُّفُنِ فماذا تَنْتَظرينَ؟ أسمَعُ في الحانةِ حِكايةً عن خاتَمٍ مَسحورٍ. تقولُ فَتاةٌ: هو خاتمي، مَرَّةً عندَ بابِ القَصْرِ رأيتُ جَواريَ يَحْلُمْنَ ببِساطِ الريَّحِ، وسَمِعْتُ غِناءً لشاعرٍ جَوّالٍ يَنامُ ليلَهُ الصَّيفيَّ علي صَخْرةِ الينْبوعِ، لم أَخْرُجْ إليهِ. آخَرونَ كانوا يَتَسمَّعونَ غِناءَهُ، يَحرُسونَ سَجيناً مُلقيً علي القَشِّ. لم أَخْرُجْ إليهِ. رَميْتُ لَهُ خاتماً.. وكانَ نائماً..
لا غريبَ سوايَ ولا قبرَ سوي قبرِكَ. مَأْتَمٌ تَسمَّعَهُ البحّارةُ ليسألوا العجوزَ عن سَجينِ القَشِّ. لم يَمِتْ بعدُ. قالتِ العجوزُ، ولم تحملِ السُّفنُ إلينا غيرَ وداعِ السُّفنِ، والشِّتاءُ قُرْبَ البَحْر..
غ2ف
أَوَ كانَ هذا حنيناً؟ أَما كانَ نَدَماً؟
أَوَ ليسَ الصَّيفُ سَماءً صافِيَةً كَأَخْطائي؟
الضّائعُ في سَفَرٍ يُهْزَمُ كلَّ مَرَّةٍ.
بَطَلاً كانَ تقولُ المرأةُ،
بَطَلاً كانَ يقولُ الخّمارُ.
يَسأَلُ حارسٌ عن غِناءِ اللَّيلِ.
كانَ لُغْزاً يُخبِّئُهُ الحُكاةُ خلفَ التلُّولِ.
أَضَعُ رأسي علي صَخْرَةِ اليَنْبوعِ،
أَقفِزُ،
أَلْتَقِطُ الخاتمَ بقَبْضَةِ الشّاطِرِ،
أَدُسُّها في جَيْبيَ المَثْقوبِ،
أضْحَكُ من شَطارةِ الشُّعراءِ أَمامَ بابِ القَصْرِ.
أحدبُ يُشبهُ دَنَّ الخَمْرِ يَسْأَلُ حارِساً عن مَنامٍ..
عندي منامُكَ، أقولُ.
أَلتَقِطُ الخاتمَ والأَحْدَبَ بِقَبْضَةِ الواثِقِِ من النَّجاةِ،
ندخُلُ المدينةَ.
أَسْعي إلي كتابٍ ضَيَّعَهُ رَحّالونَ، هَدَّمَتِ الحَرْبُ بيتَ الكُتبِ يقولُ الأَحْدَبُ. أري شَحّاذاً أعميً قُرْبَ بابِ الحانةِ، عينُ المَلِكِ يَقولُ الأَحْدَبُ. أري امْرأَةً لا تُشبِهُ النِّساءَ، لُعْبَةُ غَزَلٍ سَتَخْسَرُها يَقولُ الأَحْدَب.
عندي خاتمٌ لُغزُ آلِهَةٍ تَسْجُنُهُ الدَّوْلَة في جَسَدٍ يَعْرَقُ في الصَّيْفِ، ويَبْرُدُ في الشِّتاءِ، وقد يَموتُ في الحانةِ كالسّكران.
عندي خاتمٌ وخاتمٌ وخاتمٌ. ولكلِّ خاتمٍ كتابٌ. ولكلِّ خاتمٍ شَبيهٌ في مَتْجرِ جَواهِرَ. يَقولُ الصّائغُ: يدايَ تُفَكِّرانِ بِعَقْلِِ المالِكِ. ولكلِّ كتابٍ شَبيهٌ في جامعِ المدينةِ. يَقولُ الأَحْدَبُ: النَّسخُ عادَةُ المدينة..
نَخْتَلِفُ إلي زُقاقِ آلهةٍ خَرْساءَ، واقفةٍ علي أرضٍ زَرْقاءَ كالسَّماءِ. نقولُ: الإِلهُ قاضٍ ناطِقٌ. تَدُلُّنا إِصْبَعٌ علي حائطٍ، نَقْرَأُ: الأَصْلُ خالِقُ النُّسْخَةِ. والسّارِقُ؟ نَسْأَلُ، وأينَ ذاكَ الكتابُ؟
كان الكلامُ مثلَ ارتطامِ جَبَلٍ في الأرضِ. كانت الآلِهةُ تَغيبُ في باطِنِ الأَرْضِ أو في باطنِ السَّماء.
رُمينا في المشارفِ بِوَجْهَينِ لا يُشبِهانِ البَشَرَ، باكيَيْنِ وضاحِكَيْنِ. يغنّي صاحبي عن مبَيتٍ مُنْتَظَرٍ، وأحارُ كنتُ في نَبَأِ المدينة.
كتبتُ عن المدينة:
كلما سَعيتُ إلي قلبِها، خَرَجتُ منها مُشرَّداً.
الخطوةُ في شَوارعِها خُطْوَةُ هِجْرَة.
لكنما الغُبارُ يَصْعَدُ، تَصْحَبُهُ نارٌ، رَجلٌ ينادي: يا وَرْدَةَ العَرشِ كلِّهِ: عدْ إلي المدينةِ من جِهةٍ تُشَرِّدُها الجِهاتُ، لا الشَّرقُ شَرْقُها، ولا الغَرْبُ غَرْبُها، لا الجَنوبُ ولا الشَّمالُ. ندخُلُ المدينةَ. يصادقُنا كَلْبٌ شَريدٌ قُرْبَ بِرْكَةِ ماءٍ. أَصْنَعُ قَواربَ وَرَقيَّةً وأُحْرقُها. يَهرُبُ منّي بائعُ الجواهرِ. يُصَفِّقُ لي صِبْيانٌ. فأُبرِزُ عَضَلَةَ السّاعدِ الأَيْمنِ. يَضْحَكُ الأَحْدَبُ، يعوي الكلبُ، ندخُلُ الحانة.
ها نحنُ مثلُ قاربٍ يا قَشَّةً ستُغْرقُنا. نَشْتِمُ القَصْرَ والحُرّاسَ ونسكَرُ بالخَمْرِ الرَّخيصِ وأَخْبارِ السَّجينِ والسَّجّانِ..
يرقُصُ دَنُّ الخَمْرِ بَينَ السكارى، أَرْقُصُ، نَعْرَقُ، نَتْعَبُ، نَسْقُطُ ، نَبْكي، نَضْحَكُ، نَخْرُجُ، يَسْأَلُنا الشّحّاذُ عن وِجْهَتِنا. يعوي الكلبُ، يَقولُ دَنُّ الخَمْرِ: غُرْفَةُ نَوْمِ المِلكة!
ها نحنُ في الشَّوارعِ،
يا رَعِيّةَ المَلِكِ،
نِساءَ المَلِكِ ،
رجالَ المَلِكِ..
يقودُنا الكلبُ إلي بيتٍ مهجور.نُشْعلُ ناراً، نَقْرَأُ في الحائِطِ: الأَصْلُ خالِقُ النُّسْخَةِ،لا نَضْحَكُ، لا يعوي الكلبُ، لا ننام..
أنا وصاحبايَ وذكْرياتٌ في بَيْتٍ بلا سَقْفٍ، في بيتٍ بلا بابٍ، يَعْرِضُ للسَّماءِ خَجلَهُ، ويُلَقِّبُ كلَّ داخلٍ بالضَّيفِ.حائِطُهُ من طينٍ بَناهُ غازٍ يَنْسَخُ الكَلامَ من الكَلامِ. حائطُهُ كتابٌ يَقرأُهُ رجالُ الأُمَّةِ في العُسْرِ ويَنْسونَهُ في اليُسرِ.. تنامُ خلفَ آياتِهِ نساءُ الأُمَّةِ حاجِباتٍ وِجوهَهنَّ عن نَظَرِ الضَّيْفِ. حافظاتٍ فُروجَهنَّ من شَبقِ الضَّيفِ. أنا وصاحبايَ وذِكْرَياتٌ تغرّبُني عن وَقتي، تُغرّبُني عن يَدَيَّ فلا أُلوّحُ لمُنْقذٍ في ذُرْوَةِ البُطولَةِ، أو أُصفّقُ لصَديقٍ قَزْمٍ يأتي العَدوَّ من خَلْفِهِ، أو أَصُدُّ الشَّحّاذَ والحُرّاسَ عَنّا. لكنّما الحدودُ تُدْرَأُ بالشُّبهاتِ، يَقولُ الأَحْدَبُ في بيتٍ بلا سَقْفٍ، في بيتٍ بلا باب..
هذا منامُكَ يا صاحبي. يدايَ ما كانتا يديَّ. فلتَعِنّي علي سِجْني.الظلامُ قُوَّة تَطْرُدُ الذِّكرياتِ. وأنا مُدْمِنُ ذِكرياتٍ.
سجني قَبْوٌ سَقْفُهُ حائِطٌ بلا كُوَّةٍ لِخداعِ سَماءٍ بالشكوى. يُغنّي صاحبي عَن خَمْرٍ عتيقٍ يُهَرَّبُ في سَفينةٍ. وأُغنّي عن المَرأَةِ حين أَحبَّتْ شاعراً. ونَسْكُتُ، نَسْمَعُ عَواءً بعيداً. فيغنّي الأَحْدَبُ عن ليلٍ يمُّرُ بلا بَحْرٍ وخَمْرٍ. ونَسْكُتُ. نَسْمَعُ غِناءً عن ضَياعِ خاتَمٍ، فأَعْرِفُ أنَّ المرأَةَ تُسِرُّ لُغزاً إلي جَواري القَصْر. ونَسْكُتُ، نَسْمَعُ غناءً مُبْهَماً فأعرِفُ أنَّ سَجينَ القَشِّ يُصلّي فَجْرَهُ..
الظَّلامُ غيبٌ رَضَعْناهُ من ثَدْيٍ وتَعَّلمناهُ في دَرْسٍ، فإذا خَفَّ ظَنَنّاهُ سَيشْتَدُّ، وإذا أشْتَدَّ ظَنَنّاهُ قُبْةً تَتَفَتَّحُ عن رَجُلٍ عَليهِ دمٌ وحِبرُ الكِتابِ، وعَليهِ السَّلامُ، الظَّلامُ إِمامٌ..
وعندي خاتَمٌ وخاتَمٌ وخاتَمٌ، ولكلِّ خاتمٍ حِكايةٌ ونايٌ.عارفٌ حَفَرَ نَفَقاً وانتهي بعدَ بِضْعِ سِنينَ أَخاً لمُزارعينَ، خَبّأوهُ في عَرَبةِ القَمْحِ نَهاراً، وأَهْدوهُ حِصاناً في الَّليلِ.
ينتهي أبدٌ. يَسْألُ صاحبي عن سَعَةِ القَبْوِ. ضَيِّقٌ وواسِعٌ كما تَشاءُ، كما يَشاءُ الظَّلامُ. وكم لنا فيهِ؟ أبدٌ وكلامٌ. ولماذا رُمينا في القَبْوِ؟ ليسَ شَيءٌ أَحَقّ بطولِ سِجْن من لِسانٍ. يَضْحَكُ الأَحْدَبُ أَو يبكي. هل يُفْهَمُ الكلامُ في الظَّلامِ؟
الكلامُ يُسْمَعُ ويُري. لا يُسْمَعُ إِلاّ في السَّريرِ ولا يُري إِلاّ في الظَّلامِ، الكلامُ..
وهو خاتمٌ حَمَلْتُهُ للمَرأَةِ إِذ قالتْ: بينَنا وبينَهم تُلولٌ. خُذْ جسدي ، بدِّدْهُ علي العُشبِ وجَمِّعْهُ يا قُوَّةً أُطيعُها. كانت قوّتي تَتَجَمَّعُ في عَصَبٍ رَعِشٍ يَتَشبَّهُ بالوَحْشِ، تُبصرُهُ عينايَ، تَعْمَيانِ. تَنْطِقُهُ شَفَتايَ، تَخْرَسانِ. يَخْرُجُ من ظَهْري ومن صَدْري، يَخْرُجُ مِنْ بينِ أصابعي. تَصُدُّهُ المرأَةُ أَوَّلَ وَهْلَةٍ. يسعى إليها كالضّائع. تَسْعي إليهِ كالحيّةِ، تلتفُّ به، تلتفُّ بالأعمى وبالأَخْرَسِ. يغني صاحبي عن سَفينةِ خمرٍ، وأنا مُدمنُ ذِكرياتٍ، مُدْمِنُ نَدَمٍ..
أري قُوَّتي تَيْبَسُ فوقَ العشبِِ،
تُبَلَّلُ بالمَطَرِ،
وتُرمي في سَلّةِ مُهْملات.
أَسْمَعُ غناءً مُبْهَماً فَأتَخيَّلُ الأكرْشَ، حاملَ المفاتيحِ، يَلُفُّ سَجينَ القَشَّ بلُبّادٍ. أتخيَّلُ غابةً تَتَنكَّرُ فيها الكائناتُ بِمَلابسِ الحِدادِ، لتُنشدَ نشيدَ العزاءِ. ولا أري سِجني. أسمعُهُ في سكوتي، في أُغْنيةِ السَّفينةِ. مُدمِنُ ذِكرياتٍ أنا ، مُدْمِنُ ندمٍ..
أَشُمُّ فئراناً، يَقولُ صاحبي. والشَّمُّ في الظَّلامِ ممكنٌ مثل الكلامِ. وكنتُ أشُمُّ جُثَّةً. وأفْرَحُ بالشَّمِّ يُنبئُني بحياةٍ خلفَ البابِ. والمشيُ؟ يَسْألُ، ما الطولُ؟ ما العَرضُ؟ المشيُ أَنْ تُقدِّمَ قَدَماً علي أُخْري، بأَمرٍ من العَقْلِ، أو بأمرٍ من القلبِ،كي تَصِلَ بالبَدَنِ الى أمل. والطولُ ما يطولُ من الخَطْوِ علي العَرضِ. وبينهما تمشي أو تُسجَنُ، تَنامُ أو تَموتُ. يَبْدَأُ المَشْيَ. أهذا هو الطولُ؟ لا أدري.. يَبْدَأُ الطولُ والعَرضُ من حائطٍ، ويَنْتَهِيانِ بحائطٍ. وقد تكونُ بَدَأْتَ من المنْتَصَف.
نَحنُ هُنا بأمرٍ من العَقْلِ
نحن هنا بأمرٍ من القلبِ
وكانَ يَضْحَكُ، يَسْكُتُ، ويَشُمُّ فِئْراناً، وكنتُ أشمُّ دولةً..
تَهَبُني الدَّولةُ قِناعاً كي أكونَ بَطَلاً، فلا يَراهُ سَجّانُها في ظَلامِ القَبْوِ. يا لخديعةِ الدَّولةِ. لا أري سِجني. أسْمَعُهُ في سَفينةِ الأحْدَبِ، في دِنانِ الخمرِ:
مَهَّربُ خَمرُكَ العَتيقُ يا خمّارُ
اِسْقِني خمرَ النصارى
أبيعُ الدَّوْلَةَ بكأسٍ
خمرُكَ خَمْرُ النصارى.
علي صَخْرَةِ اليَنْبوعِ نمتُ مرةً. لم أعثرْ علي بريدٍ تُخفيه جاريةٌ أو يَطيرُ بهِ حَمامُ الزّاجلِ. لم أَقُلْ لسَجينِ القشَّ: رَدّدْ كلامَ الضّائعِ في سفرٍ. ردِّدْه وقتَ الغيبةِ، وارقدْ قريباً من صَخْرةٍ اليَنْبوعِ. أمامَ بابِ القَصْرِ نمتُ مرةً. مُدمنُ ذكرياتٍ أنا، مُدمنُ ندمٍ..
تُغنّي عجوزٌ عن نَعْشٍ
صَباحُ الحانةِ مزرَعَةُ تَبْغٍ حُرِقَتْ ليلاً.
ورأسي ثَقيلٌ:
تَكْنُسُ العجوزُ التَّبغَ وكلامَ الليلِ،
وماضياً أحْمِلُهُ مثلَ عَصَبٍ رَعِشٍ،
البابُ ازرقُ..
يدخُلُ السّاحلُ..
أشُمُّ الصراطين، والأَصْدافَ والسَّمَكَ الصَّغيرَ
وزيتَ سُفِنِ الحَمْلِ،
رأسي ثَقيل..
الصَّيفُ والشِّتاءُ خَديعَتانِ، والَّليلُ والنَّهارُ. ما نفعُ أَنْ تُسمّي في الظَّلامِ؟ يَسْأَلُ صاحبي. ما نَفْعُ أَنْ يُسمّي الصَّوتُ؟ فليكتفوا بالنَّعتِ. كالأَحْدَبِ، كدنِّ الخَمْرِ؟ وكالشّاعرِ الجَوّالِ يا صاحبي.نسمَعُ وقعَ خطي حاملِ المفاتيحِ. يَعُدُّ الأحدبُ الخُطي، يُتَمْتمُ: بينَ الطُّولِ والعَرضِ تَمشي أو تُسجَنُ، تَنامُ أو تموتُ. أَتَخيَّلُ غابةً قريبةً من سُفنِ الحَمْلِ، تُنشِدُ فيها الكائناتُ نَشيدَ العَزاءِ، والوَقْتُ صَيْفٌ، والوَقْتُ شِتاءٌ.أَضْرِبُ الأرضَ بالخاتمِ. تَتَشقَّقُ عن عَرَبةِ قمْحٍ نهاراً، وحِصانينِ في الَّليل. يَتْبعُنا الكَلْبُ. أُغنّي عن لُعْبَةِ غَزَلٍ خَسرتُها. ويُغني الأحدبُ عن خَمرٍ عَتيقٍ يُهرَّبُ في سّفينة.
* * *
قال الشّاعر:
ما كنتُ أحداً أبْعَدَ من قَبْرِهِ
ما كانَ قَبْرُهُ بَيْتَ جَسَدٍ مات.
شاعر من العراق
إشارات:
- لم ينشر من هذه القصيدة ، إلاّ المقطع الاول ، وقد نشر في جريدة الحياة اللندنية، في كانون الاول من عام 1994 . حذفتُ منه لاحقاً عدداً من الأسطر.اكتملتْ كتابة هذه القصيدة في الثاني عشر من آذار 2002
- إِدرأوا الحدود بالشبهات. حديث معروف للنبي محمد.
- ليس أحق بطول سجنٍ من لسان. قول نقله الفارابي كما يقول الرازي في مختار الصحاح.. في مادة "سجن".