ركض الوقت وخلفني
القانون الكوني تلاشي
لا جاذب يمسك أمتعتي
داري ما عادت دارا لي
طارت أمتعتي صارت
طار المقعد طار خواني
وحدي مع ظلي في الدار
لا أب لا أم
لا أخوات لا أخوة
لا شيء سوي الوحشة والغم
يثني ظهري يثقل خطوي
ركض الوقت وخلفني
اخشي الغد اخشي المجهول
توحشني، كمذا توحشني
والصور التذكارية
توحشني مكتبتي انس حياتي
توحشني صحبة عودي
يوحشني عبق القهوة
يغرقني في بحر النشوة
ركض الوقت وخلفني
ربي لا تجعلني عبئا
انتظر بلوغي ارض الصمت
طالت دربي يا ربي
يوجعني الحكم الصهيوني
يوجعني لا بل يقتلني وحدي مع ظلي في الدار
بدده عبث الأقدار
لا جاذب يبقيها في الدار
أو مصدر امن واستقرار
داري ملكا للاغيار
طار الكرسيُّ الدوار
تملأ في الدار فراغ الدار
وركام الأشهر والأعوام
يطفيء في أفقي الأنوار
وحدي مع ظلي في الدار
الآتي من غيب الأقدار
ساعة أمي الأثرية
عالقة في صدر جدار
في الأزمات وسوء الأحوال
صمت العود انقطعت فيه الأوتار
العبق العطري الفواح
كل مساء كل صباح
وحدي مع ظلي في الدار
تستثقله كل الأجيال
انتظر الموت
قصرها واختصر المشوار
وأوامر منع التجوال
في وطني قتل الأطفال
القدس العربي - 30/07/2002
حين بلغت عامي العشرين
قالت لي العرافة الدهريّة:
"تنبّئني عنك الرياح في هبوبها،
تقول:
تعويذةُ الشرّ المحيق ههنا
بينك المهلهل المشطور
معقودةً تظلّ لا تزول
حتّى يجئ الفارس المكرّسُ المنذور
تنبّئني الرياح في هبوبها
عن فارسٍ يجيء
لا واهناً ولا بطيء
تقول لي يجيءُ من طريق
تشقّها من أجله الرعود
والبروق"
-هلاّ سألت لي الرياح -
يا عرّافة الرياح
متى يجيءُ الفارسُ المنذور؟
"حين يصيرُ الرفض
محرقة وجلجلة
تلفظه أحشاءُ هذي الأرض
من جسمها بُضعة
لكنّما الرياحُ في هبوبها
تقول حاذري
إخوتك السبعة
تقول حاذري
إخوتك السبعة"
تحت شقوق سقفي المصدوع
وقفتُ عند الشرفة المخلّعة
أحلمُ بالتكوين
أنتظر الآتي
أصغي لنبض البذرة الدفين
يخضّ رحم الأرض
يرضعُ قلب السنبلة
يا كيمياء الموت والحياة
متى يصير الرفض
محرقةً وجلجلة؟!
- 2 -
كانت خُطاه حين جاء جرساً
يقرعُ في أقبية الظلام
والريحُ كانت حين جاء فرساً
تركضُ تحته وتنفضُ الحطام
أردفني وراءه وقال يا حبيبتي
حبّك يحمي ظهري العريان
التصقي بي، لا تخافي الليل والذؤبان
فالحبّ لا يخاف
يوم امتطيناها ظهور الخيل
راحت أغانينا
تومضًُ مثل الخنجر العريان
على ضفاف الليل
على ضفاف اللّيل
تسامقت أشجارنا وأطلعت
الزهر والأثمارُ والنجوم
وكلّما نجمٌ هوى
في موسم الإعصار والسموم
انتفضت أشجارنا وأطلعت
سواه أفواجاً من النجوم
يوم امتطيناها ظهور الخيل
تجوهرت جباهُنا في الشمس
تعصّبت بالعنفوان
صرنا الرؤى تلمّها الأجفان
صرنا زهر
على شفاه السهل
والغور والنهر
وأصبحت هُدب الصغار
راياتنا
حين تفتّحت عيونهم على
وميض أغنياتنا
(صوتٌ داخليّ):
لكنما الرياحُ في هبوبها
تقولُ حاذري
إخوتك السبعة
تقول حاذري
إخوتك السبعة
تقول حاذري
إخوتك السبعة
لو انّا نطامنُ من صوتنا
ونكبحُ هذا الهياج
ولو نتوارى ونمشي رويداً رويداً
وراء السياج
فلي إخوةٌ يا حبيبي غُيُرْ
لو أنّ القمر
يعودُ إلى كهفه في الجبال ويرخي الستر
أخافُ الضياء يشي يا حبيبتي بنا
فإنّ كلاب الطراد على دربنا
تجنّ إذا برقت في الظلام نصالُ القمر
- حبّك يحمي ظهري العريان
التصقي بي، لا يكون الحبّ يا حبيبتي جبان
(صوت داخلي):
لكنما الرياحُ في هبوبها
تقولُ "حاذري
إخوتك السبعة
تقول حاذري
إخوتك السبعة
تقول حاذري
إخوتك السبعة"
- 3 -
قابيلُ الأحمرُ منتصبٌ في كلّ مكان
قابيلُ يدقّ على الأبواب
على الشرفات
على الجدران
يتسلّقُ يقفزُ يزحفُ ثعباناً ويفحّ
بألف لسان
قابيلُ يعربدُ في الساحات
يلفّ يدور مع الإعصار، يسدّ -
مسالك
ويشرعُ أبواباً لمهالك
يحملُ في كفيّه غسول الدمّ -
توابيت النيران
قابيلُ إلهٌ مجنونٌ يحرقُ روما
والموت كبيرٌ يتنامى
صفصافةُ بلّورِ أحمر
يسقيها القابعُ في "المخفر"
فتمدّ تمدّ تمدّ تمدّ
تمدّ وتنتشرُ الأغصان
وعلى الآفاق
على الطرقات
على العتبات
على الحيطان
أوراق اللهب ترقّصها ريحُ الشيطان
الموت كبيرٌ يتنامى في كلّ مكان
الموتُ وقابيلُ الأحمر في كلّ مكان
مددتُ نحوهم يدي
ناديتُ في حزني وفي نحيبي
يا إخوتي لا تقتلوا حبيبي
لا تقطفوا العُنقَ الفتي
سألتكم بالحبّ، بالقربى سألتكم بالحنان
يا إخوتي لا تقتلوه
لا تقتلوه
لا تق......
- 4 -
حين استراح الموت
وعرّشتُ حولي غصون الصمت
حنوتُ فوقهُ أنوءُ بالأسى
أمسحُ صدره المهشّمُ الضّلوع
أمسحه بالحبّ والأحزان والدموع
لملمتها بالحب ّوالأحزان والدموع
لملمتها أشلاءه المتبّلة
بالدم والدّخان والحصى
لملتُ ليل غابة الشعر
والشفة التي تمزّقت كما الزهر
وماستي عينيه
(واهاً كانت العينان تثقبان
غابة الظلام، كانتا
مستودع الرؤيا وموطن
الحلم)
لملمتُهُ شلواً فشلواً
باقةً من الزهر
أسلمتها إلى الرياح
وقلتُ يا رياح
هذي شظاياه ابذريها
في السفوح والفتن
وفي السهول، في ثنايا الغور
في مسارب النهر.
خُذيه وانثريه عبر كلّ ساحة الوطن
- 5 -
يشدّني أيلول
إلى شقوق بيتي المهلهل المشطور
ولم تزل عرّافة الرياح
تطرقُ بابي الحزين كلّما تنفّس الصباح
تقول لي:
"حين تتمّ دورة الفصول
تُرجعه مواسم الأمطار
يُطلعُه آذار
في عربات الزهر والنوّار".