لم أعد متيقناً مما رأيت،
شككتُ طويلاً في براعةِ النوم،
شككتُ في الليل،
أنهرُ الحلمَ بيدينِ عاريتين
فزعي ملطخٌ
بدمٍ لزجٍ وحار.
اعتزلتُ الناسَ
ولزمتُ الجبلَ العالي.
هناك شققتُ الصدرَ
هناك في البرّيةِ
اندفعتْ مخالبُهُ بصرخةٍ ضاريةٍ
ومن حجرٍ إلى حجرٍ وثبَ
بخفةِ الوعل
وتربّص النمر،
مسَّدتُ ظهرَهُ
فانقدحتْ شرارةُ المكرِ في فرائهِ
تقوّسَتْ براثنهُ،
وتفتّقتْ أنيابُهُ المصقولةِ،
ومن القمرِ ارتفعَ بصرُهُ
ثاقباً الليل.
عدتُ إلى البيتِ
يمكثُ فيَّ النهارُ
ويترقّبُ نزول العتمة.
أستيقظُ كلَّ ليلةٍ
على زئيرٍ رابضٍ يتأهب
أستيقظُ
على عينينِ تقدحانِ شهوةً حمراء.
لم أكن متيقناً مما أريد
حاولتُ مراراً
ريثما يألفُ ويأنس.
سلكتُ طرقاً ليليةً، طويلةً ومعزولةً
رفعتُ صوتَ غناءٍ صاخب
ليروِّضَ عواءَهُ
أجري في رملٍ
وأشقُّ الجيبَ علّه يبترد.
أعسِفُ شكيمتَهُ بالأثقالِ
والجوع.
أطوي ثيابي، ليتمرّغَ الهجينُ في عُريِه.
حافيةً تغوصُ أقدامُه بين الأشواكِ والأحجار
تتفطرُ الأظافرُ
ربما الحافرُ يوقظُ غريزةَ النَّدم.
كلَّ ليلةٍ أحملُه قبلَ أن ينفلتَ
وأُطلقُ عواءَه في الخلاء.
يتفتَّحُ الوحشُ في صدري
كطفلٍ مدلَّلٍ أصابَه الربو
واختنقَ
داريتُ الأهلَ، غافلتُ الجيران
وكلما اشتدَّتْ أزمتُهُ
أطلقتُهُ في البريَّة
ينهشُ في الليل
حتى يكتنزَ القمر
متورِّماً وأزرق.
في الفجرِ يعودُ من القنصِ
مبتهجاً والدَّمُ يَشُرُّ من ثناياه
ويلوذُ بقفصي،
أَمضغُ نفخاتِ الفولتارين
ليدخلَ في خَدَرٍ الكواسرَ
يسقطُ في نومِ الضُّحى
وفي الحذرِ أتنفس.
كلَّ نهارٍ أصحو
وبخفَّةٍ أسحبُ جسديَ المنهكَ من فِراشِهِ، أغتسلُ .. أكشطُ الدّمَ قبلَ بزوغِ الأعينِ، أُعِدُّ الإفطارَ من غيرِ لحمٍ، أترفقُ بالقهوةِ ..أسمرِ الخبزِ .. أضعُ العسلَ في زجاجةٍ، وأزيِّنُ مِزهريةً بيضاءَ بابتسامةٍ بلا أنياب.
بعد أن يطمئنّ البيتُ، وتنطفئُ رائحةُ الليلِ الحرِّيفةِ من هوائهِ، أتسللُ بطمأنينةِ الغدر، أُحصي فرائسَ البارحةِ، وأَدفنُ جُثثاً ممزّقةً، أُواسي المصابينَ وأعالجُ الجرحى، وأُحصي الطرائدَ وأشُمُّ مكانَ صيدِها المعتادِ قبلَ جهامةِ الليل.
1 نوفمبر 2009 م