(1)
صارت سيرتها عادة الكلام
فملأت المشهد.
(2)
غابت عن كل الأمكنة
واختبأت في القلب.
(3)
صنعنا من الحكاية إكليلا
وزينا به القبر
كي تحرقه شمس النسيان.
(4)
في العزاء، قال حبيبها:
لن ألبس بذلة سوداء،
أرتدي الأسود عندما يرتديني الفرح.
(5)
كلما كبرت الحسرة
كثر الورد على الضريح.
(6)
ليس لتعويذة السهو سحر
إلا خيال الحكاية.
(7)
كل هذا الغياب المستبد
لم يبدأ بعد
يا لكِ ..
(8)
عذرا ..
لم نغادر جسدك هنا
لأنه يجب علينا اقتراف ذلك
غير أن الحياة قد انتفى غرضها منك
لسبب غير معقول.
(9)
هذا الهاتف يعرف صوتها، يميز نغمتها،
يصغي لنداء قلبها كل صباح،
ما زال دافئا بأحاديث عالقة،
وحكايات ناقصة.
اسمعوا ..
هذا الرنين نبرتها
هذا وقتها
إذن هذا نداؤها
وكل الشوق لها.
(10)
الموت أصدق الأخبار
لكن المثابرة على إنكاره
هي المثابرة على تكذيبه،
كذبة تكبر على حساب الروح.
(11)
بعد الوداع .. ظل وشاحها الأسود
طوقا يحتضن عنق إبنها،
كلما سها الوجد أيقظته الرائحة.
(12)
أحبتنا في الغربة
الذين غرسوا هناك أوتاد البعد
لما أصيبوا بغيابك
أصيبوا بوتد في القلب.
(13)
نعشٌ تكلله مهجة مهابة،
تزفه قلوب محبة،
نعشٌ ليس للبكاء.
(14)
- لماذا كل هذا الغمر على القبر؟
- الماء آخر كلماتها قبل الإغماضة الأخيرة.
(15)
في الفقد يلهج القرآن،
يغالي في تراتيل جنائزية
ليهزم الكذبة.
(16)
لها فقط ..
كسروا دمعتين
حفروا قبرين
زينوا نعشين
وسألوها الخيار !!
(17)
في رسالتها الأخيرة همست:
لا تهتك سري، لا تفضح جمالي.
(18)
لو لم يكن الموت كذبة سوداء
لما قام كل هذا الحزن.
(19)
في غرفة الله كانت
ومندوب الموت
حارس يتكدس عند الباب
أوشك أن يغادر
من فرط الانتظار.
(20)
قيل: في مستشفى الغربة
لم يجدوا للجثة مأوى
كي تزاول وحشتها.
(21)
كي لا يتسع الذهول،
كي لا تستعر الحسرة،
أمِتْ أحبتك وارثهم قبل الفقد.
(22)
شواهد القبور
شواهد مكاتب العمل
كلها شواهد موتى
الفرق أن الثانية تصقل زيفا.
(23)
يا لمرارتك أيها الحزن
وسعتَ حتى وسعتْ الثياب.
(24)
لازال للقلب نزف وقور
لازال للحزن سلوة السُلاف
كيف لنا إعادة ترتيب الحياة
وفق غير هذه الطقوس؟
(25)
في العزاء
بين حلاوة القند،
ومرارة الفقد
هناك مهمة عصية.
(26)
قيل : كانت نصال الجمال
سخية في اختزال الجسد
سخية بما يكفي لعودته تابوتا.
(27)
ما أطيبها ..
تتقاطر علينا في المنام
ترخي قليلا من ذل الفقد
يا لها من شفقة!
(28)
أيقظتنا من غفلة الموت
ونادت: شِدوا أوتار قلوبكم
ففي الأفق عزف وبكاء مؤجل.
(29)
بعد اسبوع العزاء
دلفنا البيت كعادتنا
في مساءات الجمعة،
رتبت الكراسي بنفس الإيقاع
جاءت مائدة الضيافة بنفس الأواني
بيد أن القهوة ناقصة المزاج،
الحلوى تقشفت من لذتها،
بينما النسمة تتسلى بالوحشة.
جلس بشر بملامح مقنعة
تحت شجر يثرثر ببلادة
وكرسي فرغ من الضحك.
(30)
ليس لك أيها النسيان سرقتها
هكذا خلسة، بهكذا سرعة.
(31)
كنا في التأبين
رجوت أختي: يكفي بكاء؟
ردت: هنا للعين حرية الدمع.
(32)
مطعون بالفقد
ينوء بثقل الخسارة
كملك فقد تاجه.
(33)
لا يرق لقلب
لا يشفق بدمع
لا تأخذه تميمة
لا يؤجل يتما
لا يلبي القَدَر إلا أنانيتُه.
(34)
صفارة الإسعاف تستغيث:
افسحوا للأمل عاجلا
آزروا هذا السباق المحموم
ضد خصم عصي.
( 35)
بعُدتْ عنّا في سهو الوقت
فاختطفها النسيان.
(36)
غفرنا لها كل الخطايا
فاستحالت إلى حمامة وديعة
فطيرناها الى السماء.
(37)
يشق على وجع الوقت
أن يحسبك من ذاكرة الخاسرين.
(38)
الموت كأس دين تملأه مآقينا.
(39)
- ما هو النسيان؟
- هو الحياد البارد
الذي تستقبلنا به القبور!
(40)
بإلحاح تومضين في الذاكرة
نفتش في غيابك
ونكتشف فيك الموت.
(41)
في العائلة الكبيرة
الممتَحنة بحبكِ
كنتِ
أول اليائسين
أول الخاسرين
أول الملومين
أول المغامرين
أول المغادرين
وأول الكلمات
في وجع المراثي.
(42)
احتسى مهارة النسيان
كلما طل طيفها
كسحته الكؤوس
حتى نسي كل شيء.
(43)
نهبة العدم
نهبت منا الطمأنينة،
والنساء
ما فتئت تعيد الكرة
كل تسعة أشهر.
(44)
يجتاحنـي صوتك كأغنية
تلفّت ورائي
كان الصدى
اسما مطرزا في دفتر العدم.
(45)
باهظ الخبز
باهظ الألم
باهظ الفقد
باهظ السلام
رخيص أيها الإنسان.
(46)
في مدخل بيتها
تستقبلك صورها
هنا تضحك.. هنا ترحب
هنا تعتب .. هنا تحزن
وهناك في البعيد تتظاهر بالغياب.
(47)
متى تأتي سيرتك
تضج القصيدة بكاءً.
(48)
نامي وقَـرّي عينا
فالذاكرة لا ترسم لك
إلا الصورة التي تحبين
رغم عبثك بالجمال.
fadlegandx@maktoob.com
مايو - أغسطس 2005