...ولكَمْ أويتُ إلى نفسي في عزلةٍ مبكّرة...
وكانت عيناي، أحياناً، حالما تهدأ أحزاني
تغمضان بسرعةٍ لا تمنحني متّسَعاً من الوقت
أقولُ فيه إني حزين...
وبعد هنيهةٍ من الشرود في شمعدانٍ لم يعدْ مضاءً
في زاوية البيت القديم على أرض ذاكرتي
يوقظني شعورٌ غريب بأنّ الوقت قد حان
لكي أبحث عن طيورٍ نطقتْ بسحرِ ملاك التشرّد:
أويغوريا... الأبعد منفى
أبتغي الآن نسيانَ ما جاء على ألسنة الطيور
واكتشافَ أرض الظلام حيث تدمى قدماي
كيف أكفّ عن التفكير فيما سمعتُ منذ سحيق؟
لأنّ الصوت انزاح فيّ عن مجراه
فبدا أنّي هو ما نطقتْ به الطيور
هنا، يغوصُ القمر الغامض في غسقٍ يثقل عينَيّ
وكأنْ يعانق في نبع التقمّص فكريَ الشريد
تقدَّمْ إليَّ... يخاطبني الشمعدان
حان الوقت لكي تخرج من أرضيَ المندثرة
وانطقْ حرّاً بالصوت الأقصى ألقاً: أويغوريا...!
كنتُ داخلَ حالة النطق أستعيد شمسيَ القديمة
وربما كان للزمن اقْتباسٌ غيرُ النهار
إذْ بدا ذئباً بلا سببٍ ممتنعاً على الفهم
وبدا غموضاً مذْ أتينا إلى هنا
أسألُ نفسي عن اللحظة: أيةَ أرضٍ يمكن أن تكون؟
وأنصِتُ: العذابُ ينادي، هناك، في مكانٍ بعيد
إلى حدٍّ يوقظُ فيَّ حنينَ المسافة
كنعيق الغربان على أغصانٍ يبستْ في القبور...
فيوحي إليَّ باتّساع البحر في غضونِ المنفى
حيث تنذر الطيور الوصيةُ بالجزر القادمة
وربما كان جمودُ الرياح من حولكم، يا أيّها النّاؤون
قَدَراً عليها جرّاء اليقين بلا جدوى الموت العميق
وبأنّي أنا محضُ نفسي ولا شيء سواي
مهما يكن من فضاءٍ تهبّ فيه طيور كبرى
فحينما كنتُ أستفيقُ تحت جنحِ النشيد المأهول
ويضطربُ المكانُ الذي كنتُ فيه بكلِّ صمتي
أشاهدُ كلَّ شيءٍ يدورُ حولي في الظلام...
ويبحثُ الجسد... يسري شبحاً في الضباب الأزرق
كي يستخلص من شكلِ الألم اتّجاهَ الأشياء المعلَنة
وكي يعيد تشكيلَ حلمٍ يقيمُ فيه... يسمّيه
كثيراً ما أوى الطيرُ إلى قلبي في وحشةٍ متأخّرة...
وكانتْ عيناه، أحياناً، حالما تهدأ أفكاري
تغمضان بسرعةٍ لا تمنحُهُ متّسَعاً من الوقت
يقولُ فيه:
كان النهارُ أشدَّ جمالاً، يا للهول
تتكسّرُ أجراسُ خطاك في تخوم البلاد
وصدىً لشمسِ نافذةٍ يصدأ فيها نَهْدا امرأة
يتردّدُ من حولك دون انقطاع:
أويغوريا...
الأبعد منفى!
خريف، 1996