وتركضُ
والجرحُ هذي السماء
تُسندُ من صمتِها
ما تبقّى احتمالَ البكاء
لكَم جمّعت
منذ أولِ هذا الصباحِ مزاميرَها
وطيورَ ملامحَها المتعبة
تعرفُ أنَّ النهارَ طويلٌ
وحقلَ الغناءِ وسيعٌ
وشمساً لها خصرُ غانيةٍ
كلما مالَ فيها النعاسُ
استفاقت على ركضها
وخديجةُ
تركضُ تركضُ
مثلَ غزالٍ
فسبحانَ وجهُ الغزال
أحاديثه اكتنزت خوفها
ثَمَّ وجهٌ خفيٌّ لعشقِ النساءِ
ورحّالةٌ باعَ كلَّ العواصمِ
مستفرداً عاصمة
فيهيجُ بها الموتُ
يأكلُ بعض الموسيقى
يهيجُ اخضرارُ الحقولِ
يهيجُ حليبُ الصبابةِ فيها
يهيجُ الجدارُ
ومنفى الطفولةِ
والياسمينِ
يهيجُ بها الكبرياء
يا حارسَ الربِّ
جمّد حمامَك
حتى أحجَ
وأتلو مزاميرَ صوفيتي
بدني زخرفته المسافةُ
والأرضُ تغزلني
كمناحةِ سيفٍ
يعتِّقه خجلٌ في النهود
بلا سببٍ للكتابةِ يخلقني اللهُ
محبرتي
ويدي
ومناديلُ هذا الوداعِ الأخيرِ
انتهى لونها
وبلا سببٍ لقميصي
رأيتُ الكواكبَ
تغسلُ بعض القصائدِ
تسرقُ من نحرِ سيدةٍ لونها
والخشوعُ كصيفٍ يهدُّ الجسد
ورأيتُ شبيهَ وطن
ورأيتُ أخاً باعَ نصفَ ملامحِ غربتهِ
ورأيتُ بعيني أنا
والداً يتوهجُ بالرمزِ دون ولد
من يدلُّ خريطتنا اليائسة
وهي بضعُ مهيأةٍ لانهزامِ القتيل
اقترحتُ لهم أيَّ منفى إليكَ
فصارحني الليلُ وهو نبيذٌ
إلى أن يرتّبَ رحلته المتثاقلُ فيَّ
على مضضٍ
مرَّ مستعجلاً
دون عادتهِ في السلام
واقترحتُ لهم بعضَ أطوارِ موتي
اختتمتُ الغناءَ البليدَ
وحركتُ سيدةَ الريحِ نحوي
فلمْ تحترقْ
ريثما أتخلّصُ من شبقي
فاكتفيتُ أنا بابتسامةِ وردٍ
تُجرُّ عليها السيوفُ
تُطالبُ كل ملائكةِ اللهِ
قطرةَ ماء
بلا سببٍ للشبابيكِ
هيأتُ بعضَ العصافيرِ
والحمدُ للهِ
تفطنُ هذي العصافيرُ غربتنا
فتذوبُ
ويمنعها بعضُ لوحِ زجاجٍ تهشّمَ
كيما تقبّلنا وتغني
وخديجةُ
تركضُ تركضُ
مثلَ غزالٍ
فسبحانَ وجهُ الغزال
وبلا سببٍ للورودِ
اغتلستُ عن الشعرِ
عن نصفِ ناقلةٍ للذهابِ النبيِّ
وعن رغبةِ الموتِ
عن رغبةٍ في الحياةِ
عن امرأةٍ رفعت نهدها
فاترَ اللونِ
يقطرُ منه الندى
عن هلاكٍ
وعن أضرحة
وبلا سببٍ للعراءِ
لجأتُ إلى قامتي السنديانِ
فكان كما الشيءُ في المصطفى
والرؤى واضحة
وبلا سببٍ سوفَ يأتي
ويسقطُ
ينهضُ
يسقطُ
ينهض
يزعجهُ منظرٌ للمراثي
وتزعجه لغة مادحة
أساعةُ موتٍ جميلٍ
تساوي الحياة ؟
وهل عتمةُ الحيِّ
عمّا بداخلهِ فاضحة ؟
وخديجةُ
تركضُ تركضُ
مثلَ غزالٍ
فسبحانَ وجهُ الغزال
تُحرِّك من جسدي
وفقَ أهوائِها لغةً ونداء
يسترها الليلُ
مثلَ الفريسةِ
والنارُ دجّنت الداخلينَ عليها
تصبُ من الرقصِ ليلتها
تدّعي أنها شجرٌ يستقيلُ عن الأمِّ
دون قراءةِ بعضِ الحليبِ
وتفتحُ أثوابَها لجلالِ الخشوعِ
تُرتّبُ أيامَها المستحيلة
كم طاعنٌ قدحي بالشفاعةِ
والدفأُ ما عادَ يمنحني قادحة
فاترٌ أيهذا السبب
فاترٌ أيهذا الجسد
والمساءُ غلالتهُ كلماتٌ
تُؤجلُ تنقيطها
تشتهي شاعراً
ليسَ محدودبَ الظهرِ
يرمي فحولتهُ
ويجيءُ بعفويةٍ
كلُّ أجراسهِ في مواعيدها صائحة
وخديجةُ
تركضُ تركضُ
مثلَ غزالٍ
فسبحانَ وجهُ الغزال
***
اشتهاءات صيفية
أخبىءُ
في بعض جرحِ القصائدِ ناياً
فيشتعلُ البحرُ بالإشتهاءاتِ
مرتعشٌ حين أدخلُ
يوقفني بعضُ أشياءِها
جنةُ العشبِ
بعضُ الموانىءِ
مفتاحُها الغجريِّ
جنونُ دفاترِها
يتباطأُ خطوي عليَّ
أُراوغُهُ للخروجِ
وكان اشتهاءٌ لذيذٌ تدلى
يجرجرُني
قفْ قليلاً
- فكم مرةٍ تدخلُ الحلمَ الطيشُ غابتُكَ الأبديةِ
- لستُ أجيدُ قراءةَ أشياءِها
- صيفُها
- قلتُ :
لستُ أجيدُ التوكأَ في شرفةٍ مقفلة
فكم نجمةٍ حطَّ فيها المساءُ وغافلني
وكم دفترٍ صدَّرته سكارى
وكم جنةٍ أغلقتها
تعبتُ
ولم يفهم اللائمونَ
بأني أُحبُ فتاتي
بلا أيِّ معنى لتلك الإضافة
أراني أُزاوجُ ما بين وجهي وصيفِ فتاتي
يمرُّ بنا الوقتُ
يمسحُ أدراجَهُ بالموسيقى
نقهقهُ في الليلِ
مغتربَينِ على قصةٍ
لم يكن للنبيذِ العراقيِّ فيها نصيبُ
أُنادمُها
عن نوارسَ لا تستقرُّ بمينائها
عن شموسٍ تفلُّ ظفائرها
عن مساحةِ بوحٍ
وعن جهةٍ مكثَ الطيبونَ بها
عن قتيلٍ مضى واشترى موتهُ بقصيدة
وعن قتلة
يمرُّ بنا الوقتُ
والوجهُ يُسهبُ في الصَّحوِ
كم تشبهينَ جبينَ الممرّاتِ
والطرقِ الضيقة
صوتُك ألمحُ فيه حكايا الصغيراتِ
لاعبنَ رملَ الشواطىءِ
والشمسُ ألقت سلاماً عليهن
كنتُ أقرأُ في جيبِكِ
سورةَ التمرِ
أفتحُ فجراً تواربَ عن أعينِ المتعبينَ
فيسقطُ منه التمردُ
كان نصيباً بلا خجلٍ
والتشهي يودعُ طالعهُ
يطرقُ نافذةَ الداخلينَ
على جسدٍ للمفاتنِ فيه اشتعالُ
هُمُ فقهوا زحمةَ الجرحِ
لكنّ ظهرَ الربيعِ تجاوزني
هُمُ فقهوا
ثَمَّ أشرعةٌ نبّهوها عن الماءِ أو نهبوها
فكانت قصائدهم
تتلبّسُ أضرحةَ الحيِّ
مثل نبيٍّ توضأَ بالخمرِ
أشهدُ أن العناقيدَ
لمَّا انتهى صمتُها
خرجت قابَ مقصلةٍ
والمنازلُ ترشحُ منها الفواكهُ معروقةً
التلفّتُ ميناءُها
تركت وِرْدَها عند بابِ القيامةِ
واسّلقت جذعَ حظي
رميتُ تقاسيمَ وجهي
إلى جهةٍ قمحها مذبحُ العاشقين
غزلتُ جيوباً
وأخرجتُ جرحاً بقدرِ البكاءِ
زعمتُ بأن الذي فوقَ ظلي أنا
وهو منتحرٌ
كان لي رغبة أن أكون نبيا
أصدر بعض الفتاوى إلى الموج
والزبد المستفيض عليّ
أوزعه للصبيات
لكنه الرمل أدركني
قرأت عليه التعاويذ
بعض ملامح أمي
وجربت سبع مياه من الانكسار
ونار من الرغبات
فلم أتوحد
ولم أك مثل الذي عاشر الجرح منذ صباحين
مثل نبي أتته القصائد كافية للأميرات
عدتُ أحدق من بُعد رمحين
آدم كانت تورطه الابتسامة
يخرج كالسهم
والرمل في يده
إن تنفس يصهل
يترك شيخوخة النار
حين تكذبه امرأتين
فيغسل في درج العمر عكازه
ويقولون ....
أميّ من ضلع خاصرة لم يردها أبي
فكانت خطيئته
وكانت عليه تخاصر من شعرها
تتقمص صيفا
وإن لم يصفه نبيٌّ
وترفع نخبا من الصمت
في مشرب الله
- عذرا
فكيف يفك وثائق خطوته
ويمد جبين الأسف
وإبليس ...الله الله
كيف لهذا الذي هو إبليس
أن يستقيل بلا ضفة عند نخلته
ويهيأها كملاذ له ولها
كنت أعرف صيفا يُميِّل منحدرا
كنت أعرفها امرأة حين خبأها الطيبون
كنت أحمل وحي الكتابة
أتسمَّر هل جنة خرجت من جحيم البيوت
فكانت صلاة بكامل أوثانها
حين تم اعتقالي
عن الماء والسطو في رئتيّ
كمثل الجراح لها حفلة
حين تمكث في جثتي
كمثل الذي لا يواري قليلا من الليل فيه
كمثل شهيد مضى نحو بائعة الورد
يسألها ...
كيف عتمة هذا المساء ستغلق كل المدن
كيف وكيف وكيف ...؟
ملائكة كيفها الذنب
تسرح تستعطف المقصلة
هل أطيل لك الشرح عن جسدي
كنت ذات ربيع
وكأسين من عرق عائلي
أعد خسارتنا في الطريق
أعاتب ما يتأخر
من مفردات لهذا الهزيع الأخير
وجرح من الماء في شفتي
أفكر ...
كيف الحرائق حواء في جسدي
كيف خيرني الموت
بين خطيئة أجنحتي لسواي
وبين الجهات التي صرت منها
وكيف ...
أخذت المنافي التي سبقوني إليها
بغير دمي
بغير دمي
امتحنوني على طور مشرعة
لا تليق بخوفي
فأسمعت منكسر الليل شعري
لك الله يا امرأة
صيفها الصمت
حين يصاب بدهشة حرقتها
حين تطلع من حزنها
وردة هزأت بالمخبأ
والملح جيّش أغنية / لعنة
وهي من دون عادتها
فرشت من يديها الجناح
وهيأت الروح تستقبل اللازورد
منافذ طل عليها النخيل
بخمس قصائد ليست بقدر الذي خبأته
حزن له الليل خوفين تلبسه
والذي يتناثر منه
تقدمه للغريب
الغريب يقول لها جنة
- جربي الصمت يوم الكلام
يعلق في صدره
بعض ما أوردته عليه
يضيف على ليلة السبت حانته
حين تتعب من ضجة الحرب
يلقى إناثا من الشعر
أنثى تكسره كالزجاج
وأنثى تروضه للقيامة
أنثى من الماء
أنثى من الحزن
طافت على فمه وردة
والنبؤة تأخذ رحلتها باتساع
الغريب الذي ابتلع الدار
جرب كل الحروب
وشاهد كل النخيل بأثوابها
يوم شاء لها الله أن تستريح
الغريب يحب مناديلها
وتضيق عليه ثلاثون عاما من الرغبات
يفاجأها بالطواحين
تبعثه دون أي فطام لنوبته
المسافة تشكو زيارته
كيف تصنع قهوته في الصباح ؟
خجول له نصف وجه من الإرتياح
ونصف يهب
كما كان يفعل بالأسئلة
يعبر من بعد نصف ارتياح لها
والمسافة مرغها
كيف مرغها ... فاسألوه
وجاء يخبأ وردته في القميص
هنا حين أعصر بعضي عليها
يضيق الذي امتلأت منه نفسي
أعود إليّ علانية
ويعود لها الماء في الماء
والحزن في الحزن
تخرج من ضدها
والخطيئة هذي الجهات
شيء من العطر والشجر المنحني
أو كما ينبغي حين تفقد أعصابها
هو الصيف وجه السلام عليها يليق.
***
مسبيٌّ
على رمل الكتاب
كيف يمكن ألا نكون هنا
والشواطىء تعبرنا خطوة
ودم الانكسار
على شفة الموج أرخ حمرته
كيف يستأصل النخل ملح الجبين
ويرمي بنا
لاشتعال يديه
على لغة صادرة
كنت أعرف معناك
تختزل الجبهة الصفر
كان عليّ السلام
وأعرف أنك تفرغ عصيان صدرك
تنبت بالحزن ضلعا
لتكتمل الدائرة
كنت أفقه منك نبيا
فعادت رماحك
مطعونة الخاصرة
تلبد بعض الثلوج
وينفلت الاختصار لديك
فما جسد للرجوع
ولكن أجسادنا وفرتك
وعما صنعت لها عابرة
وما جرأة منك إن طعنتك الرماح
فوجهك خيل
يعيد صلاة الصهيل
يجر سباياه عنك سكارى
وليس المكان حكاية صلبانه آنستك
ولكن شمسا .... وحقلين
باتا على ما تشاء لها اللحظة الآسرة
جسد شد نهد المسافة
فاطاير الملح
نبأنا بوريث يجيء برأس
ليقرأ بعض الرسائل
حين تصادرها الآخرة
كنت تخرج عنك
وتفتح نافذة الداخلين عليك
لتهديهم سنبلة
جرحك هذا اليتيم
له لغة
حين دروا عليه قليلا من القتلة
لست تحسن هذا التصرف
لست مدينة جرحي
ولست أهرب جنة ربي لعينك
إني ولدت على رملة طاهرة
***
مستحيل وطن
أكبر من حزننا
وطن ولدته القصائد
منتشر صمته
انتخبته السماء لجوع
يفتش عن ورق الاحتضار
وعن غيمة
صادرتها أغان من البوح
عن طرق ألفت حجم أقدامنا
عن ليال
يكون الرجوع نوارس في صدرها
عن رياح تسافر فيه
تريح تقاسيم أضلاعها
عند أرصفة وجسد
كل الجنود يجيئون
ممتلئين بليل من الجثث المدهشة
كنت أحصر ضلعين في رئتي
والمشاهد ملء ثمالتها
لم يسعها تراني
وقيثارة الروح مكسوة بالهزيع
انتخبت نبيذا
لأملأ صمت البلادين فيها
شفاه ويد
حين ترفل فيك المواسم
أغرق فيك
وأعرف معنى اختماري
فهم علموني
بشيء من الانحناء
يكون التكون
تخرج طفلته من جبلتهم
حينما انفصلت في تعددها
وتوالد فيها العدد
نكون
ووردة نفي تحاصرنا في المكان
تُدير من القتل شبرا لنا
وانكسار على الوقت فينا ورد
أنبياء
يمدون أعناقهم كالبساتين
تنهض مثل القصيدة
منك تكون
ومثل الذبيح
وصلبانه لا تقر بغير وتد
***
عندما قلت لخديجة
خديجة
إني عرفتك قبل اكتمال النضوج
فكان على دمنا عذق نخل
يكابر أن نبوءته
تعرف الموت أكثر منا
وتعرف هذا التراب
الصباح الشقي
نزوح المنافي...
وموجة حزن
تلف بها مآذنه
خديجة
مر عليّ القتيل
على يده الحلم
يغسله باشتهاء
يقسمه للذين يمرون
نصف بلا لغة الياسمين
ونصف له رؤية داكنة
خديجة
مر علىّ القتيل
يفتش عن ناره كي يؤانسها
يتعكز صلبانه
مر مستعجلا
وسؤال على شفتيه
أمرَّ قتيل يشابهني ؟
في دفاتره نورس
وفتى - كان أكبر من جرحه انتشر القيح فوق تقاسيمه - خلفه
- بلى .. مر من قبل نظرتك المؤمنة
خديجة
لم يكن القتل أهون من جرحنا
حين يقرأ
أن الذين يعودون
من خندق الملح
مشتعلين بسكر قرابينهم
يتمنى الذين على ضفة الموت
أنا نلخص قرآنهم
حين يتلو الملائكة السورة الممكنة
خديجة
كم سأل الموت عني
وكم شرب الاختصار مسافته
هل نفسا - حين مرت عليه الرصاصة - صعده
تسترد أصالتها
وتسلم مفتاح شهوتها لاختراقي
لتدخل في مدن خائنة
لقد كان بردا عليّ
وكان السكوت على سورة النار
يفصلنا
ويشككنا برجولتنا
فعرفت نبوءة من مر قبلي
فقهت الحقول
رأيت السنابك مرمية
شفتاها تساور بحرا
فكانت بزاوية سوسنة
كنت أعصر بعض النهود
أخبئها خلسة
وخديجة سرحت الشمس
حتى تهيأها للدخول
على لغة آمنة.