(إلى حسين عجيب. اللاجئ بالولادة)
بنيّ ثمة ملاكان
أحدهما جالس على كتفك الأيمن
يسجّل لك الحسنات
والآخر جالس على كتفك الأيسر
يسجّل عليك السيّئات
جالسان هناك
لا تحسّ بهما
لا تراهما
إلى أن تموت...
هكذا كانت تقول أمي
وأنا طفل
عندما تفتخر بي جرّاء عمل أقوم به
أو تنزعج من أمر صدر مني
بين فترة وأخرى
فكلّما أدركتُ أني فاعل شيئاً
كنت ألتفت يمنة ويسرة
علّني أشاهد أحد الملاكين
اللذين يرافقانني طوال عمري...
أبتسم بمرارة
وأنا أتذكّر ذلك
محدّقاً في زبد الجعة
المتبقّي في قعر الكأس
هل لي أن أسألك من فضلك
هل ترغب، سيدي، بالمزيد؟
كان النادل يتظاهر بمنتهى اللطف
حتى جعلني أومئ بنعم
سحابة التبغ المتصاعدة
من أفواه المتسامرين في هذه الخمّارة
المؤثّثة على طراز القرن التاسع عشر
كانت تتجمّع تحت سقف داكن
وتحوّلت ببطء إلى طيف
كما لو خرج من قمقم
وهبط على الكرسيّ قبّالتي
مادّاً يده الهلاميّة نحو الكأس
التي ملأها لي النادل للتّو
هه...
ألم تعرف من هما الملاكان؟
خاطبني الطيف
بعدما دفع بالكأس نحوي
أسلافك كانوا يتكلّمون بالرموز
لأنهم كانوا كائنات أسطورية
حدّقت فيه
كأني أهبط بنظري في هاوية سحيقة
ألا تصدّق ذلك!
أستطيع أن أثبت لك
أنك كنت تشاهد الملاك
الجالس على كتفك الأيسر
منذ أن كتبتَ أولى القصائد
وأنت تحلم بما هو أبعد من أنفك
ماذا كانت تقول أمك عن هذا الملاك
أجل
كان يسجّل عليك السيئات
ولم لا؟!
أن تحلم بما هو أبعد من أنفك
يعني للسلطات أنك تقترب من مملكة الشياطين
أمستغرب!
أعرف أنك عرفت الآن
أن القائمين على شؤون أمثالك
في بلاد تشبه الصين، سوريا أو تركيا*
هم الملائكة يترصّدون أفعالك
إذ تتخطّى خارج لوحهم المحفوظ
مبتسماً بخبث
مدّ يده الهلامية مرة أخرى
نحو الكأس التي أمامي
وهو يقرأ في وجهي
ما تركه فيه كلامه من تأثير...
احزرْ
من هو الملاك
الجالس على كتفك الأيسر
يسجّل لك الحسنات؟
ساد بيننا صمت قصير
التفت النادل نحوي
متوجّساً أني أرغب بشيء
هو من يترصّدك
وأنت مشرَّد بلا وطن
تتسكّع على أرصفة غريبة
تعاقر الخمر مع نديم غريب مثلي
هل تذْكر مشاعرك
عندما التقى بك المحامي
الناشط في منظمة العفو الدولية
الذي تولّى قضيّتك؟
أو عندما أجرى معك المقابلة
الموظَّف الحقوقيّ
في مكتب المفوَّضية العليا لشؤون اللاجئين
لهيئة الأمم المتحدة
هنا، في أنقرة؟
ألم تشعر، عندئذ، بشيء من البرد والسلام
وأنت داخل النار
كما كان إبراهيم في ما مضى؟
ما أكثر الملائكة على الأرض
أليس كذلك؟!
ملائكة يطاردون
ملائكة يمنحون الحماية
ملائكة يتصارعون
ضدّ / مع حقوق الإنسان
ما أصعب حياة البشر... ما أغربها!
نظرتُ إليه بكبرياء مجروحة
إذا ما كان يشفق عليّ
كان يتأمّل الزبد المتبقّي في قعر الكأس
مستمتعاً بموسيقا منبعثة
من ركن مظلم في خمّارة باردة
يحيط بها الملائكة
يأوي إليها الثلج والغرباء
تغوص في زاوية شارع غريب
في مدينة غريبة
في عالَم غريب...
ليتها، أمي، جالسة قبّالتي
مكانَ الطّيف
أنقرة 12/3/2004