كان إنسانا رقيقا هادئا يشبه النسيم، رومانسي في تعامله، رقيق في أسلوبه، حليم في غضبه، وصاحب ثقافة واسعة.
احتفالية سينمائية تشكيلية خاصة، نظمها مؤخرا قصر التذوق بسيدي جابر بالإسكندرية، عن الفنان الغائب الحاضر يوسف فرنسيس صاحب الأفلام الشاعرية والتشكيلية مثل "زهور برية"، و"حبيبتي من تكون" و"توت عنخ آمون"، وغيرها من الأفلام التي يقدم لنا فيها سينما خالصة، كأن الفيلم فيها لوحة تشكيلية ناطقة متحركة نستمتع بكل ما فيها من إبداع.
بدأت الاحتفالية بافتتاح معرض الأعمال التشكيلية ليوسف فرنسيس، أعقبها كلمة رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، ثم تحدث الفنان رمسيس مرزوق، والناقد الفنان مكرم حنين، عن شاعرية التشكيل والسينما في الآثار الفنية التي تركها لنا يوسف فرنسيس.
أعقب ذلك عرض فيلم "عصفور من الشرق" المأخوذ عن أعمال الكاتب الكبير توفيق الحكيم، ثم حديث للناقد السينمائي نادر عدلي.
ثم عرض فيلم "زهور برية"، وحديث الناقد السينمائي د. ناجي فوزي، والناقد السينمائي ضياء حسني.
وتقديرا من وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة، للذين أثروا الحياة الأدبية والفنية، فقد مُنح اسم يوسف فرنسيس تمثال امحتب.
ويوسف فرنسيس ليس مخرجا سينمائيا أو فنانا تشكيليا فحسب، ولكنه كان كاتبا ومؤلفا وناقدا فنيا، وسيناريست له مذاقه الخاص، أيضا.
من كتبه المطبوعة: صور باريسية، أوربا إلى أين؟ فتيات الجيشا، عرائس الخيال، الرعشة، نصف وداع، الملاك الفاسد، رحلات الحب والجنون، إجابات نخشاها، عصا الحكيم، باريس من الباب الخلفي، باريس الألف وجه، كيف تقرأ لوحة.
قال عنه الشاعر فاروق جويدة: كان رقيقا في كل شيء، وشفافا في عشقه وحبه وجنونه.
وقال عنه الكاتب الكبير أحمد بهجت: كان إنسانا رقيقا هادئا يشبه النسيم.
وقالت عنه الفنانة نادية لطفي: رومانسي في تعامله، رقيق في أسلوبه، حليم في غضبه، وصاحب ثقافة واسعة.
وقال عنه الناقد السينمائي لجريدة الأهرام نادر عدلي: "لم يتعامل الكاتب والمخرج يوسف فرنسيس مع السينما كفنان محترف، بل تعامل معها بمنطق الهواية، وكان لا يتجه إليها إلا عندما يلح عليه موضوع، يشعر أنه لن يحققه إلا سينمائيا، واستطاع كفنان تشكيلي أن يترك بصمة مهمة ذات أسلوب خاص ومميز".
إن اللحظات الشاعرية التي نجدها في بعض الأفلام التي لم يخرجها يوسف فرنسيس، من السهولة أن نكتشف أنها كان وراءها وصاحب إيقاعاتها، ومن هذه الأفلام التي شارك في كتابة سيناريوهاتها، فوضع بصماته وسكب من روحه عليها: الخيط الرفيع، المستحيل، بئر الحرمان، وثالثهما الشيطان، وأبي فوق الشجرة.
في فيلمه "عصفور من الشرق" الذي أخرجه يوسف فرنسيس عام 1986 نجد فكرة طموحا مبتكرة، يظهر فيها توفيق الحكيم بنفسه وسخريته المعهودة، وفيه يجمع فرنسيس بين الشاب الذي يمر بتجربة حب بائعة تذاكر المسرح، كما نجد في "عصفور من الشرق"، ومحقق جريمة قتل كما نجد في "يوميات نائب في الأرياف".
أما فيلمه "زهور برية" عام 1973 فيقول عنه يوسف فرنسيس: "لقد عالجت السينما المصرية كل أنواع الحب إلا حب الوطن، ذلك الحب الكبير الذي لا يزال يشغل حيزا صغيرا على الشاشة، لذا أقدمت على إخراج هذا الفيلم الذي يعكس هذا الحب من خلال تجربة شابين يعيشان في مصر بجسديهما، ولكن عيونهما وأفكارهما شاردة إلى أوربا الفردوس المفقود الذي يشبه المطهر بالنسبة لهما".
ولعل المطهر الذي يشير إليه يوسف فرنسيس "هو تلك الأحداث التي يواجهها الشابان خلال رحلتهما عبر الطريق الصحراوي، فتجعلهما يتراجعان عن قرارهما بالهجرة خارج الوطن".
ولعل العمل الذي كان يحلم يوسف فرنسيس بخروجه إلى النور محققا بذلك حلمه في الجمع بين السينما والتشكيل هو عمله عن المثَّال محمود مختار، ولكن رحل الفنان في عام 2001 قبل أن يحقق هذا الحلم.
ولتظل في ذاكرة الفن التشكيلي أعماله التي لن تمحى من الذاكرة: بعد العاصفة، مفترق طرق، هل نعود؟ وغيرها من الأعمال المتميزة.
2004-11-16