عبد الكريم كاظم
(العراق/ ألمانيا)

(نحن في الشرق لا نتحمل فقط
و أنما نهوى أن نعذب أنفسنا
الشرق هو موطن الاحتمال)
عبد الرحمن منيف...

عن نوبل و أضواء فرانكفورت الاقتراب من جائزة نوبل يثير الكثير من الأسئلة و يكشف الكثير من الثغرات في جدار الحقيقة التي تتشكل منها هذه الجائزة فكيف إذا كان الأمر يتعلق باللهاث اللامجدي وراء الحصول عليها بغض النظر لما يمتلكه هذا (اللاهث) من وقع و اعتبار و مكانة أيضاً جعلته يحظى بالاهتمام و لكنه تناسى في ذات الوقت البنى الانسانية المكونة للثقافة في كافة ميادينها.
يعاني العرب من عزلة ثقافية خانقة وهي عزلة لا يمكن اختراقها دون حلفاء يمكن أن يحملوا مع العرب أعباء المنجز الثقافي في تلك الساحة الشائكة والمتشعبة و بهذا يجدر بنا ان نفهم العملية بصورة جيدة إذا أردنا ان نتعامل بالطريقة التي تجعلنا حليفاً ثقافياً مؤثراً له حضوره وبصماته الخاصة التي تبرز السمات الأصلية و الفاعلة لثقافتنا و الغوص في أبعادها بأكثر من التعالي السامي عن مناقشة تفاصيلها و استبدال هذه التفاصيل بواقعية جديدة يطبقها الوعي الجمعي بصورة صحيحة لا بمقالة تقرأ على الملأ أو تلبية للحضور في افتتاحية احتفالية كمعرض فرانكفورت للكتاب و هذه تتطلب جهوداً حثيثة من الآخر لاستيعاب ما ورد فيها من أشارات و مديح، و بالسياق نفسه لا بد من التنويه بالجهد الذي يبذله بعض الكتاب العرب لإتاحة فرصة التقارب ما بين العالمين الغربي و الشرقي وهذا الأمر لا يدهش أحدا من العارفين بخفايا الساحة الثقافية و طبيعة التواصل الثقافي الذي سيظل غير متوازن ولا متكافئ بالرغم من كل المبادرات الفردية التي تحظى بالاهتمام
يبدو أن نبوءة الكاتب الألماني المعروف (غوته) تلك المتعلقة بأفول عصر الآداب القومية وبزوغ عصر الأدب العالمي لم تتحقق بصورة عادلة ومتوازنة والسبب كما يبدو لي يعود إلى هيمنة الأطراف القوية المتطورة على تلك الضعيفة المتخلفة في كافة الحقول و التوجهات مما جعل الفجوة الحاصلة ما بين الشرق و الغرب تتسع أكثر مما كانت عليه سابقاً ، ذلك هو الإطار الذي أود أن أضع فيه بعض الكتاب اللاهثين بطريقة جنونية وراء طموحاتهم الوهمية بالحصول على نوبل و لا أريد أن أحرمهم من هذا الوهم الذي لا يضر إلا صاحبه ويبدو لي أنهم قد قبلوا بذلك ، و مما يزيد الأمر خطورة بالنسبة للأدب العربي تلك العلاقات الخاصة التي يُقيمها بعض المفكرين العرب مع الآخر وأعني به الغرب و التي جعلت الثقافة حكراً على بعض المفكرين مما زاد من وعورة وخطورة اختراق أي نشاط ثقافي يتقابل فيه العرب مع الآخر وبدورها تدفعنا لا معقولية هذه العلاقات الخاصة الى التساؤل عن مدى جدوى مثل هكذا علاقات على الساحة الثقافية، على الرغم من كل النوايا الطيبة التي تغلف المنجز الإبداعي لبعض هؤلاء المفكرين، في الحقيقة أن الضجة لا تصنع مبدعاً بل على الأرجح تصبح عبأً عليه وتُغرق في نفس الوقت منجزه الحقيقي بدلاً من إبرازه بصورته الواضحة والخالية من الرتوش، فضلاً عن عدم مصداقية هذه الجائزة التي تضع الكثير في دائرة السؤال الحرج... ما مبرر منحها لفلان دون سواه ؟ فغياب الحقيقة ليس في الإجابة على هكذا سؤال بل في تقصي الأبعاد التاريخية المتعلقة بالعلاقة الشائكة ما بين الشرق والغرب على نحو نختلف فيه مع الكثير من التفسيرات التي أوردها مؤرخين بلهاء كما أن صيغة السؤال أعلاه تفضي الى شبهة إدانة و اتهام و بالتالي فمبررات منح الجائزة قبل الاطلاع على الحيثيات يتنافى مع روح الثقافة وخصوصاً روح الإبداع الحر و ربما أيضاً مداه.
كان من الأجدر بنا أن لا نتوسل إلى أحد أن يكون متسامحاً معنا وأن يتخلى عن انطباعاته و تصوراته المحدودة في فهم عملية التواصل الحضاري بل نريده أن يُبقي الباب مفتوحاً على مصراعيه لموضوعة الحوار المتوازن بحيث نستطيع أن نبقى قادرين على فرض موضوعة التسامح على الجميع من باب الحوار لكي لا يبقى في النهاية إلا ما يخدم و ينفع عملية التواصل الحضاري والثقافي و لذلك كان لا بد لي من التعريج على مسألة الجائزة بشكل مبتسر و حتى لا تتورع الجهة المانحة لهذه الجائزة أن تضفي شيئاً من القدسية على بعض الأعمال الشنيعة التي ترتكب بحق الثقافة و باسمها و أن كان هذا الأمر ليس حكراً على الثقافة وحدها.
لا يحق لأي فرد أو جهة ادعاء امتلاك الحقيقة حتى لو كان يظن نفسه أنه يمتلكها فعلاً ، لأن غيره أيضاً يظن مثل ظنه فالمرجعية في الحقيقة هي ليست إحصاء آراء الأغلبية على الأقلية بل المسألة تكمن في رفض أو قبول مبدأ فرض القناعات بالحوار لا بالقوة لذلك أرى أن الغرب ليس مستعداً للدخول في حوار موضوعي و متوازن مع الشرق من خلال معرض للكتاب يكون فيه العرب ضيوف الشرف بالنظر لأهمية الكتاب بالنسبة لكل العاملين في حقل الثقافة بل بالتداخل و الانصهار في بوتقة الحوار المعرفي بكل تنوعاته بطريقة عقلانية و بواقعية جديدة بعيدة كل البعد عن عبادة الماضي ولا أريد من كلامي هذا أن يُفهم على أنه نوعاً من الارتداد أو المروق لأن هذا هو الطريق الوحيد إلى الارتقاء و التمدن ضمن أطر احترام الذات و الآخر و انطلاقا من حاجتنا الماسة إلى التحاور و التفاهم بدل التناحرات و الصراعات حتى لو كانت هذه الإشكاليات مرسومة و مخططة بأيدٍ تجعل من الثقافة غطاء لها و جسراً للوصول الى طموحاتها التي تتقاطع مع أهمية الثقافة في حياتنا المعاصرة
الضجيج في معرض الكتاب لا يطاق و المجاملات الفارغة داخل الجناح المخصص للعرب لا تجدي نفعا ً والكتب الظلامية كانت هناك أيضاً، فبعد وصولي الى مدينة فرانكفورت التي لا تبعد عن مكان إقامتي مسافة ساعتين فقط اعتراني الحزن و طفقت أنشد العزاء للمشاركة العربية البائسة والمفتوحة على ولادة عجائبية منبثقة من واقع يهامش الاحتضار و التي لن تحمل معها شيئاً على أي حال ، فمشاركة العرب لم تكن سوى مشاركة عبثية عابرة و سيعودون و قد ركبوا حميرهم بالمقلوب ففي موسم الطوفان المعلوماتي يحاول العرب عبثاً أن يبيعوا أسوأ ما عندهم من إصدارات و التي تشبه الى حد ما مخلوقات عاطلة و هزيلة، لقد تحدثت مع صاحبي الذي رافقني هذه الرحلة... ألم أقل لك مراراً بأننا بائعو وهم في سوق العولمة؟
المشاركة العربية في هذا المعرض تشبه رجلاً أصابه وجعاً في ضرسه فبدأ يشتم سوء الحظ الذي أوصله الى هذه الحالة مدعياً بأن الألم الذي أصابه هو بمثابة المحنة التي لا طائل منها سوى أنزال العقاب بهذا الألم وليس بأسبابه حتى يستطيع أن ينعم بالراحة ، و لكن هيهات...أن أمراضنا معروفة ومشخصة بصورة دقيقة و لكن علينا أن نقتنع بأن فرانكفورت سوف لن و لم تكون العيادة المناسبة لمعالجة مثل هكذا أمراض مستعصية على الرغم من معرفتنا بكل الأعراض و بجميع وسائل العلاج و لكن...!
أصدقائي الكتاب نحن مرضى سعداء و هذه ليست خرافة وعليه يجب أن لا ننظر الى العالم بعين واحدة فقد يصيبنا العمى وهذا الأمر يدعو الى الأسف فيبدو لي أننا بحاجة الى بضعة قرون أخرى لنتعلم كيف سنُركبَ عواطفنا من جديد فنحن في حاجة الى أن نتعلم كل يوم فانظروا الى ما يحدث من حولنا وحولكم فأنا لم أبالغ قط فقد أحسست بذلك وأنا أتجول في أروقة معرض فرانكفورت وليس هناك غير حقيقة واحدة مفجعة لا يمكنني قط أن أعترف بها لأنني قررت يوماً ما أن أتجاهلها لكنني لا أنوي أن أتجاهلها الى النهاية لأن هذه الأمة الموغلة بالبدائية و العناد التي تطفو على بحيرات من البترول من السهولة أن تندلع النار بها و هذا الأمر يربكني كثيراً الى حد الشعور بالحيف والحسرة و يبقى السؤال بسيطاً و حاداً مثل موس الحلاقة .. متى سنتمكن من أن نحجز موقعاً خاصاً بنا نبرز فيه مكانتنا و إمكاناتنا المتميزة والمتفردة بين الأمم؟
من هنا يمكنني القول بأننا سنبقى حيال علامة الاستفهام هذه....
متى؟؟؟

10/10/2004


إقرأ أيضاً: