مسقط ـ القدس العربي : اثر مشاركة الشاعرين العُمانيين محمد الحارثي وعبدالله الريامي في البرنامج الحواري: تحت الرماد الذي تستضيف فيه قناة العالم (تبث من بيروت وطهران) شخصيات سياسية وفكرية، أصدر وزير الإعلام العُماني قراراً عمّمه علي كافة مسؤولي الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة بمنع الشاعرين عبدالله الريامي ومحمد الحارثي من الظهور بأي شكل من الأشكال بحيث لا تُنشر ولا تُبث أية مادة لهما أو عنهما في وسائل الا علام المحلية العُمانية. وبرنامج تحت الرماد الذي يقدمه فؤاد الخرشا خصص سلسلة من الحلقات تناولت الإصلاحات السياسية في دول الخليج العربي، وسبق له أن بث حلقتين عن السعودية وحلقة عن البحرين، لكن البرنامج صادف مشاكل تنفيذية في حلقتيه عن عُمان، إذ اعتذر في اللحظات الأخيرة جميع من وجهت إليهم الدعوة من مسؤولي الدولة وأعضاء مجلس الشورى ومجلس الدولة (اللذين يشكلان مجلس عُمان)، وهو المجلس الذي يشكل بشقيه الواجهة الديمقراطية للإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية المنشودة في عُمان. وقد سببت تلك الاعتذارات والانسحابات غير المفهومة ، كما وصفها مقدم البرنامج، إرباكا للحلقتين الخاصتين بعُمان. ففي الحلقة الأولي التي وافق علي المشاركة فيها مسؤولون حكوميون وأعضاء من مجلس الشورى ومجلس الدولة فوجئ معدو البرنامج بخلو الأستوديو الذي حُجز عبر الأقمار الاصطناعية من أحد الضيفين المقررين وهو د. أنور الرواس، عميد كلية الآداب، قبل دقائق من بدء الحلقة ليبقي الشاعر عبدالله الريامي وحيداً في الأستوديو مما اضطر المعدّين في آخر لحظة الى إشراك صحافيين وأساتذة من جامعة السلطان ارتجالاً عبر الهاتف ليستقيم مسعى البرنامج لطرح الرأي والرأي الآخر.
وفي الحلقة الثانية ازداد الأمر سوءاً، فإضافة إلى تكرار انسحابات من وعدوا بالمشاركة حيث كان من المقرر مشاركة السيدة شكور الغماري (عضو مجلس دولة) أمام الشاعر محمد الحارثي، مُنعت شركة البث عبر الأقمار الاصطناعية من استئجار الأستوديو المقرر للبث من مسقط تلافياً لتكرار الحوار الذي اعتبر محرجاً أن يُبث من أحد استوديوهات التلفزيون العماني، ولو كان مستأجراً لقناة أخري، مما حدا بقناة العالم الى استضافة الصحافي اللبناني حسان الزين، رئيس تحرير مجلة الشاهد القبرصية، في استوديوهاتها ببيروت بصفته باحثا متخصصا في الشأن العُماني(!) في مواجهة الشاعر محمد الحارثي الذي شارك عبر الهاتف من مسقط، كما شارك في نفس الحلقة الشاعر عبدالله الريامي، عبر الهاتف هذه المرة.
كان النقاش قد دار طوال الحلقتين حول مدي تحقق تجربة الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية في عُمان عبر مجلسي الدولة والشورى، وموضوعات حرية التعبير والرأي وعدم السماح بتأسيس أحزاب سياسية والوجود الأجنبي في عُمان والنظام الأساسي للدولة (وهو بمثابة دستور للدولة صدر بمرسوم سلطاني عام 1996) مشتملاً، في مثالية الصياغة، علي بنود حول حرية التعبير والرأي، الا أن تفعيلها في الواقع يقتضي انقلاباً في المنظومات السياسية والاجتماعية والثقافية، وهو ما لا يمكن أن يتم، لذا ظلت تلك التعبيرات حبراً علي ورق، وسيفاً ا إعلاميا رسمياً يُشهر علي كل من يُشكك في تردي الأوضاع، فضلاً عن جملة من المشاكل التي يعانيها المجتمع العماني كالبطالة (في دولة نفطية قليلة السكان) وتعقد الظروف المعيشية وتراجع التعليم والهجرة الى دول الجوار لتحصيل الرزق، كما كانت عليه الحال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
انتقد الكاتبان ما يُطلق عليه بـ الارتقاء المحسوب وسياسة الخطوة خطوة في المسيرة المفترضة للإصلاح السياسي علي أنها لا تتناسب والطموح الشعبي في المشاركة السياسية، ولا تمثل درجة من الشفافية والجدية المتوقعتين من المؤسسة الرسمية مقارنة بالخطوات المتسارعة في نفس المجال لدول أخري في المنطقة تعتبر السلطنة بالنسبة إليها دولة كبيرة وذات ثقل جيوسياسي وارتباط وثيق بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا صاحبتي الدعوات المتلاحقة لحث دول المنطقة علي تحسين ظروف مواطنيها الاقتصادية والاجتماعية والدفع بأدائها السياسي الى خطوات عملية تتيح درجة أكبر من المشاركة الشعبية السياسية في تسيير الشؤون العامة وإتاحة قدر معقول من الحريات للتعبير والصحافة. وفي واقع الأمر فان الكاتبين عبّرا، بمسؤولية وجرأة مدعومتين بموضوعية الحقائق التي لم يفارقها رقيّ الحوار، عما يجول في أذهان وألسنة قطاعات عريضة من المثقفين والمواطنين، تلك التي لا يمكن إعلانها بسبب من الاحتكار الرسمي لوسائل الإعلام وانعدام منابر الرأي الآخر، والتي يمكن التعرف إليها ببساطة في ما يدور من نقاشات ومطالبات سياسية واجتماعية واقتصادية في المواقع الحوارية لشبكة الانترنت، كموقع الشبكة العُمانية الشهير، التي تعتبر المتنفس الوحيد لتداول أعضائها الشؤون المحلية، والذي غالباً ما يتم تحت أسماء مستعارة، إلا أن هذا لم يمنع السلطات العُمانية من توقيف ومساءلة كُتاب تلك المواقع الالكترونية وإصدار أحكام بالسجن عليهم لمدة عام مع وقف التنفيذ والمنع من الكتابة لمدة خمس سنوات.
كان قانون المطبوعات والنشر احد الموضوعات التي طرحت للنقاش في البرنامج قد صدر عام 1984 ويشتمل علي عقوبات تصل الى سنتين سجناً وغرامة ألفي ريال (خمسة آلاف دولار)، وهو قانون يخوّل في مادته رقم 71 صفة الضبطية القضائية لموظفي الدائرة المختصة لتنفيذ أحكام القانون واثبات ما يقع من مخالفات له وللوائحه وقراراته التنفيذية . وتعتبر لجنة المطبوعات والنشر محكمة مختصة بذلك، وتتكون من وكيل وزارة الإعلام رئيساً، وأربعة مدراء عامين يمثلون وزارات الإعلام والخارجية والثقافة والشؤون الإسلامية بالإضافة الى مندوب عن المكتب السلطاني ـ أكبر الأجهزة الأمنية في البلاد ـ وتكون، حسب المادة 66 من نفس القانون، للجنة سلطة البت وفرض العقوبات المناسبة طبقاً لأحكام هذا القانون، وذلك بعد دعوة المخالف وسماع أقواله. ولا تعتبر قراراتها نافذة إلا بعد التصديق عليها من وزير الإعلام. وهو قانون أثار جدلاً مستمراً لأن طبيعته تفوض وزير الإعلام مرجعية نهائية كان من نتائجها استحالة الحصول علي ترخيص لإصدار صحيفة أو مجلة طوال عقود من الزمان. فمثل هذا الإصدار بمثابة قرار سياسي، فضلاً عن شروطه المالية التعجيزية. بالمقابل فان ظاهرة إصدار صحف عُمانية من الخارج أضحت ظاهرة، حيث توجد حالياً مجلة عُمانية تصدر من لندن. كما أن جميع الصحف والمجلات الصادرة في البلاد هي في صميم بنية الإعلام الرسمي، حتى وان كانت تصدر عن مؤسسات أهلية، فهي خاضعة للرقابة ومدعومة مالياً من وزارة الإعلام. لكن المسؤولين ما فتئوا يبشرون منذ سنوات بقانون جديد للمطبوعات والنشر يتيح مساحة أكبر لحريات التعبير ويتناسب مع المستجدات العالمية في وسائل الاتصال، لتكون المفاجأة في آب (أغسطس) الماضي صدور تعديلات جديدة علي القانون المذكور بعد مرور عشرين عاماً عليه، تلخصت في ثلاث مواد فقط منه تضمنت رفع قيمة رأسمال المؤسسات الراغبة في إصدار صحف ومجلات ووكالات إعلان، من مئة ألف ريال عُماني (250 ألف دولار) للمطبوعة الفصلية وتصل الى خمسمئة ألف ريال عماني (مليون وربع المليون دولار) للصحيفة اليومية ولم يتضمن أية تعديلات مطلقاً حول الأحكام القاسية وحريات التعبير والعمل الصحافي مما يؤكد علي عدم وجود نية في انفراج ولو بسيط لكسر الاحتكار الرسمي لوسائط الاتصال وحريات الرأي والتعبير. ولقد شهدت البلاد مؤخراً تصاعداً في أشكال التضييق علي الكتابة والمثقفين حيث يتم منع كتب أدبية من التداول لمؤلفين عُمانيين دون أي تعليل أو تبرير، وهي إصدارات في غالبيتها لنصوص حديثة في القصة القصيرة وقصيدة النثر تصدر عن دور نشر عربية في بيروت ودمشق والقاهرة. كما فرضت رقابة مسبقة لم تكن موجودة علي مواد مجلة نزوي الفصلية التي تعتبر ملتقي لأقلام عربية مرموقة. ويبلغ الأمر أحياناً محاسبة الكُتاب علي ما قد ينشرونه هنا أو هناك بالمساءلة الأمنية والتضييق عليهم في وظائفهم، كما دخلت المؤسسة الدينية علي الخط وأضحت عصا إضافية في ملاحقة الكُتاب عن بعض أعمالهم.
جدير بالذكر أن الشاعر محمد الحارثي يكتب مقالاً أسبوعياً في ملحق شرفات الثقافي بجريدة عُمان ، لكنه أوقف عن كتابة مقاله اثر قرار وزير الا علام. وقد تضامن معظم الكتاب العمانيين الذين ينشرون في نفس الملحق الثقافي مع محمد الحارثي بالتوقف عن النشر لمدة ثلاثة أسابيع. ورغم أن الشاعر عبدالله الريامي لا يكتب في الصحافة المحلية إلا أنه يتم بث ونشر مواد ثقافية وقصائد مسجلة له في وسائل الإعلام محلية تم إيقافها، كما أن مقدمي ومعدي البرامج الذين رغبوا، بمناسبة شهر رمضان، في تقديم حلقات خاصة حول الثقافة والشعر واتصلوا بالكاتبين للمشاركة في تلك البرامج منعوا من استضافة الشاعرين وتم تذكيرهم بقرار وزير الإعلام.
القدس العربي
2004/10/27