في خبر من يومين ان حلمي سالم الشاعر المصري أصيب بجلطة دماغية شلت جنبه الأيمن، لا زلنا نأمل في خبر يفيد بأن حال حلمي تحسنت. لا زلنا نأمل في ان يأتي العفو سريعا كما أتت الضربة. سقط السيف على الشاعر وهو الذي بقي في انتظاره الى الآن. إننا نتحسس رؤوسنا. نعلم ان القدر جاثم على نواصينا وان العمر لا ينقضي في انتظار القصيدة بل أيضا في انتظار القدر. ربما هو شبح القصيدة، وروح القصيدة يخرج مطرودا او طاردا، ربما هو الكلام الذي تزحزح عنه الحجر يفر مولولا. أصيب جنب حلمي الأيمن، أرجو ان تكون بسمته نجت وصوته الأغنّ قليلا كما يقول ابن الرومي نجا، أرجو ان لا سيف سقط على حساسية المرء او لطفه. لا سيف يقدر على ان يجرح الرقة المجروحة أصلا، لم يخطر لي، وكيف يمكن ان يخطر أمر كهذا، ان تعبر الصاعقة بين جنبي الشاعر. أهي نبوءة صعقت رأسه. أهي كلمة محرمة جعلته ملعونا في نهاية الأمر. كما يجدر بالشاعر ان يكون، كما يجدر بالإنسان ان يكون.
لطالما بدا ان حلمي كائن شعري. انه بسمة ورقة واستجابة، لا شيء من العنف في طبع هذا الرجل الذي كله لين وكله لطف، كيف استطاع كل هذا العنف ان يقع على كاهله، كيف قدرت الصعقة على ان تجد فيه مكسرا او منفذا، اهو غليان الروح وعنف الرؤى ولعنة الداخل، كتب حلمي سالم كثيرا. لا اعرف عدد دواوينه لكني اعرف انه كان عاصفة أوراق إذا تذكرنا عنوان ماركيز. لم يكن يمشي في الشعر بل يهرول. لا يكمل بل يبدأ من الأساس، في ذلك زحزحة أحجار وكسر ارض وبداية تقدح كضربة المعول. في ذلك أيضا قدر من مصارعة وقسوة. أيكون هذا الشعر نفد الى جسد حلمي سالم أتكون عاصفة الأوراق دارت هذه المرة في عظم جمجمته وجنبه الأيمن.
سيكونون كثيرين هؤلاء الأصدقاء الذين يسهرون ويصلون لشفاء حلمي سالم، لكن أحدا لن يتلقى الضربة عنه، سيكون وحيدا بالتأكيد مع قصيدته، ستتعذب القصيدة معه وستتعذب أكثر لأنها لا تقدر على ان تحامي عنه. فقط اسمع القصيدة يا حلمي. العالم يحدثك عبرها. انها أيضا صوت في يدك التي لا تتحرك في عظم جمجمتك المصعوقة. لقد زحزحت أحجارا كثيرة، تذكر، تحتاج الآن الى ان تفعل ذلك. تحتاج الى ان تبدأ من الأساس، من منابت الأصابع، من عظم الساعد، عليك ان تضع كل قدرتك. انها لحظة لا يكفي فيها ان تبتسم لكن الرقة قوة. حرك تلك القوة العظيمة لرقتك وستنجح. ستجترح شيئا لأصابعك الجامدة، ستجترح صورة اخرى، ستصرخ من عظم جمجمتك من سلاميات أصابعك. احمد يا حلمي القصيدة تصل. انها تجري في أصابعك، القصيدة تصل انها تجري في جنبك الأيمن.
السفير - 3 نوفمبر 2004