لندن (وكالة لمغرب العربي للأنباء): اهتز مسرح "الملكة اليزابيث" الشهير بلندن أمس الأربعاء على نغمات الأغنية المغربية بمناسبة احتضانه لحفل غنائي أحيته المجموعة الأسطورية (ناس الغيوان) التي تقوم حاليا بجولة بالمملكة المتحدة. وقد تنقل المئات من المواطنين المغاربة والعرب الشباب والأطفال المقيمين ببريطانيا إلى وسط لندن متحدين البرد القارس الذي تعرفه العاصمة البريطانية ، من أجل حضور هذه الأمسية الرمضانية المتميزة بألوانها والتي نشطتها هذه المجموعة التي مازالت موسيقاها تحافظ على حيويتها وأصالتها رغم الفراغ الذي تركه رحيل العربي باطما سنة 1997 كاتب كلمات أغانياتها . وقال أحمد وهو شاب مغربي في ال32 من عمره يقيم بمدينة بريغتون (جنوب انجلترا) إن "هذا الحدث الفني جدير بالتنقل " لقضاء أمسية لربط الصلة مجددا مع الوطن الأم. ويرى أحمد أن موسيقى ناس الغيوان التي تعد المجموعة المفضلة في الموسيقى الشعبية ليس فقط بالمغرب وإنما بالعالم العربي ، لايمكن نسيانها بسهولة. وما إن وطأت أقدام أعضاء مجموعة ناس الغيوان خشبة المسرح الذي استضاف فنانون كبار كعبد الهادي بلخياط ، حتى اهتزت جنبات المسرح بهتافات الجماهير الغفيرة التي رددت مقاطع من أغاني هذه المجموعة التي ترسخت في ذاكرة المغاربة ومازالت تغزو قلوب كل الأجيال.
وهكذا توالت أغنيات (الصينية) و(يا بني الإنسان) و( الحال) و(مهمومة) وهي مقطوعات تم استلهامها من المعيش اليومي للمغاربة وتحكي الحياة وتتغنى بتعاسة الإنسان ووحدته العميقة ويأسه ولكن أيضا رغبته الجامحة في العيش وتطلعه لمستقبل مشرق وأكثر سعادة . وعند تأدية كل أغنية تتعالى الزغاريد والتصفيقات الحارة التي ملأت قاعة المسرح احتفاء بموسيقى أصيلة مغربية نقلت الجمهور في سفر نحو الوطن الأم الذي ظلت جدوره مغروسة يغذيها ارتباط قوي ما فتئ يتقوى رغم البعد.
ويرى محمد نعيم وهو مغربي (40 سنة) أن موسيقى ناس الغيوان التي رافقت أجيال سنوات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تعد تراثا وطنيا يحظى بإعجاب أولئك الذين يحلمون بالحرية والعدالة . كما أن إيقاع موسيقى ناس الغيوان الشهير على غرار مجموعتي (البيتلز) أو أيضا (الرولينغ ستون) الأفريقية ، تجاوز جميع الحدود العرقية واللغوية وسحر الغربيين أنفسهم كما هو الشأن بالنسبة لباتريك وودغروف وهو فنان بريطاني في ال50 من عمره وتحت تأثير سحر الإيقاعات النابعة من الآلات الموسيقية التقليدية التي تميزت بها مجموعة ناس الغيوان طيلة مسيرتها كالسنتير والطبلة والبانجو أشار وودغروف إلى أن موسيقى ناس الغيوان تخترق الزمن والمكان لتنقل القيم الروحية للإنسانية جمعاء.
وفي معرض تفسيره سر استمرار مجموعة ناس الغيوان التي تمكنت من المحافظة على شعبيتها ونبل رسائلها ،أوضح عمر السيد، الذي ما زال يواصل رفقة علال يعلا تأطير المجموعة في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المجموعة لن تزول عن المشهد الفني المغربي لسبب واحد هو أنها تجسد ذاكرة جيل بأكمله. وأشار عمر السيد بنبرة من التفاؤل أن الخلف مضمون بقدوم كل من حميد ورشيد باطما شقيقا المرحوم العربي باطما. وقال " بفضل صوته الخفيض وإتقانه للطبلة يذكرنا رشيد باطما بالأسطورة العربي الذي يبقى وبرأي خلفه أيضا صوتا لا مثيل له ويستحيل تقليده ". وأضاف عمر السيد أن المجموعة ستواصل عملها لضمان بقاء صورة ناس الغيوان إلى الأبد والمحافظة على روحها كتراث تقليدي.
ومن المنتظر أن تحيي مجموعة ناس الغيوان، التي سبق لها أن قدمت عروضا بكل من ستايرلينغ ومانشيستر ونيوكاستل، حفلا موسيقيا غذا الجمعة ببلفاست بإيرلاندا الشمالية في إطار جولة ببريطانيا تنظمها "شبكة الموسيقى المعاصرة" (كونتومبورري ميوزيك نيتوورك). وأوضحت السيدة آن باري مديرة أعمال هذه الشبكة أن اختيار مجموعة ناس الغيوان لإحياء سهرات ببريطانيا يعود بالأساس إلى أصالة هذه المجموعة التي تبقى موسيقاها تعبيرا جليا للتراث الثقافي المغربي في أبها صوره. ورفضت السيدة باري إجراء أي مقارنة بين مجموعة ناس الغيوان ومجموعات غربية أخرى ك"رولينغ ستونز" وال"بيتلز" مشيرة إلى أن المجموعة المغربية تتميز بطابعها الخاص وتستقي جاذبيتها من آلاتها الموسيقية التقليدية.
القدس العربي
الخميس 28 أكتوبر 2004