ربّما من سخرية الأزمان وشؤم الأوطان أن يكون هذا العنوان السابق فاتحةً لكلامي، وقدرنا نحن أهل ـ بلاد العُرب ـ أن ننهب أعمارنا البائسة بين محاكم تفتيش الأميين وتحت رحمة مقصّاتهم الغبية، وبين مشيدي قصور الكذب وسارقي الأفكار وصانعي أمجاد الوهم القابعين بجلابيب النسّاك والجاهزين لأخذ دور العارفين بباطن الباطن قبل ظاهر ظاهره.
وأجد نفسي ملوم النفس وحيلتي حيلة العاجز أن أكون طوباوي الطرح إلى هذا الحد.. وكيف لا وأنا أطلق ندائي لحماية الكلام بالعسس!؟ وحيث ستتمدد الفكرة ويغدو لدينا أعمالنا الكاملة من الشرطة والأمن.. ونضيف لمجموعتنا المباركة دائرةً أخرى هي ـ فرع الأمن الكتابي ـ وهو طبعاً غير الفرع الموجود تاريخياً لدينا والذي يشاطرنا أفكارنا وأحلامنا وهفوات حبرنا والذي قلناه وما لم نقله بعد.
والفرع الجديد هو الموكل بحماية نصّك من اللَص، ويعطيك الحق بأن تقول كلامك دون أن يضيفه أحد إلى متونه، يحمي رأسك من زائر ليلٍ نوى فجّه والعبث بما احتواه..
أضحك الآن من فكرتي الغبية، بمن تستجير أيها الواهم وعلى من.. الذين تستجير بهم هم أساتذة في المصادرة والمنع، وهم غير معنيين بحمايتك ككائنٍ إنساني فكيف سيحمون أفكارك، وتلك الأفكار هي بالمحصلة سبب مشكلتك التاريخية معهم.. وربما من مصلحتهم تفعيل الفوضى والشدُّ على أيدي سارقيك المحنّاة بالآثام. ويقيني أن ثقافة اغتصاب فكرة الآخر هي أساس فلسفة معاشة ومتعوبٌ على تفعيلها وثمّة جوٌ عام خلق المناخ الملائم لتعريش هذه الظاهرة وانتشارها في ثقافتنا العربية.
لن أخوض في التفاصيل.. ولن أتكلم خارج صحافتنا السورية، المتابع لها يعثر على العديد من الفضائح، فلا غرابة أن تسمع برئيس قسم ثقافي في صحيفة سطى على نص مشهور لشاعر ومفكر عربي راحل، من أكثر أصحاب الكار تداولاً وكتبه تُرجمت إلى كل اللغات الحية.. وتكتشف القصة وتمر بسلام ويبقى صاحبنا على رأس ـ مغارته ـ مكتفياً برد الخطأ إلى عامل المطبعة المسكين الذي عبث بمواد الصفحة فكان ما كان ، علماً أن التبرير صدر بعد أن كُشفت السرقة وليس في العدد التالي ؟!
وآخر يُضَمّنْ مقاطع طويلة لآخر دون إشارات ولا أقواس وتكون غلته من جسد مقالته ويكتفي بأن يقول أن طفلته عبثت بأوراقه فاختلط جبران بحابل أفكاره ونابل دفعه النص إلى الطباعة دون مراجعة..
الشواهد كثيرة، ولستُ هنا بصدد عرضها أو تفتيق جروح مندملة على قيحٍ فاسد.
جرّني لهذا الكلام وقوفي الآن مدافعاً عن نصّي الذي انتحلهُ أغرب وأطرفُ لصٍ سمعتُ به أو قرأتُ عنه.
باختصار كان فاتحة علاقتي بالأعزاء في ـ جهة الشعر ـ هو نصٌ نثري نُشر قبل حوالي الشهر هنا بعنوان ـ أسرار ـ .. والنص هو قديم نسبياً، كنت كتبته في بداية صيف 2002 ودفعته للنشر حينها في صحيفة تشرين ـ ملحق مدارات ـ ولأن محرر الصفحة كان أبى إلاّ أن يضع لمساته عليه ـ وكالعادة طبعاً ـ فقد غيّر العنوان وأخذ من النص نفسه استشهادي بشطر المتنبي ـ لولا مخاطبتي إياك* ـ وجعله عنواناً للنص، مع حذفه جملتين هما/ جنات يجري من تحتها البكاء ـ ويسرق في غفلة عن عباد الله القبل والضحك/ !؟ ولا أدري لِمَ لمْ يحتمل مقص الأستاذ المحرر جريان البكاء من تحت الجنان وسرقة القبل ! ربما القبل حذفت لأسباب إيروتكية تخصّه، والجنان التي يجري من تحتها البكاء لدفع الشر وكفِّ البلاء ولكن حيرتي في حذفه للضحك ـ هل غدا الضحك محرماً في بلادنا ـ، وكان النشر بتاريخ 28/6/2002.
لذلك قررت إعادة نشر النص في جهات الشعر دون انتهاك، وكما خرج من رحم أوراقي.
بعد النشر الأخير اتصل بي أحد أصدقائي يعلمني أنه شاهدهُ على جهة الشعر.. وغامزاً بقناتي ومعلماً إياي أنه كان قرأهُ قبل الآن منشوراً على موقع ـ شبكة هجر الثقافية ـ وباسم الشيخ محمد العلي الحلبي الملقب بعمار بن ياسر.
بعملية بحث بسيطة على الشبكة حصلت على النص منشوراً بتاريخ 3/9/2003 و مفاجأتي بهذا الشيخ الجليل والظريف و الذي لا أدري إن كان اسمه أصدق من لقبه، بأنهُ يملك أرشيفا هائلا على الموقع المذكور يبلغ مئات المواد التي تترواح بين الشعر بأشكاله ـ من أقصى الحداثة، حتّى قفا نبكِ ـ وبين النقد والقصة والكتابة بالسياسة والدين و التاريخ ـ فقد نذر قلمه للثأر لمقاتِل الطالبيين واسترداد حقهم بالخلافة ـ موزعاً المباركات بأعياد أهل البيت فرداً فرداً ومعزياً مريديه بكل نقطة دمٍ سكبت من بني هاشم منذ قصي بن كلاب حتى دخول الإمام المهدي في ستره ـ متمترساً باسمه الصريح ولقب العظيم عمار بن ياسر، والذي تذكرت قول الإمام علي فيه يوم استشهد:/أعزز عليَّ أبا اليقظان أن أراك صريعاً مجدّلاً../ويعز الآن عليَّ أكثر إذ أراه مُنْتَحل الاسم على يد هذا الشئ المسمى شيخاً..
والطريف أنَّ الرجل كان في غاية الأمانة، فلم يزد حرفاً ولم ينقص آخر، انتحله كما نشر تماماً في صحيفة تشرين، ولأن سياق النص يقتضي بالضرورة أن يكون عنوانه أسرار، فقد أعاد شيخنا بفراسته النص إلى عنوانه الأصلي وتلك لفتة تسجل له ويشكر عليها.
وبما أن السيد الحلبي ـ وكما أسلفت ـ يملك أرشيفاً هائلاً على موقع شبكة هجر الالكترونية وبسبب ما حوى هذا الأرشيف من تنوّع فإني أدعو كل الشعراء والكتاب العرب، بأن من فقد شيئاً فليراجع مغارة السيد علي بابا الحلبي على الموقع المذكور ربما يجد ضالته ويعيد ما فقد، ولن تعدموا المتعة حيث تتطلعون على دفتر زوار الشيخ الجليل الذي يحفل بآلاف الرسائل وآلاف الردود عليها والتي يمارس فيها على مريديه سطوة عمامته، محدّثاً إياهم عن متعة الكتابة، وألق الحرف، وغبطة سكب الأفكار، غير متناسٍ وقاره وخطابه الأبوي بابنتي وابني وأخي وأختي ودعائه الدائم لهم بالتوفيق ونيل رضى الخالق وشفاعة النبي ورعاية الوصي واقتفاء أثر السبطين في طلب الحق مع التأكيد لبناته وأخواته بأن يسرن على خطى الزهراء عليها السلام ـ وقاها ووقى ريحانتيها ـ شر ذلك المشعوذ.
ورفقاً هذه صورة عن صحيفة تشرين لتبيان الصواب ودحضاًً لأي لغط يمكن أن يُثار حول الموضوع، وللإطلاع على سرقة الشيخ يمكن الوصول مباشرةً عبر العنوان التالي : http://69.57.138.175/forum/showthread.php?t=402719055
هذه قصتي مع هذا ـ اللص المعمم ـ أرسلها لتبيان ما جرى ويجري يومياً على فضاء مشهد الثقافة العربية، وأتساءل مستغرباً ومتعجباً.. أي حماقات يرتكبها هؤلاء.. وأي آثام يسطرونها،حين ضيقت شبكة الانترنت مسافات الحوار والمعرفة بين الناس وغدت الأرض كرة بين يدي الجالس أمام شاشة الحاسوب، وغدا البحث عن المعلومة وتوثيقها وردّها إلى أصلها يغبطنا عليها شيطان سليمان، ومع ذلك لا يرعوي هؤلاء ولا يتوبون، وكأنهم يكتبون لأشخاصٍ من كواكب أخرى، والمؤلم في الموضوع هو هذا الاستغباء الأعمى للقارئ والتعامل معه على أنّهُ مخلوقٌ من الدرجة العاشرة لا وظيفة له سوى بث إطراءاته والتصفيق لما يقولون. وعجبي الأخير بعد اكتشافي لهذا الموقع هو كثرة الألقاب والأسماء الحركية وانتحال الأشخاص، ربما بعضها يرد لمساحة الحرية الهزيلة في أوطاننا ولكن قلما تعثر على اسمٍ صريح لأحد رواد الموقع حتى تظن أنك أمام أشخاص غير موجودين أصلاً ؟! وختاماً عذراً للإطالة ولكن الصدر ممتلئ لآخره حنقاً لما وصلنا إليه من التردي وامتهان أي شئ يقع على وضم ضمائرنا.
يكتم اول الصيف اسراره جيداًً.. ولا يبوح الابالغبار وجريان الحب ونضوج الكرز. يكتم التلاميذ اسرارهم عند آخر حصص الحر والضجر في خشب المقاعد البالي الموسوم بالخربشات وعصي المعلمين وترتيب النعاس.. ولا يبوحون سوى بتأتآت الارتباك لجرد امتحان نهاية الاصطفاف امام علم الصباح، ورشق وجوههم بماء الحزن قبل رنين جرس السابعة والنصف.
تكتم الاذاعات اسرارها الصباحية جيداً.. يسقط القتلى مع نشرة اخبار السابعة سهواً كزلة لسان.. تنهار مدينة مأرب ويتفرق اهلها بدداً.. دونما هلال خصيب.. دونما هلال قاحل لاستقبالهم..
ثمة دبابة¬ ميركافا¬ تعدل امزجتنا ونحن نستمع بملء بلادتنا لاصوات مدافعها من برنامج ما يطلبه النائمون!
تكتم امرأة اسرارها جيداً.. مخفية انفاسها الطويلة في فضاء المشرب الصيفي النائس الضوء.. حيث تسرح شعر الشرود الطويل على الطاولة الحجرية.. ثمة رجل يقاسمها الوقت وسماع الاغنية البليدة المنسابة من جهاز التسجيل.. تسرق وعلى وضوح حواس الليل والريح والناس واصوات جنادب الصيف التي تغني وتغني في الحقول المجاورة دونما كلل اشواكه واحزانه وصقيع جسده الازلي..
تحت وابل هطول الكؤوس تبوح باسرارها جميعاً.. تنفض سلتها بين يديه دفعة واحدة بينما يداه تفعلان غفلة العباد وحمق الطمأنينة وقصائد حب شعراء الغجر الجوالين، يقف على شرفة دمعها صامتاً حيث الحقول اكثر خضرة واتساعاً امامه، وثمة فاكهه وقطوف دانية.
عن الطاولة الحجرية يلملم اشياءه وتبغه ونظارته ومفتاح دراجته النارية.. ينهضان وتنسى خلفها غفلة العباد ودموعها واصوات جنادب الصيف وما تساقط من بين اصابعها من وجل؟
يكتم المتنبي اسراره جيداً.. وهو المتمرس بهذا¬ مطمئناً لغمد سيفه المحشو بعصيان القرن الرابع للهجرة، وازاره السميك الذي يكتم بداخله لولا مخاطبتي اياك لم ترني.. يذهب بعيدا جدا في عظمة المطلوب وقلة المساعد.. ثمة رجل وعده ذات ثغر ان سينام معه على وسادة من نقع، لكن وعلى اعتبار ان النوم سلطان والسلطان شغف فقد نام الرجل وحيدا على وسادته، تاركا رأس المتنبي ساهماً على كتف الريح وعلى طيف خولة وطمي النيل وسيف فاتك.
ابى المتنبي ان يبوح باسراره وحتى آخر عجز للقصيدة، لكن جسده المسجى وحيداً على قارعة الصحراء، وعلى قارعة الكتمان، ذرته الريح.. وقيل ان منه تطاير الشعر والخيبة وطيف خولة وطمي النيل وما حشي في غمد سيفه من عصيان القرن الرابع للهجرة.
ثمة اناس بلا اسرار¬ واحسرتي عليهم¬ وثمة مدن لم تجد بعد من يصغي الى اسرارها، وثمة شوارع تضحك بملء ارصفتها واشجارها المغبرة من اسرار اقدام عابريها.. اي ترهات يكتبها الماشون وعلى مدار اللهفة في صفحات الارصفة.
الاشجار البنية التي تنصف الطريق طليت جذوعها بالكلس واوراقها بالاخضر..
ليس للخريف سلطان عليها، كما ان ليس للموت سلطان على الاجساد المحنطة..
ربما نسي عامل الطلاء الصامت تلوين الثمار.. تأخذ الريح بيد الغبار سريعا لتعيد لهذه الخضرة الواهنة لونها الحقيقي.. يعرف عامل الطلاء جيدا ان اشجاره وطلاءه وصمته وحتى سيجارته العالقة ابدا ببقايا فمه ستكسى كلها بعد قليل بالرماد.
لجثث الكلمات اسرار ذات فوحان، وحدها الجريدة تتكفل بخلط الروائح كل صباح، وعلى العموم تقرأ الصحف بأنوف مزكومة، وهكذا تعبر الكلمات دون ان تجرح ذواكرنا بأي اثر تتركه.. السكين صدئة ومثلومة الحد.. تطعن الفراغ والورق والذاكرة عابثاً، فلا دم يسيل ولا حبر، وليس ثمة ندب لهذه الجراح المندملة.
آخر النهار يلوح الجميع مودعين.. فرحاً تكون بما غنمت من اسرارهم.. فرحون هم لأوزارهم التي تركوها بين يديك؟
صحيفة تشرين - مدارات -السبت 28 حزيران 2002
سلميه
Wanous123@hotmail.com