( 1 )
ما ينهار، لا ننهار معه
نتركه لانهياره، نعمل لكي لا يكف عن ذلك
وطن عربي من الماء إلى الماء، كابرت أنظمته ومنظوماته ومنظماته وهي تقبل الأوهام التي تكرست باعتبارها أحلاما. كابرت، ممعنة في فعل النكوص بوهم النهضة، فيما يتشظى الإنسان، مشحوذة على عظامه شتى أنواع الأسلحة، من صلافة الاعلام حتى جنون القذيفة.
ومن الماء إلى الماء، ينتخبون له الشراك ويمنحونه الذهاب إلى الغيبوبة بمنطق الآلة الجهنمية و وحشية الغابة، وليس له أن ينتخب خبزا أو حقيقة أو نوماً مفعما بالأحلام. وطن في الخوف. كيف يعتبر الإنسان حياً وهو في الخوف؟
خوف من كل شيء، من كل جهة. لم تمنحه المنظومات الأمان ولم تسعفه المنظمات لكي يقوى على المقاومة. على العكس، صارت هذه المنظمات حزام أمن أحسنت المنظومات استغلالها. وبعد تاريخ طويل من نضال الهزائم لم يزل الحال على (أسوأ) ما هو عليه، و تسنى للعدو (هنا وهناك و هنالك) أن يتفوق وينتصر، ويطرح الصوت العالي من أجل المقايضات المهينة الموغلة في الإذلال، وصار لنا أن نرى الجلوس إلى العدو ومساومته أكثر إمكانية من مصالحة الصديق ومعانقة الشقيق.
وفي هذا المشهد اختزال مفجع لحقيقة اعتقدنا (العمر كله) أنها لن تحدث أبدأ، و في هذا المشهد تكمن الهزيمة الحضارية الحقيقية، وهي هزيمة تتجاوز كل الهزائم. لكنه الانهيار التاريخي الذي يهيئ الآن لانهيار الجغرافيا العربية الشامل، وليس لنا إلا أن نستعيد الدروس الكثيرة الهائلة التي لم نتعلم منها درساً واحداً، أعني لم تتح لنا حرية أن نتعلم منها.
أما الذين ظلوا يكرزون لنا بشتى المواعظ طوال تاريخنا الحديث، فقد أخذوا يعيدون لنا الدرس بالمقلوب، ويمارسون محوا منظماً للذاكرة العربية كما لو أنهم يعدون لنا الحظائر (مكيفة الهواء) مثل أكثر الحيوانات همجية وانحطاطا.
( 2 )
وما ينهار، لا ننهار معه
ففي هذا الانهيار دليل على أن الثقافة و الإبداع لا ينهاران عندما تنهار السياسة
وطن لا تتاح له حرية انتخاب الحقيقة، يصاب بحرية النحيب
وطن فشل في حماية الإنسان يقصر الإنسان عن حمايته
وطن لا يحتمل المديح و لا الهجاء، هو بحاجة ماسة للحب
وطن هو المبتدأ و الخبر، آن له أن يصير جديراً بالاسم والفعل .
من مقدمة مجلة "كلمات" - عدد17
1994